المرأة العراقية بين دوامتي القوانين والتقاليد

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\  03 \  08

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

في مسيرة قرن من عمر العراق الحديث سجّلت التطورات الاجتما ـ اقتصادية كثيرا من المتغيرات. ولقد كانت التراكمات الهائلة للتطورات قد ولَّدت تغيرات نوعية عكست عددا من الطفرات الموضوعية في الحياة العامة، كان من أبرزها صعود دور المرأة العراقية وتعاظمه، ما جسّدته القوانين العراقية مثلما برز في تفاصيل المشهد الاجتماعي..

ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة مطلع القرن الماضي حبيسة البيت وجدرانه.. وفي وقت كانت لا تخرج من [قبر] أبيها إلا إلى [قبر] زوجها حيث يوصف البيت الذي تعيش فيه بالقبر لكونها العضو المشلول أو الميت فيه؛ لأنّها مسلوبة الإرادة بلا حراك ولا قرار..

وحياتها بلا جدوى ولا أية قيمة إنسانية جدية على الرغم من أنّها كانت تشارك في الأعمال التي تخلق فيها خيرات المجتمع الزراعي في العراق طوال العقود الأولى من القرن العشرين.. وانخرطت بعدها بإصرار وإرادة في الانتاج الصناعي، وفي التعلّم والدراسة والتحصيل المعرفي حتى وصلت الجامعة ومراكز البحث العلمي وأبدعت فيها..

ولقد خاضت المرأة العراقية نضالا عنيدا من أجل الحصول على مكانتها وما وصلت إليه من فرص التعليم والعمل، ومن ثمّ في العمل من أجل تثبيت أوضاعها الجديدة في القانون العراقي. ولتلاحم قضية المرأة والقضايا الوطنية فقد كان لشمس ثورة الرابع عشر من تموز يوليو 1958 انعكاساتها في التعبير القانوني المناسب بصدور قانون الأحوال الشخصية..

ذاك القانون الذي شكل تقدما جديا مسؤولا في التعبير عن مصالح المرأة وحقوقها في الحياة الاجتماعية وتفاصيلها. ما جعله عرضة لهجمات الحكومات البعثفاشية المتعاقبة ولمحاولة غاشمة عندما حاول بعض أطراف مجلس الحكم في السنة المنصرمة أن تلتف عليه وتتراجع عمّا تضمنه من مفردات متطورة في معالجة قضية المرأة بالتحديد..

إنّ التعبير عن الواقع الاجتما اقتصادي في القانون هو عملية معقدة بحاجة إلى مزيد من التفاعل والأنشطة من أجل تثبيت الحقوق وإنصاف المرأة الإنسان في مجتمع يحمل بين ثناياه تقاليد متخلفة استطاع النظام الدكتاتوري أنْ يدفع باتجاهها عبر القمع والإكراه والتشويه..

ومن ذلك سنّه لقوانين مكافحة قضايا العار وذبح من يتهمهن في شرفهنّ بطريقة سادية إجرامية كريهة. تعكس تخلفه وهمجيته مثلما تعكس حقيقة محاولته منع نسوة العراق من الدخول في معترك النضال السياسي الوطني اسوة بأخيها الرجل..

كما سنّ النظام القمعي قوانين أوقفت العمل بأية فقرات قانونية يمكنها أنْ تنفع المسيرة الإيجابية الظافرة للمرأة. ولقد فعل أشدّ الممارسات القمعية الدموية من سجون واعتقالات وعمليات اختطاف واغتصاب وإكراه على فعل أمور منافية لكل قيمة صحية صحيحة ..

كما دفع بأجهزته ومؤسساته الخاصة ومنها اتحادات ما سماه النساء والشباب وغيرهما لكي تنهض بمهمات خطيرة من نمط عمليات التسقيط الأخلاقي بغايات معروفة تخص مطاردة الحركة السياسية العراقية المعارضة فضلا عن تلبية نوازع زبانيته الوحشية الرخيصة..

وهكذا كان القانون في ظل نظام الدكتاتورية هو قانون الرجل المستبد الرجل المريض ومن ثمّ فلسفة  الأحادية والذكورة والفحولة وسطوة قوة تستلب المرأة من حقوقها حتى أبسطها... ولكنّ تلك الممارسات العنفية السلبية والمريضة لم تستطع اختزال المجتمع وحركته الإيجابية في سياستها الظلامية..

