أحزاب ما بعد الطائفية وهلاك العراق؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2005/04/04

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

في الظرف الدقيق القائم ننظر للمواطن أما عراقي يحب العراق وأهله أو فرد ينتمي لنفسه ومطامعه ومن ثمَّ يساوم على كل شئ وأولها العراق وأهله، فهو عدو..ولا يوجد وسط بين العراقي وعدوِّهِ، ولا مجال للمهادنة مع أعداء العراق وأهله، ولا مساومة مع أعداء العراقي فنحن اليوم في حال حرجة تتطلب حسم أمورنا ومواقفنا بوضوح.. لقد ضحى العراقي كثيرا وغاليا وآنَ له أن يستريح وأن يأخذ قسطا من حقوقه الإنسانية المستلبة عقودا طويلة...

وللحديث عمّا نمرّ به اليوم وما تفضحه وسائل الإعلام والأحداث والوقائع اليومية، نشير إلى تلك الحالة المزرية التي خلفها النظام المهزوم وسطوة  بعض الساسة الجدد على السلطة من دون أية فوائد تذكر.. ومن دون أية عوائد للعراقي غير مزيد من الآلام ومزيد من تقديمه بوصفه قربانا أبديا للتضحية باسم الفداء للطاغية بالأمس وباسم الدين والمذهب وفداء هذا الولي أو ذاك الضريح.. [بالتأكيد زعما وزورا] والحقيقة المخفية هي سرقة ثروة العراق وأهله وليذهب العراقي إلى الجحيم جزاء اتـّباعه هذ المدعي وذاك الداعية طِيبة وإيمانا، وأكاد أقول [أحيانا] و [على قلة نسبة] و [على استحياء] لاستغلال يقع فيه بعضنا عن خطأ في الخيار!؟

ولكن من يمكنه تمرير كل هذه الجرائم بحق شعب عريق الحضارة، متفتح الذهن، متقد القريحة، متوهج الذاكرة؟ من يسير بنا من جريمة إبادة إلى أخرى؟ من يرتكب بحق العراقي كل هذه الفضائع؟ وكيف يمكنه فعل ذلك؟ وهل يؤشر هذا  للعراقي  شيئا يدله على ما يجري بحقه على أعلى مستوى مسؤولية؟ ومن يدير اللعبة السياسية اليوم؟ كيف ولماذا؟

مَنْ؟ هذا ما سنراه بعد حين. أما من يدير اللعبة السياسية فهي ليست الأحزاب والحركات وهم ليسوا أعضاء تلك الحركات الإسلامية منها وغيرها.. إنَّهم بضع نفرات ارتقوا على رقاب أعضاء الحركات السياسية وتحكموا بهم بوصفهم زعامات تحكم بدكتاتورية واضحة؛ فحسب تلك [الزعامات] ليس في التنظيم السياسي ما يدعو لمناقشة الأمور مع الأعضاء وإنْ نوقشت جرى تمويه الحقيقة وتضليل الأعضاء بحجج وذرائع من نمط التهديد الفلاني والعلاني، ونحن المظلومين؛ ودعوا قياداتكم تعيد لكم الحق.. واتركوا مناقشة الأمور العليا لحكماء الزمان الذين لا حكماء غيرهم...

هناك يجلس فلان وعلان وهو ينظر لكل تكنوقراط البلاد ومثقفي العراق ومقكريه وفلاسفته ومبدعيه واقتصادييه وإدارييه ومخططيه، ينظر إلى كل هؤلاء من عليائه مهملا لا الإصغاء بل الاستماع بله حتى تركهم يرسمون شيئا لحيواتهم. فهؤلاء ليسوا إلا أغبياء وجب عليهم الطاعة للسيد المعمم أو هم كفرة خرجوا على الطاعة الإلهية الواجبة عليهم  فوجب اغتيال هذا الأستاذ وقتل ذاك العالم وإبادة أولئك المثقفين ومحاصرة  مجموعة المبدعين وفرض الإقامة الجبرية على فئة المدافعين عن حقوق الإنسان وهكذا...

