شيعة وسنّة وعراق واحد

وأدعياء تمثيلهما في أشلاء فرق عراق ممزق!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  08 \ 08

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

يتنطَّع اليوم على صفحات المقروء ومن وراء مايكريفونات الفضائيات الباذخة "بعضُهُم" بمسميات من نمط حركة كذا "الشيعية" وكيت "السنّية" وكثرما نرى "مجالس عليا" تدعي شيعيتها العراقية وهكذا دواليك, حتى تصدعت رؤوسنا من كثرة العناوين فكيف بنا وقراءة التفاصيل!

تلك التفاصيل التي صار المخططون الستراتيجيون القابعون خلف كواليس جديد الصراعات التي تستهدف عراقنا بشيعته وسنته وكل أطيافه, يعملون على تمرير ما يُرسَم لنا من خلف الحدود.. فهذا الدعي متخصص بمتابعة كل مقالة لوطني عراقي وذاك لإرسال الدعايات والإعلانات لأفلام دول الجوار وجبهة الحوار وهلم جرا...

اليوم وددت الإشارة لما تبيّنته عن طريق المصادفة من تخصص "بعض أو بضع أقلام" بالتحديد وهي تنبري لمهاجمة كتّابنا العراقيين الوطنيين الذين سخـَّروا كل جهودهم دفاعا عن الوحدة الوطنية ومعالجة لمشكلات بلادنا.. والسؤال ما بال هؤلاء يتفرغون لمثل هكذا اعتداءات سافرة ولا نجد لهم غير ذلك أي جهد؟! 

سنمضي في تناول موضوعنا ونحن نشير إلى أدعياء كُثـُر يتحدثون عن تمثيلهم الشيعة العراقية وليست جنسيتهم فقط ليست عراقية حيث في الغالب ينتمون إلى الجارة إيران ولكن الهوى والفكر ومنطق معالجة الأمور بل تقديم الأولويات حيث يعلو اسم طيف بعينه من إيران بمعنى كونهم لا يمثلون حتى شعوب إيران وتطلعاتها.. حيث معروف أهداف الشعوب عادة ما تكون أهداف سلام وتعايش وتعاضد وتعاون..

إذن عمّاذا يدافعون بمهاجمتهم عراق الوحدة الوطنية؟ ومن ورائه جنده من مثقفين وعلماء وأساتذة ومفكرين؟ في الحقيقة ليس من تفسير غير مصالح تقع بالضد من مصالح الشعبين الجارين بأطيافهما القومية والدينية والمذهبية والعرقية..إذ هوى هؤلاء لا يرتاح إلا حيث الحروب مشتعلة وحيث الاصطدامات مستمرة وحيث الشرخ بين الطرفين كبير حتى يجدوا فرصتهم في العبث بمصائر كل الأطراف.. إنَّ هؤلاء من جماعة سادية التلذذ بخراب الآخر..

من مرضى ومن متخلفين ومن ساسة رجعيين وأصحاب غايات تستبيح كل حرمة لشعوبنا المتحابـّة. وطبعا تستبيح وحدتنا الوطنية.. كيف؟؟ إنَّهم يضربون على أوتار الاختلاف وإنْ لم يجدوه فيتمّ تصنيعه واختلاقه في ضوء تأويلات مفتعلة يمكن للمتبحِّر أنْ يكتشف ضيق الأفق فيها ورخص ما تقدمه.

إنَّ مشكلتنا ليست مع هؤلاء ولكنَّ الأمر لا يخلو من تشويش وما يتبعه من اختلاط الأوراق ومن مزيد يرهق جمهور العامة من جهة الضغط النفسي عليهم ومن تحويل الأنظار إلى ملفات مؤذية مثيرة لكل أحقاد كادت تُنسى وهي في الأصل لم تكن من يد أبناء شعبنا بكل طوائفه فلا توجد شعوب مجرمة ومرتكبة للخطيئة ولا طوائف معتدية ولكن توجد شخوص دخيلة مدعية مثيرة عبر أمراضها النفسية والاجتماعية لمشكلات لا وجود لها في تركيبة الجمهور عامة..

