إلى أعضاء الجمعية الوطنية المنتخبة:

نطالب بوزارة لشؤون القوميات في الحكومة القادمة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\  02 \  24

E-MAIL:  tayseer54 @hotmail.com

 

تجتهد القوى السياسية العراقية من أجل أفضل صيغة للرئاسات الثلاث في عراق ما بعد الانتخابات كما تمتد المساعي لتصل إلى إلى تقسيم المهام والوزارات بين القوى الوطنية سواء بالاستناد إلى النتائج التي أفرزتها العملية "الانتخابية" أم بالاستناد إلى التوافقات التي تعتقدها تلك القوى في مصلحة التحضير لرسم عراق الغد الأفضل...

وفي إطار تلك المساعي ينبغي أنْ يكون مطروحا على بساط البحث موضوع التعددية في الطيف العراقي والتنوّع في تكوين المجتمع تاريخا وحاضرا. وأنْ تنهض الجهات المعنية بالدفاع عن مصالح المجموعات العراقية القومية بالتحديد والممثلة لها بالحوار الموضوعي الهادئ من أجل أفضل الصيغ التي يمكنها أنْ تعالج هذه القضية وتكفّ الحيف والضيم اللذين حاقا بالقضية القومية في بلاد ما بين النهرين..

فلقد شهدنا طويلا عنفا واستبدادا وظلما حاق بالقوميات والأعراق والأثنيات والمجموعات العراقية التي شادت حضارة وادي الرافدين من كلدان وآشوريين وسريان ومن كرد وتركمان ومن صابئة وأيزيديين وغيرهم. وقد حان الزمن الذي يقول فيه العراقيون جميعا كفى لمثل هذه الجرائم التي عاثت بمصالح عراقنا وبمصالح تلك القوميات والمجموعات التي كان أقل ما يُقال بحقها: إنّها أقليات مزوية مهمّشة مركونة على الأرفف ليس لها أنْ تقرر حتى في أدق أمورها وتفاصيل حيوات أبنائها..

فكم كان سهلا على النظام أنْ يمنع ما كان يدعوه الأسماء الأجنبية فمنع [الأقليات] من حق تسمية أسماء أبنائهم على وفق تقاليدهم وثقافاتهم القومية والدينية.. وكم كان سهلا على النظام التوتياليتاري  أنْ يصادر حقوق الجماعات القومية ويمنعها من تسجيل تسمياتها القومية في الإحصاءات السكانية لجهة تعريب أو بلغة أوضح إلغاء الشخصية القومية وإلغاء الحقوق الإنسانية لأبنائها..

وطبعا ليس من السهل على الذاكرة العراقية والإنسانية المعاصرة أنْ تنسى تلك الجرائم البشعة للإبادة البشرية التي لحقت بقوميات بلاد الرافدين باستخدام أبعد وسائل الإجرام وأخطرها ومنها الأسلحة المحرّمة ومنها الجرائم التي تستخدم الحروب النفسية والإعلامية وعمليات الاستهانة والتحقير ومحو الثقافة القومية ومصادرها وعناصرها وتشويهها فضلا عن كثير من الممارسات الخطيرة التي طاولت أبناء شعبنا العراقي بأطيافه المختلفة ...

اليوم ينبغي أنْ نبدأ بمتابعة القضية القومية متابعة جدية مسؤولة ترتقي لمستوى المهمات المنتظرة من حكومة تؤسس لعراق مختلف يطوي أوراق زمن المصادرة والاستلاب ويفتح صفحات جدية بنّاءة تعالج آثار الجرائم الفظيعة وتعيد الحقوق وتنتصف لأصحابها. وليس من ينهض بمثل هذه المهمات إلا جهة متخصصة في الحكومة الجديدة..

وطبعا لابد للجهة المعنية الجديدة أنْ تكون على مستوى المسؤولية وبمستوى وزارة تمتلك كامل الصلاحيات وتمامها.. وإلا فهي لن تكون إلا مجرد جهة حكومية تابعة لا جدوى من الروتين وتلال الأوراق والقرارات التي ستضيفها بوصفها كلاما في كلام ليس إلا... وعليه لابد من التوكيد على ضرورة تعيين وزارة في الحكومة الجديدة باسم وزارة القوميات ومنحها سلطات كافية لمعالجة المهمات المناطة بها..

