حتى لا نتوقف عند الإدانة الأضعف للجريمة!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\ 09\15

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

تتوالى جرائم الإرهاب من مختلف مصادره الدخيلة على عراقنا المتحرر من عبودية الدكتاتور الطاغية، الواقع في فخ عبودية المفخخات ومن يقف وراءها... وفي كل مرة يسيِّرون الأمور على وتيرة تحاول تطبيع التعايش بين العراقي وتلك الجريمة التي تسطو على حياته وتفاصيل يومه العادي.. لتخرج علينا تلك القوى الإجرامية السادية بين الفينة والأخرى بمذبحة جديدة ومجزرة رهيبة تجدد فيها عمليات التصفية الهلوكستية لخيرة أبناء شعبنا العراقي...

أما شعبنا فما يزال مأسورا بقيود ليس لها آخر من قائمة البلطجية القائمين على أسره في خانة الاحباط واليأس. فمن عصابات العناصر الشاذة التي أطلقها مدرَّبةَ َ الطاغيةُ في أواخر أيامه إلى خلايا التخريب والتقتيل المجهزة من بقايا أجهزة عنف النظام المهزوم إلى عصابات مافيوية إقليمية ودولية إلى قوى وحركات وأحزاب مصنَّعة في معامل أجنبية لمهمات مخصوصة... فيما الحركات الوطنية والتقدمية والديموقراطية والليبرالية فهي مشتتة بطريقة لا ترقى بها لمستوى مسؤولياتها التاريخية المنتظرة منها..

وهنا يمكننا قراءة أوضاع هذه القوى النبيلة النابعة من بين صفوف شعبنا العراقي المستندة في قوتها إليه.. حيث نلاحظ محاولات للتعبير عن مواقف إنسانية صادقة وعن تطلع للتصدي لمسؤوليات بعينها.. وأول ما نلاحظه تلك البيانات التي تصدر في إدانة الأعمال الإرهابية الإجرامية بحق شعبنا...

ولكننا هنا نتساءل عن هذه البيانات ومستوى فعلها وتأثيرها في الحياة العامة... فإذا كان صائبا قولنا إن الكلمة تمثل الفعل في بعض مواضعها فإنه من الصائب أيضا أن نعرف أن مواصلة اعتماد الكلمة وحدها أمر يُضعف قيمتها ويلغي أهميتها في التأثير المنتظر من منها..

وعليه فإنَّ العمل بمنطق أضعف الإيمان أي بالتعبير بالكلمة عن شجب وأحيانا عن مجرد عدم رضى سيكون بالمحصلة محاولة لتبرئة الذمة من مسؤولية الفعل المتوقع من جهات بعينها لترفع راية تنفيذ الخطط المقابلة للإرهاب الواقعة على عاتق قوى التغيير والدفاع عن الشعب ومصالحه...

إنَّ مسألة بيانات الإدانة والشجب وتقويم الأمور وتقييمها من منظور القراءة المحيَّدة بفعل اعتمادها الصوت الخافت، ستظل قاصرة وغير كافية للتصدي لمن يمسك بزمام المبادرة في الشارع السياسي العراقي اليوم.. حيث تعلو كلمة المجرمين من عصابات وحركات سياسية متمترسة خلف ميليشياتها ومسلحيها...

وعلينا هنا أن نقول كلمة للتاريخ في أن عمليات الشجب نفسها قد تتحول مع الوقت ومع الكيفية المختارة وطريقة الأداء السياسي إلى صالح توسيع آثار عمليات الإرهاب من جهة تعميق درجات الإحباط واليأس ومن ثم تمرير مخططات الجريمة بحق شعبنا...

وعلينا أن نكون نابهين بالخصوص وأن نتصدى بذكاء يتناسب مع مجريات الوقائع حيث لا نكون مجرد ردّ فعل لمن يسطو على الفعل ويحيله إلى عمليات تدمير وتخريب لعراقنا الجديد... وعلينا كذلك أن نرتقي لمستوى المسؤولية في مجال الاتصال والتأثير في عامة الشعب وتوفير الفرص الكافية ليكون في موضع الفعل والحركة الإيجابية..

إنَّ تعاقب حادثا جسر الأئمة واليوم وقائع جريمة مؤلمة بحق الشغيلة الباحثة عن العمل والحياة في ظل ظروف محيطة قاسية له كثير من المعاني ولا يكفي أن تكون هناك إدانة منفردة للواقعة الأولى وإدانة أهرى منفردة بحق الواقعة التالية وهكذا! بل ينبغي أن نجد في إدانتنا للجريمتين تفسيرا مقنعا لنا وللناس في أسباب ما حصل وأن نجد التشخيص المناسب للأوضاع بما يتيح لنا توفير إجابة لما ينتظر تحريك الشارع السياسي بالوجهة الصحيحة الصائبة..

وبخلاف هذه الحقيقة لا يمكننا أن نتقدم خطوة وأن ننتقل من سطوة العصابات والميليشيات الإرهابية إلى قيادة جموع المناس نحو ما يجعلنا نبدأ مسيرة إعادة إعمار الذات العراقية على المستويين الإنساني البشري والمادي الحياتي العام...

