حول الانتخابات وضمانات أنْ تجري آمنة نزيهة حرة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  09 \ 30

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

من المؤمَّل أنْ تجري الانتخابات العراقية العامة في مطلع العام القابل. ومن المؤمَّل أنْ تُجرى في أجواء الحريات التي حُرِم منها العراقيون طويلا؛ زمن لا صوت ولا اسم ولا قرار إلا للطاغية الفرد. ولكن ما يجري اليوم هو تصعيد من حجم نزيف الدم والاندفاع بعيدا في غلواء الجريمة التي لا تستهدف أكثر من شعبنا المسالِم وحيوات أبنائه..

ما يجري هو مزيد من الإيغال في توسيع رقعة جرائم الاغتيالات بالسيارات المفخخة وبغيرها؛ ولكنَّنا في الحقيقة ندرك أنَّه كلما تقدمنا في طريق صنع الديموقراطية  في عراق العهد الجديد, عراق الحياة الحرة الكريمة, ازداد استشراس القوى المأجورة لجهات إقلمية لها مصالحها الخاصة في نقل مسلسل تصفية الحسابات إلى الأرض العراقية..

ونحن ندرك كذلك أنَّنا نقترب من تصفية بؤر الإرهاب الناشطة في مسلسل الجريمة وتطهير بلادنا من عناصر هي بقايا نظام القمع والطغيان وهي أبضا قوى دخيلة جاءت من خلف حدودنا التي باتت ردحا مفتوحة على مصاريعها بسبب من دعم مقصود من دول جوار بعينها.. فضلا عن ظروف انهيار مؤسسات الدولة العراقية وتداخلاتها المعقدة...

ولأنَّ الصراع القائم في بلادنا على دمويته وما يثيره من خراب ورعب ودمار, هو صراع مفتعل مصنوع بأيادِ ِ أجنبية وهو لا يستند إلى أرضية  وطنية كما يزعمون ويحاولون إيهام الناس بمسميات زائفة عن "المقاومة الوطنية" فهو صراع منتهِ ِ زائل غير بعيد من الزمن...

بخاصة وشعبنا ما عاد له من صبر على ما يجري بحقه من تقتيل وتخريب.. فنظرة عجلى تكفي لمشاهدة أنَّ المقتل الحقيقي والمستهدف الأساس هو ابناء شعبنا من أبسط إنسان وأفقره وحتى علماء البلاد ومفكريه وساسته.. والمستهدف هو البنى الاقتصادية التي تخدم الإنسان؛ فضرب مشاريع الماء والكهرباء وحتى المستشفيات والمدارس بل بيوت الناس التي تأويهم وتحميهم فلم يعد العراقي بكامل وجوده بآمن على ذياك الوجود ...

ولكن بالضد من كل اندفاع عصابات الجريمة ومافيات الاغتيالات والاختطافات يقف العراقيون في حالة من التصميم على إجراء الانتخابات والتقدم في طريق تعزيز بناء مؤسسات دولتهم التي يؤسسونها لأول مرة بحرية من قمع الطغاة وسلطانهم. ومن هنا كان التوجه إلى تلك الانتخابات بإعداد كافِ ِ أمرا مهما من مسؤولية كل قوى شعبنا الحية أنْ تنهض بتحقيق مفرداته الساس...

ولكن النية بإجراء الانتخابات وحدها لا تكفي كما إنَّ اتخاذ قرار تحقيق الفعل لا يرقى إلى إنجازه إنْ لم يرافقه عمل دائب وجدي من أجل التهيئة له على صُعُد متنوعة متعددة. ومن الأمور المهمة التحول النوعي في النهوض بالمهمة الأمنية وكشف الجريمة... حيث نحن بحاجة لمشاركة فاعلة من القوى الحزبية ومن التنظيمات الوطنية بطريقة لا تترك الفعل الرئيس خارج إطار الأجهزة المختصة للدولة, ولكن تنسق مع تلك الأجهزة بما يدعمها بقوة في الحرب على الإرهاب الذي يعيث في شوارعنا فسادا...

إذن لكي تجرى الانتخابات آمنة وهو أمر منتظر لابد من خطة جدية جديدة  للحكومة ترتقي بمهماتها إلى أوضاع نوعية من جهة عمليات التسلح ومفاجأة العدو في أوكار جريمته ومقارعته قبل أنْ يحقق أهداف جريمته بمحاصرته في زوايا تنهي محاولاته المستميتة وهي محاولات أخيرة قبيل نهايته الأكيدة..

ومن الطبيعي فالحكومة بحاجة إلى تعزيز مهامها بتثقيف ووعي واسع من الأطر الشعبية وهو ما ينتظر من مثقفينا وإعلاميينا ولعل الارتقاء بإعلامنا الوطني الخاص هو من مهامنا ونحن بحاجة لتحديد نحاور يتم التركيز على معالجتها وتكثيف البحوث فيها وتعزيز أنشطة الفضائيات ومحطات الإذاعة والصحف المحلية بما يمنحنا فرص دقة الحركة..