وفضلا عن ذلك فللأحزاب والتيارات الممثلة في الجمعية الوطنية أنْ تؤكد على تشكيل لجنة القوميات لحين اتاحة الفرصة المقبلة لتشكيل الجمعية الوطنية من مجلسين أحدهما اتحادي للقوميات العراقية يضم ممثلي القوميات والمجموعات العراقية على أساس من التوافقات الملائمة من جهة التناسبات والمساواة  بين تلك القوميات الممثلة...

وبالعودة إلى وزارة القوميات فهي وزارة تنهض بقضايا يمكن تسميتها بدراسات من متخصصي تلك المجموعات القومية، وهي جهة تخطيط وإعداد مشاريع بخصوص القضية القومية وجهة لمعالجة ما يعترض أبناء المجموعات القومية من مصاعب في الظرف الجديد. فضلا عن قراءة ما نجم عن السياسات المرضية السابقة للنظام الدكتاتوري وخلّفه من أزمات ومشكلات جدية بين أبناء تلك المجموعات العراقية الرافدينية...

ومن الممكن أن يكون لكل مجموعة قومية في الوزارة مؤسسة أو دائرة مستقلة وتتبعها مديرياتها المسؤولة عن مهمات جدية من نمط مشكلات التوطين ومعالجة مشكلات من نمط التعريب والسياسات الشبيهة والعمل على ترسيم الأمور بما يساعد من جهة على إزالة الحيف والاعتداء ومن جهة أخرى على إقرار منطق جديد في العلاقات الوطنية التي توحّد الجهود ولا تتشتتها.. وتقارب بين مكونات المجتمع العراقي وتضع ما يؤكد وحدة عراق تعددي فديرالي يتسع لجميع أطيافه بالتساوي بينها..

كما إنّ وجود مثل هذه الوزارة في المرحلة الحالية من الأهمية ما يجب النظر فيه بروح مسؤول تجاه ما يعترض بلادنا من أسئلة بخاصة والظروف المحيطة بقضية التعددية والفديرالية ما زال يكتنفها [الكثير] من المشكلات والعقبات. ومنها الجرائم المتعاقبة التي تلاحق الطيف العراقي بسبب من اليد المنفلتة للجماعات الإرهابية وما مارسته من ضغوط بقصد ترحيل مئات ألوف العراقيين من هذا الطيف الديني أو القومي أو ذاك بحجج وذرائع مشبوهة رخيصة..

وسيكون من الضروري متابعة حقيقية كبيرة لهذه القضية وسيكون من جملة ما يعترض عمل الحكومة العراقية ووزاراتها طبيعة الانتماءات القومية والأثنية العرقية وما ينتاب ذلك من عثرات تحتاج لدراسة معمقة ومتخصصة وهو ما اقتضى العمل الحثيث من أجل الاشتراع لوزارة القوميات المعنية بحل مثل هذه القضايا والمعضلات..

إنّنا ومجموع الطيف العراقي الكردي التركماني الكلداني الآشوري السرياني الأرمني و(الشبك والصابئة والأيزيدية) والكرد الفيلية وحتى العرب ممن ستظهر مشكلات بعينها بسبب من تشابك الأمور وأحيانا اختلاطها والتباسها نأمل ونتطلع بل نعمل من أجل أن يكون لدينا وزارة للقوميات تُعنى بقراءة أوضاع هؤلاء جميعا قراءة وطنية منصفة وموضوعية أي أن تكون القراءة من جهة اختصاص مسؤولة وممتلكة للصلاحيات الكافية وليس من خلال القراءة التهميشية أو النظر من بروح فوقي متعال على حقائق الأمور وعلى مصداقية التعاطي المؤمّل معها كما هي عليه في حقيقتها وجوهرها.

فهل ستنظر القوى الوطنية المعنية بالأمر بهذه الرؤية التي تنتظرها القوى والمجموعات العراقية بأطيافها المتنوعة المتعددة؟ أم سيكون علينا نحن العراقيين بمكوناتنا جميعا أنْ نناضل من جديد ولزمن آخر بعيد من أجل تحقيق مستهدفاتنا الوطنية الصحيحة التي تنصفنا وتمنحنا حقوقنا تامة كاملة؟؟