المنطقة ومحاولات إشعال القلاقل والفتن؟

جريمة اغتيال الحريري شرارة لها!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\  02 \  14

E-MAIL:  tayseer54 @hotmail.com

 

الشرق الأوسط يدخل مرحلة من المتغيرات الكبيرة بُعيد سقوط أعتى دكتاتورية وأخطرها تهديدا في المنطقة بخاصة وقد كانت سببا في إشعال أكثر الحروب كارثية بعد الحرب الكونية الثانية. وعليه فإنَّ الصراعات في اللحظة الراهنة هي على أشدّها وفي مقترب خطوط التحولات الكبيرة المنتظرة. ومن هنا كان الترابط بين دول المنطقة ومراكز التأثير والقرار الدوليين مباشرا ومتينا، الأمر الذي يعني فيما يعنيه قوة الأفعال وردودها في الميادين الشرق أوسطية...

فهذه هي الصورة في عراق ما بعد سقوط الطاغية حيث القوى المندحرة ترقص رقصة المذبوح  المنتهي، وهذه هي القوى المتشددة المتطرفة تحاول الضرب في مختلف دول المنطقة كالسعودية والكويت وتحاول جهدها العبث بمقدرات أهالي المدن الآمنة.. وصبيحة اليوم تندفع تلك القوى صاحبة المصلحة في إشعال الشرق الأوسط ومنع أية متغيرات سلمية ديموقراطية فيه لتقوم بعملية إرهابية إجرامية  تمثلت في اغتيال السيد رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق؟!!!

وهي تدرك أنّها بهذه الفعلة الشنعاء تضرب حيث الجرح ما زال لم يندمل بعد في البلد الذي خاض حربا أهلية أهلكت في أتونها الزرع والضرع وقضت على عشرات ألوف اللبنانيين وعوّقت وأصابت مئات الألوف، فضلا عن مديات الانقسام والتشرذم التي وضعت فيها البلاد.. وهي تدرك أيضا أنّها بفعلتها تلك تطلق رصاصة إنْ أصابت فإنّها تصيب في مقتل السلام الذي دفع من أجله هذا الشعب كثيرا من أبنائه وبناته قرابين من أجل إزالة غمة الموت الأسود الذي خيّم طويلا...

كما إنّ زعزعة استقرار لبنان له أثره الكبير في الضغط على سوريا من جهة وعلى الامتداد بعيدا في بلدان الجوار المعنية بالقضية اللبنانية، بخاصة والشخصية التي تمّ تصفيتها هي واحدة من أبرز الرموز التي صاغت الحلول المقصودة لما بعد الحرب التصفوية الأهلية.. ومن ثمّ فإنّ أبرز هدف للعملية الإجرامية يكمن عبر تفسير حجمها في استهداف هزّ الاستقرار وتمزيق الوحدة الهشة، وفي محاولة إثارة الرعب في القوى النبيلة التي تتصدى للحلول الوطنية في المرحلة الراهنة بل حتى بث الرعب في أوساط القوى التي تتجه اليوم لبناء شرق أوسط خال من الهزات والمشكلات الخطيرة التي نالت من شعوبه كثيرا..

طبعا مع التوكيد على مسائل من نمط تهديد القوى الوطنية التي بدأت للتو تنسيق جهودها والتعبئة من أجل صوت لبنان المستقل الحر بعيدا عن كل أشكال التدخلات الإقليمية والدولية وبعيدا عن وصاية الاتفاقات المؤقتة التي صيغت في ظروف توازنات ومصاعب هاوية الحرب الأهلية وآليات لوي الأذرع التي كانت يومها دافعا لعدد من الصياغات المرنة قابلة التفاسير المتعددة المتقلبة..

وإذا كانت الأمم المتحدة قد أعلنت صوتها في ظرف دقيق من تاريخ المنطقة ومن تحولات التوازنات في الداخل اللبناني فإنّ ذلك قد يكون مما ألهب فتيل السباق المحموم من أجل الاصطفافات الجديدة وهي اصطفافات بعضها يتطلب تحولات عميقة قبل أن يندرج في السياق اللبناني السياسي السلمي بالإشارة إلى قوى مدعومة من دول إقليمية وليس لها أبعد من الوجود المسلح ومن الدعم الإعلامي المهول من مصادر وجود تلك الميليشيات والقوى...

