الذين نختارهم لكتابة الدستور الدائم ولإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\ 01 \25

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

الانتخابات الوطنية العامة قاب قوسين أو أدنى من لحظاتها الأخيرة.. وهي الانتخابات التي ستأتي بالجمعية الوطنية التي ستعمل على إعداد الدستور العراقي الدائم بعد زمن الدساتير المؤقتة أو دساتير [شخبطة الجهلة] من هذا الدعيّ أو ذاك الدكتاتور، كما ستأتي بحكومة المرحلة الانتقالية التي تعدّ لتطبيع الأوضاع وقيام دولة المؤسسات الديموقراطية التعددية..

فمَن يمكننا أنْ نضع خيارنا فيه ليتصدى لهذه المهمات؟ من الذين سنختارهم ليباشروا عراق التعددية والديموقراطية؟ مَن يمكنه توفير لغة احترام عراق الأطياف المتنوعة من كلدان وسريان وكرد وتركمان وعرب وصابئة وأيزيدية ويهود وشبك ومسيحيين ومن مذاهب وطوائف بكل ما احتوى واقعنا العراقي...؟

إنّ  زمن تحكّم الطغاة بالقرار من مرحلة كتابته وصياغته وحتى مراحل التنفيذ قد ولّى ولكنه لم يُخلِ الساحة بشكل نهائي ولن يخليَها من دون أنْ يتصدى كل عراقي اليوم لمسؤوليته في اختيار الإنسان أو المواطن المناسب للموقع المناسب. فإنْ أخطأنا الخيار كان ذلك ذنبنا نحن جميعا في وضع المسؤولية في غير موضعها..

من أجل ذلك فإنّ مسؤوليتنا اليوم تكمن في التصدي لحالات تزييف النتائج أو الإتيان بأطراف لا مصلحة لها تلتقي ومصلحة العراقيين أو مصادرة التصويت بقوة المال أو السلاح .. وعلينا من أجل ذلك أن نتذكر أن ظروفنا القاسية ليست مدعاة لبيع أصواتنا تحت أيّ نوع من الضغوط المسلحة أو المغرية..

لن يكون لصوتنا ثمن بخس رخيص بل لن تكون أصواتنا إلا شرفنا وهو ليس للبيع أو الخنوع والخضوع.. وأكثر من هذا وذاك لن تكون أصواتنا إلا حرة مستقلة أبية نزيهة لا نقدمها مجانا حتى لمرجعياتنا السياسية أو الفكرية أو الدينية حين نراها تمالئ ضغوطا خارج مصالحنا العراقية الوطنية الشعبية...

وبالمقارنة يمكننا القول إنّ الشعب بصوته الجمعي لا يخضع ولا يخنع لضغط أو غيره بينما يمكن أن يحصل هذا حتى للمرجعيات والقيادات لهذا السبب أو ذاك من التدخلات غير الطبيعية.. وطبيعة الأمر يحصل حيث الفرد محاصر بوضعه المخصوص ولكن لا يمكن محاصرة المجموع الشعبي..

ومجموع الشعب هو حالة التصويت السري الذي لن يكون عليه رقيب فأنت أيتها العراقية وأنت أيها العراقي وحدكما من يحدّد الاختيار خلف ستارة منفردة سرية لا أحد يتدخل وهناك سيكون الضمير الحي لكلّ عراقية وعراقي في اختيار الجهة التي يراها تحمي مصالح العراقية والعراقي الكبار والصغار الجيل والجيل اللاحق..

هذه المسؤولية تكمن في خطورة أنْ يكتبَ الدستور أناس ليس لهم من مصلحة إلا في بيع عراقنا لغيرنا والأخطر والأنكى في بيع العراقية والعراقي أنفسهما في سوق النخاسة!! وحينها لات ساعة مندم! ألا ترون إن الكتب الدينية المقدسة من قرآن كريم وإنجيل مقدس قد قررا للإنسان قدسية دفاعه عن عِرضهِ وأرضهِ وأنّ من يكتب الدستور ويحكم البلاد لصالح قوة أو مرجعية غير عراقية لا يمكن أن ننتخبه لتحريم ذلك دينا وضميرا...

إذن فليس لنا إلا أنْ نراجع أنفسنا في حقيقة ما يدعونا أيّ طرف للتصويت له؛ نحن مدعوون للمراجعة الضميرية لكي يكون اختيارنا على وفق منطق العقل لا العاطفة ولا الانتماء الحزبي الضيق. فقد أكون أنا من المنتمين لحزب أو حركة أوتيار أو مرجعية سياسية أو دينية وتنصحني تلك المرجعية بما أراه مخالفا لمصالح العراقي والعراق ، عليَّ إذن بعدها أن أختار خياري الذي أراه مناسبا للعراقي ولشرفه ولقيمه..

