بعض من تطبيقات سياسة الأحزاب الدينية الطائفية؟؟!

الترويع والإرهاب والتطهير!!!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  09\ \03

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

يعيش أبناء شعبنا نتائج سياسة الأحزاب الدينية الطائفية، وهي بالجملة نتائج سلبية بيِّنة. وكان من أبرز تلك السياسات الجرائم الخطيرة المرتكبة باسم الدين وباسم الانتقام لمظالم الطائفة.. وليس من دين أو اعتقاد يمكنه أن يرشح الفكر الإرهابي ويعتمده فلسفة له كما يحصل من ترويع العراقيين وإرهابهم اليوم.. وليس من صحة يوما لفلسفة الانتقام وردِّ الجريمة بجريمة!!

ولكنَّ ما يجري  على أرض الواقع وفي ميدان الحياة اليومية وتفاصيلها يتمظهر في أعمال التقتيل والاختطاف والاغتصاب التي تعرضت لها العوائل المسيحية في محافظة البصرة ثغر العراق الباسم وهي الجريمة التي أجبرت بإكراه العنف الدموي عشرات آلاف من تلك العوائل على ترك المدينة التي ولدوا وعاشوا فيها وآباؤهم وأجدادهم مئات السنين المعمَّدة بكفاحهم وعرق جهودهم ومشاركتهم بناء المدينة...

ولم يرتفع صوت من مرجعية سياسية أو دينية بشكل جدي مسؤول لوقف الجريمة بل جرت عبر تاريخ السنوات العصيبة الثلاث الماضية حالات إطلاق الأضواء الخضراء لمواصلتها بأداء سياسي مفضوح وبتعاور تلك القوى وتبادلها الأدوار بالخصوص!!

ولم تكن تلك الجرائم المهولة لتقف عند حدود أبناء الديانة المسيحية من كلدان آشوريين سريان ومن أرمن ومن غيرهم؛ بل توجهت المرحلة الثانية لأعمال تصفوية (هلوكوستية) نحو الصابئة المندائيين بخاصة في المحافظات الجنوبية وبدأت سيرة طيش رصاص آخر لفظائع دموية جديدة!! ولا من مسؤول يحرك ساكنا تجاه زعران الجريمة وأدواتها!

ولم ينتهِ الأمر عند حدود أبناء العراق الأوائل من أبناء الديانات والقوميات غير المسلمة وغير العربية بل استمرت جريمة الإبادة الجماعية لتتجه هذه المرة نحو تصفية أحياء المدن الجنوبية البصرة وغيرها من أتباع المذهب السني وهم مسلمون حالهم حال أتباع المذهب الشيعي من المسلمين! ولم تتحرك أصوات مرجعية لا دينية ولا سياسية إلا بتصريحات خافتة مضببة وفي توقيتات محسوبة لممارسة مبدأ التقية السياسي لمواصلة الجريمة...

ويعرف العراقيون وهم متأكدون من أنَّ العراقي لا يضرب أخيه العراقي وهو يحمل الروح الوطني الشريف النبيل.. ويعرف العراقيون أنَّهم متحدون مترابطون يدافعون عن مصالح بعضهم بعضا والعراقي يفتدي أخيه العراقي بنفسه... ولكنهم يعرفون أيضا أن الذي يمارس القتل فيهم والتخطيط للإيقاع بينهم ليس إلا العراقي بالاسم فيما جوهره أداة طيعة بيد الأجنبي الذي اخترقنا منذ عقود طويلة..

وأن هذا الاختراق تعمَّق اليوم وازداد خطورة حيث وجد موئله في الأنفس الضعيفة المريضة التي جاءت معه لتبيع  وتشتري بالعراقيين ما تشاء أمراضهم ومطامعهم...

أما هذه الأنفس فهي كل التيارات السياسية التي رفعت لواء الدفاع عن "طائفة" لا يمكن أن يكون حسب سياستها البائسة إلا بضرب "طائفة أخرى". هذه الأنفس هي التي تتمثل فيمن يحمل راية الطائفية جهارا نهارا فتفتك بحيوات العراقيين وشرف العراقيات وتستبيح كل شئ مقابل ما يعود على مطامعها الدنيئة ومطامع أسيادها...

إنَّ العراقيين اليوم مدعوون لكي يقفوا في حال من تسلسل أهمية الخطوات وأولوياتهم اللازمة حتما.. وإلا فإنَّهم سيقعون في حفرة مظلمة أخرى مثل تلك التي وقعوا بها بصعود الطاغية بل أسوأ وأشرس.. تلك هي سلطة الشمولية والاستبداد الديني..

ولا يقولنَّ شخص إنَّ المرجعية الدينية كذا وكيت وتختلف عن ذاك ويستغفر من مناقشة أمرها وموقعها.. لأن الطاغية لم يكن يقول عن نفسه أنه طاغية دموي ودكتاتور بل كان يغطي أفعاله الشائنة بلغة ديموقراطية ووطنية ويحمل لواء الحملة الإيمانية وهو الداعر السادي الدموي.. وما الفرق بينه وبين أي قادم جديد إذا ما أراد أن يستبد بالناس لسلطة نمنحه نحن إياها؟؟!