لا مجال إلا الموافقة على ما يقول الزعيم الأوحد في الحركة أو الحزب.. وهو الوحيد الذي يعرف دهاليز السياسة وكواليسها؟! وهو الوحيد الذي يمكنه التحدث بمصالح الحركة التي تمثل طائفة بعينها غصبا وإكراها.. وهنا بالضبط تخرج علينا إشكالية جديدة على العراقيين والأجواء العراقية، ألا وهي أجواء الطائفية فأحزاب سنية وأخرى شيعية وممثل للسنة وممثل للشيعة ومحاصصات وتقسيمات المناصب السيادية بين عناصر فرضت بالقوة والإكراه نفسها ممثلة للطائفة والنتيجة في أرض الواقع تقسيم العراق حصة لهذا وحصة لذاك!

الإعلام يتحدث عن مطالب الشيعة؛ والحقيقة أنْ ليس لعراقي [شيعي] يد في تلك المطالب ولا يعود عليه منها كسرة خبز لأبنائه ولا مقدار ذرة في سلطة أو جاه أو مسؤولية فليس هناك من سألـَهُ أو يسألـُهُ عمّا يريد ويحتاج. كل ما في الأمر هو اسم المذهب أو الطائفة يتمّ المتاجرة بهما لكي يملؤوا سلالهم  رطبا وعنبا! ويقول لي القائل: مَن هؤلاء؟ فأقول: أغلب تلك الزعامات والقيادات المتحكمة بالإسلامي الأعلى وأحزاب التأسلم السياسي القادمة من وراء الحدود والنابعة من جعب المخابرات الصدامية المهزومة ولكنها التي ورثت مخلفات الأمس المريضة..

مَنْ مِنَ العراقيين يبحث عن محاصصة سنية شيعية؟ ومَنْ يفكر منّا في كون منصب بعينه يجب أنْ يكون  مسجلا في [الطابو] شيعيا أو سنيا وإلا خسر الشيعة أو السنة مصالحهم أوحقوقهم ومطالبهم؟! ومَنْ مِنَ العراقيين لا يرى الكفاءة أساسا موضوعيا لتسلّم المنصب؟ إلا أولئك المرضى بالروح الطائفي المريض الرخيص؛ إلا أولئك القادمين لتقسيم العراق بغاية إضعافه وتشتيت قوة أبنائه إذا توحدوا؛ طبعا لهدف واضح مفضوح هو التمكن من التحكم بعراق من طراز المشايخ المفككة المفتتة المتنازعة.. لقد درس بل شرب العراقي درْسَ العرب في الأندلس عندما قامت دويلات الطوائف أولا ثم خلقوا لها التنازع فالتصارع فالاحتراب فهزموها جميعا الواحدة بعد الأخرى، ومنذ ذاك التاريخ الأسود بقي الإنسانة يكره ذكر الطوائف وما نجم عنها من مآسِ ِ ونكبات وكوارث للعرب ولغيرهم ...

والعراق اليوم يغزوه بعض الذين يحملون جنسيته وقد اعتلوا مناصبه السيادية واحتلوا البلاد وسبوا العباد حتى كاد العراقيون يكفرون بعراقيتهم وصار بعضهم يقول لم يعد العراق عراقنا فليس ما نراه ممّا يمتُّ بصلة لعراقنا وآخرون صاروا يستصرخون من زمن طغى فيه طغيان أحزاب الطوائف وميليشياتهم المدارة من قبل ضباط من إيران والواق واق.. وصار بعضنا يترحم على وجود القوات الأجنبية مضطرا لدعوتها [لحماية] أمنه!!!!!!! من استهتار المافيات وأحزاب الهراوة وأحزاب الغدارة وأحزاب المفخخات وأحزاب الانتحاريين وليس آخر مسلسل الجرائم أحزاب التكفير والتكسير، وللمفردة الأخيرة موضوع مستقل بعد أنْ صرح أحد قادة الاعتداء على طلبة البصرة أنَّهم يستحقون تكسير الرؤوس أمام الأشهاد ومن على أوسع المنابر انتشارا من دون أن يُسمَح لأحد بمساءلته لا عن تصريحه بل عن أفعاله الإجرامية المستهترة في ظل الحكم الانفلاشي في بلادنا.. أقصد الحكم الذي سرق الديموقراطية ومنحنا الانفلاشية...