وعلى أية حال إنها فرصة لكشف تلك الأنفس الخارجة ووضعها على مشرحة قراءة وعي الشعب وإرادته.. هنا هذه دعوة لتجنب عوامل الإثارة التي يفتعلونها وبالتحديد كلمات الشتم وأسلوب قذع في التناول وما يطلقون عليه حوار أو مناقشة ولكنهم يهبطون بكل القيم ويخرجون عن طريق السواء..

على أية حال, لنلاحظ مثلا قراءة ترى في تصريحات المسؤولين العراقيين بخاصة من ينظرون إلى كونهم من الآخر السنّي, كونها طائفية لا تتضمن إلا حقدا طائفيا على "عمامهم" أو أسياد الكتبة المعميين" ودوافعه ليست سوى طائفية .. وتحليل المسألة باستمرار مع هذه القراءة المريضة أو الموبوءة كونها تدق على أجراس الطائفية وتفكر بها وتعتاش منها وعليها.. وأمثلتنا الجديدة في الأمر تصريحات وزير الدفاع , تصريحات رئيس الدولة , تصريحات أي شخصية وطنية أو كاتب عراقي وطني يفترضون فيه كونه الآخر المعادي في جميع الأحوال!!!

إنَّ أصحابنا هؤلاء يصبحون وينامون على رنين الطائفية المريضة وهذا الهوس المرضي العليل لا ينتهي إلا بمزيد من صلابة وحدتنا وصبرنا وبدقيق الحرص وإهمال أصوات تحاول اختراقنا من زاوية مشاعرنا وعواطف مكونات شعبنا البريئة النزيهة النظيفة..

في الحقيقة إنَّ ما نريد تثبيته هنا هو إنَّ الدفاع عن مكوِّن من مكونات شعبنا لا يتمَّ عبر هذه المعزوفة المريضة فعراقنا ليس أشلاء ولا فرقا ومزقا كما يحلمون ويخطط بعضهم لهذا.. وعراقنا ليس بحاجة لأقلام الشتيمة والخسران والمهاترات.. ففي ظروفه القائمة نحن جميعا بحاجة للتهدئة والموضوعية..

إنَّ موضوع الشيعة ومطالبهم ما عاد اليوم بحاجة للدفاع عنه بالكيفية التي كانت مع الدكتاتور ومواصلة مشوار العداء مع كل الأطراف والتحرّز من أي طرف يتحدث عن مطالب العراقيين عامة على أساس تخوينه شيعيا وعلى أنه عدو سني .. وليس الأمر كذلك فالحديث اليوم ينبغي أن يكون باسم العراقيين سويا ولا يوجد سني يطالب لنفسه بحصة فهو لا يحيا في غيتو طائفي يحاصر عقله مريضا مهووسا بطائفية مغلقة ولن يكون وهكذا لا يوجد شيعي يدافع عن شيعية طائفية مغلقة بل كل من السنّي والشيعي يدافعان عن وجودهما العراقي أولا وآخرا وليس لهما أن يفترقا وهما يؤمنان بعمق روحي بوحدتهما ووجودهما الإنساني المشترك بعيدا عن أية اختلافات مفتعلة ..

إنَّ كل تحليل ينتمي إلى الطائفية المغلقة المنفصلة الانعزالية لا يكون إلا عدوا للشعب بطوائفه وهو بالتحديد ضد الشيعة التي ظُلِمت طويلا وهي ستكون مظلومة بعزلها عن محيطها الذي تعيش فيه وهي ستكون مظلومة بعزلة مُختَلـَقة مفتعلة.. وبرفضنا هكذا تحليلات مرضية سنعزل العازفين على وتر الانعزالية والانفصالية بدلا من عزل قوى شعبنا عن بعضهم وتمزيق وحدتنا الراسخة..

إنَّ الوجود المتحضر للمجتمع العراقي ليس ابن اليوم أو الأمس القريب وبناء عليه فهو أعلى من الرجوع إلى مجاهل مجتمع التخلف والطائفية أو تمزيقنا إلى دويلات الطوائف التي خسرت في أقوى زمن لوجودها فكيف ستكون على عهدنا؟ ستكون بالتأكيد طامة كبرى ووصمة عار في حياتنا عمليات اجترار الطائفية بأمراضها وشعبنا يتطلع لإعادة إعمار الحياة لا استدعاء أردية الماضي والماضوية..

