سعادة السفير وأبناء الجالية؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005\ 09\16

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

في زمن الكان يا ما كان، كان سعادة السفير "شخص" حصين منيع لا يمكن أن يصله مواطن دولته المحكومة بالحديد والنار.. المهزومة بطغيان الدكتاتورية وعبثية سلطتها بحياة الإنسان وحقوقه ومصالحه.. بالأمس كان العراقي لا يعرف عن السفير سوى كونه رأس مجموعة من الإرهابيين الذين يطاردونه ليعيدونه إلى [حضائرهم] البائسة؟!!

ولم يكن معروفا عن السفير سوى كونه ضابط مخابرات ينطق عن لسان الدكتاتور الطاغية ولا يستطيع بعد المفردات التي حفظها قبل أن يقسم على تنفيذ كل المهام الإجرامية الموكلة إليه سواء منها الموجهة ضد العراقيين من العلماء والأساتذة والمفكرين والساسة والمواطنين العاديين الذين صاروا في أصقاع العالم أشتاتا!! أم الموجهة ضد مصالح الآخرين بما يخدم مصالح الطاغية ومآربه وأطماعه!!!

ولقد كشف سقوط النظام وهزيمة رموزه ما كان يجري خلف الأبواب الموصدة على العراقيين من عتاة أزلام النظام وبلطجيته.. وهو الأمر الذي تتحمل المؤسسة العراقية الرسمية وغير الرسمية أمر فضحه على رؤوس الأشهاد لكي لا يتكرر لا في بلادنا ولا في أية بقعة من عالمنا الجديد..

بالأمس كنت أحسب وكل العراقيين ألف حساب حين نمرّ من جنب سفارة [النظامٍ] وممثلياته اللادبلوماسية بل المخابراتية في طبيعتها وفي مراميها وأفاعيلها... وكانت الأمور تجري حيث احتمالات الاختطاف والترحيل في صناديق إلى حيث أقبية النظام الدموي أو الاغتيال بمواد سامة؛ فليس من عراقي يدخل مبنى السفارة ولا يخشى أن يقدموا له مادة تغتاله فلم يكن من أحد يشرب أو يأكل شيئا مما يقدمونه!؟؟

ما الذي جرى ويجري اليوم؟ وهل حقا ما زال بعضهم يختبئ خلف أسوار أبنية مغلقة؟ وهل بقي من ممثلي الزمن الردئ أحد هناك حيث يمكنه متابعة المهام نفسها بألاعيب أخرى؟ وهل لبس "سعادة السفير" قناعا بديلا للتخفي؟ أم وجد العراقيون منفذهم إلى عالم جديد وإلى دبلوماسية حقة وقنصلية صادقة تخدم مصالحهم؟

 

لسنا في الواق واق ولا في الكان يا ما كان بل نحن هنا مع أنفسنا ومع ما تصنعه أيدينا وليس قدرنا ولا ما يسيِّرنا ويختزلنا ويصادرنا هو ما يجري اليوم.. فكل إرادة تُحاسَب على ما تفعل ولا يحقق لها طرف شيئا ما لم تنهض هي بما تريد وبما تتطلع إليه.. واليوم نحن و "سعادة السفير" الذي ينبغي أن يكون ممثلا لبلادنا وهويتنا ومن ثم لمصالحنا نحيا ونعمل سويا...

واليوم يزور منّا السفارة العراقية جمع بمئات الآلاف فقد ظل الزمن متوقفا لنا جميعا بعد أن لم يكن لنا من منفذ نلجأ إليه غير المهاجر والمنافي ودول الشتات.. اليوم لم يعد من زمن للانتظار والتوقف لكي نضع ملفاتنا جانبا ونركن أنفسنا للنسيان.. وهكذا بدأت الحياة تدب فينا قبل أبنية السفارات التي تركها سَوَقة الزمن الردئ أثرا بعد عين فنهبوا ما نهبوا ودمروا ما استطاعوا ليمحوا آثار جرائمهم؟

أيها العراقيون في دول المهاجر ما عادت السفارات أبنية مخابراتية ولو أريد لها أن تكون! وما عادت أبنية مطاردة الشرفاء ولو أريد لها أن تمضي في سوابقها؟ وما عاد من زمن يمكنه أن يعود بنا القهقري إلى الوراء حيث زمن النفاق والمراءاة لشخص "سعادته" لأمر يخص هذا الانتهازي أو ذاك المريض.. اليوم يومكم لتقولوا كلمتكم في مؤسساتكم السيادية منها والخدمية..