فهل اختيار حزب أو تيار يمالئ إسرائيل أو أمريكا أو دولة عربية أو إسلامية من غرب عراقنا أو من شرقه هل ممالأة سورية أو إيران أو غيرهما هو أمر سويّ يقبل به منطق العقل؟ هل اختيار قوة تعمل لتنفيذ مصالح حكام تلك الدول سيكون من مصلحة شعوب تلك الدول ومصلحتنا نحن العراقيين أم هو أمر يصب في مصالح حكام طغاة يصادرون شعوبهم وأممهم قبلنا ويريدون توسيع دائرة نفوذهم بإلحاق العراق والعراقيين بالسطو على مقدراتنا؟

لنفكر ونتدبر فلا أحد هو الذي يقول لنا أين نضع ضميرنا وصوتنا ورجاحة عقولنا وليس لسلطة حزبية أو سياسية أو حركية أو مرجعية دينية أن تلغي سلطة ضمائرنا و عقولنا فنعطيها أصواتنا رخيصة بلا ثمن لجهات لا علاقة لنا بها إلا عداءها لمصالحنا وكرامتنا وقيمنا وتصوراتنا فهل نعطي أصواتنا لجهات كتلك لأنّ المرجعية الفلانية رغبت فيها لسبب لا نعلمه ولا نعلم أمر إرسالنا إلى حيث لا مصلحة لنا فيه!!!

يجب أن يكون الخيار كامنا في حرية إرادتنا واستقلال قرارنا الشخصي والجمعي ومنع تبعيته لأي كان فلا عبودية لغير الله ولا مرجعية لغير كتبه المقدسة فلماذا أسلّم أمري لشخص في قضية خاصة هي قضية إرادتي وحريتها ، حريتي في اتخاذ القرار الأصوب؟! هل صحيح أن يكون قائدي ومنقذي ومعالج مشاكلي موجود خارج بلادي ومن غرباء لا علاقة لهم بالوطن والشعب؟

لأسأل نفسي لحظة التصويت هل المسألة تخص  أمرا يتعلق بسؤال مرجعيتي؟ هل اختيار أبناء وطني أمر مخطوء مغلوط حتى ينصحني طرف باختيار قوى تابعة لجيران أو لغريب؟ هل عقم العراق لكي اختار من أعرف تواطئهم مع هذه الدولة أو تلك؟ هل الخيار أن آتي بشخص لمجرد حمله لقب عشائري أو ديني طائفي يسوّق به نفسه وأنا أدري بنشاطاته المعادية لأبسط معاني وجودي الحر المستقل؟

من يريد بيع الوطن ويريد بيع الإنسان ليصوّت عبثيا لتلك القوى التي تأتمر للقوى الإقليمية والدولية ولكن ليتذكر حتى هذا الشخص أن من يبيع أهله ونفسه لن يشتريه حتى الذين يخضع لسلطانهم اليوم إذ سيعطونه دراهم أو تومانات ولكن غدا سيأخذونها من لحمه ودمه وكرامته.. فمن يقبل؟

لا تترددوا، لا تقبلوا ، لا تسمحوا بالبيع والخضوع .. دعونا نختار سويا من يكتب الدستور الذي يحترم العراقي في تنوعه القومي والديني والمذهبي والسياسي والفكري وفي خيارنا هذا لن نمنع أحد من هواه حتى الذي يجد هواه في قوى غريبة على العراقيين ولكننا إذ نختار تلك القوى الخنوعة سنبيع العراقية والعراقي والعراق في سوق نخاسة قذرة .. فهل نفعل؟

بذمتكم أيها العراقيون الشرفاء أن تذكروا تاريخ من تنتخبون وحاضره واحتمالات مستقبله.. بذمتكم أن تقولوا لا للشمولية والمصادرة حتى لو كانت باسم ما نعتقد به من دين ومذهب وطائفة وفكر وسياسة وبرامج .. بذمتكم أن تقولوا للحق إننا عراقيون نؤمن بعراقيتنا كونها حالة من التعدد والتنوع في كل شئ.. بذمتنا أن نرفض ترشيح قائمة حزبنا وهو يطرح علينا أن نستلب الآخر وأن نسطو وأن نصادر وأن [أية كلمة استغلال أخرى مثل المصادرة والاستلاب] .. أن نختار القائمة التي يحمل برنامجها بعدا وفراقا عن الخضوع والخنوع وعن المصادرة والطغيان..