ولكن ما يجب الالتفات إليه هو أنّ أي نظام شمولي من نمط النظام المهزوم هو أسّ البلاء ليس للمرأة وحدها بل والمجتمع أيضا. وعليه فإنّ قبولها اللعبة البرلمانية ووقوفها مع تلك الأحزاب والحركات التي تستند إلى مبادئ شمولية مغلفة بالدين وحب أهل البيت والمقدس وما إلى ذلك هو قبولها بنفس الشعار الذي كان يرفعه الطاغية الفاسد بحملاته الإيمانية...

ولابد في جوهر الأمر أن تقف بحزم وقوة من أجل منع تثبيت ما يتعارض مع الحريات الإنسانية الأساس ومع حقوق المرأة الجوهرية وبعد ذلك ليكن ما يكون من أيديولوجيا وغيرها.. المهم أن تعي المرأة لمن تعطي صوتها..

ومن الطبيعي أن تجد في نفسها القدرة على تمثيل نفسها والمجتمع العراقي الذي تشكل أكثر من نصفه حجما. وعليه فلا بد لها من أن تصر على التقدم بنسبة تمثيلها في المؤسسات الرسمية وفي التجمعات الثقافية والفئوية والمهنية وغيرها.. وأن تثبت جدارتها عبر الارتقاء بقراءاتها ومعالجاتها لقضايا المجتمع من وجهة نظرها ورؤيتها للأوضاع العامة...

فليس من يعبر عن قضية كصاحبها وقضية المرأة ووجودها الإنساني لا تحسم إلا بتمثيلها ووجودها. وليس صحيحا أن أنصارها من الرجال يمكنهم التعبير عن قضايا كثيرة مخصوصة في الحياة الاجتما اقتصادية..

إنّ الخوف من التقاليد أو الخضوع لها أمر يضعف من إمكانات تحقيق مكانة المرأة ومكانها الاجتماعي وهو يُلحقها تابعة صاغرة لمفاهيم تستلبها شخصيتها الإنسانية القويمة..

ومن الطبيعي أن تعمل المرأة اليوم أولا بأول من أجل الخطوة الجوهرية الأساس ألا وهي خطوة تثبيت حقوقها الإنسانية في الدستور العراقي المنوي كتابته في أجواء من الصراع العنيف تتصاعد فيه حدة مشاكسة القوى الظلامية وتقدمها نحو تثبيت رؤاها التراجعية المريضة..

يساعدها في خطواتها تلك سطوة ميليشياتها وقوى العصابات المسيّسة  التي تعمل على منع أية فسحة أو نافذة للضوء في زمن ليس في الميدان إلا القوى العنفية الدموية وهي قوى تتستر بالدين وبالتقاليد ..

ولكن ما يساعد المرأة على تقدمها هو قوتها التصويتية وما ينبغي أن تستثمره في منع مجئ دستور يستلبها حقوقها التي عملت من أجلها طوال قرن مضى.. كما يساعدها على ذلك تمسكها بمادئ العمل السياسي الإيجابي المتحصن أخلاقيا بالروح الوطني النبيل الشريف.

من هنا يمكننا أن نقول: إن التقدم بقضية المرأة مرهون بنجاحها في تنظيم نفسها وحركتها وتوحيد صفوف منظماتها وتنسيق الجهود وشن حملة جدية وقوية من أجل التوعية ومن أجل جذب أوسع النسوة بعيدا عن سطوة فلسفة الذكورة الحيوانية المقيتة والتحول إلى أوضاع المساواة والتكافل والتكافؤ بين الرجل والمرأة ..

وبالتقدم في مجالات وقف التراجع في الحياة العامة من اتساع البطالة ومحاولات حرمان المرأة من التعليم واكتساب المعرفة. وينبغي الاستناد في حركة التوعية إلى قواعد مكينة من تاريخ نضالي للمرأة وللحركة الوطنية العراقية..

ولابد أن يتوّج نضال المرأة العراقية بمبادئ وقوانين وفقرات دستورية صريحة وإلا فستظل رهينة التفسيرات المزاجية لقوى التخلف والظلام المنتشرة المستشرية في الحياة العامة...

هنا ينبغي اقتراح حملات التوعية في أبرز ما يواجه مجتمعنا اليوم وهو صياغة الدستور ولتركز النسوة على هذه القضية بقوة ولا ينبغي الخضوع للأحزاب السياسية التي ينتمون إليها بقدر ما يقدمنّ مصالحهن وحقوقهن على أية انتماءات أخرى.. إن التصويت بين إرادة سياسة حزب بعينه وبين مصلحة المرأة يكمن في انحيازها لمصالحها وليس لقرارات الحزب وفلسفته الذكورية السلبية المريضة...

وعلى النساء توظيف حجم تمثيلهن وحجم حركتهن في مؤسسات المجتمع المدني من أجل التأثير على صياغة القوانين وأولها وعلى رأسها الدستور...