أحزاب للسنّة أو الشيعة أم قوى طائفية تتطفل على جمهورها؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  12 \  07

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

تتصاعد إعلانات قوية النفوذ بخلفية الدعم المادي الإقليمي والدولي الذي تمتلكه فضلا عن انتهاز الفرص الظرفية القائمة على أسس الأوضاع الشاذة التي خلفتها عقود طويلة من تشويه المشهد السياسي العراقي. كما تسطو تلك القوى والأصوات على مساحات واسعة من الواقع سواء بالسطو بالإكراه عبر شقاوات وبلطجة مفضوحة أم عبر لوي ذراع المواطن البسيط بوساطة استغلال عواطفه الدينية ومشاعره وطقوسه بطريقة تدفع به إلى مواقف ليست في خدمته ولا خدمة طموحاته ومصالحه وأهدافه..

إنَّ أرضية استغلال المشاعر الدينية بخاصة منها الطائفية الأساس أو المنحى واستغلال طبيعة الأوضاع القائمة في راهن زمننا. وأرضية التحريم والتكفير والمصادرة، إنَّما تظل القاعدة للمزاعم التي تتلحف أو تتستر بها قوى مرضية طائفية؛ لا تمتلك غير برامج تخريبية رجوعية تعود بالإنسان إلى الوراء قرون عديدة وتضعه في تناقض مع واقعه ومع حركة متغيرات التاريخ وتشغله بمشكلات تنتمي إلى أزمنة غابرة فتشتت تفكيره بعيدا عن معالجة همومه الرئيسة المحيطة به..

تلك هي الأحزاب الطائفية سواء منها السنيّة الادعاء أم الشيعية الزعم. وبعض المأساة ما تكرره بعض أجهزة الإعلام وأقلام عدد من المثقفين والساسة والكتّاب من  تلك المزاعم المرضية حين تسمي الأحزاب بأسماء المجموعات الدينية المذهبية فتسمي مجموعة الأحزاب السنية! وتسمي مجموعة الأحزاب الشيعية! وكأنَّ هذه الأحزاب في جوهرها ذات طابع شيعي أو سني في حقيقتها؛ بينما الحقيقة تكمن في البعد الطائفي الانعزالي المرضي...

وتلك الأحزاب في ضوء الخطاب المعني تبدو كأنَّها هي الممثلة للشيعة جميعا أو للسنة جميعا ومن ثمَّ يبنى على مثل هذا التقرير مفهوم المحاصصة السياسية والتمثيل الواجب لهذه المجموعة السكانية أو تلك. وفي الحقيقة لا يجوز الحديث عمَّن يمثل فئة أو مذهبا أو طائفة أو غير ذلك قبل انتخابات صحيحة ناضجة متطورة الأداء تحسم من يمثل لمرحلة بعينها هذه المجموعة أو تلك من دون أنْ يعني ذلك استمرار التمثيل الأبدي للمجموعة فلابد من تذكر حقيقة مرحلية التمثيل ودورية التداولية ..

كما لابد من تذكر أن الحديث عن اختزال التمثيل في قوى حزبية بعينها هو مصادرة ليس للمجموعة حسب بل للفرد المكوِّن الأساس للمجموعة ومن ثمَّ سيؤدي هذا إلى الإحباط في الإيمان بالتعددية الديموقراطية وبمسألة التصويت لجهة بعينها طالما قدمت تلك الجهة نفسها مقدما كونها ممثلة مطلقة للجهة المفترضة.. وتلغي هذه التوصيفات (الطائفية) حق التصويت من أساسه فهي تنوب بالإكراه أو القسر عن المجموعة التي تزعم تمثيلها..

الحقيقة لا يمكن التعاطي مع حزب يختزل صوت المجموعة التي يستهدفها فمثل هكذا حزب يقوم على فرض رؤاه سلفا على ناخبه وهو بذلك لا يلتفت إلى صوت الناخب بقدر ما يقرر الموقف من عنديته .. ما يعني أنَّه سيكون قوة استلاب ومصادرة وإلغاء لكل حرية من حريات التعبير.. طبعا فضلا عن نفيه لوجود الصوت الآخر في داخل من يزعم تمثيلهم أي مصادرة حق الاختيار لممثل آخر.. فهل صحيح أن كل من ينتمي إلى الطائفة الفلانية هو مؤمن بالحزب الطائفي المنغلق المتسمي زعما باسمها أم يوجد دوما آخر يؤمن باتجاهات سياسية وفكرية مغايرة؟

إنَّ جمهور شعبنا العراقي معروف بألمعية وعيه وبأنَّه لا يمكن أن يهادن الجهات التي تصادره وتستغله وتعمل على إلغاء قيمه وتصوراته في التطلع إلى الحريات العامة المؤملة.. وعليه لابد من التعاطي مع المسألة من زاوية فضح السياسات الانعزالية التي تقودنا للتقسيم بين طوائف وفرق متناحرة تنتقم من بعضها بعضا ليس لجريمة ارتكبتها بل لجرائم اُرتـُكِبت بحق كل مجموعاتنا الدينية والفكرية وغيرها..

