هواجس المواطن والانتخابات الوطنية العامة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  12 \  05

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

لأول مرة جيل اليوم هذا يتحدث عن الانتخابات ويتحدث عن حقه في تقرير مصيره ومسارات حياته وكيفيات رسمها والتخطيط لها.. وهو يتحدث عن حقه في أن يجريها في أفضل قدر من الاعتبارات التي تسمح له بتوجيه الأمور على وفق تصوراته وآماله وتطلعاته.. وهذا يستدعي مزيدا من استقلالية القرار وعميقا من الوعي وكبيرا من الانتباه والتفكر والتدبر فيما يضمن سلامة الإجراءات التنفيذية وفرصا كافية من التعاطي مع خطوات الانتخابات التي تجري من دون خبرات وكفايات مكتملة بالتحديد من دون سابق تجاريب كافية  للتعرف إلى كل تفاصيل الانتخابات وكيفيات إجراؤها بما يستجيب للطموح...

يجري التحضير للانتخابات عبر لجنة مشرفة وهي تنهض في أجواء غير طبيعية بالمرة.. وليس الأمر بعائد للأمور الأمنية حسب بل لجملة أمور مهمة من مثل وجود معاهد الدراسات والقياس للرأي العام بما يجعل اللجنة مستجيبة لتلك النتائج والقراءات بخاصة والوضع تجري فيه العملية لأول مرة بالكيفية الحرة المنتظرة أو المؤملة؛ وذه الإشلى واقع من الانفصال بين ما يجري التحضير له وواقع الأمور أو بالتحديد تفاصيل حياة المواطن العراقي المكرهة بظروف التخريب المادي والروحي والنفسي الذي خلفه نظام المصادرة والاستلاب والحظر والعبودية المطلقة للدكتاتور البائس المهزوم ولكنه المهزوم بعملية أشبه بالقيصرية!

فما الذي يمكن الحديث عنه في المدة القصيرة العجلى المتبقية لإجراء الانتخابات؟ هل أمر الموعد المعني هو من القدسية بما لا يسمح لطرف أنْ يتحدث عن أية معالجة كانت يمكن أنْ تمسّ المعود؟ الحقيقة إنَّ قضية إجراء الانتخابات في موعدها قرارا  مهما وخطيرا يترتب عليه ما سيأتي بعيد الانتخابات مباشرة من جهات عدة فمن جهة القوى التي تتحدث عن التأجيل وعن الشروط التي تراها ضرورية لإجراء الانتخابات وقوى تتحدث عن المقاطعة ما لم يجرِ الحوار معها على وفق شروط مختلفة ..

هذا فضلا عن حقيقة دخول العراقيين الانتخابات ليس من دون سابقة أو خيرة ولكن في ظروف من الضغوط النفسية والسياسية المعقدة وعلينا هنا المقارنة بين أن ندخلها بالوضع القائم مع عمل مثابر وجدي من جميع الأطراف لتحقيق أفضل شروط الانتخابات أو التأجيل لتوفير الفرص الكافية لمنح العراقي حقه في التمعن بآليات الانتخابات والتحضير لها وإجراؤها بما يستجيب لطموحاته العريضة في بناء ديموقراطية لعراق جديد مختلف.. يتعايش فيه الطيف التعددي المتنوع  وحتى المختلف في أجواء من الحوار المتمدن الذي تنتفي فيه حالات الاعتداء على أبسط تفاصيل حقوق الإنسان ولا يعود الإنسان العراقي حبيس المواطنة العراقية ومن ثمَّ حبيس فكر فرد أو مجموعة أو تيار أو دين أو عقيدة وهو الحر تمام الحرية في الخيارات التي تخص حياته وتوجهاتها..

والحقيقة لا ينبغي للغة التي تصاعدت في الآونة الأخيرة أن تأخذ منحاها المتشدد في مهاجمة أنصار التأجيل ولكنني سعيد بكونها الدخول في جدل موضوعي وفي المحاججة العقلية وهو المؤمل في كل تلك الأصوات أما لغة التخوين والضرب على وتر لغة مصادرة حرية الآخر في التعبير فهي إنْ لم  تدخل في لغة دكتاتور الأمس الاتهامية الرخيصة فإنَّها تدخل في مجال المهاترة أو في أقل تقدير تدخل في مجال السباق الرخيص للفوز الانتخابي ومصادرة أو استلاب الآخر من حقه في الوجود عوفق حجمه ومساحته ...