فمثلما  يريد المسلم وجوده ينبغي أن يحترم المسيحي والصابئي المندائي والأيزيدي ومثلما نريد للعربي نريد للكردي والتركماني والكلداني والسرياني والآشوري والأرمني ومثلما نريد للمتدين نريد للعلماني فلا وجود لعراق صحيح الأجواء بغير هذه التعددية... لماذا تعايش آباؤنا بسلام وخير وتعاون ووئام ونحن لا؟!! لماذا تعايشوا في السراء والضراء ونحن نخنع لفوز مريض يأتي في استغلال اللحظة أو استغلال ما يُسمى أغلبية؟!!

لا نقبل لأنفسنا بالسطو في جنح لحظة من الزمن غير طبيعية على سلطة انتظرها العراقيون طويلا لكي تكون حرة تحترمهم جميعا.. إننا ننتخب قوى التنوير لأن انتخاب قوائم الطائفية يجعلنا رهن لجهات غير عراقية وإذا كان هذا مسوغا دينيا فهو غير مبرر على صعيد شخصيتنا وهويتنا الوطنية ولن ينفعنا بعدها أن نتوسل لقمة لأطفالنا تكون من حر أثداء حرة صارت عبدة لإيراني أو سعودي أو سوري أو ما شئتم من أشكال التبعية..

لآ لكل طرف يدعونا لاختيار قوائم الطائفية الظلامية حتى لو أسقط على نفسه ألقاب المرجعيات المقدسة أطنانا تناطح السماء ولكنها لا تسطيع أن تقترب من بيع بله مسّ شرفنا شرف هويتنا العراقية الناصعة البيضاء السامية.. ونعم لخيارنا كل قائمة نجدها لا تتبع ولا تخضع لا من قريب ولا من بعيد لجهة غير عراقية ليكن خيارنا عراقي متنور يؤمن بالتعددية والتنوع ..

فالذئن نختارهم ويكتبون لنا الدستور ينبغي أن يكتبوه عراقيا بهوية عراقية أي تعدديا يضمن الحريات كافة ولا يفرض دينا أو مذهبا أو فكرا أو معنى يصادر ويستلب أي طيف عراقي مهما صغر حجمه العددي فكل عراقية وعراقي له  كامل الحقوق ليعيش بطريقته وحريته التي لا تتقاطع مع حريات الآخرين ولكنها الحرية التي يكفلها الدستور..

أما أن يتسابق بعضهم بخاصة أحزاب الطائفية إلى الفوز بما يقمع الآخرين في ظروف غير طبيعية يمتلك بها سلطة السلاح والميليشيات التي تحمله مدفوعة الأجر مرتزقة لجهات أجنبية أو لمال يأتي من تلك الجهات فإننا نرفض نحن العراقيين منح هؤلاء أصواتنا لأننا ندرك بأنّ ذلك ليس غير بيع النفس والعرض فهل من يقبل؟ بالتأكيد لا بل كلا سنسمعها من كل شريف..

إنّ العراقي اليوم مسؤول عن صوته لا يخضع لسلطة قمعية تستلبه بل هو حر وعليه أن يختار قوى التنوير التي يرى كونها تقود الحكم إلى احترام الديموقراطية التي نريد، التعددية التي نريد.. عليه أن يختار ويقرر بكامل الاستقلالية ولا ينخدع أو يمالئ هوى أو ميلا أو انتماء بقدر ما يؤمن بحق العراق أن يعيش تحت سلطة تحترم العراقيين وتؤمِّن لهم الخير والوئام لا تسلـِّط قوة على أخرى ..

لا يقولنَّ أحد أنه ينتخب حزبه أو حركته أو مرجعيته الدينية فهي الأفضل بل لننتخب الجهة التي تسمح لنا بتوازن القوى ومنع انفراد قوة بالسلطة الانتقالية إذ سيقول العراقيون إننا هنا نختار التوافق والتعاضد والوحدة الوطنية التي لم تفعلها أغلب القوى السياسية ذات المصلحة الضيقة والنفعية والخنوع لجهات إقلمية ودولية..