السفارة علم البلاد وهويتها وقطعة منها.. والسفير ممثل البلاد الذي ينبغي أن يرقى لمستوى أهلها وحضارتها وهويتها.. وفيها القنصلية التي تخدم الجالية كما تخدم مؤسسات الحكومة عموم الشعب. وعلينا هنا أن نمضي إلى ممثليتنا في بلاد المهجر لا لكي نقرأ ما كان يدبجه باعة الكلمة والضمير تزلفا ولكن لكي نكتب ما نريده وما ينبغي أن يكون باسمنا ومن أجلنا.

وعليه عندما ستنعقد الاجتماعات في ظل راية العراق وتمضي المؤتمرات والأنشطة والأعمال فإننا سنرى السلبي المريض من بقايا الماضي وآثاره في بعض الأنفس من حثالة القوم ورعاعه وهم يهتفون ويهزجون بالطريقة ذاتها عاش الطاغية سيدا علينا ونحن خدمه وعبيده إلى الأبد.. هكذا بهذه السماجة المقرفة وبعض أولئك المرضى يزعمون أن أسماءهم مسبوقة بدال العلم والمعرفة وآخرون بهمزة الأستذة وغيرهم بأحرف لا يعرفون أصلها ولا فرعها ولكنها المزاعم التي ورثوها ولا عجب...

حيث يحاول من الـ [أولئك] أن يصعد ليرتقي منصبا أو مكانا أو مسؤولية ليكون له الجاه فضلا عن المال الذي يملكه وطبعا مثل [أولئك] النفرات لا يمكن أن يقدموا خدمة لعراقي أو غيره ولا يمكنهم أن يكونوا إلا تمثيلا مشوها لوطن جريح وشعب يكافح كي يعود ليحتل مكانه تحت الشمس...

كما يرى أبناء الجاليات العراقية غير [الأولئك] التي يُعتدى بها على اللغة لتعبر عن جريمة المرضى والمعتوهين بحب المال والجاه والسلطة على أكتاف الناس وحيواتهم ومصالحهم.. يرون أناسا مخلصين ولكنهم يرونهم بعيدا عن قبول المسؤولية  الرسمية خشية أن يُتهموا بوساخة السياسة الرخيصة للمرضى من الـ [أولئك] وبعيدين عن تحملهم للمسؤولية عامة بسبب مما يعترض طريقهم من الانتهازيين والوصوليين ومن الأدعياء ومن مالكي المال الذي يمكنه أن يدير دفة سفينة أو أخرى؟؟!

اليوم ما يجب علينا هو أن نفرز بوضوح بين الردئ والجيد؛ بين الصحيح والمريض؛ بين الصائب المفيد والخاطئ المضر وعلينا أن ندفع بمن نراهم أهل ليخدموا بإخلاص كما كافحوا بالأمس بإخلاص من أجل مصالح مجموع العراقيين.. وللعراقيين أن ينشئوا مجالسهم نظيفة طاهرة وإلا أضاعوا فرصة امتلاكهم مؤسساتهم حتى هنا في بلدان الديموقراطية حيث لا بلطجة تجبرهم أو تكرههم على أمر...

وإذا كانت تلك المؤسسات يجري نهبها وحرفها وتجييرها بقوة البلطجة والعصابات في داخل الوطن فما بال العراقيين في الخارج وجالياتهم يتركون الساحة لمن ينهبهم ويحتال عليهم وهل حقا يمكن لوصولي أو انتهازي أن يضحك على الذقون مرات ومرات ويلدغهم لا مرتين يل مليوني مرة ولا يتعظون؟!!

لكي أجيب عن بعض من تلك التساؤلات آخذ مثالا في دولة مهجر هي هولندا.. وفيها تنهض السفارة العراقية منذ عملها القنصلي قبل وصول سعادة السفير وطاقمه حيث كانت الحياة تدب بالخير وتقديم كل ما يمكنه أن يحقق مطالب العراقي في مهجره الهولندي يومها كانت السيدة بلقيس المهداوي تعمل بمثابرة وتؤدة مخلصة.. ولا يمضي الوقت طويلا ليصل طاقم سفارتنا الدبلوماسي ويستبشر العراقيون خيرا..

