الطائفية والمحاصصة في الحياة السياسية العراقية الجديدة؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

06/04/2005

E-MAIL:  tayseer541@hotmail.com

 في ظروف التغيير نحو عراق جديد، عراق تعددي تداولي، وجد العراقيون أنفسهم في حال من اختلاط أوراق اللعبة السياسية حيث استطاعت قوى بعينها فرض وجودها على الساحة لعوامل وأسباب متنوعة مختلفة. بعضها يعود لعقود الطغيان والاستلاب التي صنعت من بين ما صنعت حال صعود نجم التيارات المتشنجة المتطرفة بخاصة منها الإسلاموية التي دعمتها قوى أجنبية دخيلة وارتباطات مدفوعة الأجر.. فضلا عن مافيات الجريمة بأشكالها من مخلفات النظام المهزوم.

هنا بالتحديد صعد نجم الادعاءات المجانية في الدفاع عن الحقوق المهضومة لهذه الطائفة أو تلك وجرى اختراق الميدان من بوابة الزعم بتمثيل طائفة بعينها من منطلق تقسيمي مرضي ينزع الهوية الوطنية ويرجع بالشعب العراقي إلى الوراء قرونا عديدة.. حيث نظام الطوائف ما قبل الدولة وقبل التنظيمات الحديثة التي تفرضها سنن التطور والاستجابة لحاجات الإنسان وحقوقه التي يتطلع إليها...

إنَّ الحديث عن هوية العراق بوصفها هوية حبلى بخير التعددية والتنوع التي تعايشت دهورا وعصورا سويا، وبوصفها متضمِّنة لأطياف قومية وعرقية أثنية ودينية ومذهبية يظل حديثا مشوَّها ومرضيا لا يأتي من ورائه إلا المشكلات الخطيرة حيثما جرى تغذية فكرة الانعزالية الطائفية وإشاعة فكرة أنَّ مصلحة طائفة لا تتحقق إلا على حساب أخرى أو بالصراع أو الاقتتال معها. وفي الحقيقة يتمّ اليوم باستمرار تغذية نزعات الاحتراب والاختلاف والتقاطع.. لأنها الأجواء المناسبة لما يختفي تحت الستار من مخاطر مبيَّتة تتهدد العراقي أولا وآخرا...

إنَّ تقديم الطائفية بالتحديد على الهوية الوطنية بوصف الأولى هي التي تنتظم في ضوئها التشكيلات الدولتية أمر خطير يحيق الناس ومصالحهم بالخطر الكارثي. إذ الدولة الوطنية والهوية الوطنية هي شكل تنظيمي أرقى يستجيب لتلك المصالح في المرحلة التطورية القائمة وليس غيره من تنظيم يمكنه التعبير عن مصالح الناس والاستجابة لحاجاتهم..

إنَّ أحزاب الطائفية ومن ثمَّ الشخصيات التي تقود تلك الحركات الظلامية هي شخصيات وقوى لا يمكنها تمثيل الطيف التعددي المتنوع، لأنّها تضع فلسفتها المرضية فوق مصالح أبناء الطائفة وعلى حساب بقية جميع الطوائف بعزل الطائفة المفترض الدفاع عنها؛ وبالتأكيد بإلغاء الهوية الوطنية تماما من قائمة العمل السياسي لتلك الحركة. في حين لا يتم تحقيق مطالب الناس من مختلف فئاتهم وطوائفهم إلا بتقوية الهوية الوطنية بوصفها الفلسفة المناسبة لتنظيم الحياة المدنية للإنسان العراقي  في مرحلتنا الراهنة في وقت لا يمكن أن تكون فلسفة العزل الطائفي العنصري وفلسفة حقوق طرف على حساب الطرف الآخر هي الفسلفة المناسبة لحلّ مشكلات الحياة وتنظيمها تنظيما يستجيب لعمليات البناء النوعية الحديثة..

والخطورة في الطائفية اليوم تأتي من جهة سيادتها الميدان مستغِلّة الجهل والأمراض الاجتماعية والسياسية والثغرات الكثيرة. ومن ذلك مثلا اختراقها عديدا من القوى المتنورة التي راحت استجابة لمفهوم المحاصصة، وهو واحد من أبشع أشكال ووسائل استلاب الهوية الوطنية،  تعمل على تقديم التوزيع في [المناصب] والمسؤوليات الحزبية وغيرها ليس على أساس الكفاءة وإنَّما على أساس مفهوم المحاصصة بتقديم عناصر من هذه الطائفة أو تلك بحسب توجه الحزب فيما إذا كان سنيا أو شيعيا أو ما شابه..

أما كيف يمكن على الصعيد العام والمسؤوليات في الدولة والمؤسسات يجري الحديث عن المحاصصة فقد يكون من المسببات والذرائع لهذا الحديث، هو ما غرسته فلسفة النظام القمعي من زرع بذور الشك وانعدام الثقة بين أطياف ومكونات الشعب العراقي بجانب سيادة روح مرضي هو روح الاتهام المجاني غير المستند لأسس ما يدعو إلى تقديم العشائري والطائفي فضلا عن روح الفردنة المرضية الموروثة بدلا من روح العمل المؤسساتي الذي يحلّ إِشكال المحاصصة موضوعيا...

