لا تصنعوا طاغية جديدا آخر؟!!

أدعياء التسيّد على رقاب الشعب هم عبيد أذلاء للأجنبي ولمآربه
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  08\ \13

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

منذ انهيار النظام الدكتاتوري دخلت العراق قوى مختلفة استطاع بعضها تسلق سلَّم السلطة السياسية والسطو على الشارع العراقي بقوة الميليشيات المسلحة وبلطجة العصابات المافيوية.. وها هي تشرع بوضوح في الإعلان عن مشروعاتها ورؤاها  وكل تلك المخططات التي تأبطتها سرا في المرحلة الأولى وهي تسفر عنها بعد أن تصورت أنّ العراق صار ضيعة لبقية أهلها!!

والأمر الذي يجري في ظل التعكز على الحريات والحقوق العامة وعلى حق ممارسة الديموقراطية والتعبير عن الرأي، إنَّما يجري في ظل عتمة بل ظلمة خطيرة سببها طبيعة المرحلة الانتقالية التي نمرّ فيها في ظلال سيطرة "الانفلاشية" أو أوسع حال من الانفلات الأمني وخروج الأوضاع على سلطة الدولة ومؤسساتها!!

وطبعا ما يجري ما زال يمتلك بعض أقنعة يتستر وراءها من مثل استغلال عواطف الناس ومشاعرهم في احترام "رجل الدين" وممارسة طقوس بعينها،  فتعمَّم بعض أزلام النظام المنهار ولبس العباءة لِـيَسْـترَ جرائمه ويهرب من مساءلة الشعب العراقي التي طال انتظارها وحلَّ موعدها حيث لن تستمر لعبة التخفي وطاقيتها!!

ونحن لن نعود عن حق الشعب في ممارسة الحريات والتعبير عن الرأي وفي ممارسة سلطته عبر أعمق تمسك بعمل المؤسسات التي تمثله وأولها مؤسسات المجتمع المدنية ومنها أحزاب لها رصيدها المعروف في تاريخنا الوطني والشعبي... ولكن هذا يستتبعه أمور من نمط وضوح الرؤية اللازم في فرز القوى الممثلة لفئات الشعب العريضة وطبقاته الاجتماعية المتنوعة..

وليس بين ممثلي الشعب ممن يحرص على حقوقه أولئك الذين جاؤوا ليعززوا تلك الأباطيل التي حاول نظام الطاغية تغذيتها أي أباطيل الطائفية وجريمتها بحق الشعب العراقي الذي بقي نسيجه محافظا على وحدته طوال آلاف من سنوات الشدّة من دون أن يتم اختراق متانة ذياك النسيج المتفاعل إيجابيا منذ سومر وبابل وآشور ومرورا بالحقب التالية التي مرَّ بها العراق القديم والمعاصر...

أما كيف لنا القول بأنَّ الطائفية دخيلة علينا وخطر داهم يهددنا وفلسفتها هي السمّ الزعاف الذي يستهدف أهلنا والقيِّمين عليها هم أعداء شعبنا؟ فالأمر ليس معقد الفضح والتعرية وشعبنا أوعى من الانسياق وراء اختيار قوى الجريمة المتخفية بأعمَّة وعباءات رجال الدين وليس لهم من الدين سوى مظاهر الخداع وأحابيل المراءات الدعيّة... هذا غير الجهالة والظلامية التي يمررونها في أجوائنا.

إذ لم يكن عراقيينا بحاجة لأدعياء دين لكي يعلمونهم احترام المراجع الدينية فعبر عشرات السنين الخالية لم تكن مؤسسات الدولة العراقية محكومة بالمعمم ةلا المجلبب ولكن الشعب كان محافظا على قيمه وهويته وخصويته وأخلاقياته ولم يكن العراقي بحاجة إلى دعاة "الأمر بمعروفهم والنهي عن منكرهم" لتمتلئ الجوامع والكنائس والصوامع التي بقيت مآذنها عالية الصوت وأجراسها قارعة طوال قرون وأعوام...

ما يجري اليوم هو الآتي: تفتت في حركة القوى الديموقراطية وضعف ناجم عن سنوات الجمر والنار وسنوات المصادرة والاستلاب في وقت يصادف صعود نجم الظلاميين لسباب تعود لسطوة الجهل والتخلف وظلمة فرضها قسرا نظام الطغيان الدكتاتوري الدموي فضلا عن سلطة البلطجة لميليشيات تتزوق بشعارات مظلومية "شيعة" أو مصداقية "سنّة" وتتستر وراء دفاع مزعوم عن مصالح هذا الفريق أو ذاك ولا يهمها في الحقيقة أكثر من التستر على نواياها الحقيقية حتى تتمكن من الوضع وتسطو عليه مرة أخرى...

