تجارب عراقية رائدة لضبط الأمن والاستقرار

مدينة الناصرية نموذجاَ َ

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  11 \  16

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

الصورة القاتمة التي تعكسها بعض الميديا بخاصة العربية منها عن الوضع العراقي يلازمها تعتيم بيِّن على تلك المحاولات الإيجابية التي تنهض بها قوى الإدارة الحكومية من أجل توفير الحماية للمواطن وخلق الأجواء المناسبة لأمنه واستقرار أوضاعه، يزيد من الأمر تعقيدا ضعف في الإعلام الرسمي لتبيان الجهود الحثيثة للحكومة وأجهزتها في مختلف الشؤون بخاصة منها التي تخص أمن الوطن والمواطن وسلامتمهما..

ويمكن أنْ نضيف إلى الأمر انشغال كتّابنا في معاجات في مختلف الشؤون التي تخص الإنسان العراقي وهي كثيرة متنوعة معقدة ولكنها أحيانا تقصِّر في تغطية بعض النجاحات التي ينبغي تسليط الضوء عليها لما يؤكد تعزيز مسارات العمل من أجل عراق اليوم الآمن النظيف من كل ما يعكر صفو أجوائه وأبنائه...

وبعامة قد يكون من الصحيح والمناسب أن يكون هناك من التنسيق لمعالجة مختلف القضايا بين كتابنا المنتشرين بأصواتهم المسموعة في الميديا بكل أجهزتها من قنوات التلفزة إلى بوابات الإنترنت إلى الصحف والدوريات والإذاعات وغيرها.. وبالمناسبة هنا أود التثنية والثناء على بادرة الدكتور عبدالرحيم الرفاعي وهو يعرض لتجربة مهمة وخطيرة من تجاريب مؤسسات دولتنا الوليدة في ظروف عاصفة معروفة،  وإشارة الرفاعي هي من الإشارات القليلة التي يلتفت فيها إعلاميونا ومثقفونا لذا أجدني في موضع شكر تلك البادرة التي ينبغي أنْ نعززها دوما ونشد على أيدي كتّابنا وهم يلتفتون إلى تلك التفاصيل المهمة جدا في جذب الأفضل لأهلنا بخاصة الموجودون في ظروف الاتصال المباشر مع واقعنا العراقي على أرض الوطن...

في الحقيقة استوقفتني قبل مدة على سبيل المثال تلك التجربة الجدية الناجحة في تأليف قوى أمن محلية في مدينة الناصرية مدينة بشائر الخير من أهالي تلك المدينة الوادعة التي تغفو في أحضان مياه الرافدين الأزلية؛ وهذا هو ما  ورد في إشارة السيد الرفاعي وهو يصف التجربة عن كثب وهي التجربة التي جاءت على أساس دعوة أبناء المنطقة لتشكيل جهاز حماية الأهل و [الديرة] وقد توافدت الجموع مؤلّفة القلوب ومعها أسلحتها وإرادتها في تنفيذ المهمات المناطة بهم...

 

وكان من نتيجة ذلك ليس تقديم عدد من شبيبة المنطقة للعمل مما يمكن توقعه في أية منطقة أخرى ولكن كان الأمر يتضمن نتائج إيجابية أخرى جاءت عن قناعة من أبناء المنطقة في العمل على حماية أوضاعهم وتطمين الحاجات الأمنية أولا.. فجمعوا عن إرادة طوعية الأسلحة التي ينبغي توظيفها فيما هو أبعد من التجارة المادية المردود، إلى جذب المردود الأهم منه، وهو شراء الأنفس وحماية كرامة الإنسان بوساطتها وبأيدي حاملي تلك الأسلحة...

كما أن الناس لا يمكنهم التضحية بأبنائهم عبر مزالق الجريمة وتركهم نهبا للأفعال الصبيانية لمهاترات المافيات والقتلة من الغرباء إذ في ظل هذه التجربة لا يقتل الأخ أخاه ولا ابن العم ابن عمه وهو الحارس ورجل الشرطة والأمن ومثل هكذا مبادرة تنهض عشائر المنطقة جميعا أبناء [الديرة] كافة بمهمة حفظ أمنها ما يمنع إمكان انزلاق أفارد من المنطقة لأحابيل أفراد دخلاء عليها في جريمة بحق أهلها..

إنّنا هنا نشيد بتلك التجربة ونرى أنَّها تجربة رائدة وموفقة تماما وقد حققت كثيرا من الأهداف النبيلة التي عادت على أبناء المنطقة بكل الخير من جهة تصريف أنواع الأسلحة حتى منها أسلحة ثقيلة إلى حيث ينبغي أنْ تكون وبأيدي تستخدمها من أجل الناس وحمايتهم..