كما يلزم منع المجموعات العنصرية والطائفية ولابد من معالجة مسائل تخص دساتير الأحزاب ونظمها الداخلية ومنع كل ما يمكنه أنْ يدخل في إطار شق صف الشعب العراقي وتمزيقه إلى  شيع متناحرة وهي مسألة ليست جديدة مبتدعة بل كل شعوب الأرض صاغتها في قوانينها وهي من الأمور التي تنهض على قواعد المنطق العقلي الصائب..

إننا في الانتخابات الأولى التي نتقدم لإجرائها نريد لهذه الانتخابات  أن تمثل قوى الشعب الذي يصوِّت فيه كل فرد على أساس وجوده فردا مواطنا كامل الحق في اتخاذ أو تصور أو اتخاذ موقف من دون أن يتقاطع هذا مع انتمائه لفكر أو مجموعة ولكن من الطبيعي أن نرفض كل ما يتعارض مع تحقيق الإرادة الحرة للإنسان \ المواطن..  ومن ثمَّ علينا خوض معركة توضيح البرامج والفلسفات الخاصة بالأحزاب الوطنية وهنا سيكون من المهم إعلاء شأن فلسفة الحريات والحقوق الإنسانية بالضد من كل أشكال المصادرة..

وعلينا في الإطار فضح زيف الإدعاء بقدسية الحزب الديني وتمثيله لله على الأرض بما يزعمه من قدسية خاصة به وبأعضائه!!! فلا وسيط بين الإله والإنسان في العلاقة الدينية بينهما ولا قدسية لفرد أو برنامج لمجرد أنَّه يزعم طابعه الديني ومرجعيته المدعاة على أساس إلزام من يزعم تمثيله بوجوب اتباع الحزب المعني  أو إكراه الناخب على واحدية الخيار.. إننا اليوم في عصر الحريات الذي انطلق في عراقنا الجديد ولا يمكن أن يتوقف. وسيتعزز بخيار العراقيين توجيه البلاد نحو التعددية التداولية ومنع العودة لزمن الحظر والمنع والتحريم...

إنَّ مشكلة جدية خطيرة تجابهنا بسبب التشوهات الموجودة في الحياة العامة ولابد من دراسة الواقع العراقي في بنية قواه السياسية وتياراته وعلينا الحذر من تشكيلات تدخل علينا من بوابة الديموقراطية والانتخابات ولكنها تبيت علينا مصادرة حقنا في التداولية وفي متابعة مسيرة الديموقراطية فيما لو صعدت إلى سدة الحكم وبالتحديد في التأسيس للتشريعات الجديدة من منطلق تصوراتها المرضية القائمة على البعد الطائفي الانعزالي التمزيقي الشعب المتنوعة الأطياف...

ويعني كل مثقف بل يلزم أن ينهض بتركيز جهوده لكشف ما ينتظرنا فيما لو صوتنا على أسس عاطفية أو طائفية أو مذهبية ضيقة وفيما لو منحنا صوتنا رخيصا لمن يؤسس لاستلابنا الجديد وهذه المرة على قاعدة دكتاتورية القوى المتشددة المحافظة واليمينية الطائفية التقسيمية.. فهل كنا يوما سمحنا بتمزيقنا؟ وهل كنا يوما منحنا أصواتنا إلى قوة حتى قوى الطغيان؟ إذا لم نكن سلمنا وإذا لم نعطِ صوتنا للعبودية  يوما فليس علينا بيعه رخيصا لقوى تحضِّر لإلغائنا واستعبادنا بطرق جديدة ..

وبانتظار حوار ساخن من أجل حقنا في الخيار الديموقراطي الفديرالي التداولي التعددي وفي بناء عراقنا الجديد عراق الحريات والمساواة والعدل .. فهل سنقبل باستلاب عراقي حقه بسبب من فلسفة تلك القوى الزاعمة بحق طائفة على حساب الأخرى بل على حساب حق الطائفة ذاتها عندما يأتي الدور لأن حقيقة الأحزاب تلك تكمن في خدمة مصالح قوى ليس من بينها أية قوة عراقية...

ولابد من مناقشة عميقة لمفردات القوى الطائفية وبرامجها وتشريح تفاصيلها وتقديم ذلك للمواطن العراقي اليوم.. كما لابد من مطالبة كل قوة ببرنامج تقدمه وتلتزم به ما يدعو للمناقشة الجدية المسؤولة وأي تأخير من أية قوة هو عملية مماطلة وتسويف المقصود منها مخادعة الجمهورالعريض المتطلع للانتخابات..