ما مسؤولياتنا في اللحظة الراهنة من مسار الانتخابات؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\ 01 \27

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

تقترب ساعة الاختيار وانتخاب ممثلي الشعب في الجمعية الوطنية العراقية التي ستعكف على تهيئة الدستور الدائم وإعداده للاستفتاء الشعبي بالاعتماد على خبراء من وادي الرافدين ووطن التشريعات والقوانين وأصولها الأولى.. وتتزايد مع اللحظات الحاسمة هذه حالات التنافس من أجل تقديم البرامج المتنوعة المختلفة وإيصالها لجموع الناخبين في ظروف بالغة التعقيد..

وإذا كان أمرا عاديا [ولا أقول طبيعيا] أن توجد قوى منسحبة أو مقاطِعة أو معترضة فإنّ المهم في الأمر في اللحظة الراهنة هو تدقيق مسار العملية الانتخابية ومنع التجاوزات والاعتداءات المحتملة وقطع الطريق على تشويه العملية أو تزويرها أو الانتقاص من مفرداتها بما يغيّر ولو نسبيا أو جزئيا من صحة النتائج والخيارات...

وسيكون أروع نجاح للقوى المسؤولة أنْ تتحقق من نزاهة العملية الانتخابية لضمان حراسة الصوت الانتخابي وتطمينه إلى صحة النتائج المؤمّلة فيها. أما القوى التي يمكنها الاشتراك لضمان شروط نجاح الانتخابات ويجب فيها ذلك فهي ليست الحكومة وقواها الخاصة لوحدها بل كل القوى المدعوة لنصرة شعبنا وتوجهاته .. كذلك فإنّ القوى الشعبية الحزبية والتيارات والجمعيات والمنظمات وكل مؤسسات المجتمع المدني مدعوة لتوكيد دورها الفاعل والجدي المسؤول تجاه هذه الإشكالية...

أما كيفية المساهمة بجهودنا فتكمن بعد مرحلة التسجيل في مراجعة القوائم الانتخابية وتوكيد تصحيح الخطأ في تسجيل الأسماء أو سقوط بعضها من التسجيل كما ينبغي الشروع في توضيح احتمالات إضافات خاطئة زيادة أو نقصانا في أسماء الناخبين وعلى القوى الشعبية كافة أن تتصدى للمثالب بروح مسؤول هادئ بعيد عن الإثارة ما يساعدنا على تجنب جملة من المشكلات ..

مؤسسات المجتمع المدني مسؤولة اليوم أن تبرر وجودها وتقدم أسباب أهميتها بالدخول بقوة في العملية الانتخابية توعية ناشطة وتوضيحا وقراءة في القوائم ومعنى اختيارها وتأثيراته بموضوعية وحيادية إيجابية فضلا عن مهماتها في الإشراف على الصناديق تصويتا، اقتراعا، وفرزا للأصوات ومن ثمّ فهي مطالبة أولا بتصفية انقساماتها واختلافاتها ومشكلاتها الثانوية نسبة للمسؤولية الأولى الآن.. ومن الطبيعي فإنّ ترك بعض المشكلات لا يعني قطعا نسيانها ولكن تقديم الأولويات هو الطبيعي الصحيح.. كما إن التأجيل المؤقت للنظر في الإشكالات الخاصة بمنظمة أو تجمع أو تيار أمر لا يعقده بقدر ما يساهم في توفير أجواء صحية للحل مع التعاطي مع الموضع الأهم في اللحظة الراهنة..

إنّ المسألة الأكثر حيوية اليوم تظل موضوعة الانتخابات وآليات إجراؤها على الرغم من بقاء التوقعات لمفاجآت غير محسوبة ولكنّ الواحد منّا يتعامل مع الواقع والفعل لا مع الغيب والمحتمل.. وعليه فإننا بصدد تركيز واضح على مفردات الانتخابات.. ومرة ثانية نشير إلى متابعة الدعاية الانتخابية وكل خطوات أو آليات الفعل فيها وما يعتورها من ثغرات متوقعة وعلى تصرفات القوى المشاركة في العملية وما ينجم عنها من تأثيرات سلبية أو إيجابية وفي ضوء ذلك التعاطي مع ردود فعل مناسبة لكل حالة..

