وقفات انتخابية

هل يجوز للميليشيات الحزبية حراسة صناديق الاقتراع؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  12 \  19

E-MAIL:  t.alalousi@chello.nl

 

الانتخابات عادة ما تكون في مختلف بلاد العالم محمية بحراسة قانونية غير منحازة لطرف حزبي أو آخر.. ومن غير الجائز القبول بقوة حراسة لصناديق الاقتراع من جهة يمكن أنْ يُشتبه بانحيازها لجهة من دون غيرها. بل الحكومة نفسها ليست الجهة المخولة الإشراف على الانتخابات وإنَّما لابد من مفوضية مستقلة غير منحازة  للأمر...

وهكذا فعلنا في عراقنا الجديد بإنشاء تلك المفوضية بوصفها الجهة غير المنحازة والمنتظر منها أنْ تُشرِف على انتخابات عادلة ونزيهة.. وبالطبع مع وجود قضاء عراقي مؤمَّل فيه أن يكون حارسا جديا للمحتمل من الإشكالات في العملية الانتخابية...

ولكنَّنا هنا بصدد معالجة الوضع المخصوص من جهة وجود ميليشيات حزبية وقوى مسلحة محلية وأخرى عنفية من العصابات ومافيات السطو بالقوة على الشارع العراقي، حتى غدت بعض المدن والقصبات تحت السلطة المباشرة لحاكم هو رأس هذه المجموعة المسلحة أو تلك..

وإذا كان من المحتمل أنْ يقبل منطق العقل وجود مثل هذه القوى المسلحة على مستوى محلي بعينه وبقوة تسلّح بحجم محدود على أساس حجم السرقة أو التمويل القائم على البلطجة من جهة وعلى مصادر تمويل يمكن أن تكون معروفة ومحدودة بحجم من تسلبهم حقوقهم وممتلكاتهم؛ إذا كان هذا مقبولا فليس سهلا أنْ نهضم تفسيرا موضوعيا لوجود جيوش من الميليشيات الكبرى!!!

فبالأمس القريب قرأنا تصريحات أحد قادة الميليشيات وزعيم سياسي حالي يقدم تبرعا بوجود مائة ألف مقاتل! أكرر هنا مائة ألف مقاتل!! كما يقول لحماية صناديق الاقتراع!!! والسؤال الأول من أين لهؤلاء أسلحتهم؟ ومن أين لهم مصادر تمويل الأسلحة والأعتدة؟ ومن أين جاءت تدريباتهم وما ميادينها؟ وما خصوصية تلك التدريبات؟

فإذا كان الجواب قوات بدر وإيران مصدرا للتمويل والتسليح؟!! فإن المبادر للسؤال هل يمكن لكل هذه الأموال والأسلحة أن تكون غير منحازة وعادلة وتُصرف لسواد عيون العراقيين؟ وهل حقيقة أن لإيران كل هذه القوات في عراق يغذ السير لبناء سلطة وطنية ديموقراطية عادلة وتعددية تداولية تحفظ الحق لكل العراقيين على حد سواء، من دون تمييز وابتزاز...

وإذا كان هؤلاء اليوم بكل هذه القوة العنفية المسلحة وهم خارج السلطة فكيف بهم في الغد عندما يسطون على كل شئ عبر ابتزاز صناديق الاقتراع؟؟؟

إنَّ تصريحات كالتي أطلقها قائد قوات بدر السابق بأنَّ تلك القوات جاهزة  [لحماية صناديق الاقتراع؟] لايمكن أنْ تؤخذ على كونها عدم معرفة بضرورات الحيادية في القوات المنتظر أن تحمي تلك الصناديق ولا يمكن أن تؤخذ إلا كونها عمليات ضغط مسبقة على القوى السياسية الداخلة في العملية الانتخابية..

وأسئلة كثيرة يمكننا مساءلة تلك القوات عنها للتعرف إليها وإلى أنشطتها  وللكشف عن جملة الارتباطات والعلاقات بين الميليشيات الحزبية ومموليها أو مصادر تسليحها وتدريبها ودعمها اللوجستي بخاصة هنا تلك المائة ألف التي تمتلك الأسلحة الثقيلة والأعتدة التي تفوق حجم ما لدى القوات الرسمية؟!!!

