من أجل تفعيل الحملة من أجل دستور علماني؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

08 2005/06/

E-MAIL:  tayseer541@hotmail.com

 

نشطت القوى الديموقراطية والعلمانية في مسيرة الدفاع عن حقوق العراقيين في اختيار الدستور الذي يعبر عن هويتهم التعددية وأطيافهم المتنوعة في إطار الشخصية الوطنية الموحدة.. وبدأت تحاول لملمة حالة الشتت ةالتمزق الموجودة على أرضية الواقع فيما يخصها بوصفها الحركات الممثلة للعراق الجديد..

وأول ما بدأته هو تشكيل لجان مناقشة كيفية الحصول على مثل هكذا دستور في الظروف العراقية المعقدة المعروفة.. وجاءت مبادرات الأحزاب والقوى الوطنية الديموقراطية في تكوين اللجان لتشكل الحلقة الأبرز والخطوة الأولى للمعالجات التي تراها تلك القوى ممثلة للتوافق الوطني العام...

فإذا أردنا حقا أنْ نصل بتأثير جدي فاعل لتلك اللجان وأن نوفَّق في الحصول على النتائج التي يريدها شعبنا بأطيافه كافة، وجب علينا النهوض بكثير من الإجراءات الملائمة للتحريك والتفعيل..

وأول تلك القرارات التي ينبغي اتخاذها هو تحديد الصيغة المستهدفة للدستور بالاعتماد على خبراء القانون والتشريع الدستوري والاتفاق على تلك الصيغة بوصفها النموذج الذي تعمل أوسع أطياف شعبنا من أجلها بخاصة تلك المجموعات العراقية التي عانت طويلا من الأنظمة المهزومة ودساتيرها الجاهزة للتغيير حيثما مال الطغاة الذين خطّوها وصاغوها مفصَّلة على مقاسات أهوائهم الاستغلالية!

توسيع دائرة المناقشات والمعالجات واعتماد التحشيد الجماهيري في الطريق نحو أفضل حالة استقرار وتوافق على  الصياغة التي تستجيب لطموحات العراقيين كافة.. بمعنى جعل مسألة كتابة الدستور من جهة المضامين [وليس الصياغة الحرفية] حالة جماهيرية واسعة..

وهذا في الحقيقة من جهة يضمن مشاركة الإنسان العراقي في كتابة العقد القانوني الذي يريد من جهة ويفيد بشكل جوهري في التوعية القانونية الدستورية والارتقاء بها إلى المستوى الذي يعزز الالتزام بما نسميه العقد الاجتماعي ومن ثمَّ التحول بالوعي العام نحو احترام دولة مؤسساتية قانونية.. وهو الأمر الذي غاب طويلا عن الحياة العامة في عراق الأمس..

تحريك المفكرين والشخصيات الوطنية والعقول المتخصصة وإشراكهم في العملية الدستورية الراهنة وبالتحديد منها الشخصيات القانونية من القضاة والمحامين والحقوقيين من ذوي الخبرات الكبيرة ليقولوا كلمتهم ويفيدوا جماهيرنا العراقية في لحظة هي بحاجة ماسة لجهودهم المميزة والمضاعفة المسؤولية اليوم..

ومن دون هؤلاء لا يمكننا إلا نبقى أسرى حالة من التخبط والتشوش ما يسهِّل للقوى التي تريد تمرير مخططاتها في توجيه الدستور توجيها يعيد الكرَّة مرة أخرى من جهة تسجيل كل ما يؤدي للإجحاف بحق مجموع الطيف العراقي..

كما أننا في حال استبعاد المتخصصين بالتحديد القانونيين سنبقى في حال من تسييس الدستور وأدلجته الأمر الذي ينبغي أن نخرجه اليوم من محبسه الذي ظل رهينة هزيلة فيه طوال عقود تأسيس الدولة العراقية باستثناءات ضئيلة لا تكاد تذكر في شريط الذاكرة الجمعية العراقية..

إذن نحن بمجابهة جدية مع مسألة خلق أوسع حالة اتصال سواء مع الجمهور الواسع أم مع المتخصصين من النخبة. وحسنا فعلت لجنة لندن في الحملة من أجل الألف توقيع ولكن مثل هذا التوجه هو أقل بكثير وبشكل خطير من الطموح المفترض والمعوَّل عليه في التحول إلى الاتصال الجماهيري.. وهذا ما يدعو لضرورة ارتقاء الأحزاب والمنظمات والجمعيات العراقية في الخارج والداخل للمساهمة الجادة الواعية والمسؤولة في هذه الحملة.

ومن أجل جماهيرية الحملة لابد من أنْ نمضي في سلسلة حقيقية من التجمعات الواسعة وأن نبذل من أجل ذلك أفضل ما لدينا من محاولات.. فالقضية ليست صياغة دستور لسنوات يمكن تعديله لاحقا ولكنها معركة حقيقية من تعيدنا إلى الوراء أو تتقدم بنا إلى الأمام إنها حالة من نقيضين.. وليس من يقرر  الحسم إلا أوسع مشاركة شعبية مسؤولة وواعية..

