ردود الفعل المتساوية على الأفعال المختلفة

وآثارها السلبية

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\  02 \  18

E-MAIL:  tayseer54 @hotmail.com

 

 

لكلِّ فعلِ ِ ردّ فعلِ ِ يساويهِ في المقدار ويعاكسه في الاتجاه، ذلك ما تعلمْناه  من العلومِ ودروسِها؛ ولكنَّنا في الحياةِ اليوميةِ كثيراَ َ ما صرْنا نصادفُ أو نجابهُ حالة من التشنّجِ المتطرف إلى أبعدِ الحدود، كردّ فعل على أفعالِ ِ هامشيةِ ِ أو تافهة أو على أخطاء صغيرة.. ما يعني تصعيد طبيعة الاستجابة على فعل بمقدار محدود بردّ فعل بحجم مضاعف بمقادير مفتوحة...

وقد يكون بعضُ تلك الأفعال صحيحاَ َ وليس خطأَ َ ولا حتى غلطاَ َ كما نعتقد أو نظن، أو قد يكون أمراَ َ يحتملُ الأوجه المتعددة حيث ما يراه طرف صائباَ َ لا يجدُهُ الطرفُ الآخر كذلك.

وبقراءة تطبيقية للأمر نجد سلوك كثير من الآباء تربويا يُصْدِرون العقوبات بحق أبنائهم بقصد التقويم والتربية ولكنّها تأتي من التشنّج والقوة فتكون ردّ فعل سلبي لا فعلا تربويا إيجابيا! وهو تحوّل أولاَ َ: من الخطورة أنْ يكونَ الآباءُ في موضع التالي أيّ في موقع ردّ الفعل وليس الفعل والمبادرة... وثانياَ َ: في تساوي ردود الفعل (العقوبات وما شابه) الموجهة للأخطاء الكبيرة مثل تلك الموجهة للأخطاء الصغيرة التافهة ...

ومثل هذا السلوك أو التصرّف ينجم عنه ردود أفعال سلبية خطيرة في بناء الشخصية وكذا على المستوى الاجتماعي العام.. حيث نجد ردود أفعالنا في بناء العلاقات على وفق مساواة الثغرات أو الأخطاء المتباينة المختلفة وهو أمر غير سويّ بالمرة...

وقد يكون بعض السبب في مثل هذا عائدا لجملة من التراكمات والتعقيدات، ولامتناع أو افتقاد الحوار المباشر أو عدم وجوده نهائيا؛ فضلا عن حالة عدّ مسألة هامشية القشة التي تشعل غضب القطيعة والعداء بلا أساس موضوعي لمثل هكذا قرارات.. أليست هذه بعض أخطائنا في حياتنا اليومية وتفاصيل يومنا العادي؟

لكنّ المشكلة ليست في الإجابة بالإيجاب عن تساؤلنا هذا والتوقف عند هذا الإقرار. وإنّما المشكلة التي يمكن تلافيها عائليا وقرابيا في علاقاتنا الاجتماعية، ليست كذلك في حياة الجمعيات والأحزاب السياسية.. إذ كثيرا ما نصادف اليوم انفعالات مفتوحة الحدود ما يعرِّض علاقات الزمالة والرفقة لتهديدات جدية وهو الجانب الأكثر أهمية في توجّه مقالنا..

هنا بالتحديد يكون لدور الشخصنة والفردنة واختلاط الأمور العامة بالخاصة أو الموضوعي بالذاتي، قوةُ الفعل السلبي الشديد في الإيقاع بمسيرة أعمال الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وأنشطتها.. ويمكنني هنا أن أضع تجاريب أغلب تلك المؤسسات الجمعية أمثلة حية على ما أتناوله في القراءة هذه...

فعندما يتعلق الأمر بمسيرة مشروع يتصدره زميل؛ تكون معالجات الزملاء الآخرين وتصوراتهم النقدية في ذهن ذاك الزميل سهاما موجهة إليه شخصيا وإلى وجوده الإنساني الشخصي.. وتبدأ حالة من الصراعات الذاتية التي تشغل الزملاء عن الجوهري الموضوعي من الأمور بل توقف أية معالجة منتظرة على الصعيد الموضوعي العام!

ولا يجدي بعد اشتعال المشكلة وقدحة أو شرارة الاختلاف بين طرفين أية محاولات لإعادة الأمور إلى نصابها.. قبل أنْ يعمل كل طرف على تصفية حساباته بردود فعل تصعيدية في جوهرها ومضمونها تصاعدية في شكلها وآليات استمرارها...

وعليه فإنني أجدني هنا مشدِّداَ َ على ضرورة ضبط النفس في يومياتنا وتفاصيلها وفيما نجابهه من مصاعب وظروف سواء على الصعيد التربوي الشخصي أم على صعيد العلاقات العامة ومجريات مسيرتنا من أجل بناء مؤسسات مجتمع مدني صحية صحيحة لا عليلة سقيمة..

ولابد من التفكير في أن نكون فعلا إيجابيا مع أبنائنا ومع محيطنا لا ردّ فعل سلبي معهما.. وأن نضبط الحجم المناسب لكلّ ردّ فعل نختاره وألا نُفـْرِط في التعاطي مع حالات بعينها بطريقة انفعالية قد تودي بمستهدفاتنا النبيلة وتضعها في موضع الخسارة والتضييع..

فسمو وجودنا الإنساني يكمن في التفاعل الإيجابي بديلا للتداخل الاتلافي السلبي وسعادتنا التي نبتغيها تكمن في سعادة الآخر التي نساهم في تعضيدها؛ ونجاح منظمة ندعمها يكمن في التعاطي البنَّاء بين الزملاء وفي تناسي بعض الاشتطاطات التي تحصل لسبب أو آخر من دون قصد التقاطع الشخصي السلبي ولكنها قد تنطلق من فرط الحماس وعمق الحرص .. فإنْ نحن أخذنا الأمور بهذه الطريقة نجحنا في مسيرة حياتنا فرديا وعائليا وجمعيا أو اجتماعيا وتلك من بعض مستهدفات ما تريده هذه القراءة التي تحتاج إضاءات علماء النفس والاجتماع والفكر والسياسة أيضا، مثلما هي بحاجة لتجاريب الآباء والأبناء في عوائلنا والعضوات والأعضاء في منظمات اليوم بالاستناد إلى خبرات البشرية التي تتواصل وتتصل بالخير...