الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك

مركز أكاديمي علمي عربي ينير في أجواء أوروبا الحديثة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

10/04/2005

E-MAIL:  tayseer541@hotmail.com

 

في البدء كانت الكلمة.. وأول الحضارة الإنسانية جاءت عن طريق تراكم الخبرات وتناقل المعارف بين الأجيال؛ ثم عن طريق تأسيس أول الحلقات الدراسية فالمدارس والمكتبات التي كان لوادي الرافدين قصب السبق فيها. وعادت بلاد سومر وبابل وآشور لترفع راية المعرفة عبر أبرز مراكز العلم في العالم على عهد بغداد العلم والمعرفة والخبرات الإنسانية قبل مئات السنين...

اليوم وفي ظروف معروفة وقع العراق في أزمة جدية طورد في ظلالها العلم بله الإنسان نفسه. وكانت أربعة عقود من الدكتاتورية كفيلة بوقف مسيرة العلم وأهله. فهاجر ملايين العراقيين تحت القسر والإكراه، وتسرّبت الكفاءات العلمية الكبيرة من علماء ومفكرين وأساتذة جامعات وباحثين في مختلف الشؤون إلى حيث أصقاع الأرض المختلفة...

اليوم وفي ظروف وجود مئات بل آلاف الأساتذة والأكاديميين العراقيين في المهجر وكذلك عشرات ألوف الطلبة المتطلعين لينهلوا المعارف وليطوّروا خبراتهم، اليوم  يولد مركز بحثي علمي مهم استجابة لتطلعات هؤلاء جميعا.. بالتحديد حيث لا يمكن لكثير من الطلبة الانتماء للجامعات الرسمية لأسباب عديدة.. منها المتعلق باللغة ومنها المتعلق بالشأن المادي ولغيرها من الموانع والأسباب..

كما نعرف أن كثيرا من أساتذتنا المعروفين والطاقات العلمية الأكاديمية محاصرة في ظروف غير طبيعية تقطع الطريق عليهم  وتمنعهم من أداء واجباتهم البحثية العلمية وواجباتهم الأكاديمية..

ومن أجل أن نمحو تلك العقبات ونزيلها من طريق الطلبة المشغولين بواجبات العمل اليومي للحصول على لقمة العيش ومن أجل أن تتفتح الفرص الجدية المسؤولة لتشغيل طاقات العمل البحثي العلمي  توافق عدد من الأكاديميين والأساتذة المعروفين بالاستناد لمبادرة شجاعة من الأستاذ الدكتور وليد الحيالي  فافتتحوا الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك...

وفي الحقيقة لابد لمثل هذا الصرح العلمي أن يقف وراءه كل جهد داعم له ليس من العراقيين وحدهم بل من مجموع الجهات العلمية والرسمية عالميا وعربيا. ولكن الجهات العربية أولى بالدعم والرعاية لهذا المركز الأكاديمي المعرفي الكبير...

فالعراق الجديد إذا كان عراق أبنائه ينبغي أن يهتم بدعم الجامعة لأمور مهمة تتعلق بالطلبة والأساتذة العراقيين المنتشرين في المهجر. كما ينبغي لجهات عراقية عديدة أن تهتم بالأمر ومنها وزارة التعليم العالي والجامعات العراقية الرسمية والأهلية الخاصة وكذلك الفضائيات العراقية العربية منها والكردية ..

وبالخصوص هنا الجهات الإعلامية العراقية ينبغي أن تتخذ موقفا مسؤولا وتقدم المشروع بوصفه منارة علمية بحاجة لتسليط الضوء عليه وإيصاله إلى أوسع جمهور وتوضيح كل متعلقات الأمر من جهة الأعمال والأنشطة البحثية والمؤتمرات العلمية الموجودة على قائمة أنشطة الجامعة وهي مدخل مهم وحيوي للصوت العراقي هنا بل هي سفارة عالية الشأن لبلادنا.. وسيكون مهما أيضا توضيح حقائق مفيدة تدعم عمل الجامعة وتوصله إلى المتطلعين له، فهل سيلعب الإعلامي العراقي دوره أم يترك الإعلام العربي والفضائيات تسبقه؟