ويكون أول الغيث روعة منهله فتحتفل السفارة العراقية لا بأعياد الطاغية وأيامه "السود" بل لتحتفل لأول مرة بعيد وطني عراقي وقومي لواحد من روافد العراق القومية الكبرى أقصد عيد نوروز القومي للكورد ويؤم الحفل سفراء البلدان ليشاركوا لا سفير بلادنا وحده متحصنا بمبنى السفارة بل ليشاركوا أبناء شعبنا العراقي جميعا ومنهم الكورد لأول مرة وتلك بداية مشرّفة..

وتتوالى الاحتفالات ولكن هذه المرة بأبناء الجالية وتنفيذ مطالبهم ومصالحهم وتحتفي السفارة بزوار أرض العراق وقطعة منه في هذي البلاد القصية.. ويسير العراقيون في طريق العمل والبناء.. ولكنه ليس الطريق المعبد بالتأكيد ولا الملئ بالزهور والرياحين.. بعد سني الزمن الذي استلب كثيرا منّا وصادرهم وشوّه عديدا من عراقيي الداخل والخارج!

ومن الطبيعي أن تكون بعض النواقص والمثالب والثغرات أو حتى الأخطاء ولكن الأمر لا يعدو عن كونه حالة من انعكاسنا نحن الناس المواطنين العراقيين ومن أبناء الجالية التي تتعايش مندمجة أو غير مندمجة في محيطها المهجري، انعكاسنا نحن في المشهد العملي اليومي للسفارة..

ومثالي هنا على بعض ثغرات نراها، عدم اكتمال طاقم السفارة والنقص في الموارد وليس عيبا اليوم أن يحصل هذا ولكنه جريمة في الغد القريب فنحن بلاد الغنى روحيا وماديا وعلينا اليوم بغنانا الروحي أن نمضي سويا ونتعاضد ونتكاتف لنسد النواقص والثغرات ونساعد سفارتنا على النهوض بمهامها بدءا من تأثيثها بما يليق بالعراقيين وعراقهم وسفاراتهم وحتى بتفاصيل العمل فيها استجابة لمطالب الخدمة القنصلية والدبلوماسية بالطريقة المناسبة المخططة والمنضبطة، ألا يمكن أن تتحول السفارة إلى ورشة عمل باهرة بطاقات المبدعين العراقيين الكبار..؟

ولقد زرت السفارة العراقية في لاهاي ووجدتها حافلة بروح التعاون والمثابرة والعمل التعاوني حيث ينهض كل فرد فيها بمجموعة أعمال ويسد الموظف مهام زميله في لحظة تكليفه بأعمال أخرى هنا أو هناك وتلك أمور رائعة حيثما جرى توظيفها بالملائم الصائب الصحيح.. ولِمَ لا يمكن توظيف عراقيين [ممن يمكنهم التطوع]  بالخصوص بطريقة مناسبة تسد كل تلك الثغرات ومنع ما ينجم عن التداخل وضغوط العمل من نتائج غير مرغوبة أحيانا؟

ومثالي  الآخر[السلبي هذه المرة] على بعض ما يمر من أخطاء أو اختراقات [أولئك] الذين يتحينون الفرص وينتهزونها فيفرضون أنفسهم "ممثلين للجالية" ليتقمصوا أدوارهم في التعبير عن مصالح حزبية ضيقة ومصالح طائفية أسوأ من تمزيقية للصف العراقي ولا يكفي أن يتلفعوا بأقنعة الصراخ على وحدة الوطن ومعاداة الإرهاب والتكفيريين فيما هم يتفجرون بين عراقيينا بسموم التشظية والتمزيق والروح الطائفي المريض عن قصد سياسي مبيت أو غير قصد بسبب من جهلهم وعدم تمكنهم من الارتقاء لمسؤولية التصدي لمعالجة قضية وطنية بعينها..

وأقول بالمناسبة هنا إنَّه لا ينبغي لنقادنا وكتابنا أن يستعجلوا تشخيص الأسباب فيلقونها بعجالتهم واختزالهم على عاتق السفارة وطاقمها أو عاتق سعادة السفيرالذي جاء هذه المرة منّا!؟ ولكنني هنا مرة أخرى أقول إن السفارة ما عادت كما كانت ضيعة لضابط مخابرات يسمونه السفير بل هي اليوم راية وخيمة لأبناء الجالية كافة وليس زعما ما سمعناه في أكثر من مناسبة من سعادة سفير العراقيين السيد سيامند البنا من كون السفارة خيمة العراقيين فقد انجلى هذا من طبيعة الأنشطة والسياسة السائدة في العمل في بيت العراقيين..

