اختراق المؤسسة العراقية مرة أخرى؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

18 2005/06/

E-MAIL:  tayseer541@hotmail.com

 

قبل سنتين من المخاض العسير لخروج العراق من كنف الدكتاتورية وطغيانها كان بعض الكتّاب والساسة قد أعلنوا لزوم الحذر الشديد من حالة الاختراقات الخطيرة لعراق اليوم والغد. واليوم بعد أكثر من سنتين نجد أنَّ القوى التي عملت على اختراق المؤسسة العراقية قد ذهبت أبعد في توجهها لتوطين حالات الاختراق والتسلل؛ فإذا كانت بالأمس عملت بوجل وفي حال من الفوضى وانعدام الخطط الثابتة، فإنًَّها اليوم تمكنت من توكيد مواطئ  الأقدام التي دفعتها في عمق المجتمع العراقي...

وليس غريبا مثل تلك النتائج السلبية.. فقد خرج شعبنا وقواه الحريصة من زمن الكبت والقسر والاستلاب ليدخل مرحلة جديدة من عراق الانفتاح من دون أن يمتلك مؤسساته التي يمكنها أن تدافع عن سيادته الخارجية والداخلية.. أي حماية حدوده التي فُتِحت على مصراعيها بعد هزيمة جيش الطاغية واضمحلاله فيما الأمن الوطني ذهب أدراج ريح العبث و"الانفلاشية" الهوجاء التي حلت بالبلاد...

وهكذا فإنَّ تشكيل تلك المؤسسة الدولتية وكل تشكيلات ومنظمات المجتمع المدني قد جرى بطريقة مشوَّهة للأسباب التي باتت معروفة ليس للمحلل السياسي المتخصص حسب بل للمواطن العراقي الذي يحصد نتائج الوضع القائم..

لقد تمَّ تغييب المواطن ومنظماته الوطنية عقودا من الزمن وها هو لأول مرة وقبل أن يبدأ مشوار التحرر والبناء الجديد يفقد فرصا غالية من أجل التأسيس السليم لقواعد إعادة إعمار العراق وبنائه جديدا مختلفا عن زمن البؤس والتخلف والاستلاب...

واليوم في ظل سطوة الإرهاب والمافيات والعصابات السياسية المسلحة من تلك التي تتسمى بالميليشيات يريدون من المواطن الأعزل أن يتقدم ولكن إلى ميدان حرب أخرى وأتون آلامها ليعيدوا دوامة استغلاله وهذه المرة بشعارات مختلفة مظهرا ولكنها تظل هي هي حيث الادعاء بتمثيل المقدس الإلهي.. ومثلما ادعى الطاغية بــ "حملة إيمانية" يدَّعي لابسو العمائم [المزيفون منهم والأدعياء بالتحديد] أنَّهم ممثلو الله ومرجعية البشر جميعا ومن ثم أصحاب القرار والأمر والنهي...

وهم في ظل تلك الأقنعة والأستار يتخفون لتمرير أوامرهم ونواهيهم التي لا تخدم سوى قوى إقليمية وجدت الفرصة سانحة لمثل هذا الاختراق الكبير!

لقد أرسلت قوى إقليمية من بعض دول الجوار عناصرها المخابراتية وجندرمتها وضباطها ليدخلوا "ميليشيات" وتشكيلات مسلحة  لقوى سياسية بعينها كما هو حال إيران وميليشيا عقدت مؤتمر لها مؤخرا.. ولم تسكت دول أخرى من غرب العراق ومن المنطقة فبعثت بأصابعها لتدخل في تشكيلات الدولة العراقية سواء مخابراتها أم شرطتها أم وزاراتها المختلفة...

ولم يقتصر الأمر على جهات إقليمية عربية أو فارسية بل تحدثت أعين الراصد السياسي عن اختراقات إقليمية ودولية أخرى ففي زمن البيع والشراء في ذمم ضعاف النفوس يمكن أن يحصل كل شئ ليس من باب الافتراض حسب بل من باب اليقين في أجوائنا العراقية القائمة..

إنَّ الحل يكمن في مزيد من تعزيز العمل المؤسساتي وترسيخه وتحسين الأداء المهاري والتقدم نحو الحد من دور الأفراد في توجيه الأنشطة وتصريف الأعمال ليكون كل فعل موجه بقانون ومحتكِم بضوابط ملزمة.. وستأتي مرحلة تطهير المؤسسات حيث نجحنا أو تمكنا من توطيد وجودها في حياتنا..

المسألة الأخرى المساعدة على الحل، نحن بصدد كتابة دستور وكذلك القوانين المؤسساتية الملحقة وبالتأكيد آليات صيانته واحترام القوانين وتوكيد دولة الالتزام بالقانون، وعليه فإننا يمكن أن ننجح في وقف الاختراقات حيث تمكنا ونجحنا في كتابة العقد الصحي الصحيح [الدستور]  بيننا...

وأبعد من هذا وذاك ،  على العراقي اليوم أن يكتب في الصحف وأن يوظف وسائل إعلامه لكي ينشط في فضح التلاعب الجاري في تعيين شخوص مشبوهين في أغلب مفاصل الدولة وهرمها المؤسساتي..