بينما الحق يكمن في السعي للفوز بطرق صحية صحيحة لا تعني بالمرة أن يكون الفائز دكتاتورا بقدر ما يعني ممارسة التفاعل ديموقراطيا مع واقع آليات أو كيفيات الحياة الديموقراطية ففي الوقت الذي فاز شعبنا بتحرره من زمن عبوديته ودكتاتورية الأقلية بل من دكتاتورية الطاغية الفرد لا يمكن أنْ نقبل باستبدال تلك الدكتاتورية بأخرى تمثل هيمنة الأغلبية ومنعها الأقلية من حق الوجود بكل الحريات المنتظر تحققها في ظل الواقع الجديد..

ومن الطبيعي أن يكون هاجس الأقلية في ظروفنا العراقية من هيمنة غير مرغوب فيها أو هيمنة تسلب حق التداول والتعدد والتنوع والاختلاف أمرا أو هاجسا جديا تحتاج فيه إلى مناقشة وحوار وتطمين وليس اشتراطات وتسبيقات تخدم هامشا من القوى الخارجة على القانون أو الخارجة على إرادة شعبنا فتلك القوى الإجرامية من بقايا الزمن الردئ ليست هي المقصودة بأي حال من الأحوال بالحوار وبالاستجابة للتطمينات المعنية بمن يسميهم "بعض المتنطعين" بالأقلية ..

إذ الحق أن تنتفي مصطلحات أقليات الخاصة  بأبناء عراقنا الجديد. إذ طالما كنا شعبا واحدا وتفاعلا من أطياف وقوميات وديانات ومذاهب فلا بد من أنْ نحترم ذلك حيث لا ننتقص من حق مواطن عراقي لأنه من مجموعة يسمونها ظلما صغيرة أو يستخدمون لها مصطلح أقلية فيما يمنحون لمواطن ينتمي لما يسمى أغلبية حقوقا مضافة تجعله المهيمن على الحياة لا العامة بل على حياة المواطن الذي ياسروه اليوم بهيمنة فكر ما يسمى الأغلبية..

وفي حقيقة الأمر فإنَّ الهاجس الرئيس لا يقوم على تقسيم العراق بين طائفتين حسب، فالأمر أكبر من مسألة شيعة وسنّة إذ في العراق نسبة غير صغيرة من العراقيين الذين لا ينتمون إلى المجموعة المسلمة بل حتى هذه المجموعة من السنة والشيعة ليست جميعها تنتمي لتصورات مذهبية ولا دينية بحتة بل تعتقد بالحلول العلمانية لاعتبارات كثيرة فما بالنا إذا ما فُرِض عليها الفكر الطائفي والقسر الطائفي والانغلاق الطائفي والتقسيم الطائفي وروح الانتقام والثأر الطائفيين؟ ما بالنا إذا ما دخلنا في نفق الفلسفة المظلمة لما يسمى زعماَ َ إزالة الظلم عن الطائفة ذات التعداد النسبي الأكبر ليدخلنا هذا في ظلم المجتمع العراقي من كل الطوائف والأديان (انتقاما لزمن الظلم) وتحقيقا لما تزعمه الأحزاب الطائفية عدلا وإنصافا وهو اعتداء حتى على الطائفة التي يزعمون تمثيلها..

كيف؟ لأن أبناء طائفة بعينها هم بشر أسوياء ولا يدخل في برامجهم أو فلسفاتهم أن تكون حياتهم ومصالحهم رهينة توجهات مرضية تتأسس على حساب الآخر وعلى حساب مصالحه واستقراره بل تتأسس على استغلال الآخر لأنه لا ينتمي إلى الطائفة المعنية بزعم الجهة الطائفية الحزبية المقصودة.. وبأية حال من الأحوال لابد من التوافق على رفض التأسيس لاستقرار أي مكوِّن عراقي، أي طيف عراقي على حساب أي طيف آخر!

