مرة أخرى مع الطائفية وبعض ما يرد عنها وفيها

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  11 \  02

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

تخرج علينا بين الفينة والأخرى مقالات تقدم نفسها بوصفها العلاج الناجع "الوحيد" للقضية العراقية وبالتحديد منها حالة التعددية والتنوع ومنها التعددية الدينية والمذهبية.. وبخلاف تلك التي تفضح نفسها بوصفها قراءات طائفية واضحة المنطلقات والأهداف, فإنَّنا هنا نحاول أنْ نقدم رؤية من الرؤى التي تتفاعل مع تلك التي تريد وضع العلاج ولكنها تقع حسب تصورنا في مطبات خاطئة مؤداها غير مفيد لوحدتنا العراقية الراسخة...

ومما رصدناه تلك الكتابات التي تقوم عل  أساس وجود حال من الهجوم على طائفة بعينها هي "شيعة العراق"؛ وهي في دفاعها عن شيعة العراق تقع في خلط الأوراق ومن ثمَّ الوقوع في إسار منهج طائفي يضر بشيعة العراق مثلما يضر ببقية العراقيين ولا ينفعهم..

وبصرف النظر عن كون كل منهج طائفي مضر ليس بالآخرين بل بما يُزعم الدفاع به عن طائفة بعينها في وقت يضرها بروحه الطائفي  بشكل مباشر وغير مباشر, فإنَّنا هنا نريد القول بأنَّه ليس كل ما يكتب في رفض الطائفية هو طعن في الشيعة وتوجيه للسهام إليهم كما يحاول كتّاب الطائفية العزف على وتره! فرفض الطائفية مبدأ فكري سياسي وكذلك مبدأ ديني في الإقرار بصحة تعدد المذاهب وبرفض الروح الانعزالي للطوائف بكل أبعاده  التقسيمية التناحرية..

وإذا كان كاتب عراقي يعالج مسألة الطائفية بهذا الروح الإيجابي الذي يحاول فيه تأكيد حق كل مكونات المجتمع العراقي الدينية والمذهبية وحق كل طوائفه في إبراز هويتها وتوكيد شخصيتها وتحقيق أو إقامة طقوسها بحرية تامة, إذا كان هذا هو الأمر فإنَّ جمهور التلقي ينبغي له أن يؤازر هؤلاء الكتاب الذين يعبرون عن المعالجات الصحيحة الصائبة ويدفعون الظلم عن مجموع الطيف العراقي من دون استثناء أو ميل في ميزان العدل..

ومما نراه اليوم هو ظهور واضح لتلك الكتابات التي تتحدث عن الشيعة المضطهدة وكأن العراق الجديد ما زال عراق الأمس؛ وكأن عراق الغد قد توقف عند زمن المصادرة والاستلاب وكأن العدو الذي يسيطر على مقاليد سلطة تظلم الشيعة ليس غير سنّة العراق في تبييت أو تضمين خطير لتلك الخطابات..

إنَّ هذا التصوير الطائفي المريض لا يحمل أية سمة من سمات الدفاع عن شيعة العراق لأنّ أي بعد طائفي انعزالي تقسيمي هو عدو الهوية العراقية الموحدة التي يتوافق عليها مجموع شعبنا العراقي بكل أطيافه ومنهم الأغلبية من شيعة العراق وسنّته..

إنَّ العزف على أوتار [شيعي \ سني] التقسيمية فيها من المخاطر التي تهدد الشيعي والسني على حد سواء ولن يصح أن يدافع طرف عن الوحدة الوطنية ويسكت الآخر أو ينجر وراء أحابيل اللعب على مصالح طائفية ضيقة لن تتحقق في ظلال التقسيم والاحتراب بين أبناء الوطن الواحد ومثل هذا العزف اتسع في الآونة الأخيرة فوصل إلى بعض الأصوات الوطنية المعروفة بعراقيتها وروحها الوطني النزيه..

من مثل الانجرار وراء توصيف ما يسمى مقاومة وهي قوى تخريب تعادي كل العراقيين! بالسنية وتحديد موضعها في ما يُسمى المثلثات أو المربعات السنية وسيبقى مثل هذا التوصيف أمرا يبيِّت مخاطر تقسيمية واضحة ويظل اللعب على وتره تورطا في أحابيل توقع العراقيين الذين تمسكوا بوحدتهم التاريخية في تقاطعات غير محمودة العواقب.. إذ سيكون من شأن مثل هذا الخطاب تبادل الردود السلبية حيث لا يحتمل طرف ظلم أهله وأخوته بخطاب التشويه الطائفي الانعزالي ولن يكون بمقدور جميع الشخصيات تحمل ضغوط الخطاب المرضي المقصود هنا..

إنَّ مسألة توظيف الإعلام من الخطورة بمكان في ترتيب البيت العراقي.. وعليه فمن الصحيح وقف مصادر النشر الوطنية العراقية النزيهة لمثل هذه المهاترات لأن الديموقراطية لا تعني الانفلاش والفوضوية في التعامل مع خطابَي السياسة والدين ...

كما ينبغي لتلك الأصوات التي يعنيها أمر الدفاع عن مظالم فئة بعينها أن تلتزم احترام الفئات الأخرى وذلك أول مبادئ الدفاع عن الفرد أو الجماعة حيث تنتهي حرية طرف عند حدود بداية حريات الآخرين وحيث لا احترام لمن لا يحترم  الآخر أو بعبارة أدق فإنَّ سيادة تبادل الاحترام هو الأساس في تحقق مصالح الجميع من دون نقصان ...

