اتهامات وشتائم وحالات تخوين الآخر وتجريمه؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  10 \ 30

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

تتصاعد هذه الأيام حملات ملأى بالشتيمة والاتهامات لعدد من الشخصيات الوطنية العراقية ومن كتّابنا ومثقفينا وأعلامنا المعروفين؛ في محاولة ممن يقف وراء تلك الحملات للحطِّ من شأن الشخصية العراقية ومن ثمَّ لتحقيق بعض الأهداف التي تخدم محاولات قطع الصلة بين مثقفينا وشخصياتنا وجمهورهم العريض ولتشويه السمعة لأغراض نفعية بعضها شخصي الأبعاد مرَضي النهج وبعضها سياسي المستهدفات بعيد الآثار...

ولم تكن الشخصية الوطنية العراقية \ الفرد هي المقصودة في تلك الحملات حسب بل لم يسلم منها جهة وطنية أو فئة أو طائفة أو حتى  قومية من مكوِّنات شعبنا العراقي.... فراحت عملية الشتم والاتهام تتداعى حتى صارت أرضية [خصبة] لا لخلق المشكلات الفردية بل لاختلاق أرضية تخوين كامل فئة أو جهة أو قومية في محاولة إيقاع خطيرة بين مكوّنات شعبنا...

ومن تلك الاتهامات الرخيصة نفي وطنية الشخصية العراقية أو الطائفة أو القومية.. فهذا يكيل للشيعة خيانتهم وطنهم العراق وتبعيتهم لإيران وذاك ينفي وطنية الكرد وخيانتهم وطنهم العراق وعلاقاتهم مع أعدائه ومنهم إسرائيل وغيرها.. وغيرهما يكيل التهم للمسيحيين والتركمان وعلى التوالي كل ما يمكن أنْ يخطر على بال مريض ويسبب إطلاقه ما يُراد من تشتيت وتفتيت وإضعاف في الوحدة الوطنية العراقية وفي مصداقية ابناء شعبنا جميعا ووطنيتهم واعتزازهم بهويتهم العراقية السومرية...

وفي الحقيقة فإنَّ الرد على تلك التهم لا ينطلق من نزعة تعالِ ِ على الشعوب والديانات والمذاهب والتيارات الفكرية والسياسية وحتى الدول التي يُشار إليها في سياق التهم والشتائم المعنية.. فنحن نعتزّ بجيرتنا مع الترك والفرس فهما قوميتان لهما وجودهما التاريخي الإنساني وقيمهما وهويتهما المشرِّفة, ونحن نتشرف بجيرة إيران وتركيا وبشعوبهما ونحترم ما عندهما من ديانات ومذاهب وطوائف وقوميات..

وفي الوقت الذي يرفض الشيعي العراقي تهمة كونه فارسي أو إيراني أو مرجعيتهما المذهبية له فإنَّه لا يقصد برفض التهمة الاستهانة بأحد وهو يتشرف بالعلاقات الطبيعية الإنسانية تلك ولكنَّه يرفض تهمة وضعه على خانة الجيران من جهة اعتزازه بوطنيته وهويته العراقيتين..

ومثله الكردي من كردستان الجنوبية, من كردستان العراق لايرفض تهمة علاقاته مع الآخرين من خارج الوطن العراقي لأنَّه يستهين بستراتيجية علاقاته بأبناء أمته الكردية من بقية أجزاء كردستان ولا كل العلاقات التي ربطت الكرد بأمم وشعوب ودول أخرى؛ والكردي وفي العهد تجاه علاقاته, ولكنَّ الكردي العراقي يريد بدفعه التهمة الموجَّهة إليه توكيد اعتزازه بوطنيته وهويته العراقيتين. ومثل شيعة العراق وكرد العراق يقف كل العراقيين الذين توجَّه إليهم هذه التهمة أو تلك الخيانة ومن ثمَّ هذه الشتيمة الرخيصة أو تلك, ليتصدوا للهجمات الهوجاء التشويهية ويؤكدوا عراقيتهم الممتدة جذورها عبر آلاف السنين من الوجود الحضاري والوطني العراقي..

إنَّنا نحن العراقيين نظل على ثبات الجذور بوصفها هوية وطنية إنسانية   ورسوخ تلك الهوية ومعدنها الشامخ في وجودنا الإنساني.. من هنا فقط تأتي مسألة الدفاع عن شخصياتنا الوطنية العراقية التي تتعرض للتهم من جهة وللشتائم الرخيصة من جهة أخرى..

فعلى صعيد أية تهمة, أو أية حالة تخوين نجد تلك الحملات تسجل لكل شخصية وطنية عراقية تهمة جاهزة مُختلقة مُفتعلة تتأسس على استغلال انتماء الشخصية لمذهب أو طائفة أو دين أو قومية؛ وتروح الأصوات النشاز تؤلف ما تبتغيه من تهم وتلصقها بالشخصية, وهذا [أرقى] ما يمكن أنْ يطاله أو ما لدى أولئك الذين يعملون على تشويه شخصياتنا وأعلامنا..