من أين جاء صدام حسين أيها الشعب الطيب؟ ألم يكن زعرا من زعران الشوارع في العام 1959 عندما حاول اغتيال الزعيم الوطني يوم كان محكوما عليه في جنح تخص اختطاف وسرقة واغتصاب؟ فما الذي تغير في الوضع ليكون زعيما! في العام 1979؟! من الذي صفَّق له؟ من الذي زعق له؟ أي الشعارات رفعها يومها؟ ألم يرفع شعارات الوطنية والدفاع عن القومية والحريات والناس؟؟!!! وصار يخادع ويضلل باصطناع تاريخ نضالي وكفاحي!!! ثم سرق أبناءنا من بين أحضان أمهاتهم ليسوِّقوا له ويهتفوا وليحصدهم في حروبه وخلف جدران أجهزته القمعية واستهتارها!!!

ألم يكفِ شعبنا الطيب تحميله وزر أدعياء التضحية باسمه وزاعمي النضال نيابة عنه والمتفضلين عليه بمنة ذاك النضال المزعوم.. فكل من يُقتل له نفر في صراع على غنيمة يرحِّل أمره ليكون منـِّية ودينا برقبة أبناء شعبنا وحتى يوم يُبعثون سيظل الشعب الطيب مطلوبا ذاك الدين الزاعقين به!! فلماذا يظل الشعب مطلوبا لأحد كائنا من كان؟؟؟

المشهد الذي ظهر فيه بالأمس السيد وفيه يصفق بعضهم له بعد أن حشَّدَهم وساقهم للميدان بضع أنفار من حرس "السيد" بديل حرس "الرئيس".. لا ينبغي أن يكرر مشاهد التصفيق للرئيس المهزوم...  لا تنسوا سريعا ما كان يحصل!  لننتهِ من أولئك الزاعقين باسم الأصنام التي تمنّ علينا وتحاول أن تفرض أوامرها.. الشعب سيد نفسه والشعب حر الإرادة ومصدر قراره وصاحب الأمر والنهي وليس لغير الشعب حق النيابة عنه وتزعم الحياة وإصدار القرارات...

إن المشهد الجديد البديل هو لقاء الناس من أجل مصالحها ومن أجل تحديد قراراتها ومسالكها وبرامجها ومن أجل تنفيذ إرادتها في الحياة وليس من أجل حمل كرسي السيد أو الرئيس أو الزعيم فلم يعد الشعب بحاجة لوصي عليه فلقد بلغ الشعب رشده منذ زمن بعيد ولم يعد للوصاية موضع في حياته ولم تعد مشاهد حمل كراسي الرئيس أو الزعيم على الأكتاف هي المشاهد المنتظرة لينبذ الشعب كل شخص يهتف لزعيم أو سيد يُكره الناس على الخضوع لزعامته بحجة أو ذريعة من أيّ نوع...

لا تسمحوا للمشهد أن يتكرر لا تهتفوا لشخص أو صنم مصنوع من ورق ولا تخشوا اسما اليوم ولا تخضعوا لإرادة فرد فلا يوجد فرد يدين له المجموع ولا يوجد فرد يمن على الناس ولا يوجد فرد يسود الشعب وحين يريد الشعب شخصا لإدارة أو مهمة فإن الشهص يهدم الناس وينفذ إرادتهم وليس العكس...

لا تصفقوا لفرد ولا تصنعوا دكتاتورا طاغية جديدا.. لا تنسوا ما كان بالأمس بل انظروا إلى ما نحن فيه.. أليس هذا من بقية ما صفقت له الأكف وإن كان التصفيق بالإكراه؟!!! أوقفوا رحلة صناعة طغاة جدد لا لاتهتفوا إلا للشعب وحريته ولكونه المصدر الوحيد للقرار وللأمر والنهي ولكون الشعب المصدر الأول والأخير في تسيير الأمور من خلال مؤسساته وقوانينه..

لا يوجد شخص فرد يمكنه أن يكون بديلا للشعب ولا يمكن أن نسمح لفرد أن يصعد من جديد على أكتاف أبنائنا وحيواتهم.. ولا يمكن أن تمضي العصابات والميليشيات تسوق أبناءنا لمحارق السادة من أي نمط كان هؤلاء السادة حتى لو كانوا سلالة الأطهار الأخيار فهؤلاء قدرهم التضحية بلا منة على أحد فإن منَّ أخدهم أو تبجح أو تجبر فقد خرج على أخلاق النبل والإباء ولم يهد ممن ينبفي مؤازرته أو اتباعه...