وعلينا نحن الصوت الشعبي أن نفرض خيار التعدد والتنوع، خيار التنوير والديموقراطية، خيار السلام والاستقرار، خيار احترام بعضنا بعضا.. قد يكون من وجهة نظري الشخصية هذا متوافر في قائمة بعينها لكنني أفضل ترك أمر خيار القائمة للمرأة العراقية والرجل العراقي بعد أن أشرح له وأذكّره أن الذي ألغى قانون الأحوال الشخصية عندما تسلم السلطة شهرا واحدا فقط معروف عند نسائنا ورجالنا المتنورين والذي قدم مائة مليار دولار لإيران عن حربها مع صدام ليس سوى الزعيم الذي يملك الميليشيات المسلحة [بدر] التي تفرض سلطان إرهابها بقوة سلاح إيراني ودعم لوجستي وغيره منها والذي يدعو للطائفية ولتقسيم العائلة العراقية المتكونة من مسلم ومسيحي ومن شيعي وسني إلى أقسام حيث نأتي غدا ونحن لا يستطيع أبناؤنا أن يذهبوا لأخوالهم أو أعمامهم لأن هؤلاء من طائفة وأولئك من أخرى والسيد القائد المرجع يدعونا أن ننتخبه لينفذ تبرعه لا بأموال العراقيين الذين لا ذنب لهم في الحرب الدموية ضد الجارة إيران بل بحيواتهم وأعراضهم حيث يرهن وجودهم بسلطة دولة ومصالحها ومصالح حكامها بالذات وليس حتى شعوبها!!!! وبرنامجه الانتخابي واضح في هذا الشأن ويمكن لأي عاقل أن يطلع عليه ويفك طلاسم المخادعة التي يتحدث عنها ذاك البرنامج؟!

لا عليكم أيها العراقيون صوتوا لقائمة تضم جميع الأطياف بالتساوي من دون تمييز تضم المسيحي والمسلم وتضم الشيعي والسني وتضم الأيزيدي والصابئي المندئي وتضم العربي والكردي والتركماني والكلداني والآشوري والسرياني وتاريخ أصحاب تلك القائمة واضح بقائمة التضحيات الجسام التي قدمتها من أجل الشعب أليست قائمة اتحاد الشعب هي القائمة الوحيدة التي تضم سمات الخير والتوازن القومي والديني والمذهبي والفكري السياسي؟؟

قد يكون التصويت لاتحاد الشعب فيه تردد من عدد من المواطنين بحجة أو ذريعة ولكننا يمكن أن ننتخب أية قائمة مجاورة تمتلك في برامجها ما يقارب التحالف مع اتحاد الشعب ويحقق أماني الشعب وتطلعاته فقائمة وطني والقائمة الكردستانية وقوائم المجموعات القومية التي يسمونها خطأ الأقليات وهي تمتلك كامل الحقوق  وقائمة حمد والقاسمي والخضر والمحافظة على بيئتنا وقوائم أخرى تحمل الطابع الوطني العراقي الذي يجمعنا ويوحدنا لا يفرقنا ولا يقيسنا بمقاسات الطوائف فيكون خال أولادي في بقعة وعمه في بقعة نقيضة كما يريدوننا أن نكون شراذم مقسمة متناحرة تخضع للتخلف ودواعيه..

إذن لا تنتخبوا من ترونه بأية سمة غير عراقية الهوية لأي سبب كان ولنقف وقفة شجاعة في الأمر وانتخبوا مجدكم وعزكم واستقلالكم وحرياتكم والسلام في ربوع بلادكم والوحدة الوطنية وحرية الإرادة والتنوع والتعددية والديموقراطية والفديرالية التي تحمينا من أيام سود أخرى ,, أثق بالصوت العراقي النبيل وأثق بالعراقية الأصيلة ... نحن في الطريق لخيار الحرية والسلم والديموقراطية والإخاء والعدل والمساواة ولا بديل لنا عن هويتنا السومرية العراقية البابلية الكلدانية الآشورية تاريخ من الوحدة والتحضر والتمدن لا نتراجع عنه ولا نسلّمه أو نبيعه ولا إرهاب يجعلنا نخنع لصوته فنبيع له أولادنا ومستقبلهم...

ها أنا ذا أصوِّت لاتحاد الشعب على أقل تقدير من أجل منع استفراد قوة بكتابة دستورنا الدائم فكيف بي وأنا أعرف حقا بكون برنامج اتحاد الشعب هو برنامجنا الوطني الديموقراطي برنامج كل العراقيين نحو السلم والحرية والاستقلال والحياة السعيدة الكريمة.. ومعي عائلتي العراقيين جميعهم بكل الأطياف والألوان... رحبوا معي بخيارنا المشترك مهما تنوع ومهما تعدد ولكنه العراقي الهوية فقط العراقي الخصوصية فقط لا غير...