خلود شهداء الشعب

وهزيمة قوى الجريمة والإرهاب

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  11 \ 22

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

مذ تأسست الدولة العراقية الحديثة كان وعي الشعب متقدما.. وكانت مؤسسات المجتمع المدني تجسيدا لوعيه السياسي المبكر. وكانت الأحزاب الوطنية مدارس جدية كبيرة للإنسان العراقي الجديد الذي راح يقدم قرابينه من أجل أفضل حياة وأكرمها.. ولدينا قائمة بالمئات والآلاف من ضحايا الأمس البعيد والقريب وهم في الحقيقة ما زالوا في الذاكرة العراقية بوصفهم قرابين الشعب من أجل الحياة الحرة..

لقد بقي شعبنا يحتفي في ذكرى الشهادة مذ زمن جلجامش السومري ومرورا بتموز البابلي فشهيد الطف وتسجل ثورة تموز 58 شهادة ابن الشعب البار فهد لتعلو معه أسماء سلام عادل والحيدري والعبلي.. كل تلك الدماء وما زال سيف الجلاد يرفعه خلفه الإرهابي سليل الحاكم الدموي وقتله الناس بالجملة..اليوم يُقتل الناس في الشوارع ويجري اغتيالهم في وضح المهار في الحرم الجامعي وفي حرم البيوت بين الأبناء والبنات يجري ذبح آباء وأخوة وأمهات!!!

دم في الشوارع يابغداد, دم في البيوت يابصرة الفيحاء, دم في الجوامع ياكربلاء, دم في الكنائس يا موصل الحدباء، دم في المعابد ياكركوك التنوع والإخاء، دم في الملاعب يا بعقوبة البرتقال والبساتينوالإباء، دم في المدارس يا أنبار الطهر والسلام، دم في كل الأماكن لنهر تصنعه سكاكين ذبح على الطريقة الإرهابية لزمن ما بعد الجنون!!!

لا إسلام ولا مسلمين ولا قرآن ولا أناجيل أو توراة ولا كتاب مقدس عند الـ [هؤلاء] من مجانين الزمن الرخيص لا شئ مما يُكتب أو يُقرأ  غير رسائل معتوه من سجيل.. وكتابات تأتيهمن مغارة معتمة يقطنها دماغ يمتلئ بكهوف العتمة والظلمة ودهاليز أوساخ العصر وشروره... هؤلاء هم عصابات مافيا مهووسة بسادية ما بعد السادية التي يدرسها علماء النفس...

إنَّهم يقطعون الطرقات في ظلمات الغدر ويعترضون سبيل البنات يمضون إلى مدارسهم ويسدون مسارات الأولاد يمضون إلى عون أهاليهم في سد رمق حيواتهم ويمنعون مسالك الحير لأهلنا في قراهم ومدنهم..

بالأمس تقدموا مرة أخرى في تحدِ ِ أبعد من اعتراض عابرة سبيل تتوكأ عصاها، ذهبت بهم نزعاتهم العدوانية العدائية لكل خير ولكل نور شمس، ذهبت بهم دوافعهم الجنونية وهم في هياج ما قبل نهايتهم ليغتالوا بأسلحة الغدر واحدا من أخيار البلاد وقادتها واحدا ممن نذروا أنفسهم قربانا للحياة الحرة الكريمة لشعبنا، فامتدت الأيادي العابثة وأصابع تقطر دم الخسة ليعتالوا ابنا من أبناء شعبنا الأحرار، ابن الشعب العراقي البار وضاح الخير والنور وباني لبنات السعد والمجد لأهله...

إنَّ عمليات الاغتيال التي صارت مسلسلا مأساويا في بلادنا إنْ هي إلا مفردة من مفردات جريمة اغتيال بلادنا وأهلنا بلادنا وأهلنا بنية تصفية الحساب مع كل مكونات شعبنا طيفا طيفا من مجموعات قومية وعرقية ودينية ومذهبية إلى تيارات فكرية وسياسية إلى مجموعات وفئات مهنية وحتى آخر عضو أو فرد من أهل الرافدين أهل الخير والسلم ..

أما مشروع الإرهاب فليس غير سادية متصلة من التعذيب والتقتيل والترويع .. لا مشروع لديهم سوى السلطة التي خسروها ويعرفون استحالة عودتها وليس لهم غير إغراق في غيهم وعنفهم ودمويتهم... فقد يجلب لهم هذا بعض انتقام لزمن الموت الأسود الذي كانوا يحيون في كنفه على دماء أهلنا وخيراتهم...