أيها السادة ممن تقرؤون السطور وما بينها وما خلف السطور نحن مع دعم الخطوات السلمية ومع بناء مؤسسات دولتنا الوطنية العراقية ومع دعم الإجراءات في هذا التوجه على الرغم من كلّ الثغرات والنواقص والعثرات. ولكننا لا يمكن أنْ نهادن ما يضر أهلنا ويمزق وطننا ويقف حجر عثرة أمام تطلعات شعبنا وحقوقه ومصالحه...

وأول عثرات بل عراقيل بل جرائم تقف بوجه مسيرتنا هي الطائفية المقيتة وأحزابها وقادتها وزعاماتها ممن يتسترون خلف المرجعيات المقدسة والمرجعات الدينية والمرجعيات السياسية ولا أجدني أقدس إنسانا يستغل إنسانا آخر؛ ولا أجدني أحترم إنسانا يستعبد إنسانا؛ ولا أجدني أقدس مزيفا أو مدعيا أو مقنَّعا يتزيّا بأزياء الدين مظهرا فيما هو جوهرا الأبعد عن مقدسات العراقيين ومعتقداتهم وأفكارهم وتطلعاتهم ومصالحهم...

فالعراقي بطيبته يحترم ويقدس الصالح النقي التقي الورع، وهو ما يحاولون اختراق العراقي  من خلاله، ولكن القوى الديموقراطية مسؤولة عن الامتناع عن مهادنة المزيفين وفضح أصولهم وحقيقتهم. والقوى المتنورة مسؤولة عن توضيح طريق بناء الدولة ومؤسساتها؛ الدولة التي تخدم العراقي وتقدم له ما ينبغي تقديمه من خدمات واحتياجات ومتطلبات على أحدث الأسس وأفضلها..

وإذا كان من حق العراقي ممارسة طقوسه التعبدية دينا ومذهبا وطائفة فإنَّه من باب أَولـَى أنْ يأخذ حقوقه في العيش الكريم  بما يوفر له من الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية الروحية وغيرها من متطلبات وحاجات إنسانية حياتية مباشرة. فهل في برامج أحزاب الجريمة الطائفية التقسيمية أحزاب البيع والشراء والمتاجرة بالعراقي مما يحقق شيئا من تلك المطالب؟ وهل أحزاب الطوائف فكرت أو تفكر بصحة عراقي وهل ستعالجه ميليشياتها أم ستحميه وهي التي سرقت منه حتى أثاث الأضرحة والأولياء الصالحين المحتمين بالعراقيين منذ عشرات القرون...

ما الذي فعلته أحزاب الطوائف غير الحديث ليل نهار عن تمزيق العراق حصصا وقطعا منهوبة بين هذا وذاك من زعاماتهم وعصاباتهم؟ لنعيد الحسبة ونقدِّر ما تمت سرقته والجهات التي وقفت وراء تلك الجريمة؟ ثروة البلاد المادية؟ ولنقدر الثروات الثقافية والروحية المنهوبة؟ ولنقدر كم من أبنائنا سرقوهم من بين أيدي عوائلهم بالمفخخات وبالقنص والاختطاف والاغتيال وغيره وغيره؟؟؟

ليس غير أحزاب الطوائف هي الواقفة وراء جريمة سرقة العراق من أهله وليس غير أحزاب الطوائف بالتحديد زعاماتها وليس أعضاؤها المستغلين بوصفهم مجرد أدوات يفجرون بهم ويقتلون بهم ويسرقون بهم وينهبون بهم ويستبيحون بهم؛ ليس غير الطائفية الرخيصة الدخيلة علينا من دول الجوار ومن غيرها هي التي تتاجر بنا وتعطل علينا توجهاتنا نحو عراقنا الجديد الديموقراطي الفديرالي الموحد..