إذن سيظل أمام العراقي البسيط من كل الأطياف هاجس عدم الوقوع في فخ الطائفية وأحزابها بخاصة وكثير من العراقيين يتجه إلى تلك الأحزاب لأسباب ودواعِ ِ منها تزلّف الأحزاب الطائفية إلى المرجعيات الدينية ومنها التي يصل بها الأمر حد الادعاء بالمرجعية الدينية لمجرد لبس الغطاء المعني والتصيد في المياه العكرة من نمط امتلاك الأموال الضخمة عبر مسالك معروفة ومنها وجود الدعم الخارجي  الإقليمي منه والدولي وعليه فتلك القوى التي تناور بزعم تفردها الدفاع عن مظالم البسطاء كان شعبنا قد جربها في الحقيقة ووضعها على المحك يوم كان الناس في منافي   الشتات واليوم حيث الأزمة على أشدها في حين هم يترحون في مرابع ليسطوا على الأخماس والأعشار وغيرها ولا يقدمون غير زائف الوعود..

إنَّ من الهواجس الأخرى لشعبنا أمورا منها الوقوع أسرى التزييف أو التزوير في الانتخابات لهذه الجهة أو تلك بخاصة في وضع يخضع لتجاوزات أمنية خطيرة وتوجد في عراقنا اليوم مناطق واسعة تسيطر عليها عصابات الجريمة وتلوي ذراع أهاليها فهي ليست محتلة أرضا كما هو حال الاحتلال الأجنبي ولكنها محتلة في إرادة الناس الذين يمسك بخناقهم رعاع يزعمون عراقيتهم وقد يكون في هذا بعض الصحة لجهة أنسابهم أو ولادتهم ولكن كيف يمكن لعراقي أن يخون عراقيته ويبقى عراقيا؟؟

إنَّ الخوف لنقل من الهاجس الأمني لا يقف عند مسائل التهديد بالموت والاغتيال والاختطاف والإيذاء بل الهاجس من تهديدات أخطر أقصد مصادرة إرادة الناخب وصوته لجهة بعينها بناء على وجود الناخب في منطقة سطوة بعض الرعاع من أشقياء الزمن الرخيص.. فمن يوفر الحماية في لحظة التصويت لا يمكنه إدامتها لما بعدها في حمن اختلال حقيقة من يحكم على الأرض في هذه المحافظة أو ذاك القضاء..

وعليه فسيكون مثل هذا الهاجس مطروحا طالما كانت الأوضاع الشاذة هي الموجودة على الأرض.. والمزايدة بخصوص أهمية إجراء الانتخابات في موعدها بخاصة من تلك الأصوات التي تستقتل في الدفاع عن شكليات بعينها وليس عن جوهر العملية وأهدافها بقاء المزايدة محصورا في نطاق الحرب النفسية الموجهة ضد أبناء شعبنا وليس ضد أعدائه.. بمعنى أنني أؤيد أصوات أخرى في دفاعها عن الانتخابات من غير مقاصد مبيَّتة...

ولابد في مثل هذه الحال أنْ نتجه إلى تعزيز سلطة الحكومة الوطنية ومؤسسات الدولة واحترام القانون ووضعه فوق الجميع بمساواة وعدل ولابد من توفير أرضية توافقية وطنية لا يخشى في ظلها طرف عراقي من آخر لأي سبب كان.. بل يعمل في طمأنينة من أن وجود الآخر في السلطة لا يعني أكثر من وجود رؤية تحكم الإدارة العامة لمصلحة الجميع بلا استثناء إلا من يحكمهم القضاء الوطني العادل بجريمة..

هناك هاجس يطال الناخب من أن بعض المفاوضات الجارية بين أطراف حزبية وقوى من النظام القديم قد تؤدي إلى إعادة عناصر على أقل تقدير إنْ لم نقل قوى النظام الدكتاتوري المهزوم عبر صناديق الاقتراع؛ ونعرف جميعا أنه ليس من المقبول اشتراك قوى النظام المهزوم في الانتخابات بأي حال وذلك لضلوعهم في جرائم ينبغي أنْ يُحاكموا عليها حال استقرار الوضع والاستعداد الكافي بل ينبغي متابعة أمور الجريمة والمجرمين اليوم قبل الغد ومنع حركاتهم المعادية للوطن والشعب..