وهكذا سيكون التصدي للمشكلات والمجابهات القائمة اليوم مستندا إلى قراءة لبنانية  حقة فهي القراءة الوحيدة التي يمكنها أن تشخص الحقائق وأن تعطيها ما تستحقه من اهتمام ومن معالجات جدية مناسبة. ومن ذلك التصدي لمحاولات القلقلة وتخريب الاستقرار والشروع باصطدامات خطيرة مجددا.. وهو الأمر الذي ينبغي للبنانيين التعاطي معه بروح من الحكمة تميزوا بها في معالجة أوجاع الحرب ومآسيها منذ برهة من زمن توقف الأهلية مقصلة شعب الديموقراطية والتحرر..

إنّ ما يجابه الحكومة اللبنانية هو في مزيد من الدقة والسرعة في معالجة قضية متابعة المجرمين الجناة وفي الكشف عن هوياتهم.. فيما على الإعلام اللبناني والصديق أن يتعاطى مع الجريمة من منطلق التوكيد على المستهدف وهو الشعب اللبناني ووحدته وإعلان حركته في الفعل الديموقراطي السياسي السلمي.. بينما الطرف الةحيد الذي يمكنه تفويت فرصة التهديد الحقيقي هو الشعب اللبناني وحركاته الوطنية والديموقراطية ..

بالتحديد كل قوى الشعب الحية التي لم تنشأ عن تفريخ أومفاقس البيض الأجنبية والذاكرة اللبنانية الحية المتمتعة بالروح الوطني ستعاود قراءة مصادر وجود هذه القوة الكبيرة أو تلك وستعاود قراءة حقائق الأمور ومجرياتها لا كما تمّ تصويرها ورسمها في مطابخ تلك القوى المصنّعة بل كما يريد الشعب اللبناني وستستطيع الحركات الشعبية تمييز تلك الحقائق وفرزها في اللحظة العصيبة الراهنة  بالاستناد إلى دعم قوى التحرر والمساندة الدولية النزيهة التي يختارها شعب لبنان وليست التي يختارونها له في العواصم الأخرى..

إنّ استشهاد زعيم لبناني من طراز الحريري ينبغي أن يسجل ردة فعل بحجمها باتجاه مزيد من الوحدة الوطنية بلقاء وطني شامل يجمع القوى اللبنانية ويضعها على طريق تقرير مستقبله وتحديد كيفيات التعاطي مع القرارات الدولية من جهة ومع الوضع الداخلي وآليات المجابهة وشروط التعايش وطنيا على أساس سلمي ديموقراطي لا أثر فيه لأنفاس الطائفية والتوزعات التمزيقية التي تعبث بكرامة لبنان وسيادته  وتستهتر بخصوصياته التاريخية..

إنّ نزعات البيع والشراء ببلاش بلبنان وأهله يجب أنْ تلفظ أنفاسها اليوم وتتحطم على صخرة الوحدة الوطنية من جهة وقوى اللحمة الديموقراطية ومنع الاختراقات التي عاثت طويلا بمقدرات اللبنانيين.. وليختر أهل لبنان شياطين الأرض والسماء فهذا حقهم أولا وآخرا وليمتنع أي طرف عن التدخل ومدّ أصابع المصالح من ايّ نمط غير مصلحة أهل لبنان وحدهم ولا غير..

ليخرج اللبنانيون عن بكرة أبيهم ليخرجوا معلنين أن شهيدهم الرمز لن يكون وسيلة تمزيقهم وتحاربهم بل يسيرون خلف إرث نشاطه وجهوده من أجل لبنان في طريق واحدة تنهي مآسي الأمس وتبدأ مسيرة الحل الأخير الحل الذي يعيد للبنان كرامته وسيادته ومنعته وتقدمه في طريق السلم والبناء.. ألا ترون ماذا يعني تهديد الأمن والسلم من مخاطر يعرفها أهل لبنان قبل غيرهم؟؟!