العراق وعلاقاته

بين

الشعوب العربية و النظم العربية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  07\ \  04

E-MAIL:  t.ayseer54@hotmail.com

 

تتصاعد بين آونة وأخرى نغمات عزل العراق عن جيرانه وبالتحديد عن علاقاته التاريخية بمحيطه من البلدان العربية. ويوظِّف أصحاب تلك القراءات أحداثا بعينها على سبيل المثال براكين التفجيرات الإرهابية ليلصقوا اعتباطا تلك الجرائم بهذا النظام العربي أو ذاك والأدهى بهذا الشعب العربي أو ذاك، حتى صار العربُ جميعا عند تلك الكتابات وكتّابها أعداء العراق والعراقيين وهم بين واهم يدخل لأول مرة في قراءة سياسية عن جهل وبين من يخدم دافع الفلس والدينار على طريقة كتّاب مقال البترودولار...

إنَّ قوى إقليمية ودولية هي التي تملك المصلحة في تفكيك عرى العلاقات العميقة بين أبناء الشعوب العربية من جهة وبين مجموع النظام العربي ودوله المختلفة... وإذا كان حلالا لدول تختلف في نظمها السياسية والاقتصادية أن تلتقي في اتحادات إقليمية ودولية استجابة للوضع الذي يخدم تطورها وبناء حيوات شعبها وتفاصيلها، فمَن ولماذا يحرِّم بعضُهم العلاقات التي تخدم شعبنا وبلادنا ومسيرتهما التطورية؟

إنَّ تفسير ذاك التخريب في العلاقات يكمن بين أمر الوهم والخدعة وخطأ القراءة كما يحصل في القصور الواضح لحركة الدبلوماسية العراقية مع الدول العربية حتى أننا لم نشهد بعد عامين من التغيير في بلادنا أية سفارة عربية تُفتح في بغداد فضلا عن قصور في تعامل عدد من سياسيينا وحركاتهم مع الدول العربية من منظور معوج يقوم على تقديم علاقات مع جارة على حساب علاقات مع كل دول الجوار والإقليم الأخرى...

وحتى تلك العلاقة مع الجارة الشرقية عند أولئك ليست إلا علاقة مخابراتية مشبوهة من طرف تلك الحركة السياسية المعروفة، بينما يريد العراق والعراقيون أن يبنوا علاقاتهم على أساس من الصراحة والتبادلية والمصالح المشتركة التي تخدم الطرفين على حد سواء.. بعيدا من القراءات الخاطئة التي يمكن أن تشوِّه العلاقات وتطبعها بطابع الشكوك والأمراض والمشكلات كما كان جرى ويجري في ظل الأطماع والتدخلات المريبة!

وإذا كان صحيحا أن نقرأ مواقف عدد من النُظُم العربية المعادية لمصالح شعوبها وأن نقرا مواقف عددا منها المعادي للعراق الجديد خوفا من استقراره ونجاح تجربة بناء الديموقراطية، فإنَّه من الصحيح أيضا أن نقرأ حقيقة اختلاف تأسيس علاقات دبلوماسية مع تلك النظم بما يعمق من مسيرة اللقاء مع شعوب البلدان العربية وأنشطتها التي لا تنعدم ولا تتوقف لمجرد أنها محكومة من أنظمة غير ديمقراطية..

وفضلا عن ذلك فالحياة والعلاقات الاقتصادية والسياسية الدبلوماسية لا تتوقف لاختلاف النظم إذ تفرض مصالح الشعوب على دولها على أقل تقدير أن تقيم علاقات تبادلية تتطلع إليها كل الشعوب. وأشكال العلاقات الممكنة لا تتحدد بحدود فمن ثقافية وروحية دينية ومن سياسية ودبلوماسية واقتصادية بأشكالها المتنوعة المتعددة من تبادل البضائع أو مرورها عبر حدود البلدان أو تبادل الطاقة والخبرات وغير ذلك كثير...

إننا في عالم أصبح يُسمى عالم القرية من جهة حجمه الذي صار صغيرا بحجم القرية بسبب من تطور المواصلات والاتصالات. وبسبب من تداخل المصالح وتشكيل الاتحادات الإقليمية والدولية التي لا يحيا بلد بغيرها أو منعزلا عنها. ولا حياة إلا للكارتلات والتروستات الكبرى وشركات عابرة القارات متعددة الجنسيات ولا عيش للبلدان بغير محيط من الارتباطات الجدية التي تحقق الاتصال بالعالم بطريقة موضوعية صحية صحيحة...

إنَّ عزل العراق عن محيطه الإقليمي شرقا وغربا أمر مستغرب مستهجن نتيجته تخريب البلاد ووضعها في حال من الضعف والتخلف بما يسمح لذاك المحيط أن يلتهم العراق القوي بشعبه المتحضر وبعلمائه ومفكريه ونخبه العلمية والاقتصادية والسياسية وبثرواته ولكن الضعيف بعزلته وفصله عن الاتحادات الدولية والإقليمية الضرورية...