لا ينبغي أن نترك مهمة الانتخابات لتجري بأيدي محدودة الطاقة فتضافر الجهود وتعاضدها يمنحنا فرصا مضافة للنجاح وللتقليل من الأخطاء والثغرات.. كما يجعل من المساهمات قوى إيجابية بتوجيهها في نهر الطريق الصحية الصحيحة الصائبة بخلاف التفرق والتشرذم والعمل على أساس حزبي فئوي ضيق ما يعني تزايد مخاطر الصاراعات المؤدية لخلق مخاطر من نوع جديد تتهددنا جميعا..

إن حسن النية وصحة المقاصد يجعلنا نتجه لمثل ما تدعو إليه هذه الكلمات المرسلة بالبريد العاجل إلى ضمائرنا ونحن نتجه في كل لحظة لحسم خيارنا وتحديد توجهاتنا.. وليتذكر كلّ منّا أن صوته ودوره كبير بحجم عراقنا وتاريخه وكلما افتقدنا مساهمة افتقدنا خطوة وخلقنا ثغرة أو مثلبة بوجه مسارنا الديموقراطي المؤمّل...

وبخصوص الاختيار فإننا ونحن نتجه إلى صندوق الاقتراع علينا أ، نحمل ضمائرنا بين الجوانح هنا حيث العقل والرشاد وصحوة العقل بعد آلاف من السنين العجاف التي استلبتنا أصواتنا واختزلتها في طغاة لا يفقهون ولا يعرفون، فهل من الصواب أنْ نعيدهم أو أشباههم بأيدينا لأننا نؤمن بمرجعية سياسية أو دينية؟؟ هل من الصحيح أن نختار ما يقال لنا أم أن نحكِّم ضمائرنا وعقولنا حيث الخلوة التي لا يرانا فيها أحد سوى الضمير وصحوة العقل والتماعته، حينها نخط علامة الصح حيث نختار الديموقراطية والحرية والتفتح والتطلع لغد أفضل؟

إنّ من يجعلنا نختار هو ضمير يختزن تجاريب الماضي ويعتصر آلامه ليكوّن قرار الحاضر ويصنع أرضية المستقبل ليس الذي يقرر عنّا أي طرف كان إلا ضميرنا الحي وعقلنا الناصح.. فلا نتركنّ الأمر بيد دعوة من طرف .. علينا هنا فقط الرجوع لحكمنا المستند لخبراتنا ومناقشاتنا الموضوعية الصائبة في تحديد أي البرامج أقرب لتحقيق احترام الذات والآخر في عملية انتقال جذري من عالم العبودية والسلبية إلى عالم الحرية والإيجابية. فهل يتحقق مثل هذا في مرجعيات دينية أو سياسية قدمتنا وتقدمنا على طبق من فضة لأعدائنا أو لمالك جديد يقبع خلف حدودنا وخارجها فنأتي وندخله إلينا بل نضعه بين جلودنا والروح!!!

لا تتركوا للخيار الحزبي والانتماء العائلي والعشائري والقومي والمذهبي والديني سببا لنخطئ خطأ لا رجعة أو قيام بعده إلا بخسارة دهر آخر أكثر هولا مما سبق!! علينا أن نختار بحرية وبقرار يستند إلى منطق العقل وأسسه لا إلى سلبية الأمس حيث نترك للآخر يقرر عنّا ويتخذ مسار الفعل باسمنا وبأصواتنا ولكن بإرادة غير إرادتنا!! هل يقبل حر أن يبيع حريته بلعبة المرجعية أيا كان جوهرها؟

تلك هي مسؤولياتنا أن نتصرف بسلوك الأحرار لا العبيد فقد وُجِدنا وخلقنا أحرارا لا عبيدا وما ينبغي لنا فعله هو استكمال قرارنا واتخاذه بإرادة حرة، بنفس مطمئنة، بروح ناصح وبعقل نابه... ليكن موقفنا دقيقا في صواب توجهه ولنراقب ونحمي صحة القرار والمسار....