ليس غير أحزاب الطائفية التي وقفت بوجه الجمعية الوطنية من أنْ تقول كلمتها أو تسير بالأمور حيث يريد العراقيون لتوجهها نحو توزيع المناصب بما يدخل بمردود في الجيوب وبما يحوّل أموال العراق وثرواته إلى جهات داعمة ساندة لأحزاب الطوائف. والكارثة أنَّ هذه الأحزاب لا ترقى حتى لأحزاب الطوائف حقا.  إذ هي أي الطائفية والروح الطائفي مجرد أقنعة تتستر بها فيما هي أحزاب النهب والسلب بأبشع أنواعه لأن من أخطر ما يحاولون استلابه من أهلنا اليوم هو وجودهم الإنساني كاملا!!!!!!!

وسيكون هلاك عراقنا بعد أنْ نمكّن هؤلاء من السلطة ومن قيادنا ولكننا يجب أن نقف لهم بقوة وبتوحد صفوف شعبنا وبخروجه على دعوات الطائفية والتقسيم والتمزيق فلنخرج كما خرجنا في انتفاضتنا الربيعية البماركة في ربيع آذار  العام 1991 ونقول كلمتنا في كل أمر يهمنا ولا نتركنَّ لقوى الظلام والضلال فرصة للمتاجرة بمعتقداتنا وبمذاهبنا وبنا نحن العراقيين أبناء الحضارة والوعي والتنوّير والمعرفة. نحن مع مؤسسات مجتمعنا المدنية ومع نقاباتنا واتحاداتنا ومع مطالبنا العادلة الاقتصادية والسياسية، الخبز والحرية، نحن مع أنفسنا مع أهلنا مع أخوتنا. كل العراقيين أخوة متساوون في الحقوق والواجبات.

لا تقسيمات طائفية في بلاد الهوية الحضارية في بلاد الإنسان الحر الكريم في بلاد العراق للعراقيين في وطن العراقي فيه أعلى اسم يُحترَم ويُقدَّس.. وما خلا ذلك سيلفظه العراقيون ويرموا به إلى حيث يستحق أنْ يكون..

نحن مع أهلنا حيث نكتب دستور العراق الديموقراطي الفديرالي الموحد عراق العراقي هوية وليس عراق التقسيمات والمحاصصات والتجزئة والتفتيت والشرذمة. عراق الديموقراطية الحقة للجميع وليس الانفلاشية التي يغطون بها استهتارهم بالقوانين وأمان وأمن الناس؛ عراق الفدرالية التي تجمعنا وتوحدنا وليس عراق التشطيرات والتشظيات التي تقسّمنا وتهمِّش بعضنا وتزوي بعضنا الآخر [حتى] ليس لحساب طيف عراقي بل لحساب زعامات المافيات المتلفعة بالحزبية والحركية الإسلاموية الطائفية والقومانية وغيرهما...

لا تترددوا في الدفاع عن هوية العراق الديموقراطي الفديرالي ولا تساوموا على مصالح السيادة الوطنية الكامنة أولا في حرية إرادتنا المستلبة بمرجعيات تأتمر بأوامر إقلمية معروفة وليست معركتنا الأساس في الظرف القائم وخصوصيته مع حال وجود قوات التحالف الأجنبية [الاحتلال] ولكنها مع ذاك الاحتلال الأخطر ألا وهو احتلال الإرادة العراقية ومصادرتها باسم الدين والطائفة والمذهب وخضوعنا عبر المرجعية المعنية لسياسات لا تعنى بالعراق ولا بالعراقي بقدر ما تُعنى بمصالح دول وملالي وأمراء مافيات ومخابرات إقليمية ودولية...

تلك هي الطائفية وأحزابها وأهدافها وجرائمها بحق أهلنا، بحق العراق، بحق العراقي فلا ننسى الحقيقة ولا نبكين على الحسين ومبادئه مستباحة بل حضرته ومقامه منهوب مسلوب.. فلنبني عراقنا بقوانا وليس مما يبنيه قبولنا بأحزاب الطائفية وزعاماتها وها أنتم ترون ما فعلوا طوال شهرين والقادم أنكى وأعظم..