بينما تنحدر الهجمات "المعنية" في لغتها وبنائها فتصل إلى حضيض الشتيمة المحضة فلا ترقى على لغة السوَقة من أجلاف لم يتعلموا بعد أكثر من تلك المثالب والنواقص التي ترد على لسان آدمي..

وهكذا وجدنا ما يظهر على بعض الفضائيات المسمومة الموجهة إلى نحور العراقيين وصدورهم وعلى مواقع إنترنيتية لها صولاتها وجولاتها في رخيص الكلام, بل على صفحات جرائد باتت تصدر في بلادنا مستغلة طبيعة الحريات وفضاءها في العراق الجديد...

ومن آخر ما ظهر وردني من عدد من الزملاء ما وُجِّه إليهم من كتابات نابية خارجة.. وما نُشِر من صور لشخصياتنا العراقية وما وُضِع تحتها من تعليقات [وضيعة] كنت لأيام خلت قد أشرت إليها وإلى ما وُجِّه للأساتذة الأعلام الكبار الحمداني الصائغ الحبيب, وما هي إلا سويعات لاحقة حتى وردني ما وُجِّه لعزيز قومه وكبير أهله الأستاذ أحمد رجب وإلى كاتبنا الشخصية الوطنية المعروف الأستاذ حمزة الجواهري..

ويبدو أنَّ مسلسلا مرتبا ومرسوما من الهجمات تريد النيل من شخصياتنا الوطنية العراقية بقصد سياسي مبيَّت فضلا عن المقاصد الشخصية وعن مرضيّة التوجهات التي تخضع لها لغة الشتيمة التي يأنف منها حتى الطفل الذي يتعلم لتوه مفردات اللغة ويخجل مما يندى له جبين شريف أنْ يتلفظ بمثل تلك الألفاظ..

والحقيقة فإنَّ مما يمكن أنْ يقع طي أهداف حملة "الرزالة" والنقص والتشويه هو تطبيع أجوائنا العراقية عليها من لغة جهل وتخلف وتحويل مسارنا من لغة الحوار والتفاعل الإيجابيين إلى لغة الوضاعة والرخص ما يحلمون عبره لوقف عجلة التغيير الإيجابي والتطور نحو مسيرة ديموقراطية صحية صائبة..

ولعل هذا مما لا يدركه كثير من كتبة تلك الكلمات البذيئة ولكنَّهم يؤدون مهمات بكثير من الاعتباط والعبثية, وبقليل من الالتزام لمن يدفعهم بقصد إلى تلك المستهدفات...

إنَّ التهمة بحد ذاتها ليست ممنوعة وليس محظورا الاتهام ولكنهما لا ينبغي أن تمارسا هكذا على العلن ما زالا في مرحلة [الاتهام] لأن ثبوت العكس وبراءة المتهم حالة ممكنة ومحتملة.. الأمر الذي يشكل سببا جديا وموضوعيا لمنع تداول الاتهام علنا.. هذا فضلا عن كون الاتهام ينبغي أنْ يقنن وأن يمر عبر قنواته التي يحددها المجتمع بمؤسساته الرسمية المخولة لا بكل من هب ودب..

وليس من بين المخولين بمناقشة تهمة مهما صغرت أولئك الذين ينبرون بأقلامهم وألسنتهم في كل محفل عام, للنيل من عراقيينا الأباة. وعليه كان لشعبنا حق مقاضاتهم وإصدار ما بحقهم من حساب شديد لما يسببونه من آلام ومخاطر يهددون بها وجودنا العراقي النظيف..

ولمعالجة ذلك فليس أقل من عزلهم المعنوي الأدبي وقطع ظهور ذاك الصوت المتطفل على الإعلام والسياسة والفكر والاعتقاد وخطاباتها جميعا...

فليس من الحريات ترك الصحف المموَّلة من جهات معروفة بعينها, تكتب ما تشاء تجاه العراق والعراقيين وشخصياتهم وأعلامهم تحت خيمة الحريات؛ فلا حرية للشتيمة والاتهام الباطل والتخوين غير المؤيد بسبب أو بمسوغ كاف.. وهذا هو عهدنا وعقدنا الاجتماعي عبر تاريخنا وفي حاضرنا أيضا..

وكما ترون فإنَّ أصحاب خطاب الشتيمة لا يقفون عند مسألة الحطِّ من القيمة والطعن بشرف الآخر وقيمه وتشويهه بل هم ينصِّبون أنفسهم قضاة وهم خواء من كل دراسة أو بحث أو خبرة أو قيمة مشهود لها, ويصدرون أحكامهم الباطلة بعد حملة مرسومة ليعلنوا تخوين الشخصية الوطنية بل يصل الحد بهم بتخوين قومية أو مجموعة دينية أو مذهبية كما هو الحال مع ما جرى ويجري تجاه شيعة العراق وتجاه الكرد وتجاه التركمان والمسيحيين!!!