وما بقي لا يدخل في أن ينهض السفير بتمثيل كل فرد في رأيه أو بأن يقوم بما ينبغي أن يقوم به الآخرون أنفسهم؛ فالعراقيون هنا هم سفراء حضارتهم وهويتهم وما ينبغي أن يحصل يكمن في أن يستجيب العراقي لدعوة السيد البنا لتحويل السفارة لبيت فاعل ناشط للعراقيين وإلى خيمة لهم جميعا ولتفعيل أدوارهم فيها وهو الطريق لتفعيل السفارة اي بجهود مجموع أبناء الجالية يأتي المؤمل المُتطلَّع إليه..

ومن بعض جهود الجالية أن يصل كل صوت من مختلف الأجيال ومن النساء والرجال ومن مختلف التخصصات ومن مختلف المستويات والفئات ومن مختلف الأديان والمذاهب والقوميات العراقية؛ أن يصل الصوت ويكون فاعلا في اختيار من يريده لهذه المسؤولية أو تلك من مؤسسات المجتمع المدنية العراقية التي يُراد لنا تطويرها لا تجييرها ولا سرقتها لمصالح حزب أو فئة أو أفراد..

لا تلقوا بالملامة إلا على أنفسكم. فالديموقراطيون المتطلعون إلى تمثيل صحي وأجواء عمل صحيحة وممارسات صائبة تخدم الجالية عليهم التقدم بالبدائل وبالذي ينهض بالمهمة وليس التقدم بالنقد والاكتفاء به .. النقد صحيح ومقبول ومطلوب ولكنه لا يكفي لإدارة عجلة الأنشطة ومثلهم كل القوى العراقية الصادقة المخلصة عليها ألا تترك فرصة للنهازين والمرضى والـ [أولئك] لكي يعيدوا العجلة إلى حيث المصالح البائسة المريضة..

شهادة أضعها بين أيديكم أن سفارة الجمهورية العراقية الاتحادية في لاهاي هي  سفارة العراقيين وقد فتحت أبوابها للجميع فلا تخربوا هذا الانفتاح ولا توقفوه بل ادعموه حيث تبادل الرأي مع كل طاقم السفارة ومنهم سعادة السفير الأستاذ سيامند البنا الذي وجدته من الانفتاح والتعاطي الإيجابي في ممارساته اليومية وفي سياسته ما يهب الفرص الإيجابية البناءة لتحقيق مستهدفات أبناء الجالية ودبلوماسيتنا الجديدة الفاعلة ولنكن عونا لا لحاكم متسيّد علينا بل لسيد منا وإلينا ولممثل لدولتنا ولشعبنا وتطلعاته ولممثل لمصالحنا الوطنية العليا ولنتبادل الرأي بدل تقاذف أوتطاحن الرؤى النقدية السلبية..

ويوم لا نرى أذنا تسمع فلتكن مؤسسات جاليتنا قوية متينة مبنية على أسس صحية صحيحة لكي تكون أدواتنا في معالجة أية ثغرة أو ما يعترضنا.. ولدينا اليوم مهمة تشكيل مجلس الجالية وتحديث منظمات الجالية وجمعياتها بما يجعلها أفضل في التعاطي مع مصالح أعضائها وأبناء الجالية عموما..

 

سفارة الأمس وطاقمها المريض الموبوء ولـَّت إلى غير رجعة وليس بيننا منها ولابد أن نكنس كل بقايا آثارها ووساخاتها.. وسفارة اليوم هي أرضية سفارة الغد ولا يبنيها جهد واحد وكف واحدة لا تصفق وما علينا إلا وضع الأكف حيث نرى الأمر صائبا ودعوتي لنضع أكفنا مع بعضنا بعضا ونقابل دعوة السفارة وسعادة السفير بدعوة بناءة إيجابية متفاعلة معه.. ولست بميال للمديح والإطراء ولكني متطلع لتنشيط أبناء جاليتنا.. فخذوا الأمر بأيديكم يا أبناء الجالية العراقية وتلك دعوتنا سويا من أجل غدنا المشرق لكل أبنائنا ولنكن تجربة مثالية لبقية سفاراتنا في البلدان الأخرى..