إذ ليس المقصود من وراء التحشيد سَوق قطعان من غوغاء أو من جهلة يخضعون لتعاليم التخويف والإرعاب اللاهوتي بمرجعيات مزيفة تدعي أو تزعم تمثيل الله على الأرض!! بل القصد جذب الجماهير الشعبية بوصفها قوة فاعلة واعية تعرف خيارها وما يفيدها وما يضرها  وتتحرك بتفاعلات إيجابية وليس باستجابات سلبية تقوم على سلب الإرادة كما حصل عندما جرى تضليل الجمهور الواسع برفع صور المرجعيات بغير وجه حق...

إنَّنا لا نملك عذرا للتلكؤ والنقوص عن توظيف أجهزة الإعلام والصحف المحلية والعربية والدولية.. فإذا نحن بالفعل تلكأنا أو تقاعسنا عن أداء الدور المناط بنا في اللحظة الراهنة فإنَّنا نُبقي على خسارتنا وحالة استغلالنا لأجيال أخرى قادمة!؟

أما التفعيل فيأتي بتوسيع دائرة المشاركة السمؤولة على صعيدي الجمهور والنخبة وعلى صُعُد توظيف تقنيات الاتصال الحديثة منها والتقليدية أي الإنترنت على سبيل المثال ولتنعقد جلسات البالتاك بعيدا عن تلك المشاغل العادية فليس لدينا من وقت ولتتعاضد الغرف وتوجِد أو توفر فرصا للحوار الإيجابي عن الدستور وما يُراد منه..

من جهة أخرى ستنتظرنا جهود حثيثة من أجل عقد االصلات مع قوى التحرر والديموقراطية في العالم ومؤسسات البحث الأكاديمي والمنظمات الدولية ذات العلاقة وعدد كبير من الدول في المحيطين الإقليمي والدولي.. فعلى صعيد جذب التضامن العالمي لابد من مزيد من التفاعل مع القوى المعنية بتوسيع الحركة الديموقراطية والعلمانية عالميا... ويمكن بل يجب عقد الندوات المشتركة والإفادة من اللقاءات مع حركات التحرر والديموقراطية ومنظمات حقوق الإنسان..

وينبغي لنا عقد المؤتمرات الدولية وبالتحديد مؤتمر دولي يخص مستقبل العراق بشكل شامل لمناحي الحياة كافة ومنها المسألة الدستورية وأعتقدني غير متشائم أن أقول العقدة الدستورية منذ الآن لأسباب عديدة يمكن للمتمعن أن يراها بوضوح حيث الذي يمسك برقاب السلطة التنفيذية هو المتحكِّم برقاب التشريعية والقضائية وإنْ وجدنا بعض الاختلاف الظاهري [غير الجذري] عن زمن الطغيان...

إنَّ الإفادة من الدول المؤثرة في القضية العراقية أمر خطير للغاية وسيف ذو حدّين  ما يعني الحاجة لتدقيق أمورنا في التعامل مع تلك الدول وكيفية الإفادة منها.. ويمكن مفاعلة أكثر من مسار أو مستوى لكي نخرج بما يساعدنا كأن نعقد مؤتمرا أكاديميا متخصصا مدعوما بالمنظمات الدولية المتخصصة وبمساهمة من القوى والحركات الديموقراطية وهو أمر مفيد للغاية..

إنَّنا بحاجة لمركز عمليات يضع الخطط المنسقة  في جميع ما اُقتُرِح هنا؛ على أن يكون هذا المركز معتمدا على شخصيات لها هويتها الوطنية والمعرفية التخصصية لكي يستطيع أنْ يسير في طريق تفعيل الحملة من أجل دستورنا العراقي الجديد، دائما وثابتا على أسس راسخة قويمة صائبة وصحية صحيحة..

وإلا فإنَّ القرار سيظل بيد قوى دخيلة  لا علاقة لها بالشعب إلا من جهات الخداع والتضليل وستكون خطواتنا هذه ليست أول خطوات الحرية والديموقراطية حتى على الطريقة الغربية بل واحدة من سلسلة خطوات إذلال الشعب العراقي وتعميق استعباده واستغلاله بمزيد من القيود التي تكبله وهذه المرة بطريقة دستورية جديدة ليس فيها من مخرج إلا إلى قتل الشخصية العراقية واحتمالات تفتيت العراق وتجزئته وليس كما يتوقع بعضهم بأن الأمر لن يعدو أكثر من الاكتفاء بتمزيق نسيج الوحدة الوطنية وتهميش أحراره وعلمانييه ومن ثمَّ تقزيم الحركة الشعبية والإمعان في إيذاء الشعب نفسه!!