ألم تكن قوة الطاغية متأتية من ملايين الذين يُساقون إلى ميادين الاحتفال بالمبايعة ولهيب تصفيق الأكف المكرهة على الأمر؟ ألم تكن للطاغية قوة مستندة لتدرج أحابيله حتى إذا تمكن من السلطة، حوَّلها إلى أجهزة قمعية استبدادية مطلقا لنفسه كل ما أراد ورغب؟ أليست السلطة الاستبدادية هي السلطة الشمولية التي يعود فيها الشعب إلى الفرد فيخضع له ولاستبداده تماما؟

ما الذي يجعلنا نؤمن بمزدوجات في حياتنا؟ أي نزعم تمسكنا بالخيار الديموقراطي الجديد وفي الوقت ذاته يصفق بعضنا للاستبداديين من أتباع مصادرة إرادة سلطة الشعب وحصرها بجعلها حكرا لسلطة المرجع الفرد؟ أليس الفرد إنسانا منّا يخطئ ويصيب؟ أم أنه هو الآخر معصوم من الزلل والخطأ؟

إذا كان المرجع السياسي أو الديني معصوما فليقل لنا ذلك وأين وردت عصمته من نصوص أيّة ديانة وأية مذاهب؟ وحينها سنسلِّم رؤوسنا له ونتخلى عن عقولنا وليفكر هو نيابة عنا ويأمرنا فنطيع ونمضي كالخراف كما كان صدام وقطيعه.. أيها العراقيون هل هذه هي صورتكم؟؟؟

كلا لا يمكن أن تكون هذه صورة العراقي وليست هي خياره وليس للعراقي أن يبصم بالمجان على ورقة بياض لأي مرجع كان؛ لأن العراقي حرّ لا يقبل الضيم،أبيّ لا يرضى المهانة، فارس  لا يخضع لمتجبِّر طاغية مهما بلغت بلطجته وطغيانه... وأيا كانت ادعاءاته وطبيعة مكانته!

هنا أود فقط التذكير بتجاريب أفريقيا وآسيا وبلدانها الفقيرة التي قيد فيها الناس إلى حصارات قبلية وطائفية وقومية ودينية لتنتهي بحروب أهلية سالت لها أنهار ملايين البشر!! ولا عجب فأول الطريق سذاجة تقابل ادعاءات مقنَّعة ببراقع أروع من جميلة وتسليم الصوت لطرف يفكر عنّا وسكوت على جرائم وتفسيرها بالفردية وبعدم التقصد وبأنها تجري من أطراف ليست تلك التي تتصيد الفرصة للاستبداد والطغيان...

واليوم في بلادنا جرى التحضير في أغلب مناطق الجنوب العراقي ومحافظاته بقصد التطهير التام من كل مسيحي وصابئي مندائي ومن كل سني وحتى من الشيعة الليبراليين والديموقراطيين والعلمانيين.. وهذا التطهير أول الطريق ليس لوضع اليد على الجنوب العراقي أرضا وثروة بل على الجنوب العراقي ليستبدوا بأهله الناس الطيبين الأشراف أبناء الثورات الوطنية وأحفاد المجد والحضارة ويسوقونهم لحروب تطحن بهم وتخضعهم لسواقي الألم فتسقيهم من كؤوس الكوارث والمآسي والمصائب.. وقد كفى أهلنا في الجنوب العراقي جميعا مصائب ودموية ومكاره وحان يوم عودة السلم والحرية والقرار بأيديهم..

وليس الذي يجلب لأهلنا من شعب الجنوب العراقي السلطة والثروة والحياة إلا احتفاظهم بأصواتهم ليصبوها في مؤسسات تخضع لإرادتهم وليس ليمنحوها لسلطان جائر يسمي نفسه مرجعا سياسيا أم دينيا.. لأن هذا المرجع الذي نعود إليه يظل مستشارا بالخير وفي الخير وليس متحكما برقاب الناس ومستلبا لإرادتهم..

فكل إنسان يمتلك حق الاستشارة ويطلبها متى شاء بحرية تامة وليس مستشارا للإنسان من يسلبه إرادته وينوب عنه في التفكير.. وليس مرجعا لنا من يستعبدنا ... المرجع يكون للأحرار وليس للمستعبدين مسلوبي الإرادة مصادري الحرية والعقل...

ولأن الوضع أبعد من كارثي خطير إذا ما سكتنا على ما يجري من مصادرة واستبداد بالشارع العراقي [حتى أن عددا من المحافظات كانت مأسورة في الانتخابات الماضية للبلطجة الإرهابية]؛ فإننا أمام حقيقة واحدة وهي أن كل مرجع سياسي أو ديني مذهبي لا يرفع صوته بوضوح ويشارك بجدية وفعالية وبشكل قاطع بلا تردد ولا لبس ضد عمليات التطهير هو واحد من الذين يدفعون بشعبنا إلى تهلكة الحرب الأهلية..

أيها العراقيون إن خطابي هنا تحذير من خطر الحرب القاتلة ومن مخاطر الفصل العنصري ومن الأعمال التصفوية التي بدأها نظام الطاغية وها هم يواصلون مسيرته بصورة سافرة ومرة أخرى يستغلونا بالحجج الدينية كما الحملة [الإيمانية] للفاجر الكافر طاغية الأمس...

لن نؤمن بدين ولا بفكر يجرنا للاحتراب ويجرنا للاقتتال ويجرنا لكوارث الموت واستباحة وجودنا.. ولنقف كلنا هذه المرة صفا واحدا ونوحد صفوفنا في مسيرة رفض جرائم التطهير الجارية بحقنا جميعا ليس في البصرة والعمارة والناصرية وحدها بل في كل محافظات وطننا العراق الحر الديموقراطي الفديرالي الموحد...

 

بتبع