الأمر الآخر في معالجة البعد الطائفي لا يكمن في نكران وجود هذا التعدد ولكنه يكمن في تأكيد احترام الهوية المخصوصة في إطار إنساني عام وفي إطار وطني مخصوص.. وهذا يؤهل أو يدعو إلى ضرورة التشارك سويا في معالجة الهم الوطني ومنه حال التعددية وإقامة طقوس هذه التعددية وأعرافها وتقاليدها على قدم المساواة والعدل والإنصاف للمجموع من غير استثناء أو إقصاء أو عزل ...

ومما نراه مفيدا هنا ضرورة التعاطي مع تلك الأصوات التي تهاجم [بعض] المرجعيات السياسية الدينية (الطائفية) في ألا نحمِّل ذلك على كونه مهاجمة لطائفة بالكامل أو لمذهب بعينه... وهنا الأمر يخص أولئك الكتَبَة الذين يؤولون عن خطأ [وهؤلاء نقصدهم بالحوار والتفاعل والإفادة منهم حتى عندما يقعون في خطأ يمكن تصويبه بالمعالجة والتناول الإيجابيين وبتفاعل الرؤى] أو [عن جهل أو قصد مرضي وهؤلاء محددين بأعداء شعبنا العراقي ومكوناته ومنهم بالتحديد الأغلبية الشيعية المبتلاة بمظالم أزمنة متعاقبة بما أفرزته من مرضى وجهلة لابد من وقف تأثيراتهم المرضية في مجتمعنا العراقي الجديد]..

إنَّ من يكافح الظلاميين من أدعياء مرجعية دينية أو مذهبية هو مدافع عن مصالح الفئة أو الطائفة التي يحاول أولئك الأدعياء سرقة قيادها بحجج وذرائع ظاهرها مصالح الطائفة وباطنها استغلالها باتجاه مصالح قوى معادية لأبناء الطائفة ولكل العراقيين.. وفضح الأدعياء يشترك فيه السني والشيعي سواء كان الادعاء بتمثيل الطائفة الشيعية في بعض المرجعيات أم في ادعاء تمثيل الطائفة السنية والحالتان موجودتان على حد سواء والهدف واحد هو تعزيز التقسيم والفصل بين العراقيين بما يسهِّل على أعداء العراقيين استغلالهم..

ولا توجد فئة خالية من الاختراق وخالية من وجود قوى غير نزيهة لا تعبر عن مصالح المجموع وتلك حقيقة سيظل الوطنيون يصرون على تنقية أجواء جميع الفئات من الاختراقات ومن الأدعياء وممن يهمهم تلويث الأجواء وتعكيرها بل وضرب بعض العراقيين ببعضهم الآخر..

وعليه كان من واجباتنا الكثيرة أن نمنح مسألة فضح الطائفيين المتباكين تمظهرا في حرص كاذب مزيف على مصلحة الأغلبية الشيعية أو الأغلبيات العراقية عامة قوميا ودينيا ومذهبيا ووقف تخرصاتهم ضد وطنيينا الشرفاء وهم يضعون خلاصة الفكر الإنساني في خدمة معالجة مشكلات العراق وقضاياه..

ولابد من اختفاء مصطلح سني شيعي أو مسلم مسيحي أيزيدي أو كردي تركماني كلداني  من معجم الكتابة الصحيحة والمعالجات  الموضوعية النبيلة.. إذ الأولوية للعراق والعراقي والأولوية للتآخي والتساوي والعدل بين مجموع العراقيين والأولوية لنزع فتيل التقسيم والعزل الطائفي والأولوية لتحقيق مصالح العراقيين كافة من دون إقصاء أو استثناء أو إبعاد...

 والأولوية الحاسمة  التي ما قبلها وما بعدها تكمن في محو كل ما  من شأنه تقسيم العراقيين وفصلهم وعزل بعضهم عن بعضهم الآخر .. فلا أقلية تسطو ولا أغلبية تقهر  ولا من فئة تأخذ  ولا من فئة تُحرَم فيقينا لابد من شعار عراقنا الجديد عراق الجميع في المساواة والعدل والإخاء..

ودستورنا الجديد المكتوب المقر أو غير المكتوب ولكنه المحفوظ في قلوب كل العراقيين وكافتهم بلا نقصان لفئة أو حتى فرد هو دستور التآخي والتساوي والإنصاف دستور تحريم الطائفية العنصرية الشوفينية وكل الصفات التي تجزّئنا وتضعفنا وتجعلنا في احتراب بدل كل ماضينا في العيش سويا نحن أبناء الرافدين منذ سومر ومرورا ببابل وأكد وآشور من العرب والكرد والتركمان والكلدان..

دستورنا وعهدنا الاجتماعي يحترم كلُّ عراقي كلَّ عراقي آخر من أية طينة وُجِد.. لا مكان لأدعياء الدفاع عن فئة وهم لا يحترمون أو لايرون الفئات الأخرى ولا مجال للمزايدات بين تضحيات أو خسائر فئة على أخرى فذلك هو ما تركه لنا زمن الطغاة فهل نستسلم له؟

أثق بكل عراقي نبيل شهم شريف بأنه لن يتسامح مع أقاويل الطائفية والطائفيين من أي منبع كانوا وكائنا من يكونوا في الموقع والمكانة والمنصب أو المسؤولية .. فكلنا عراقيون بهوياتنا المتنوعة نحترم فينا التنوع والتعددية والتداولية في عراق الغد الديموقراطي الفديرالي الموحد..