ويمرّ هذا "بصلافة عين" كما يقول العراقيون وكأنَّ أحكامهم مؤلَّهة كونها تتبرقع بعدد من المفردات التي تشير إلى وطن ما  في مخيلتهم المريضة وكأنَّهم حماة النزاهة والأعراض  والكرامات ولا ندري أية نزاهة ونظافة مع ذاك اللسان غير العفّ ومع ذاك الخطاب غير النبيل وأسلوبه المبتذل مما لا يمكن أنْ نعيد مثالا منه هنا بين طيات خطابنا مطلقا.. ولا ندري أي عِرض أو أية كرامة عندهم يدافعون عنها وهم لا يتركون ولا ينسون طرفا من دون شتيمة وتعرّض فحتى ذواتهم وأنفسهم تتعرض لما يبتذلون من رخيص اللفظ خاويه وباطله وملعونه!!!

هنا أود التوكيد مرة أخرى على أننا نحن العراقيين لا نتردد في إعلان احترامنا للشعوب والقوميات والدول المجاورة لنا ولمنطقها وخطابها الذي يبادلنا الاحترام... فالشعوب والأقوام إنَّما وُجِدت للتعارف والتعايش والتفاعل الإيجابي السلمي المتكافل إنسانيا.. ونحن العراقيين نتشرف بوجودنا مع الآخرين في حال من الاعتراف المتبادل والاحترام المتبادل للعقائد والأيديولوجيات والفلسفات والتيارات التي يلتزمها كل طرف..

ولكنَّنا في توكيدنا على عراقيتنا وعلى وطنيتنا وعلى هويتنا العراقية [بالتأكيد] الإنسانية المتفتحة المتفاعلة مع الآخر إيجابيا إنَّما نمارس حقا إنسانيا لا نعتدي على امتلاكه من الآخر ولا نتجاوز عليه عندما يتعلق بتحديده هويته الخاصة..

ومن مبادئ اعتزازنا بهويتنا العراقية أنْ نحترم الهويات الأخرى وألا نقع في مطب ولو مجرد المسِّ غير المباشر ولو من بعيد بحق الآخر في هويته الإنسانية المخصوصة قوميا وعقيديا وسياسيا وغير ذلك من التوصيف في الشخصنة وحمل الهوية..

من هنا كان مسارنا محفوظا بقوة دفاعنا عن الشخصية العراقية الجمعية وعن الشخصية الوطنية العراقية أفرادا, إذ يبقى أعلام العراق رايات العراق الحضارة والمجد والوجود الإنساني الحقيقي.. ولن نفرّط حتى بكاتب عراقي وطني واحد ولو بدأ الكتابة للتو فكيف بنا والأمر يتعلق بكتابنا العراقيين المعروفين وبمثقفينا وبشخصياتنا الوطنية..

إنَّ ردَّ العراق والعراقيين على تخرصات أعدائهما وهم يهاجمون أبناء الوطن والشعب هو مزيد من قراءة خطاب العقل العراقي النزيه الممثل في خطاب كتّابنا الوطنيين الأفاضل؛ وتوكيدا لعزل مرضى الخطاب اللغوي الآدمي من مشوّهي العقل والدوافع والغايات..

أما تخصيص رد جماعي من أقلامنا الشريفة على تخرصات جاهل أو نكرة فهو إشغال عمّا ينتظرنا نحن الذين نتقدم الخطو نحو عراق الغد, العراق الديموقراطي الفديرالي الموحد وهو ما لن يكون لأولئك الجهلة أنْ يفعلوه معنا.. مثلما لن نفسح لهم المجال لجرِّنا إلى مهاترات لا معهم حسب بل بين القوى الوطنية وبيننا وبين القوى الإقليمية والدولية ممن نرى صداقاتهم وتحالفهم مع مصالح شعبنا ووجودنا المستقل..

وعليه فإنني في كلمتي هذه أقدِّم كل أعلامنا النزيهة الشريفة مؤكدا علو شأنهم ومكاناتهم في وسط أهاليهم من عراقيينا جميعا بكل أطيافهم وألوانهم وهم في القلب والفكر والعقل.. إنَّهم الذين يصنعون شخصية العراق والعراقيين وهم راياتنا..

لذا اسمحوا لي اليوم أنْ أرفع خطاب كلمتي إلى كل أعلامنا العراقية من كرد وعرب وتركمان وكلدان وآشوريين ومن شيعة وسنّة ومن مسيحيين وأيزيديين وصابئة ومسلمين..

وليسمح لي قارئي العزيز الموضوع بين الجوانح والساكن شغاف القلب أن أهدي كلماتي هذه لكاتبنا المبدع الشخصية الوطنية العراقية الأستاذ أحمد رجب عنوانا لعراقنا السومري في ديموقراطية خطابه وفي وحدته عبر التنوع والتعددية والفديرالية عميقة الجذور في وجودنا الوطني وخيارنا التاريخي الحر المستقل لكل أطراف وجود عراق الحضارة وتاريخه وعراق اليوم والغد..