ندوة الحوار الديموقراطي الوطني

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  07\ \  05

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

يتميَّزُ الوضعُ العراقي الراهن بكونِهِ وضعاَ َ قلقاَ َ يسودُ قواه السياسية الهشاشة والضعف في ضوءِ التمزق والتفكك التنظيمي القائم. أخصُّ هنا قراءةَ أوضاعِ القوى الديموقراطية الوطنية واليسارية العلمانية والليبرالية، التي عانت من مجابهاتِ ِ خطيرةِ ِ  سواء منها حالات التضييق الفكري السياسي أم التصفيات الجسدية لقادتِها وأعضائِها على مدى العقودِ الأربعةِ الأخيرة...

بخلاف القوى المتأسلمة والحركات الحزبية الطائفية التي وجدت كل الدعم المادي والمعنوي من دول إقليمية وقوى دولية فضلا عن منافذها التقليدية داخل الوطن حيث تحويل المؤسسة الدينية وأجهزتها إلى شريان لتخليق الحياة  وتفعيلها في أوصال ماضوية انتهى زمنها...

وتمَّ من أجل ذلك استغلال حتى أجهزة سلطة الطغيان وهي تتحدث بلسان التديّن وتـُعمِّد استغلال المشاعر والطقوس والأعراف وإعادة تخليق تقاليد سلفية كما هو الحال فيما قام به الدكتاتور من تعيين رؤساء عشائر ودعم توجهات الفصل الطائفي على حساب قيم المواطنة والمساواة والعدل..

وفي هذه الأجواء كانت الحالات المرضية تتنامى وتستفحل فيما القوى العقلانية، قوى الرشاد والحكمة المتمثلة بالقوى الحريصة على إعلاء شأن الوطنية والروح الديموقراطي التعددي الذي يحترم التنوع والحريات والتآخي الإنساني السلمي، تُحاصر وتُستلب ويجري تفكيك فرص عملها ومحو تنظيماتها بالتصفية الوحشية لالتي نهضت بها تشكيلات الطاغية وأجهزته القمعية..

وبهذه الطريقة صرنا نجد الوعي العام في حال من التراجع والتخلف. كما صرنا أمام مشهد من الظلامية في أجواء التضليل والمخادعة واعتماد العقل الأسطوري وقيمه ولغة البيان السحري الغيبي الأمر الذي يحيل إلى القدرية لغة العَجَزة المشلولين عن الحركة وامتلاك طاقة التغيير..

إنَّ الخللَ أصابَ مناحي الحياة من أجهزة التعليم والإعلام والاتصال ومؤسسات الخدمة الوطنية العامة بكل مفاصلها وتفاصيلها ما أدى إلى خلق أرضية واسعة للتشكيلات الماضوية تنظيما وفكرا ونتائج.. وهذا ما أشاع الاضطراب والتمزق بين القوى الديموقراطية.. فتوزع بل تمزق تنظيماتها بين منافي الشتات ودخول أعضائها ومناصريها غياهب السجون والمعتقلات والتصفيات الجسدية الواسعة هو ما جعلها في أوضاع خطيرة ما فصل القيادة الجماهيرية عن قواعدها فضاعت فرصا تاريخية باستمرار لوقف التدهور والبدء بمسيرة بناء العراق الجديد...

وبالتحول لقراءة البديل والبدء بوضع الحلول الملائمة لمثل هذه الأوضاع المضطربة يمكن القول: إنَّ أول الطريق لاستعادة مكانة القوى الديموقراطية بين جمهورها واستعادة ثقة الجمهور بنفسه وإبعاده عن اليأس والإحباط والشلل بما يحيله للقدرية والاستسلام لعجز مختلق، إنَّ أول الأمر يكمن في ظهور تلك القوى من جديد بفعالية ملموسة...

وأول أمر الديموقراطية فلسفةَ َ سياسيةَ َ وفعلا في واقع الحياة  أنْ تقوم على أساس من وحدة القوى حاملة رايتها؛ فالتماثل ومن ثمَّ الوحدة بين الحامل والمحمول هو سبب ظهور أمربعينه أو أية قضية محددة كما الديموقراطية أداة وطريقا لحل معضلات العراق الجديد..

ولدينا تنظيمات بالمئات تضع الديموقراطية عنوانا لها؛ وهي حقا تحمل الهمَّ الوطني الديموقراطي طي أفعالها وأنشطتها. ولكن الديموقراطية تتطلب من تلك التنظيمات جميعا عملا دائبا من أجل التثقيف والتوعية. ففي غياب الوعي الكافي وفي ظل سيادة الظلمة وأحابيل التضليل والخداع، لابد من حملة جدية مسؤولة للوصول إلى جمهور واسع من جهة وللتأثير فيه بما يعيد له الثقة ببرامج مقنعة يجد فيها ملاذه وخلاصه..

ولكن ما يملك الأسبقية والأولوية يكمن في ذات تلك القوى القوى الديموقراطية التي لابد أن أعضائها وقادتها يشعرون بما هم فيه من ضعف وتشتت ما يدفعهم لتعزيز قواهم الذاتية بمزيد الوعي والارتقاء بالخطط والبرامج وتطويرها النوعي. ثم بمزيد من التغييرات على المستوى التنظيمي الذي يحل مشكلات التمزق والتشتت.

