عنوانات خطيرة في ذاكرة متمعِّن في تأخّر تشكيل الحكومة الانتقالية؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2005/04/04

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

منذ حوالي الشهر تناولت أقلام وطنية عراقية بالتحليل مسألة التأخـّر في انعقاد الجمعية الوطنية ومن ثمَّ مسألة تأخر تشكيل الحكومة الانتقالية. ولكنّنا بعد شهر آخر لم نصل بعد إلى استجابة لتلك المعالجات التي قدمت تصوراتها في الأمر. كما أنّنا ما زلنا في حيص بيص الاتهامات المتبادلة حول من يقف وراء هذا التلكؤ في ظروف وطنية دقيقة وحرجة.. كما أننا ما زلنا في حال من استبعاد غير مسؤول لصوت عضو الجمعية الوطنية بوصفه الممثل المنتخب شرعيا والبقاء في إطار مداولات خلف الكواليس وسجالات تبادل التضاغطات!؟؟

حسنا لماذا عرَّضنا أبناء الشعب وهم يتصدون بصدورهم العامرة بإيمان بالديموقراطية للإرهاب ومخاطر تهديده لحيواتهم أثناء التصويت لأول مرة؟ ولماذا دفعنا بالأمهات والشيوخ وبكل قوى شعبنا نحو صناديق تمّت عملية مصادرتها أول مرة في تلك النتائج الفنطازية التي لاءمت رغبات قوى الميليشيات  أو قوى البلطجة والسطو على الشارع والصندوق بالسكاكين والعصي الغليظة والهراوات بل بأسلحة ما أنزل الله بها من سلطان؟ وفي المرة الأخرى في كون العملية الانتخابية لم تخلُ من حرمان فئات عريضة من التصويت يمكن حسابها بمئات الآلاف وحتى بالملايين!

وإنْ كان من التفرع بالموضوع تناول ما جرى في حينه ولكن من باب قراءة الأمور الجارية الآن بشكل دقيق ينبغي التذكير بأن مئات آلاف العراقيين لم توفَّر لهم صناديق اقتراع وتمّ إهمال أصواتهم  واحتجاجاتهم والشطب على حملات التضامن معهم في سابقة رديئة أن نبدأ عراقنا الجديد بمثل هذا الموقف الفج عندما أعلنت اللجنة المشرفة [على الرغم من تثميننا للجهود الضخمة لها] أن العملية جرت بكمال ونزاهة تامتين؟! وأن بعض الاختراقات [تصوروا (بعض) فقط لاغير!!] ليست مشكلة تستدعي  التوقف  والمعالجة... فمحافظة بل إقليم الغرب العراقي بأكمله وبعض شماله لا يستطيع أهلهما التصويت لسطو قوى إرهابية عليهما، لا تستأهل التوقف والمسألة هي مجرد مسألة مقاطعة القوى السنيّة!!

من قال: إنَّ تلك المناطق المهمة من البلاد لا تريد التصويت؟ ومن قال: إنَّ أهلها هم من أتباع الطائفية والقوى المسلحة العنفية؟ ومن قال: إنَّ فتح بضع صناديق في محافظة أخرى يعوِّضهم ويحل مشكلة تصويتهم؟ الذي قال هذا يقصد بالتحديد تبرير طائفيته ونزعاته المريضة القادم بها من وراء حدود عراقنا؛ وهو يريد لا تصوير الأمور بروح طائفي مريض بل فرضها علينا بفرض الأمر الواقع مستغلا سياسة القوى العنفية الإرهابية وموظفا قوى ميليشياته المدربة في إيران وغير إيران أيضا...

إنَّ القوى الميليشياوية التي تقدم نفسها بوصفها حركات سياسية تلعب بالنار. وهي تعبث بحياة المواطن العراقي منذ دخلت بالرايات الأجنبية وعندي عجب من أولئك الذين يتحدثون متنطعين عن الكردي العراقي الذي يرفض راية الدكتاتور المهزوم صدام حسين ويعِد بصوت حرّ نزيه أنه ينتظر راية العراق الفديرالي الديموقراطي الموحد ليرفعها عاليا فوق ذرى جبال كردستان ويهملون الحديث عن رافعي رايات الترك ويصمتون عن القادمين من وراء الحدود  يحملون رايات  المرجعيات السود! أو أنّهم لا يعدون احتلال الإرادة العراقية ومصادرتها، من مرجعية إيرانية صريحة، من مرجعيات دخيلة مزيفة، أمرا خطيرا منكرا...

 

المشكلة في تأخر انعقاد الجمعية الوطنية ليست بسبب من قانون إدارة الدولة وهي ليست بسبب من تفضل القوى الطائفية [الفائزة!؟؟] بالأغلبية وانتظارها قوى الأقلية طبعا وبالتأكيد الشبيهة في نزعاتها الطائفية لكي تتأكد فلسفة التقسيم المكلفين بها من بلدان جوار معروفة وكلّ  له بقشيشه الخاص مقابل تسليم جزء سليب من عراق يكاد يتمزق بطعنات الغدر والسمّ السائدة..