ثم لمن تحتفظ الأحزاب السياسية البرامج بميليشيات مسلحة مدججة بهذا الحجم المرعب الذي يمكن بربع ربع حجمه أن نبتز بلدا بأكمله؟! علينا أن نضع هذه التساؤلات من أجل إجراء انتخابات عادلة منصفة في أجواء آمنة نزيهة ليس فيها وسائل ضغط أو ابتزاز أو غيرها..

فإذا كانت الأجواء ما زالت مبكرة على إمكان حلّ تلك الميليشيات فليس أقل من خروجها من المدن والقصبات والقرى في أيام الانتخابات قبل أسبوعين ولما بعد الانتخابات بأسابيع وإبعادها عن مراكز الانتخابات نهائيا.. وأنْ يكون قرار قاطع بأن أي حزب أو حركة تُدخِل قواتها المسلحة لميدان الاقتراع والتصويت تلغى قائمته ونتائجها...

أو أية صيغة مناسبة أخرى تضمن إبعاد الناخب من تأثير الضغوط العنفية.. وعلينا أن نستقدم قوات إضافية للحرس الوطني والشرطة العراقيين والقوات متعددة الجنسيات الدولية التي يمكن التوافق عليها لخدمة كهذه.

ويبقى الأمر الأهم في كل المسألة هو كيف يمكن لنا تمرير تصريحات كهذه من دون مساءلة في عراقنا الجديد؟  وهل يوجد ساسة فوق المساءلة؟ طبعا أن يكون هذا التوصيف على خلفية قوة وجودهم المالي المدعوم من إيران أومن غيرها أو المدعوم بميليشيات مسلحة ليس مستبعدا أن يكون عدد غير هيّن منها من قوات دولة أجنبية بخاصة على مستوى القيادات والتوجيه..

ما مهمات المفوضية العليا للانتخابات ومن هي الجهة التي لها الحق في المساءلة والمتابعة وحفظ حق الصوت العراقي في الاختيار من دون ضغط أو ابتزاز أو لوي أذرعة الناس بمصادر عيشهم في الظرف القائم المعروف..

أما المدافعين عن قدسية شخوص ونزاهتهم على الرغم من اعتراف تلك القيادات بارتباطتها ومصادرها المالية والتسليحية!! أما أولئك المتحمسين مستميتين من أجل مصالح إيرانية أو غيرها أو حتى أولئك العراقيين الذين يطمحون لسلطة ولكن عن طريق غير صحيح ولا نزيه فإن أولئك ليس لنا ولهم إلا القضاء سلفا نتجه إليه وحكومة تعمل ما يمكنها لضمان عدالة الانتخابات..

وليس لنا قبل كل ذلك وبعده إلا معرفتنا بشعبنا الذي لا يخشى التهديد ولا الابتزاز ولا يخضع لسلطة مال وليّ ذراع.. وثقتنا بشعبنا قوية وعودتنا إليه في التعرف إلى الحقائق هي مصدر القوة في إمكان أن نتجه بسفينة عراقنا إلى شاطئ الأمان في هذه الأجواء العاصفة..

ولكن يظل قويا مطلبنا في الوقوف على حقيقة الأمور ومنع تمرير مثل هذه التصريحات بلا محاسبة جدية على مستوى المسؤولية.  وعلى كل مناصري شعبنا أن يشدِّدوا تضامنهم مع شعبنا في مثل هذه الظروف العصيبة، وأخص بهذا التضامن كل قوى الحرية والديموقراطية والسلام ومنهم بالتحديد قوى شعبنا الموجودة في المهاجر ودورها في فضح مثل هذه التحركات ومساندة شعبنا في الوطن...

ولا يثنينا عن تحقيق العدالة لخيار شعبنا وحراسة معركته من أجل ترسيم مستقبله بأقلام معبرة عن رؤاه بمصادقية الخيار وليس مزيفه لن يقنينا تهديد أو ابتزاز بقدسيات مدعاة مزيفة وسنفضح مع معرفة شعبنا وألمعيته كل الأحابيل ونوقفها..