لقد قرأت في بيانات الإدانة والاستنكار والشجب ولم أجدها تفضي إلى هذه الحقيقة فهي في عمومها تشير إلى إدانة الإرهاب عامة وإذا ألصقت الأمر في تشخيصها فإنها تكتفي بمطابقة مسبقاتها فهذه الجهة تشير إلى التكفيريين البعثسلفيين وتسكت وتلك تشير إلى الدخلاء الأعاجم [الأجانب] القادمين من شرق الحدود.. فنصبح أمام ضبابية غير واضحة المعالم وأمام تشطير مقصود وغير مقصود متأتِ ِ عن عمد تريده هذه الفئة الطائفية أو تلك أو غير مقصود عن جهل بأهمية التشخيص وتدقيق ما نكتبه ونخطه لحياتنا وللعراقيين عامة..

ومن يدري فقد صدرت من جهات فاعلة أو ضالعة في الجريمة بيانات تستنكرها على طريقة يقتل الشخص ويمشي في جنازته.. والعملية تقبل هذا التوصيف لأنها أصلا لا تريد أكثر من إشاعة الاضطراب والتشتت والذهول والوقوف أمام الذات مجرد مستنكرين للحالة! ولا نملك إرادة القرار وقدرة اتخاذه وحسم الأمور..

وبديلنا في العودة لمرجعية صحيحة ليست مرجعية كيف تلبس وماذا ترتدي  وأيّ عمامة تعتمر؟!! ولا مرجعية تدفعنا إلى لزوم ما لا يلزم كما في الدفع لزيارة المراقد والأضرحة من دون تنظيم يجنب الناس أذيتهم!! وليس العراقي بحاجة لمرجعية تنظيم الطقوس وتعريفه كيف يؤدي فرائضه الدينية....... وإنَّما العراقي بحاجة لمن ينير له طريق واقعه وإعادة الحياة إلى بيته وعمله وعيشه.. وهو بحاجة لمرجع يدير عمليات البناء وإعادة الإعمار..

إنَّ العراقي بحاجة لا إلى كلمات الإدانة والشجب فقد كفاه اللعب الذي جرى بحقه يوم كان يُجبر على دفع ثمن الرصاص الذي يقتلون به أهله ويوم كان يُحرم من الوظيفة أو العمل بعد قتل ابنه أو أبيه أو أخيه... إنَّه بحاجة للفعل ولتوجيه إلى حيث يبني في زمن ازدياد الهدم والإغراق في بشاعته.. ومن يبني ليس المعمم والمجلبب وليس لنا اعتراض على وجود هؤلاء ولا على اتخاذهم طريقة عيش ودعوتهم إليها ولكننا نعترض على أن يأخذ الشخص غير المناسب المكان غير الصحيح.. فيصير المعمم المجلبب هو المهندس وهو الطبيب وهو عالم الاقتصاد وهو المتبحر في البيئة والطيران والعمارة والزراعة والصناعة وكل شئ!!!!!!!! فما بالنا نستغفل أنفسنا ليكون مرجعنا في تفاصيل يومياتنا وحياتنا بكل مناحيها معمم مجلبب؟؟!!!!!

نحترم المعمم الذي يعرف موقعه ومكانه ووظيفته ولا يضع نفسه في غير مهاماتها ومسؤولياتها ونمضي لنبني حياتنا بكل المتخصصين وكل في شأنه مسؤول... أليس هذا بعض ما يجب أن نفعله لنحرك البركة الساكنة؟ أليس ما ينبغي ألا ننشغل فنقلب حياتنا سلسلة من العزاءات وطقوسها المأساوية التي يُراد لنا أن نبقى أسراها؟

لنوقف مسيرة الاكتفاء بالكلمة التابعة الضعيفة ولتتحول عمليات شجب الجريمة إلى فعل لا رد فعل وإلى عمل وبناء وحركة وحياة ولنقدم لأبنائنا ما لم نقدمه لهم في ظل المصادرة التي سطا بها الطاغية ولنوقف جريمة مافيات الإرهاب ونتعرف إلى طريقنا.. ولنعرف أن مهمة الإرهابي وقف مسيرتنا لبناء مؤسساتنا الحكومية ومؤسسات إدارة مجتمعنا ولنتجه بأنفسنا إلى رحاب العمل والبناء وإعادة إعمار الذات وإشادة الحياة..

لنتخذ قرار البدء ولا انتظار ولا تشتت ولا ضبابية فنحن نعرف ما نريد وحيثما بدأنا عملية البناء وتوسعنا بها تنزاح عمليات الإرهاب وتنحسر فإلى تخطيط حياتنا وتوجيهها والمبادءة والمبادرة والتصدي لمسؤولياتنا ولنوقف حالة السلبية والكلمة المعطلة وشجبنا بالرد عملا وفعلا وحركة والعراقيون جديرون بالخوارق في بناء الحياة كما حضارتهم التي قدموها هدية للبشرية..

 

ولتكن أحزاننا وآلامنا أداة لفعلنا وتنشيط حركتنا لا أداة تصيبنا في مقتل... ولن نسمح للشلل والموت أن يسودا  في ربوع عراق الحياة والربيع والعمل... حتى لا نتوقف عند الإدانة الأضعف ونرتقي إلى الإدانة الأقوى تلك التي تعيد الحق إلى نصابه..