أيها العراقيون، لا تنتظروا من أعضاء الجمعية الوطنية شيئا. أما تصويتكم في الانتخابات فلم يكن أكثر مما قلنا عنه في حينه أنه لم ينجح إلا في إعلان حقيقة واحدة وليس غير هي تلك التي تمنح الشرعية للعمل السلمي من أجل عراقنا الجديد ورفض الإرهاب وأشكال العنف الدموية التي مزقت أشلاء فلذات أكبادنا أبناء عراقنا الغالي واغتالت خيرة علمائنا ومفكرينا وأكثرهم نزاهة وإخلاصا وخدمة للوطن والشعب..

أيها العراقيون، لا تنتظروا من أعضاء الجمعية الوطنية شيئا غير ما تقومون أنتم به، نعم الشعب بفئاته العريضة ينبغي أنْ يتحرك اليوم للضغط من أجل ما هو أكثر من الجلسات والاحتدامات لكي نساند الشخصيات النادرة القليلة العدد ولكنها الممثلة الأنزه لصوت العراقي المسروق.. تحركوا بمنظمات مجتمعنا المدنية وبقوانا الديموقراطية موحّدة.. فبعد أنْ خسرت القوى الديموقراطية والليبرالية والمعتدلة  معركة انتخابية لأسباب مسوَّغة موضوعيا لا يجب أن تتراخى تلك القوى بل يجب أن تتجه إلى الشارع العراقي حيث قوتها الحقيقية...

وهناك تتحرك بقوة لضبط توجهات تشكيل الحكومة وضبط مسائل أخرى مهمة منها كتابة الدستور على أسس لا يجري فيها تغييب رأي العراقي كما يجري اليوم تغييب أصوات أعضاء الجمعية الوطنية.. ينبغي التحرك من أجل توحيد صفوف الحركة الديموقراطية التي دخلت مشرذمة مفتتة تنظيميا على الرغم من وحدة برامجها وتوجهاتها وعلى الرغم من وحدة أهدافها ووسائلها في المرحلة الحالية الراهنة..

كما ينبغي للقوى الوطنية العراقية النزيهة أنْ تعلن اليوم قبل الغد وجودها بوصفها القوى العراقية المخلصة لوحدته الرافضة لبيعه وتقسيمه وتوزيعه نهبا بين عصابات الشرّ الدخيلة سواء منها المافيات العنفية الإرهابية الموجودة خارج الحكم أم تلك التي اخترقت أدق وأعلى وأهم مؤسسات دولتنا العراقية...

نعم كما يصرخ ويستصرخ أبناء عراقنا فقد جرت عملية إعادة عناصر بعثفاشية ونعم كما يصفون فقد جرى إدخال عملاء المخابرات الأجنبية الغربية والشرقية والإقليمية الأعجمية والعربية وسبحان الله في الخلطة الموجودة في مؤسساتنا الوطنية العادية والسيادية وعلى ذمتي هذه الحقيقة... ولمن نسي أذكـِّره بتبرع أعلى مسؤول عراقي بمائة مليار دولار للجارة الشرقية المسكينة؟ والحبل على الجرار في تنفيذ مخططاتهم أيها العراقيون.. فليس من يبكي على توزيع نفط الجنوب العراقي على المحافظات الثلاث يبكي على أبناء تلك المحافظات بل هو يتخذهم ذريعة وجسرا للعبور لمرحلة بيع قطعة أخرى من بلادنا لهذه الجارة أو تلك...

أيها العراقيون، لا تتخلوا سريعا عن العزيمة والإصرار ومواصلة مشوار تحرير العراق.. لقد تحررنا من قوة من قوى الطغيان ولم ننتقل لقوى أخرى فما زلنا نملك إرادتنا الوطنية وما زلنا بألم على ضحايانا من أجل الحرية والانعتاق ما يعني أننا مطالبون بمواصلة العمل من أجل استكمال تحررنا ومنع سرقة انتصارنا وفرحتنا وتحويلها لدولارات في جيوب هذا وذاك أو براميل نفط لمعامل في أصقاع الأرض القريبة والبعيدة...

أيها العراقيون وحِّدوا الصفوف من أجل قوة وطنية عراقية الهوية نثق بها وبمصداقيتها.. لنتجه سويا إلى قوانا الديموقراطية ولمؤسسات مجتمعنا المدنية؛ فالديموقراطية لا تعني أنْ نأتي بسادة آخر زمان من الذين اشتروا قماشا بأموال مغتصبة ليلفوا بها رؤوسهم وتكون أعمّة وأقنعة يخدعون بها أنفسهم ولن يتنازل شعبنا عن مرجعياته الحقيقية التي لا ترتدي لا جبة ولا عمامة مزيفة ولا قناعا موهِما بل قوانا التي نريد هي منّا وفينا من المفكرين والمثقفين والمبدعين من علماء وفلاسفة واقتصاديين..