ونحن أمام ضرورة تدقيق هرم الدولة من قمته حتى أدناه لكي نتعرف إلى كل شخصية تشغل موقعا وظيفيا في هذا الهرم.. وعلينا أن نفضح تلك النفرات اللاعبة في المياه العكرة التي باعت كل شئ مقابل حفنة من الدولارات أو الدينارات لصالح قوى تقف وراءها وتبغي استلاب العراق قيمه ووجوده في  يومه وغده...

وليتأكد كل عراقي من أن المستهدف ليس النفط وليس الكبريت ولا النخيل والمزارع ولا الآثار والموارد المادية ولكن المستهدف هو الشخصية العراقية حيث تعمل قوى إقليمية ودولية  على الإجهاز على ما يرونه بقايا العراق!!

 

 

ويبقى السؤال قائما: كيف نحارب الاختراقات؟ ونحن لا نملك مؤسساتنا ولا قوانا المكتملة ولا وسائلنا المناسبة ... كيف نعالج أخطر مشكلاتنا بعد الطائفية التي غزتنا من جهتي الشرق ونظام الملالي والغرب ونظم العروبية القومانية؟

 هل يعتقد سياسي وطني مخلص أن وزارة ما تخلو من الاندساس والاختراق؟ هل يعتقد عراقي نزيه أن مؤسسة بعينها تخلو من الاختراق المخابراتي أو الأمني أو حتى من حالات الاختراق النمطية الأخرى؟

بالتأكيد هنا نشير إلى معنى أو حالة تعيين أشخاص بلا كفاءة ولا دراية ولا تخصص في حين يُبعد المتخصص والكفوء والحريص حتى صارت مؤسساتنا ترطن بالفارسي جهارا نهارا مثلما تلحن مؤسسات أخرى بهواجس الموت القادم إلينا من جهات أخرى!!

أيها العراقيون انتبهوا! لا تسكتوا على غزو مؤسساتكم ولا توافقوا على إدخال ميليشيا بقضها وقضيضها إلى جهاز الدولة لأن ذلك يمرِّر فينا مخاطر فوق ما نحن فيه.. وجب حل المافيات السياسية وجندرمتها المسلحة المسماة ميليشيا وطنية ولدينا هنا إشارة محددة في نموذج  الميليشيا الرديفة للحرس الثوري الإيراني لوضوح الاختراق فيها منه وبه...

ولدينا مافيات ما يسمونهم جيوش التدين سواء باسم المهدي أم باسم الأمر بالمعروف؟ والنهي عن المنكر؟! أم جيش الرافدين أم جيش محمد؟ أم أية جيوش \ هي في حقيقتها ليس أكثر من عصابات أو مافيات  بأي مسمى آخر..

أوقفوا مجرمي راهن حالنا المرهون بيد تلك العصابات التي عقدت العزم على تصفيتنا واحدا واحدا وأولنا العلماء والنخب والأساتذة والأطباء والمهندسون ولن يستثنى منّا أي فرد قادر على البناء والعمل كما حال تلك الاختراقات وهجومها الدموي التصفوي وهم يحصدون يوميا عشرات من أبناء عراقنا ...

حكاية الاختراقات بدأت ولابد من نهاية لها لكي يصحو العراق والعراقيين من زمن المرض الذي امتد طويلا.. ولكي يكون ذلك لابد من تشخيص كل مواضع الاختراق.. فمنها ما يمكن توقعه في القمة ومنها ما يدخل في المؤسسات المدنية من قيادات جهاز التخطيط والتعليم والصحة وغيرها ومنها ما يقف عند حدود الوظائف العامة بمستوياتها الدنيا والوسطى وهذه لها أهمية على مديات منظورة وغير منظورة.. ومن تلك الاختراقات ما يوجَّه إلى  أو يوجد في جهاز الأمن الوطني والمخابرات والجيش والشرطة وهذه الأخيرة ركزت عليها قوى إقليمية ودولية بوضوح ليس مستغربا  لما يكمن فيها من أهمية ومخاطر بعيدة...

وعلينا ألا ننسى أن أحزابا بالكامل تشكلت بدفع خارجي واختراق منه فضلا عن الاختراقات التي تعرضت لها  تلك القوى والحركات والمنظمات التقليدية بهذه الطريقة أو تلك وفي مختلف مستويات العمل وأنماطه..فليس من جهة عراقية لم تكن هدفا لعمليات الاختراق في ظل هذه الأحوال المنفلتة أو ما يمكن أن نؤسس لاصطلاح يمثل خطورة الحالة فنسميها الأوضاع "الانفلاشية"....

والمعالجة في مثل هذه الأحوال بأن يتجه الشعب عامة إلى مرجعياته الحقيقية من التكنوقراط ومن القوى السياسية ذات التاريخ النضالي العريق الملتزم بهموم الوطن والناس مع محاصرة لكل تلك القوى المستجدة على الساحة ولا تمتلك برنامجا معلنا ولا تشكيلا وطنيا راسخا...بما يسمح بتمرير تلك الاختراقات وعلى القوى الوطنية نفسها أن تلتفت إلى احتمالات الاختراقات والاندساسات المبيَّتة...

أما مؤسسات الدولة ومجتمعنا المدني فإن الرقيب المنتظر لحراسته وتنظيفه من الاختراقات فيكمن في تعزيز دور القانون وسلطته وإبعاد سلطة الفرد كذلك في متابعة السير الذاتية لكل المتقدمين لإشغال المناصب العامة والوظائف في مؤسسات الدولة ومجتمعها المدني...