ومن الهواجس هو مسائل القوائم الانتخابية وما يمكن أن تجره من نتائج مثلما جرى الحديث في البدء عمّا يطمِّن الناخب من وجود قوائم وطنية موحدة لتظهر اليوم قوائم منفصلة على أسس طائفية أو قومية أو دينية وليس على أي أساس يحترم وعي الشعب العراقي وتوجهاته ويطمن حاجاته الجمعية الوطنية المشتركة ولكن أمر القوائم ونتائجها التالية قد ينعكس على أمور تالية تخصّ جديا التأسيس للدستور العراقي وعلى العهد العراقي الوطني ومثل هذا هو الذي يقلق كثيرا ممن سماهم الوضع الشاذ أقليات فما الذي سيفعله المسيحيون واليهود والصابئة والأيزيديون والشبك وما الذي سيفعله التركماني أو الأرمني أو الآشوري أو الكلداني أو السرياني أو غيرهم؟؟؟

كل هذا ويأتي غيره من مثل قضية التمويل للعملية الانتخابية وما يملكه طرف ولا يملكه طرف آخر.. ومن الطبيعي أنْ نشدّد هنا على أهمية الحديث عن حقيقة تأثير المال على المرشحين وعلى الناخبين وما يمكن أن يخلقه في أجواء تبدأ للتو في الوطن العراقي الجديد. وعليه لابد من التعرف إلى آليات جذب الأموال والدعم المشروع ومعالجة مسائل تخص الدعم المتخفي لمستهدفات غير مشروعة!؟

ينبغي أن نتحسب لهاجس المرأة ومشاركتها في الانتخابات ترشيحا وانتخابا والكيفية والصعوبات المحتملة وهواجس مرور شخصيات غير نزيهة أو بها أو التخفي تحت يافطات غير الحقيقة الموجودة فيهم .. وهنا ينبغي التفكر في مهمات الأحزاب واللجان المتخصصة لمضاعفة الجهود بالخصوص..

كثيرة هي الهواجس ويمكن متابعتها في قراءات تالية ولكننا هنا نجزم بحق العراق والعراقيين في ممارسة الحق الانتخابي بالكيفية الصحيحة والصحية الصائبة وليس إجراء الانتخابات على عواهنها لمجرد إجرائها فالقلق من شرعية الحكومة الوطنية التوافقية القائمة غير موضوعي وأن يكون هو نفسه من أية حكومة تالية ولكن الصائب أن نواصل العمل بجدية أعلى وأنشط وأكثر فاعلية لتوضيح الأمور للشعب وتقديم كل ما ينبغي تقديمه على الرغم من الحديث الدائر بخصوص احتمال التأجيل وهو الأمر الذي ينبغي قدر الممكن دفعه وإبعاده بالاعتماد على توضيح ما ينبغي توضيحه للناخب وعليه لابد من عقد اجتماعات موسعة بالكيفية المناسبة للوضع القائم في البلاد ..

ومن الصلات المنتظرة هي الصلات عبر القنوات الحزبية وعبر منشورات الأحزاب وعبر الصحف وعبر الفضائيات ووسائل الإعلام المتنوعة المختلفة وينبغي التفكير بجدية في كل وسيلة اتصال لكي نكفي الناس الإجابة عن تساؤلاتهم.. ونكفيهم الرد على تلك الهواجس كجزء من حقوق الإنسان المواطن في العراق الجديد حيث يعلو الإنسان على كل شئ آخر.. ولابد من دراسة كل الهواجس ومصادر القلق لكي نحقق انتخابات جدية مسؤولة ومن الصحيح هنا دفع كل عراقي لكي يصوت بإرادته الحرة لعراق الغد عراق الديموقراطية الفديرالي التعددي التداولي وإلا فلن نؤسس إلا لمأساة أخرى ولكنها أسوأ من سابقتها إذا ما أضعنا الفرصة التاريخية لبناء العراق المنشود...