الأحزاب الطائفية للإسلام السياسي

 تناقض ونفي لمصالح  الشيعة والسنّة على حد سواء  

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  06\ \  30

E-MAIL:  t.ayseer54@hotmail.com

 

 

بالعودة لتعريف الطائفة نجدها حالة من التجمع البشري المعبِّر عن مرحلة اقتصادية اجتماعية مرَّ بها المجتمع الإنساني قبل قرون بعيدة.. وبالإحالة للتاريخ غير البعيد كانت الطائفية ودويلاتها في الحضارة العربية الإسلامية تمثيلا لأسوأ مراحل الدولة سواء على مستوى البناء السياسي أم المدني وما يتبعه من طبيعة سلبية في الاستجابة لحقوق الإنسان...

ولا تظهر الحالة الطائفية إلا بسبب من استدعاء التاريخ المرضي السئ حيث أمكن الادعاء والزعم بما يمرِّر ألاعيب الأحزاب والتكوينات المافيوية التي تتقنع بالدفاع عن مصالح طائفة عبر التركيز عليها وعلى أوضاعها. بينما حقيقة الأمر في مثل تلك المزاعم تشي بعملية عزل وتفتيت للطائفة من جهة واستغلال بشع لاسمها ولمصالحها بما يصب في خدمة مستهدفات رخيصة ومآرب مرضية للمدعين بأمر الطائفة وتمثيلها..

وإذا حللنا حقيقة الأحزاب الطائفية من جهة علاقتها بالمجموعة البشرية التي تلتزم مذهبا دينيا بعينه فإننا لانجد أية علاقة موضوعية بتلك المجموعة الملتزمة مذهبا بعينه ولا بمصالحها. فالمجموعة البشرية المنتمية لمذهب  ومن ثمَّ المتميزة بوجودها المخصوص بوصفها طائفة تمثل بوجودها جزءا تكامليا في مجموعة أوسع تلتزم ديانة واحدة مشتركة ولكنها تتميز [ولا أقول تختلف] بخصوصية معالجاتها كمحاولة لحل إشكالية أو معالجة قضية بتصورها أَنَّ ذاك التناول يكمن فيه الحل الأمثل المناسب للجميع بضمنهم الآخر [مذهبا أو طائفة] في معالجته وتناوله المسألة أو الإشكالية ذاتها فهي لا تقترح معالجتها معزولة منفصلة..

ومن هنا لم يتحرج أبناء المذاهب لدين بعينه من القبول بالحل المناسب لأي مذهب بما يتلاءم واللحظة أو الظرف الذي يستدعون فيه تلك المعالجة ومن سبيل المثال لم يتحرج العراقي المسيحي من التزاوج على وفق مذاهب المسيحية المتعددة ولم يتحرج العراقي السملم من التزاوج بين أبناء مذاهب أو طوائف متعددة في الإسلام كأن يتزوج السني شيعية أو الشيعي سنية وعلى أي مذهب يتوافقان عليه لحظة خيارهما لأمر من الأمور كزواجهما مثلا..

وهذا يعني أن لا مشكلة تاريخية في تعدد الطوائف بناء على تعدد المذاهب ولا تعارض بينها لا من قريب ولا من بعيد.. أما الشمكلة الحقيقية البادية مظهرا فليست في أبناء الطوائف أو المذاهب الدينية بخاصة وقد اندمجوا في إطار المجتمع المدني ومؤسساته المعاصرة التي تنتمي لمستوى اقتصادي اجتماعي متطور يعود للقرن الحادي والعشرين وليس إلى أزمنة غابرة ..

وإنَّما المشكلة تكمن في إلحاح من أحزاب بعينها على الادعاء بانتمائها لهذه الطائفة أو تلك زعما باطلا  مخادعا وتضليليا يشكل الغطاء الذي يخفي حقيقة الأهداف التي يبتغيها الحزب الطائفي.. وفي الحقيقة فإنَّ تلك الأحزاب قد تفلح في عملية الغش والتخفي وتمرير أحابيلها باستغلال لغة التديِّن أو التأسلم الطائفي بالتحديد.. ومن هنا كان من مصلحة صراع تلك الأحزاب أن تدفع لظهور أحزاب للطوائف ولا تقبل بحالة أحزاب تابعة لطائفة واحدة بعينها لأنَّ ذلك لا ينثر ظلالا كافية للاختفاء والتضليل..

ولأنَّ الطائفية الحزبية [وغير الحزبية[ الأوسع وجودا وانتشارا اليوم، وردتنا هذه المرة بوضوح من الجارة الشرقية فإنَّ الأحزاب الطائفية المدعية بشيعيتها لن يهدأ لها بال قبل أن تدفع أكثر ما يمكن لتشكيل أحزاب طائفية تدعي تمثيلها السنّة بل إن برامج الحكومة الحالية حيث أغلبية الائتلاف فرضت بُعيد فرضها سلطتها سياسة المحاصصة الطائفية وأبعد من ذلك فإنَّها تبحث عن ممثلين طائفيين على شاكلتها لمن تعزلهم قسرا وتفصلهم بحدود وحواجز باسم السنّة العرب ليس تمييزا عن السنة الكرد أو الكرد السنة بل لتمييزهم عن العراقيين من المذهب الشيعي ولتدفع الشيعة طائفة نحو عزل أعمق عن هويتهم القومية والوطنية!!!