إنَّ الطائفية فلسفة أحادية لا تعترف بالتعددية بل تقف بمواجهتها مباشرة، وهي لا تعبر عن احترام للسيادة الوطنية بقدر ما تقدم عليها الانتماء المذهبي الطائفي الذي يؤهل للتعامل مع مؤسسات تنظيم الدولة وحياة المواطن بطريقة مصالح دول أخرى ينجم عنه ضرب مصالح المواطن العراقي ومنه بالتحديد الذي يزعمون الدفاع عنه بوساطة الحزب الطائفي.

وهكذا فالطائفية شرذمة وتشتيت للقوى ووضعها موضع التصارع والاحتراب، ومن ثم فهي مقدمة لتقسيم البلاد ومقدمة لكوارث جديدة في حياة أبناء البلاد وإن تأجلت قليلا. وعلينا اليوم قبل الغد تدارك أخطاءنا ومنع تمرير سياسة المحاصصة الطائفية و القومية وغيرها. وعلينا التحدث عن الشخصيات والزعامات الوطنية الهوية التي لا تطرح نفسها في الدفاع عن جزء أو قسم أو طيف من أطياف شعبنا على حساب الآخر.. بل تقدم نفسها على أنَّها حامية العدالة عبر الهوية الوطنية الموحدة..

إنَّ العالم يتجه موضوعيا لحجم أصغر بسبب من قوة الجذب المركزي للاتصالات ولتفاعل القوى الدولية والإقليمية وتداخلها؛ فيما لدينا ما زال بعض المتخلفين يتحدثون عن تقسيم البلاد إلى ثلم وجزئيات ومقاطعات وتفتيت الوحدة الوطنية  وإذا كان بعضهم لا يعلن ذلك فإن قراءة فلسفته الطائفية تفضح هذه الحقائق وتقدمها كما هي عارية بكل جرائمها وفضائحها..

إنَّ التمثيل للعراق التعددي لا يمكن إلا من طريق الديموقراطية التي تحترم جميع الأطياف وتؤسس العدل بينها قائما على توزيع للثروات الوطنية، الثروات المادية والروحية، بخطة واحدة. وعليه فإنَّنا بغاية تعزيز الهوية الوطنية بالضد من التقسيمات وأخطرها الطائفية وجب علينا أن ننظر إلى الرئيس الكردي الهوية بوصفه الرئيس العراقي للعراق الواحد بناء على كفاءته السياسية وتاريخه الوطني المشهود له وننظر إلى الجمعية الوطنية بما يقوِّم مسيرتها بعد أن صارت مخترقة بفلسفة طائفية مقيتة وأن نحاسب جميع من صاروا في سدة المسؤولية السيادية والعامة والتفصيلية على أساس من خدمة العراقي بوصفه عراقيا وإنسانا وحسب وليس بأية صفة تقسيمية تشطيرية تستلب قوة العراقي ومصالحه..

وسيكون نجاح المسار الديموقراطي الفديرالي الذي يحترم حقوق الجميع بوصفهم عراقيين هو الخطوة الأكيدة لنجاح عراق جديد تعددي تداولي يحيا فيه العراقي بأمان من التجاوزات والاعتداءات وتصفية الحسابات مع  زمن الظلم بأناس لا ذنب لهم من قبيل تصفية مظالم [شيعية زعما] من [السنَّة] وهو أمر باطل يعرفه العراقيون الشيعة، غير المرضى بالطائفية، قبل السنّة ويرفضون الروح الطائفي ولكنه كما هو مكشوف اليوم أكثر من أي يوم سبقه يأتينا اليوم بقطار الحركات الظلامية الطائفية المتخلفة...

ووعي الشارع العراقي لهذه الحقائق سيكون مدخلا لإنهاء سطوة أمراض خلّفها لنا النظام المهزوم ونحيا بعز وسلام وكرامة.. بجميع أطيافنا.. حينها سنستجيب للكردي والكلداني والتركماني والسرياني والأرمني والعربي والمسيحي والأيزيدي والصابئي المندائي واليهودي والمسلم  على حد سواء بصفة الهوية العراقية الواحدة التي لا تميِّز بين أبناء العراق على أي أساس كان في وقت تستجيب لكل الأطياف وتحترمها وتتعاطى إيجابيا معها.

وسيرتقي الجميع من دون عقبات أو عراقيل واجهة المسؤولية من دون مشكلات لأن المهم هو تسيير دفة المؤسسة التي ستكون في جميع أحوالها مجرد هيكل تنظيمي لخدمة مصلحة أو تحقيق هدف جمعي.. بينما لا يمكن للطائفية بوضعها التنظيمي المتخلف عن المرحلة القائمة أن يحقق غير التراجعات تلو الأخرى ومن ثمّ استلاب الحياة والحيوية من عراقنا الجديد المؤمل خيرا  فيه..