لا تقبلوا بجلاد جديد ومغتصب آخر لكرامتكم ولحرياتكم ولحقوقكم.. البديل الذي ناضلنا من أجله هو حقوقكم كاملة غير منقوصة ومن يدافع عنها أنتم وليس الأدعياء لا سادة ولا عبيد.. وأولئك الزاعقين بمظلوميتكم ليسوا إلا عبيد أجنبي يريدون تسيّد الموقف وتزعم الحياة ليسوقونا من جديد لمستبد جديد ومستلب آخر لوجودنا...

أيها العراقيون احذروا خطر الأدعياء ولو ارتدوا   "البردة المقدسة"  فليس كل من تعمم وتجلبب صار سيدا وصار وكيل الله على الأرض فلا نيابة عن إله فلقد استخلف الله بني آدم جميعا على ملكه ولم يقل كتاب مقدس إن شخصا فردا بعينه هو من استخلفه ولقد أمرت الأديان والكتب المقدسة الإنسان أن يعمر الأرض وأن يكون كل فرد مسؤولا بنفسه عن نفسه وأعماله.. فلا ينخدعن شخص بفرد زاعم مدعِ ِ مرجعيته وقيادته للناس..

نحن جميعا اليوم نقرر  سويا ونتعاقد سويا ونحترم بعضنا بعضا ونؤدي واجبات بعضنا تجاه البعض الآخر ونأحذ حقوقنا كاملة غير منقوصة ولا يتاجرنَّ بنا فرد أو سيد أو زعيم. ومن نختاره لرئاسة أو وزارة أو زعامة أو إدارة أو وظيفة غإنما نختاره لأداء واجب يكلف به وليس لنخضع له أو نقاد لرغباته.. بل ليخضع هو لأوامر المجموع وينفذ إرادة المجموع ويخضع لقوانينهم ولتعاقدهم في دستور يمثل المجموع لا الفرد ..

لا تتركوا الأمور تمضي بالمقلوب ولا تجعلوا الشعب خاضعا للطاغية فلقد ولى عهد الطاغية ولا تسوقوا أبناءكم فداء لفرد فلم يأمر الله بهذا بل من يفعل هذا هو العاصي لأمر الله فليس من عبادة أن نتبع أهواء شخص غرد ولو سمى نفسه نائب الله أو وكيله أو مرجع ديانات الأولين والآخرين.. إن مرجعكم أيها الناس هو عقولكم وإراداتكم الحرة ألم يخلقكم الله أحرارا فلماذا يستعبدكم سيد كائنا من يكون وكيف نسيرون وراء كلمات رجل فرد وفيكم كتب الله وأنبيائه وأئمته الصالجين؟؟؟

لا تسمحوا بعودة مستبد جديد طاغية آخر ولو بعباءة دين الله.. فذلكم [لمن يتحدث عن اعتقاد ودين] هو الكفر بعينه أن تفسحوا فرصة لطاغية فلقد لعن الله الطغاة ولكنه لعن أسباب وجودهم أيضا أي من يكون سببا في حرث الأرض لهم والتصفيق لفرد ورفعه على أكتاف الناس وتمكينه منهم ومن ثم توليد أو تصنيع طاغية هو كفر بعينه..

لم تحيوا لتكونوا عبيدا ولم تولدوا لتكونوا خدما في بيوت سادة تعرفون أصولهم وفروعهم .. وليس العراقي بعبد عند إيراني أو عربي أو أمريكي أو أوروبي... وليس العراقي بعبد عند عبد ذليل لأجنبي.. ألم تنظروا إلى من [يريدون] أن يصيروا أسيادا لكم كيف كانوا يجلسون عند أقدام ملالي دول الجوار ومشايخها؟؟

إن كل عراقي يهز كفه اليوم لسيد أو زعيم يبني لبنة في قلعة طاغية أو قصر دكتاتور جديد ولا عجب فهكذا يولد الطغاة فمن ابتسامة طيبة بريئة أو ساذجة لمراءِ ِ أو مدعِ ِ لزعامة أو مرجعية  تتكون نطفة الطاغية وتبدأ مسيرة ولادته..  لا تقبلوا بلعبة أخرى تضليلية ظلامية فهذه المرة لن يبقى منّا بقية نحن العراقيين وسنبيع آخر ما لدينا إذا نحن قبلنا لعبة التصفيق ومساندة قشامر آخر زمان من زعران الزمن الردئ ليتسيدوا علينا.. وبئس الإنسان يبيع حرياته وحقوقه وكرامته وعِرضه ولو بحجة تقديمها هدية لمقدس مزعوم!!!!!  

نحن نثق بشعبنا ولكن المعركة القائمة هي بين عنف ودموية وسادية وبلطجية زمننا وبين طيبة وتسامح وسلم ومسلوبي إرادة يئس بعضهم من النتائج، وفي مثل هذا الصراع لا بد من سياسة حازمة صارمة لينتصر الحق والعدل والسلم والحرية ولتعود الإرادة أبية قوية...