ومن الطبيعي أن تكون الدعوة لعقد مؤتمر وطني عام لتلك القوى هي القرار الصائب ولكن الأمر على الرغم من أهميته ما زال غير قريب المنال لأسباب شتى. إنما من الممكن لكل تلك التنظيمات أن تلتجئ لوسائل موضوعية منها عقد ندوة وطنية مفتوحة مكانا وزمانا.. أي أن تشترك القوى الديموقراطية في مسيرة عنوانها "الحركة الديموقراطية" فتنعقد في كل أرجاء العراق ندوات مفتوحة لتنظيمات الحركة الديموقراطية ولكل جماهيرها..

ودرجة الأداء النوعي لتلك الندوات من جهة خلق أرضية الحوار والتفاعل بين مجموع القوى هو الذي يمكنه أن يحقق النجاح الحقيقي المؤمَّل. والدعوة لمثل هذه الندوة المفتوحة المتعددة مكانا والمتعددة زمانا غير المحددة بسقف سوى واقع الحياة ومتطلباتها يشكل حجر الزاوية لأسباب، منها تجنب التنظيمات حساسيات من يقود من الزعامات والتنافس بين الأفراد والمجموعات بالخصوص حتى منه التنافس الإيجابي.. فندوة الحوار الديموقراطي ليس فيها من زعامة ولا تحتاج لها تنظيميا..

الأمر الآخر المفيد من وراء تلك الندوات هو إعادتها الصلة بين القوى الديموقراطية وجمهورها ومن ثمَّ فتح بوابة علاقة إيجابية يتولد عنها وقف التداعي للحركة الديموقراطية بوقف العزلة والانفصال عن جمهورها العريض... كما أن الندوة هي أبرز آليات التربية والتثقيف التي يجب للديموقراطية وحركتها النهوض بها.. فالديموقراطية عمل تربوي طويل لتغيير الأنفس وإعدادها موضوعيا لثمارها حياتيا...

كما أن تلك الندوة هي التحضير الجدي الفاعل من جهة ملاقحة البرامج والقراءات ومن جهة توافق الرؤى وتفاعلها إيجابيا وهي الأرضية المهمة التي تحرث لتقويم الأخطاء والإعوجاجات وتعديل المسارات وتوجيهها بعقلية تشمل أوسع دائرة من الخطوات والآليات المطروقة في العمل التنظيمي الديموقراطي.. إنَّ ندوة الحوار الديموقراطي هي القاعدة الصحيحة المتينة التي يتأسس عليها التنظيم الجديد..

فهناك في حقل الحياة ومع الجمهور الواسع نفسه يمكن لكل القوى الديموقراطية أن تتحدث بلا حرج ولا تردد وتكشف الأوراق بشفافية وافية للصراحة ولمكاشفة الآخر والتلاحم معه وتمتنع في أجواء الندوة المفتوحة إمكانات التغطية وتمرير مخادعات مقصودة أو حتى برامج غير ناضجة عن غير قصد..

إنَّ الذي تريده القوى الشعبية هو حضور تلك القوى جميعا لندوتها الحرة؛ ندوتها الديموقراطية الآليات، ندوتها التي تمثل أساس التنظيم الأرقى لمعالجة مشكلات عراقنا الجديد.. ومشكلتنا فينا. فكيفما ارتقينا لمستوى تنظيمي أعلى ولبرامج معالجة أوضح وأنضج وصلنا لوقف التدهور وبدأنا مسيرة الفعل لإعادة إعمار الذات التي ينبغي لها أن تنهض بمهمة البناء...

إذن دعوتي لمعالجة ثغرات أوضاع حركة اليسار والديموقراطية تكمن في ندوة الحوار الديموقراطي الوطني ومشروعها يمكن أن يبدأ متزامنا في جميع محافظات الوطن وفي جميع بلدان الشتات أو بانطلاق نواة لها في بغداد أو مركز بحثي دولي  لإحدى جالياتنا وتتابع محطات تلك الندوة الوطنية الفاعلة .. أما من يمكنه البدء بالمشروع فليكن التجمع الديموقراطي الوليد بين عدد من القوى والحركات والأحزاب السياسية أو من قبل أي مركز للدراسات الديموقراطية حيث يدعو تلك القوى للندوة المفتوحة على أوسع جمهور وليس المقصورة على نخبة بعينها.. وعلينا هنا أن نذكر هنا بقوة كل تلك القوى المتحدثة باسم المجموعات القومية العراقية من التي جرى تهميشها في بلادنا بمسمى الأقليات ولا منقذ لأوضاعها غير الديموقراطية وأقصد هنا الكرد الآشور الكلدان السريان الأرمن التركمان الصابئة الأيزيدية الشبك والقائمة تتسع لكل المجموعات العراقية بلا استثناء أو مصادرة وتلتقي في خيمة ندوة الحوار الوطني الديموقراطي...