كما إنَّ الحكومة بحاجة لدعم القوى الشعبية من الأهالي بتكوين جماعات الحماية في كل شارع وحي وضاحية وفي كل مدينة وقرية وفي كل قصبة وفي أنحاء مواطن العشيرة وأماكن عيشها ومنع استقبال الغرباء المحملين بأكياس متفجرات الموت التي لا يؤون بعدها حياة لا لهم ولا لأطفالهم ..

لابد من قطع الطريق على مجرمي الموت الأسود القادمين من وراء الحدود وهو أمر غير صعب على أبناء الرافدين وهم يحمون أنفسهم من متفجرات الموت المخبَّأة تحت ملابس الانتحاريين المندسين وفي حقائب أسفارهم.. أما أمر الخطط الخاصة بالدولة أما أمر أجهزة الأحزاب والحركات والتنظيمات فهي مما تتطلب التطوير والبحث العلمي الرصين والتدريب الكافي والتجهيز الكافي..

على أنَّ أمرا آخر ينبغي اتخاذه, فالحكومة مسؤولة أولى عن الأمن وعليها أنْ تكشف أوراق الجريمة وتعمل بشفافية مع الشعب .. وأنْ يتم وقف عمل أي حزب يثبت مشاركته أو تواطؤه أو تسهيله لمهمة مجرم مسؤول عن واحدة من جرائم الاختطاف أو الاغتيال ..

وفي هذا الإطار لابد من القول بحسم أمر الاتهامات التي طاولت عددا من الجهات الحزبية والتنظيمات الموجودة في الميدان ولابد من تقديم كل متهم إلى العدالة وإعلان النتائج في التحقيقات الأولية وفي المحاكمة النهائية.. لأنَّ من منطق الأمور أنْ نخضع جميعا للقانون وسلطانه وأن نتوافق على العمل المؤسساتي وعلى سلطة الدولة وتعزيز هيبتها وإعلاء اسمها لأنَّ أمر سيادتنا ليس في مقارعة وجود قوات تساعد على حفظ الأمن بل في تنسيق الأمور بما يخدم المحافظة على حياة العراقي وأمنه أولا وهنا تعلو وتسمو سيادتنا حيث يحيا العراقي آمنا مطمئناَ َ...

في ظل توفير الأمن والاطمئنان وفي ظل أجواء الحريات العامة والحفاظ على حقوق الإنسان؛ فقط هنا يمكن القول بوجود مسيرة لانتخابات آمنة ونزيهة لأنَّ نزاهة الانتخابات لا يمكن توفيرها وهناك سيف مسلط على رقاب الناخبين ولأنَّ النزاهة لا يمكن توفيرها وضغوط الحياة بخاصة تحت سلطة العنف والدم والتقتيل والإرهاب بأنواعه...

فالإرهاب القائم على سلطة الدم والقتل ليس وحده هو الإرهاب الذي يحاول التسلط على الناس بل هو أداة بيد الإرهاب العقيدي الفكري حيث سلطة التكفير والتحريم سلطة مصادرة رأي الإنسان وحرياته الأساس في اتخاذ عقيدة بعينها وفي تفسير ما يعتقد به على وفق رؤاه الخاصة من دون تدخل يجبره على تغيير ما يعتقد به تحت ضغط الإكراه وإرهابه...

فإذا تخلصنا من مثل هكذا إرهاب كانت انتخاباتنا نزيهة حرة.. وبعد,  فلابد من توافقات مسؤولة بصدد الخطى القادمة باتجاه إجراء الانتخابات تشترك فيها القوى الوطنية التي تضع نفسها وبرامجها وتوجهاتها في خدمة العراقي وفي خضوع تام للقانون وليس في وضع وجودها فوق القانون.. فلا قوة فوق القانون مهما كانت المبررات ولا وجود لاستثناءات بأي حال من الأحوال.

إنَّ المهمة منذ اليوم هي في قراءة أفضل الوسائل الناجعة لتحقيق الانتخابات الحرة النزيهة في أفضل أجواء آمنة مستقرة.. وتلك قضية حيوية تتطلب أول ما تتطلب تعاونا وطيدا مع الحكومة المؤقتة وتقديم كل الدعم لمؤسساتها وسيكون من ضمن ذلك تبادل الرؤى النقدية البنَّاءة معها وتقديم عون البحث والتقصي من مفكرينا وساستنا ومثقفسنا بما يرتقي بالعملية إلى أفضل صورة مشرقة..

ولنتذكر جميعا بأنَّ المصالح الآنية لفئة لن تنتعش أكثر من اللحظة الراهنة وسرعان ما تؤول إلى خراب حيثما تركنا العراق في أزمته وعلينا أن نتفاعل لمنع غرق سفينتنا ولنبحر بأمان نحو شاطئ عهدنا الجديد عهد العراق الديموقراطي التعددي الفديرالي الذي يتسع للجميع على قدم المساواة ...

خاص بالبرلمان العراقيwww.irqparliament.com