فإذا نحن سألنا أيَّ عراقيِِّ من أيِّ طيف عربيا كان أم كرديا سنيّا أم شيعيا: أين يجد مصالحه؟ أفي وطنه العراق وفي انتمائه إلى عراقيته أم في خروجه على هويته ووجوده وأبناء جلدته وتكامله وتفاعله معهم؟؟ فإنَّنا سنجد الإجابة سريعا في ذياك الانتماء الذي سرى فيه دما وروحا وضميرا وتكوينا عقليا فكريا؛ أي في عراقيته وليس في أي انتماء آخر يتشظى به تمزيقا وتهشيما..

وبهذا فهناك تعارض جدي بين العراقي وبين الطائفية الحزبية وغيرها؛ لأنها مرحلة انصرمت من تاريخه ولأنها فلسفةَ َ وسياسةَ َ تتعارض مع فسلفته وسياسته. العراقي وطني بطبعه ومنتمِ ِ لهويته الحضارية الإنسانية المتفتحة بالعودة إلى تاريخ حضارته السومرية  وبنية منطقه العقلي التنويري التطوري..

وهكذا فليس من أحزاب طائفية، سواء ادعت شيعيتها أم سنيّتها،  بممثلة حقا للسنّة أم الشيعة بل هي في تعارض واضح مع وجودهم الحياتي ومع تطلعاتهم لأن العراقي المسلم هو العراقي أولا وأخيرا وإسلامه لا يضعه في تعارض مع وطنيته بل يوجب عليه رفض الروح التقسيمي التمزيقي الطائفيِّ الجوهر الذي أتتنا به الأحزاب الطائفية من غير انتماء صحيح  لبلادنا..

إنَّ مصلحة العراقي الشيعي تلتقي بالتأكيد مع العراقي السني فهما الاثنان عراقيان ومصالحهما تكمن في عراقيتهما ووحدتهما الوطنية وتتكامل وتتفاعل مصالحهما وأهدافهما ولا تتحقق إلا بوحدتهما تلك. بينما مصالح الحزب الطائفي تتعارض بالتمام مع ذياك التفاعل والتكامل الإيجابيين للعراقيين الشيعي والسني وتقوم الطائفية على عزلهما عن بعضهما وعلى تعارضهما مع بعضهما بعضا وعلى ما هو أبعد من التقسيم أي مصالح الحزب الطائفي تكمن في استفزاز المشاعر والحض على العداوة والبغضاء وإثارة الفتن..

طبعا لابد من التذكير هنا بأنَّ التضليل ومحاولات الغش والتخفي حيث يُبرزون دفاعهم عن تمثيل الآخر ولكن على أي أساس؟ طبعا على أساس المحاصصة الطائفية التقسيمية! أي على أساس التمزيق والتفتيت ووضع المصالح في تناقض وإنْ من طرف خفي كما يتصورون..  وعليه فإنَّ الإجابة الحقيقية للشعب العراقي ولكل عراقي إنسانا متنورا متفتحا يريد مصالحه وأمنه وخبزه وعيشه بسلام وحرية ورخاء، إنَّ الإجابة تكمن في رفض الطائفية المتعارضة مع مصالحه دائما وأبدا..

فحتى دينيا لا يجوز للطائفية أن ترقى على الأصل إذ نقرأ في المقدس "وخلقناكم قبائل وشعوبا لتعارفوا" وليس للتناقض والتحارب والبغض والعداء بل للمودة وصلات الرحم والتكافل. فأين وجد الطائفيون مصالح طائفة بعينها على حساب طائفة أخرى؟ وكيف وجدوا مصالح طائفة بعزلها وتعزيز الفصل العنصري بينها؟ وتغليبهم أحد الأطراف على الآخر وخلقهم التناقض الوهمي بين طرفين متحابين متوادين؛ لم يجدوا ذلك إلا في عقلية مريضة ومستهدفات رخيصة لابد تخدم جهات ليس منها حتى الطائفة التي يزعمون تمثيلها وهم لا يزيدون على استغلال اسم الطائفة ومظالم أبنائها استغلالا مبيَّتا ليس له غير تقويض مصالح الجميع لصالح جهة غريبة على كل أبناء المجتمع وأطيافه..

وبالخلاصة نجد أحزاب الطائفية لا شيعية ولا سنية بل هي طائفية مجردة مخصوصة بهوية الفصل والعزل لتمثل وجودها المرضي فقط لا غير وهو الوجود المعادي لمصالح كل الأطراف وأولها الشيعة والسنّة فبقية أطياف البلاد والمجتمع.. وهي إذن  تبغي بالأساس ضرب المكوِّنات بعضها ببعض ..  

لا انتماء مذهبي للأحزاب الطائفية لأنَّ المذهب معالجة واجتهاد في تناول قضايا بعينها والاجتهاد عامل تفتح وتفاعل لا عامل انغلاق وعزلة وتعارض أما الطائفية فهي عامل انغلاق وعزل وفصل وتعارض وتحارب ومن ثم تمزيق وعداء.. إذن أحزاب الطائفية ليست سنية أو شيعية بل هي مجرد حالة من التمظهر والادعاء والكذب والتضليل لمصالح يمبغي فضحها في كل مفصل من مفاصل سياساتها التخريبية ..

والعراقيون أبناء الوحدة الوطنية والتفتح ورفض التفتيت والتشظي وهم الذين يملكون وسائل تحديهم للقوى التي تريد بهم النوازل والأمراض الماضوية المتخلفة .. ووحدتهم كفيلة بدحر التمزيق الطائفي وفلسفة المحاصصة الرخيصة وفلسفة التمثيل الطائفي التي ظاهرها الحرص على الآخر وجوهرها التمزيق واختلاق التناقض..