كما حققت منع وقوع الجريمة ومحاصرتها في أضيق نطاق وعززت من تفاعل أهالي المنطقة فيما بينهم ورفعت درجة تفاعلهم الإيجابي مع مسؤولياتهم الاجتماعية ليس تجاه الدولة بل تجاه أنفسهم ومصالحهم الحيوية؛ وقرَّبت بينهم ووظَّفت كثيرا من الأيدي العاطلة ومنحت المدينة شمس الهدوء وهناء الأمان والاستقرار والانصرؤاف إلى حيث ينتظرنا العمل من أجل البناء والإعمار..

وعليه سيكون من الضروري الالتفات إلى هذه التجربة بعناية أكبر ووضعها موضع الدراسة الجدية وتوسيع نطاق تنفيذها حيث أمكن ذلك بغية تحقيق أوسع إفادة منها لأهلنا بعد أنْ كان اختراق عدد من المدن واضحا من قوى الجريمة المافيوية.. وسيكون من دواعي الاستفادة مفاعلة الأمر مع تجاريب أخرى كما حصل جزئيا في شراء الأسلحة وتسليمها الطوعي فضلا عن أعمال ضرورية أخرى منوطة بالأجهزة العراقية المسؤولة...

إنَّ ثناءنا على التجربة وعلى العقل العراقي الذي نهض بها يعني فيما يعنيه أبعد من التكريم إذ مما يعنيه: ولوج مفردات عمل جديدة في حياتنا بخاصة على صعيد وزارة الداخلية ومهماتها الأبعد من الأمنية المجردة أو المعزولة عن وظائف الإدارة الحكومية الأخرى، وعلى توضيح بعض مهمات المثقف العراقي في الوضع الجديد بخاصة في التفاعل مع المهمات التي لا ينبغي تركها لمهمات بوليسية منعزلة مغلقة تجري خلف جدران المكاتب، بل لابد من التوجه إلى الجمهور الواسع وتعزيز وعيه تجاه مسؤولياته لبناء دولة مؤسساتية محتلفة جديدة..

وسيكون من دواعي اهتمامنا الحقيقي بقضية أمن العراق والعراقيين أن نقرأ كل خطوة ونراجع نجاحاتها واخفاقاتها لكي نوسع تلك الإنجازات او الأعمال التي تحقق المردود الإيجابي المنتظر من ورائها..

أود هنا التشديد على شكر جهود الذين يقفون في الصف الأمامي للتصدي لكل ما يمس العراقي وتفاصيل يومياته العادية.. وعلى إعلاء شراع خيمة الدولة العراقية التي تولد اليوم من رحم أبنائها ,  منهم وإليهم , ولا أقول بانتظار المزيد بل بمشاركة مؤمَّلة من جميع أطراف الشأن العراقي في رسم يومهم وغدهم سويا..

إننا نتطلع بعيون عاشقة لأهلنا جميعا وأخص هنا رواد التجربة من مكاتب وزارة التصدي للمهمة الأولى في عراقنا اليوم مهمة أمن العراقيين وحتى ربوع مدينة التجربة التي نحن بصددها هنا تخوم مدينة [البشائر] مدينة الناصرية وأهلها حيث يتقدمون لإعلان ربيع السلام..

إنني أتطلع أن تحتفي المدينة بأول مهرجان للأمن والسلام والاستقرار, مهرجان سومر العطاء والتجدد والولادة حيث ينبعث جلجامش وديموزي تموز القادم إلينا من رحم أهلنا بكل المحبة وبكل شموخ نجاحهم الريادي بتفعيل جهودهم الموفقة في أمن وهدوء وسلام..

أليست الخطوة التالية بمتوقعة من وراء نجاح المدينة بتأسيس قوتها الأمنية؟ إنَّها كامنة في الشروع بأعمال البناء.. إذ عقب كل نجاح في خطوة توفير الاستقرار سيكون الشروع بالبناء توكيد للأمن من جهة والسر النهائي الوطيد في طريق تطبيع الأوضاع وإعادة الحياة المنتظرة منذ عقود من الزمن..

سلمت أياديكم القابضة على الجمر وعشتم من أجل مدينة الخير والعطاء وعراق الغد الديموقراطي التعددي الفديرالي.. والخطوة التالي سنجد أعلى زقورة تُشاد اليوم قبل الغد زقزورة النماء والخير لكم وللناصرية ولعراق الخير والسلم والديموقراطية...