فليفتح الناس أعينهم واسعة وليروا ببصيرتهم تلك الخزعبلات التي تطبل لها بعض أبواق الزمن البائس من كون القتل والاغتيال والخطف والاغتصاب والسرقة والسطو والابتزاز إنْ هي إلا طريق تحرير العراق من أهله ومن سلطة شعبه الذين خانوا "القائد" الضرورة وبطلهم الرمز؟!!

ليفتح الناس أعينهم وليروا ببصيرتهم أن ما وراء كل تلك الجريمة ليس غير الخراب الأبدي لبلد العمار بلد الخير بلد السلام بلد الحضارة.. فهل من يقبل ما يجري؟ هل من يقبل ربح لحظة هزيلة ثمن رغيف خبز يأكله ولا يكون الثمن سوى دم أخيه العراقي أو عِرض أخته العراقية أو في أقل أمر حاجة جاره المنهوبة؟

هل صحيح أن نسكت على اغتيال إنسان نذر حياته من أجلنا ومن أجل أطفالنا نحن وحيواتنا نحن؟ هل من الصحيح ألا نلتف حول أولئك الذين يقدمون النفس رخيصة من أجل يومنا وغدنا؟ هل صحيح أن نتركهم على وفق اذهب أنت وربك، إنَّا ها هنا قاعدون؟ ألا ندري أننا إنْ تركناهم لوحدهم سيكون الدور التالي علينا على أعراضنا وشرفنا وكراماتنا ودمنا وعوائلنا؟

إذن حقَّ علينا أن نلتف مع كل تلك الجموع الكبيرة التي سارت وراء نعش الخلود لشهداء القضية للشهيد الذي قدم نفسه من أجل حياة أنظف وأطهر وأجمل.. لنكن اليوم أكثر فاعلية وتفاعل أكثر مسؤولية وتحملا لها.. لنمضي من أجل وقف سيل الدم النازف..

لننهض من أجل كرامة شيخ يتوكأ عصاه في طريق السلامة ومن أجل أن تمضي بناتنا في طرقات الفضيلة بأمن وأمان بعيدا عن تهديدات عصابات الشر والبلاء الأسود.. لنمضي من أجل أن نحفظ لكل طفل مسلكه وطريقه ونهجه من غير أنْ تمسك برقبته سكين الحقد والغدر والسادية...

لا تترددوا فالميدان مشتعل والنيران تلتهم مزارعنا وبساتيننا وبيوتنا وكل ما شدناه بدمائنا.. لا تستكينوا لا وقت للتفكر والتأمل والمعركة تلفظ أنفاسها الأخيرة فأما نحن والعراق والخير وإباء الروح وكرامة الإنسان العراقي وعِرضه وأما أوباش الزمن الردئ يستبيحون كل شئ لا تعتقدوا بعده بوجود استثناء..

هبوا ضحايا الاضطهاد! ضحايا الإرهاب انزلوا إلى الشوارع شوارعكم وإلى الطرقات وأنيروها أزيحوا عنها ظلمات الدجل والجهل والقتامة والعتمة ورجس الجريمة فالإرهاب أكبر من جريمة وأخطر من مافيا تريد شيئا من دون آخر.. الإرهاب يريد هذه المرة كل شئ بلا استثناء..

الشرف الإنساني والكرامة الإنسانية والعِرض والمبادئ لا شئ يعيقه لأنَّ الإرهاب يستقتل اليوم فأما كل شئ وأما لاشئ وليس لدينا غير أعلى صوت بأوسع حكمة وأكثرها رشادا وسدادا وتفاعلا مع الآخر حتى نكون وحدة واحدة لا يمكن اختراقها..

لابد من تدارس مسألة لماذا يختارون أهدافا لجرائمهم اغتيال الأساتذة والعلماء؟ لماذا يختارون قادة من المتنورين المضحين من أجل نور المعرفة وخير الناس؟ لماذا اختاروا بالأمس الشهيد وضاح؟ وحين الخلوص إلى نتائج مدارستنا سيكون لدينا ما يؤكد المنطق الذي أراده الشهداء لنا فسيحا آمنا مليئا بالخير..

فلنتفكر ولنتدبر؛ بلى.. تفكروا حيث ميدان الصراع ولا تقعدوا لحظة فلقد حانت لحظات الأمل الكبير  في الانتصار الأكيد لشعبنا!   وليس لأعدائه غير الاندحار الأخير..