إن علاقة جدية مسؤولة بين العراق الرسمي والشعبي مع محيطه أمر لا يمكن الاستغناء عنه. فهو أبرز أركان سياستنا الجديدة. حيث ينبغي للدبلوماسية العراقية الجديدة أن تركز على بناء علاقات الثقة المتبادلة مع محيطنا وأن توظف العلاقات التاريخية على المستوى العربي بعد أن جرى تخريبها من نظام الطاغية الذي أدخل العراق في صراع مأساوي مع جيرانه فغزا دولة جارة وتآمر على  نُظُم عربية كما السودان وموريتانيا وغيرهما..

بينما عراقنا الجديد الذي يحترم شعبه ويخدم مصالحه لا يمكن إلا أن يبحث عن أصدق العلاقات الإيجابية مع محيطه العربي خاصة وهو يدخل في علاقة تاريخية وجغرافية تفرض عليه تبادل المصالح بما يخدم كل شعوب المنطقة على أساس من التبادلية والمشاركة والمساواة..

إنّ تلك القراءات التي صارت تظهر على صفحات الدوريات والإنترنت بوصفهما أبرز وسائل الاتصال اليوم بخاصة تلك القراءات التخريبية في العلاقات التي تردد أوامر عدد من الحركات السياسية وقادتها ذوي العلاقات المشبوهة أو ذوي الخطط المبيتة للإيقاع بالعراق ومستقبله عن خطأ وجهل أم عن تعامل مع دافعي أجر تلك السياسات، إنَّ تلك القراءات ينبغي فضحها واحدة واحدة ومعالجة آثارها السلبية ومنع خلط الأوراق ووقف تأثيراتها الخطيرة في الحياة العامة...

كما ينبغي التأكيد على حقيقة كون رسالتنا الديموقراطية للمنطقة تأتي من الإيمان بالإصلاح السياسي وتقدمنا الثابت لتحقيق مسيرة ديموقراطية صائبة لا تعتورها المثالب السلبية الخطيرة، ورسالتنا لا تكمن في الوقوف المتوتر المتشنج من النظم الموجودة وقوى سياسية بعينها بمعنى اتخاذ سياسة  التفاعلات الراديكالية العنيفة في التعامل مع تلك القوى!؟

إنَّ أفضل الأمور في خيراتنا تكمن في مزيد التفاعل الإيجابي مع محيطنا العربي بالتحديد وفي تصحيح المسارات وتصويبها مما اكتنفه من أخطاء الماضي.. وفي أعمق علاقة مخلصة وأصدقها لما يخدم شعوب المنطقة ويدفع بها إلى المسارات الإيجابية المشرقة بعد غيوم الاحتراب والتقاطع..

فالاحتراب والتقاطع من آليات النظام العربي القديم المصاب بعلل شتى بينما التفاعل الإيجابي المؤسس على قواعد جديدة هو مبتدا مشروع الإصلاح والتغيير الإيجابيين في المنطقة وإقليم الشرق الأوسط..  ومن دون وعي بما يجري رسمه للمنطقة من مخططات سنقع جميعا في دوامة الدفع بعدم استقرار المنطقة وزيادة شحنات البغضاء واللعداوات والعنف المستشري أصلا في فلسفة مرضية موبوئين بها!

وعليه فوقف العنف في بلد وتعزيز استقراره كما حال العراق يعتمد على مزيد من دعم علائق التعاون وتوطيد عرى التآخي والصداقة والتفاعل الإيجابي بين دول المنطقة نظما وشعوبا.. ولا استثناء للأمر حتى وإن اختلفنا في الرؤى والتوجهات وليكن عامل التلاقي أقوى وأمتن والأرضية الصحية الصائبة لأبناء المنطقة..

وليجر التثقيف والتوعية بتوجهنا هذا على جميع المستويات.. ومن ثمَّ لنقل من الخطل القبول بالتأثيرات السلبية للانفتاح في الكتابة الصحفية ما يسمح لظهور تلك القراءات السلبية التي تحفز على التقاطع وتعضد التناقض والسلبية في العلاقات؛ ولنجعل حكمتنا ورشاد سياساتنا أسّا لفسلفة علاقاتنا بمحيطنا  بالتحديد منها العربية..

أما ذرائع النواقص في مؤسسات العلاقات من مثل نواقص الجامعة العربية بوصفها مؤسسة ما زالت تحيا بضوابط مكتوبة في زمن الحرب العالمية الثانية أو مؤسسات الاتحادات الإقليمية العربية الأخرى وما شابه من الحجج من نمط وجود أعمال استفزازية وإجرامية تحصل من هذا العربي الفرد أو ذاك وإلحاق أو تعميم الأمر ليشمل كل أبناء بلده وكل الأنظمة فأمر يظل قاصرا عن التعبير عن فلسفة الحياة الجديدة وعراق جديد نريده خيرا لأهله ولكل المحيطين به... فهدفنا اليوم يكمن في عميق العلاقات الشعبية الأخوية الإنسانية من جهة وعميق الصلات الرسمية في إطار الإصلاح العام فينا ولنا وفي محيطنا وله...