ميليشيا الحركة الوطنية ومافيات أحزاب المخادعة السياسية والمؤسسة الأمنية الوطنية العراقية الجديدة؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  07\ \  11

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

اتسمت سياسة نُظُم الطغيان المهزومة بالعنف والدموية وهو الأمر الذي فرض قسرا على الحركة الوطنية أن تتجه لتوظيف النضال الشعبي المسلَّح ضد تلك القوى السادية في جرائمها. وكان من بين أبرز الثورات الوطنية المعروفة في التاريخ العراقي المعاصر ولادة الثورة الكردية وتنظيم قواها العسكرية في جيش الحرية الممثل في "البيشمركة الكردية" المعروفة في رصيد نضالاتها الوطنية والقومية وكفاحها من أجل تحقيق الحلم الشعبي..

ولقد انضبط العمل المسلح للكرد باستمرار بالأهداف السياسية القومية للكرد ولتطلعهم من أجل الانعتاق وهم الذين عانوا من استباحة صارخة وحرب تصفوية قامت على أساس من مبدأ الإبادة الجماعية بمفهوميها المادي الجسدي والمعنوي الأدبي بما يخص الوجود الكردي لغة وحضارة وخصوصية..

وتعمّد النضال القومي للحركة الكردية دوما بدماء العراقيين المناضلين جميعا من أجل التحرر والديموقراطية، ومن هنا التحمت النضالات الوطنية على مستوى العراق بتوحيد جدي وتنسيق بين ميليشيا البيشمركة الكردية والحركة الأنصارية الوطنية الممثلة بالأنصار الشيوعيين ونضالاتهم البطولية ضد الطغاة المتعاقبين..

ولعل هذه الوحدة الوطنية العراقية هو ما مثل الركن المتين لصحة توجهات الثورة الوطنية المسلحة أهدافا ووسائل.. ولعلها أيضا كانت الركن الأهم لانتصارات مشرقة ومآثر كبيرة في تاريخ النضال القومي الكردي وفي تاريخ النضالات الوطنية العراقية عامة..

وهكذا كانت وما زالت قوى البيشمركة والأنصار قوى وطنية تأتمر لقيادة قومية ووطنية واعية تدرك حجم مسؤولياتها الكبيرة في الدفاع عن حقوق أبناء الشعب العراقي بأطيافه ومكوناته الحرة في إرادتها وخياراتها القومية والوطنية.. وهي التي ما زالت مسؤولة عن مواصلة مشوارها للتصدي للمهام المناطة بها في الظرف العراقي الدقيق..

ويمكننا هنا أن نستذكر عددا من تجاريب الشعوب وكفاحها الوطني المسلح حتى تحررت وواصلت مشوارها بالطرق والوسائل التي وضعت الحلول المناسبة للتحول إلى مراحل الاستقرار السياسي والأمني العام..

على أننا بالمقابل يمكننا أن نرصد سياسة الطغاة في بناء أجهزتهم المخابراتية والعنفية (الخاصة بأمنهم) بما جعلهم يستعدون لمراحل هزيمتهم وإزاحتهم من السلطة كما حصل مع هزيمة الطاغية الذ ي خلَّف وراءه مافيات التخريب وعصابات العنف السادي المدربة على أعمال السطة والتسليب وإثارة القلاقل وفرض لغة العنف السادي على الشارع كما كانت تفعل وهي في رأس السلطة...

كما يشهد الوضع العراقي دخول قوى عنفية مسلحة من دول الجوار متشكلة في مافيات وعصابات التصفية الدموية وقيامها بأدوارها التخريبية في إطار جماعات الإرهاب والجريمة ومخططاتهم الخبيثة..

وفضلا عن الحالتين نشهد اختراق عدد من القوى التي كانت تنطلق من قواعد بلدان مجاورة بميليشيات أشرفت عليها وعلى تدريبها وتسليحها تلك البلدان أيام الصراع بين طاغية العراق وحكَّام تلك البلاد.. وهي في الحقيقة ميليشيا قوى سياسية طائفية الفكر والمرجعية ومخترقة بوضوح من جهات إقليمية إلى درجة بعيدة وخطيرة..

حتى يمكن للمتابع أن يقرأ عددا من التوجهات السياسية المثيرة لزعزعة الاستقرار الوطني بُعيد تحرر العراق من الطاغية وفي أثناء العملية الانتخابية حيث كان تدخل تلك القوة العنفية المسلحة ليس منضبطا لا بضابط وطني ولا بمصلحة عامة بقدر ما كان الأمر مربوطا بتجيير حركة العراقيين نحو تسمية حركة طائفية بعينها وإبرازها في الواجهة لمصلحة دولة إقليمية عاشت الحرب مع العراق طويلا..

وعليه فإنَّ الحديث عن الميليشيا الوطنية يمكن أن يجده المواطن العراقي في تلك القوى التي تعمدت بدماء زكية سالت من أجل أهداف وطنية وما زالت تصنع الخير والأمن والأمان لشعبنا كما يحصل في حماية أمن كردستان من قبل البيشمركة ...

وبخلاف ذلك هناك تلك القوى العنفية الدموية التي شخصناها آنفا والتي لا يمكن للعراقي إلا أن يجد مشكلة خطيرة تتسبب بها كل تلك المافيات العنفية الدموية المسلحة بفلسفة الموت وتجارته وسكاكين الغدر الواردة إلينا من خلف الحدود..