طبعا لأن الحياة لا يديرها جاهل تعمَّم فصار بقدرة خرقة سيدا يسود الناس ويسوسهم كقطعان!! لم يملكها أسلافه؛ بل الحياة يديرها أبناؤنا من الذين ربيناهم وعلمناهم وتعبنا وشقينا وقدمنا الغالي والنفيس والتضحيات الجسام من أجل أن يكونوا ذخرا لنا ولبيتنا الجديد.. مرجعيتنا في هؤلاء من الذين ارتشفوا العلم وصارت عشرات البلدان ومنها الصناعية الكبرى تستغلهم وتستغل طاقاتهم لبناء صرحها فلماذا نسمح باغتيالهم وأخذهم من بين أيدينا وإرسالهم إلى غياهب الغدر والموت؟!!

لا تسمحوا بقتل أبناء العراق الغيارى واغتيالهم ولا تتركوا هؤلاء الذين عادوا ليبنوا وليعانقوا أهاليهم وتتبعوا مرجعيات كاذبة مزيفة. أما أدياننا ومذاهبنا وفرقنا وتعاليمنا وطقوسنا التعبدية فليس من يعلمنا إياها أولئك الأدعياء وليس من يقنعنا بها أولئك المزيفون؛  والعراقي مؤمن بدينه ومذهبه ومدافع عن طائفته وعن حقوقه من غير حاجة لمرجعية تعبث بمصيره وتشحنه ضد أخيه العراقي.. وليست مرجعية تلك التي تشق الصف وتمزقه. فالمسلم ليس عدو المسلم وإن تنوع أمر انتمائه المذهبي ولم يكن العراقي الشيعي يوما يرى العراقي السني عدوّه بل تزاوجوا وتآخوا وتعاضدوا وضحّوا من أجل بعضهما بعضا..

والعراقي المسلم لم يرَ في أخيه المسيحي عدوا والأيزيدي لم يرَ في الصابئي المندائي عدوا أو منافسا ولم يجد العربي في الكردي عدوا ولا الكلداني ولا السرياني ولا الآشوري ولا الأرمني وليس لأي عراقي نبيل تجاه أي عراقي أصيل آخر غير التوادّ والتآخي والتراحم.. فهل هذا هو ما يقودنا إليه تلك [النفرات] التي تدير اللعبة السياسية في بلادنا؟ أم أنّهم لا يعنيهم أمرنا ولا يعيروا أي اهتمام لصوتنا ما يعني أننا مسؤولون عن تعديل المسارات بتوحيد الصفوف وتعزيز الثقة ببعضنا بعضا أقصد القوى الديموقراطية العلمانية والليبرالية واليسارية وكل التكنوقراط من أبناء عراقنا وهم أبناؤنا بحق وهم منقذنا بحق وهم سواء سبيلنا ليومنا وغدنا..

أيها العراقيون، أنْ ندعو لدين أو مذهب أو طائفة أو طقس تعبدي أو زيارة وليِّ صالح أو القيام لشهيد من أهل الجنة هو أمر موجود فينا. ولسنا بحاجة لأعجمي أو لعميل دولة أو منظمة أو جهة مخابراتية عربية أو فارسية، غربية أو شرقية. فلنكن معا في مسار حرية العراق ووحدة العراق وديموقراطية توجهاته ولنكن في طريق يخدمنا نحن العراقيين بوصفنا بشرا، آدميين، أناسا لنا الحق في الأمن والأمان وفي الحياة الحرة الكريمة وفي لقمة شريفة وفي عيش رغيد وفي راحة بال بعد عنف الطغاة وضيمهم...

فقط بتشكيل منظمات مجتمعنا المدنية ومؤسساته.

فقط بتعزيز الثقة وتنظيف مؤسساتنا.

فقط بتعاضد القوى الديموقراطية ووحدتها.

فقط بوحدة القوى العربية والكردية والكلدانية والآشورية والسريانية والتركمانية.

فقط بعلمانية العراق والابتعاد عن البعثفاشيين الجدد من لابسي  الجبب والأعمة.

فقط بالعمل الفديرالي الموحد  وبالهوية الوطنية العراقية الواحدة.

فقط بهذه الولاءات العراقية تماما بلا منازع وبلا ألاعيب تعزف على أوتار فرقتنا

وتمزقنا وإضعافنا ومن ثم استلابنا لعقود أخرى عبر هذا التمزيق والتشتيت..

نعم بلا هذه الأمراض وبهويتنا العراقية نعيد الحياة ونستعيد كرامة أُهينت طويلا

ويهينونها اليوم باسم الدين مرة وباسم الطائفة مرة وباسم الأولياء الصالحين مرة

ولن تنتهي قوائم الزعم والادعاء حتى يأخذوا منا آخر قطرة غيرة وشرف وليس

آخر قطرة نفط فقط...

حينها نعقد جلسة جمعيتنا الوطنية ونشكل حكومتنا ولكن بلا وطن ولا هوية.. عفوا

أقصد حينها لات ساعة مندم أيها العراقيون الشرفاء...