إنَّ كل برامج العمل الطائفي التي لا تستند إلى أرضية وطنية رحبة أو على الأقل دينية واسعة متفتحة ومغادِرة للعزلة وتمزيق وحدتنا هي برامج معادية حتى للطرف الذي تدعي الدفاع عنه وكالعادة سيكون التباكي على الشيعة أمرا غير مفيد[المقصود أصحاب تدبيج مقالات ادعاء الدفاع عن الطائفة] لأن التباكي ليس إلا استغلال متخلف لشروط زمن المظالم وظروفا وأحوال يلعبون بها بوصفها قناعا وليس ما يفعلون هدفا موضوعيا يمكن التعويل عليه..

باختزال سيكون من دواعي انتصار شعبنا وأولهم شيعتنا العراقية الحريصة على وحدتنا الوطنية أنْ تسكت أصوات الادعاء وتغادر الميدان ليعمل أبناء شعبنا على خياراتهم الجديدة لعراق تعددي تداولي فديرالي يضم كل أطياف شعبنا بكامل حقوقهم ومن دون تمييز بين طرف وآخر وتقدم لطرف على آخر..

أما العراق فهو ليس غنيمة حرب لأهله, يتنازعون فيه ويمزقونه أشلاء بينهم بل العراق عند جميعنا ـ بلا مسميات انعزالية ـ هو القلب لا يُمزَّق وهو بيتنا الذي لا يُهدَّم ليتقاسمه المرضى بملكية شيئية.  العراق وجودنا الروحي وعقلنا وصميم مستقبلنا سويا ومعا ومن غير اعتداء على فرد فينا فكيف على طائفة؟ لا اعتداء على وجود عراقي صميم في عراقنا التعددي الجديد.. نحن سويا نكتب ميثاق عيشنا الدستور وسويا نطبقه ونحيا في ظل عدالته التي تشمل الجميع...

إنها دعوة لأبناء شعبنا للحكم على كل الأصوات التي تضرب في وحدته لتمزيقه بكونها أصوات انعزالية لا تُسمع ولا تُمنح فرصة الفعل التخريبي.. لأننا نحن الكتّاب لا نصادر ولا نصدر الأحكام بل نضع بين أيدي أبناء شعبنا الأمور وهو الذي يحكم فننفِّذ وتلك هي وسائلنا الديموقراطية التي تنمو فينا وعبرنا للآخر وعلنا نتخلص من أشواك المرض وآلامه..

وسيظل في إطار هذه الدعوة ما يشير لإعلامنا ألا يقبل نشر الشتائم وحضيض الكلام وما يخرج عن اللياقة والموضوعية والفردنة وما إليها.. وأن ننتبه على ما ينشر بصدد ضربنا في الصميم حيث يُضرب أبناء شعبنا ... وحيثما ضُرب أهلنا من الشيعة بزعم تمثيلهم ممن يريد لهم التمزق والهلاك بأفكار الطائفية المسمومة الانعزالية لابد أن ندافع عنهم كونهم أهلنا العراقيين الذين يبقون على عراقيتهم الصميم وأن من يكتب باسمهم ضدنا وضدهم هو مجرد خارج عن السرب من شذاذ الآفاق أو المرضى أو في أحسن الأحوال مخطئ بحاجة لنصح..

وسنظل معا في عراقنا أولا لأهلنا من كل العراقيين وهم جميعا وكافة شيعة العراق ولأهلنا العراقيين جميعا وهم يسيرون على سنّة عراق ديموقراطي تعددي فديرالي موحد.. ولن يكون الدفاع عن الشيعة سويا ما لم يكن دفاعا عن عراقيتهم وعن أخوتهم في الدين والوطن ولن يكون الدفاع صادقا عن سنّة العراق مالم يسبقه ويكون معه وفيه دفاع عن شيعته وعن كل أطياف عراقنا.. وطبعا بشكل أشمل وأوضح كل العراقيين من مسيحيين وصابئة وأيزيديين ومسلمين هم وحدة واحدة ولا سيادة لعراقنا جميعا بلا وحدتنا وتساوينا كافة..

خاص بجريدة الأخبار العراقية