وعليه فإن عراقا ديموقراطيا حرا مستقرا آمنا لا يمكنه أن يتعايش مع المجموعات المسلحة من مافيات وعصابات وحتى ميليشيات الأحزاب والحركات العائدة من منفاها لتمثل مصالح القوى التي درَّبتها في الخارج ورعتها طويلا هناك استعدادا لاختراقاتها التي تطلعت إليها.. وهو ما يشكل مخاطرا جدية على مستوى وجودنا الوطني وليس على مستوى أمننا فقط!

وهذا ما يعني وجوب حل تلك الميليشيات المقصودة هنا  ووقف أنشطتها المسلحة في دولة عراق مؤسساتي وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم عبر الدخول الجماعي بكتلة مميزة في الجيش الوطني أو الشرطة الجديدة وقوى الأمن الحقيقية..

بل لابد للحل أن يمر عبر تفكيك تلك المجموعات ومنعها من السطو على الشارع ومصادرة ابن البلاد لصالح قوة سياسية وتحقيق مصالح قوى أجنبية على حساب العراق والعراقيين.. أما تكوين الجيش الوطني والشرطة فيمكنه أ، يتم على وفق ضوابط بناء تلك المؤسسات حيث يقبل المواطن العراقي الفرد فقط..

ولظروفنا المعروفة وجب اشتراط ألا ينتمي إلى تلك القوات إلا عراقيي الداخل أوبشروط تضمن منع اختراق المؤسسة الأمنية العراقية من قوى أقليمية أو دولية كما يحصل اليوم على وفق أحاديث العراقيين أنفسهم...

وبعامة لابد من معالجة جدية مسؤولة لطبيعة وجود حركة وطنية (مسلحة: كما البيشمركة) وُلِدت في داخل الوطن وعلى أرضه ومن أبنائه وشاركت شعبنا همومه ومعاناته وتبنت قيمه وتطلعاته ودافعت عنه وما زالت وهي القوى التي نحتاجها اليوم وحتى زمن قريب قادم ونريد تثبيت وجودها لتلك الحاجة الوطنية اللازمة والضرورية...

 و معالجة وجود تلك القوى الدخيلة أو الموبوءة أو المريضة أو ذات المستهدفات المعادية لتطلعات أبناء شعبنا أو تلك المخترقة من قوى أجنبية لظروف تاريخية خارجة عن الإرادة وهذه في جميع أحوالها ما ينبغي أن نعمل على وقف تأثيراتها السلبية الخطيرة ومنع تمرير جرائمها بحق شعبنا الآمن وعراقنا الجديد..  

وحتى تستقر أوضاع عراق مؤسساتي يمتلك القدرات الأمنية الكافية ينبغي لنا أن نفرز في قراراتنا هذه الحقيقة بين ما يتحتم بقاءه وما يجب إزالته وتفكيكه من عالم عراقنا الجديد عراق الديموقراطية والسلام والأمن والاستقرار والوحدة الوطنية...

فلا خلط للأوراق بين الصحيح والخاطئ ولا خلط بين الإيجابي والسلبي بين الوطني والدخيل بين الملتزم هموم الناس والمخترق بمطامع الآخرين.. وليست القضية في وجود الميليشيا سواء ومسطحة رياضيا لنعاملها بمعالجة واحدة قسريا فالحياة العامة غنية بتنوعاتها واختلافها وتناقضها بما يتطلب منا مزيدا من الإدراك والوعي بما ينبغي أن نفعل ..

إن المصلحة الوطنية العليا هي الفيصل في قراءة الأوضاع ومصالح مكونات شعبنا القومية وغيرها هي الساس في وضع التصورات المناسبة لمسيرتنا.. وما يجب أن يكون يكمن في العدل وحق تقرير المصير وأعمق وأبعد ممكنات حقوق العراقي المواطن الإنسان المتحرر من تبعيته لأي تصنيف لا يخدم وجوده الإنساني والوطني..

وسيكون من العبث بمصير العراق وبكل مكوناته وتاريخهم الوطني المخصوص إن لم نتخذ القرار الصائب بالخصوص ومن ذلك أن ينضبط الجميع بقانون وطني لا يسمح لقوة بفرض إرادتها على حساب الآخرين بالقوة المسلحة وبغيرها.. ولا يوجد من يقع خارج سلطة التوافق الدستوري الوطني العراقي...

من هنا يجد المرء نفسه أمام إعلان استحقاقات المرحلة بوضوح ومن دون لبس وتوريات أو مخادعات سياسية ومن دون حالة التسابق غير الموضوعي لمصالح المحاصصات والتقسيم الفئوي على أي أساس قام.. وأن نعود لقراءة الأمور بطريقة صائبة وألا نسمح بالخلط والتضليل  لمصلحة مطالب حركة أو جهة بما يخدم فئة ومن ثم قوة أجنبية جارة أو غيرها..

بينما المطلوب مناقشة أفضليات وأسبقيات تخدم قواسمنا المشتركة شعبيا لا غير.. وأعود لتوكيد الفرق بين قوى وطنية نحن بحاجة لها لمرحلة قريبة قادمة وإلى وقف تأثيرات قوى أخرى وسطوتها على الحياة ومنع تجيير الشارع عبر أعمال عنفية وأخرى تضليلية من ميليشيات الحركات.. لأن بعض مخاطر تلك القوى فرض التقسيم على أرض الواقع وبالقوة العنفية المرضية وهو ما لايكن معايشته والقبول به!!