إن ذلك لن يقف بالضد من اهتمام الفضائيات العربية بهذا الصرح العلمي المهم.. بل سيكون متضافرا مع تلك الجهود ويصب في إطار التفعيل أبعد وأعمق. وأكاديميينا والهيأة العلمية للجامعة مفتوحة الباب ليس للوقوف عند حدود التعليم ومنح الشهادات والدرجات العلمية حسب بل من أجل دور يؤمل في الجامعة بوصفها منارة معرفية شرق أوسطية في بلاد الصقيع..

ومن الطبيعي أن يكون لتوأمة الجهود بين الجامعة وجامعات كثيرة تقدمت بهذا الطلب عاملا مساعدا مهما وجديا لتطوير المساعي والارتقاء بها نحو ذرى خدمة تطويرمجتمعاتنا العربية والعراق على وجه الخصوص.. وحيثما جاءت العلاقات الإيجابية البناءة بين الجامعة وجهات الدعم المتنوعة سيكون انعكاس هذا على مستويات الأداء كيفا وكما... كما إن تلك العلائق هي في خدمة جهات الدعم الأكاديمي العلمي والمادي لأن الجامعة نافذة حيوية مهمة لكل أولئك الداعمين [بخاصة جهات الدعم العربية] من مستثمر ومن جامعات ومراكز بحث علمية في محيطها الأوروبي الذي تأسست فيه...

ومن الطبيعي أن تتقدم خدمات الجامعة بشكل كبير مع تقدم عملية تسجيل الجامعة الحالي في إطار المنظمات المتخصصة كاليونسكو واتحادات الجامعات العربية والإقليمية والدولية وفي العراق كذلك وتعميق العلاقات المنتظرة بين الجامعة ومختلف الجهات الأكاديمية البحثية...

ومن الصحيح أن تبادر دور النشر للاتصال والتعاون لأن ذلك مقدمة مؤملة في نشر المؤلفات والمناهج والمفردات الجامعية والأطاريح والرسائل المتنوعة... والأمل في أن يكون من باب المبادرة والدعم في الأمر حيث المنطلق والبدء تواجهه صعوبات عديدة سواء منها الجوانب المادية أم المعنوية..

ولكنني اليوم أستطيع أن أقول إن الجامعة قطعت شوط َ كونـِها مشروعا مقترحا وفي حالة بداية متواضعة بل هي اليوم قطعت مرحلة كبيرة وصارت في موضع الهيكل المادي المحسوس حيث تكاملت الهيأة التدريسية على مستويات الدراسات الأولية والدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه.. وصار مجلسها العلمي يتقدم بخطى حثيثة للعمل الجدي المسؤول وكذا عدد من إداراتها في مختلف شؤون العمل الأكاديمي وغير الأكاديمي..

إنَّ عملية تسجيل الطلبة هي أكبر أنشطة الجامعة إلى حدّ الأن وهي في حال من التطور والتقدم بتسارع كبير على الرغم من أن الجامعة لم تبدأ بعد حملتها الإعلامية المناسبة لحجمها وللتعريف بها.. إلا أن الإعلان الأولي عنها قد جذب كل هذه الأعداد الغفيرة من طالبي التسجيل للدراسات الأولية والعليا.. وهو ما يعني أن قابل الأيام ومع مطلع أول فصل دراسي سيكون الأمر أوسع وأكبر وستحتاج الجامعة لكوادر مضافة وهو ما تخطط له منذ الآن باستبشار وثقة عظيمتين..

تحية هنا للناشطين في تدعيم هذا الصرح العلمي الكبير، وأمل في  تضافر عاملي الكفاءات العلمية والجهات العلمية الرسمية العربية والعراقية والمستثمرين وتوجههم معا لخدمة جموع الطلبة بالآلاف وعشرات بل مئات الكفاءات من العلماء والأساتذة لتكوين السفارة الحضارية العلمية الكبيرة وصرحها الأكاديمي الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك...