قـُبـَيـْل الاستفتاء والانتخابات؟

استبدال طغيان إسلاموي طائفي بطغيان قومجي وسياسة التطهير!؟؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  10\ \11

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

تستبد  بالوضع العراقي الراهن سياسات ليست غريبة على آخر أربعة عقود من حيوات العراقيين وأوضاع الوطن المستباح... فقد عانت جمهرة العراقيين من طغيان دكتاتورية قومجية مقيتة طاولتهم في أخص خصائصهم الحياتية حتى وصل الأمر لتملـّك حيوات العراقيين والتصرف بها على وفق أهواء الطاغية الدكتاتور الزاعم بطولته القومية المزيفة وفكره [القومجي] البعثفاشي وليس المنتمي لأية مصالح لأي إنسان فكيف بنا بالقومية وأبنائها!

وحيث انهار الطاغية بعمليات عسكرية لم يكن للشعب العراقي وحركاته السياسية الوطنية والديموقراطية أن يوافق على عديد من نتائجها، فإنَّ ذاك الانهيار وهزيمة الطاغية لم يأتِ من حالة توازن القوى العسكرية بين طرفي المعركة أدائيا حسب بل من جهة موقف الشعب العراقي من المعركة ذاتها وموقفه البطولي في التصدي لإرهاب الدولة الدكتاتورية ومؤسساتها القمعية ما جعل تلك المؤسسة تنهار بالسرعة التي رأيناها.. أي أن سقوط الطاغية نجم بالتأكيد بدور مهم وملموس يعود لموقف الشعب وحركاته السياسية ونضالاتهم الوطنية المشرِّفة... وليس لعامل الحسم العسكري الأجنبي لوحده وبمفرده...

ولكن؛ هل صادف للقوى الوطنية والديموقراطية أن كانت مستعدة للمرحلة بخطط جدية مسؤولة ترتقي لمستوى المهمات الجسام المنتظرة؟ وهل نجحت في احتواء الأوضاع العراقية بعد انعتاقها من ربقة عبودية القومجية المزعومين وطغيانهم؟ وهل امتلك الشعب العراقي اليوم ما تطلع إليه طوال عقوده الأخيرة وأجياله المستباحة بطغيان من حرق الأخضر بسعر اليابس؟

طيب للإجابة عن كل هذا؛ لننظر إلى الأوضاع العراقية بالأمس من زاوية السطو على مؤسسات الدولة بل تفريغها من مهماتها الحقيقية ومسؤولياتها تجاه المواطن الإنسان وليس المواطن التابع للطاغية العبد له ولنزواته.. فلقد سامت المؤسسات القمعية العراقيين النكاية والعذاب والتصفية حتى كان الذي يقع فريسة الاعتقال يكون كما يقول المثل العراقي قد دخل [درب الصد ما   رد] أي درب اللاعودة ومغادرة الحياة إلى الأبدية! ولقد تحولت الأجهزة المسؤولة عن أمن الإنسان المواطن إلى أجهزة قمعه واستباحة حياته!؟

ولم يكتفِ طغيان القومجية البعثفاشية بتلك الأجهزة بل حوَّلوا  كامل مؤسسات المجتمع المدنية لأدوات رقابة وملاحقة للعراقي فلم تكن هناك أحزاب أو نقابات أو جمعيات إلا وهي هياكل رمزية جوهرها العمل الأمني لحماية مصالح الطاغية المستبد... وهكذا كان نظام التقارير الإخبارية منهجا معروفا بالخصوص..

وأبعد من هذا وذاك تمَّ استخدام الجيش [الوطني] وأسلحته الفتاكة ومنها المحرمة دوليا ضد أبناء الشعب العزَّل.. ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الواقع وإنَّما يمتد لسياسة التطهير بكل مستوياته ومقاييسه في أجهزة الدولة العامة والخاصة.. فكان طرد الشيوعيين والديموقراطيين من مؤسسات الدولة وأولها التربية والتعليم وليس آخرها المصالح والأنشطة الخاصة!!

ولم يكن يحصل على التوظيف الرسمي في المدارس والجامعات إلا بشروط الانتماء للبعث وعلى وجه الخصوص أن يكون خادما مطيعا بل عبدا ذليلا لتوجيهات تلك المؤسسة [حزب البعث ورديفاته المنظات الأخرى] الملحقة بالمؤسسة القمعية لجهاز الدكتاتورية  أي أن ينشط في تقديم الأخبار عن زملائه والمحيطين به لصالح أمن الطاغية وبقائه في تسلّطه وجبروته... وتمَّ طرد  أو تصفية كل فرد لا يخضع لتلك السياسة التصفوية [التطهيرية] وتلك هي بعض مصيبة العراقيين التي عانوا منها طويلا...

أسوق هذه المقدمة الطويلة من أجل أسطر معدودة لا يحتاج العراقي لمن يصفها له ولكنه يحتاج لمواصلة فضحها وتعريتها والانتهاء منها بعد أن هُزِم الطاغية السابق.. ويبدو لي من متابعة أوضاعنا العراقية في ظل الحكومة الجديدة ونهج (عدد من شخوصها وزعاماتها) الطائفي التقسيمي المرضي، يبدو لي أننا ندخل نفقا مظلما آخر!؟؟

فإذا كنّا بدأنا المرحلة بسياسة المحاصصة التقسيمية التشطيرية فإنَّنا اليوم أبعد من ذاك نخضع لسياسة الملكية الخاصة لطغيان جديد بمسمى جديد والجوهر التطهيري بقي واحدا.. فالوزارة باسم [رئيسها] أو صاحبها أو مالكها حسب تسمية العراقيين وهي تخضع لسياسة الاستئثار والتفرّد في التوجيه والفعل.. وكل وزارة هي ملك وزيرها تأتمر بقراراته بل أهوائه وليس بسياسة وبرامج معلومة..

والأنكى في سياسة التطهير الجديدة أنَّنا نقع تحت طائلة التوجهات ذاتها التي عشناها بالأمس فلا لا [رئيس مؤسسة] ولا [مدير عام] ولا  [نائب مدير] إلا ومن بقية أهل الوزير أو على أقل تقدير من فريق المحاصصة الحزبية وحيث أن السادة الملاكين الجدد قد انتهوا من تصفية أعمال تطهير المؤسسة الحكومية في مستوياتها العليا تلك فإنَّ التوجه الجديد يمتد لتطهير المؤسسة من آخر موظف صغير ضعيف الحيلة ليخرجونه لمجرد الاشتباه بعبارة ينطقها يشمون منها نقدا أو مسّا بالسيد!!!

فلم يعد بالممكن أن يقبلوا شخصا لا يبسمل ولا يحوقل ولا يحمدل باسم [السيد] وليس باسم الله العلي العظيم فمقدسهم هو [السيد المرجع] المالك المستبد الطاغية الجديد أو [الشيخ الأمير المجاهد] بحسب الادعاء في محاولة استغفال جهة أو طائفة.. وكلاهما يأسر مجموعة ببلطجته مثلما يأسر أرضا عراقية بميليشياه وأنشطتها العسكرية العنفية الدموية التصفوية..

وبالعودة بعيدا عن التصفية الدموية نركز على حملة التصفية والتطهير التي تخضع لها دوائر الدولة الرسمية وغير الرسمية وهي عمليات تطهير قذرة تطال الناس على أساس التهمة والتلفيق لغاية مفضوحة هي البدء بتطهير المؤسسة من العراقيين الشرفاء.. المسألة لم يكتفِ بها مدبروا السياسة العراقية الجديدة من الطائفيين الإسلامويين الطغاة الجدد بل راحوا يمتدون لتطهير المؤسسات العراقية خارج الوطن من كل نبيل وشريف ومناسب لمهمة يشغلها..

وعمليات التطهير تتخفى بأقنعة الملاك والإمكانات وحجج واهية أخرى لتطرد عراقية أو عراقيا وتحل محله ثلاثة بدائل إسلاموية ليس لها من كفاءة إلا انتسابها لجماعة الظلام والضلال والتخلف أو الطغاة الجدد.. فلينتبه العراقيون إلى فلسفة التطهير الجديدة بخاصة في المؤسسة العلمية من المدارس إلى الجامعات والمؤسسات البحثية..

إنَّ حملة واسعة النطاق تجري في وطننا حيث لا يتم تعيين أي عراقية أو عراقي في المدرسة أو الجامعة إلا على وفق التزكيات التطهيرية  سيئة الصيت... وأبعد من هذا التطهير الإداري الوظيفي يجري تصفية خيرة أبناء وبنات شعبنا من الأساتذة والعلماء والباحثين حتى بلغت عمليات الاغتيال المئات من أساتذة الجامعة العراقية... والكارثة أننا لم يجبنا أحد لا في حملتنا التي أعلناها للتضامن مع أساتذتنا ولا في الكشف عن الفاعلين الذين يشخصهم العراقيون ولكن السلطات لم تستجب رسميا حتى اليوم لمعالجة ظاهرة اغتيال الكفاءات العلمية العراقية!!!!!!!!!

وليس هذا بمستغرب بعد أنْ صار مفضوحا دخول الغرباء إلى مؤسسات دولتنا وصار العراقي يخرج منها حيث الإيراني الصريح القح هو صاحب القدح المعلى في الأمر والتطهير صار بطريقة التقدم لاستباحة المؤسسة العراقية واحدة بعد الأخرى بل التطهير يجري حتى على مستوى المدن والأحياء.. فلتنتبهوا أيها السادة، أيها العراقي والعراقية.

لنكن بوعي مسؤولياتنا تجاه جيلنا وأجيال ستلينا ولنعرف حقيقة ما يجري في العراق.. فالأمر ليس تطهير دائرة حكومية أو مدرسة أو جامعة من الديموقراطيين بل الأمر تطهير عراقنا من العراقيين ليدوم الطغاة الجدد ويستوطن الأغراب أسيادا علينا من شرقنا وشمالنا وحتى من غربنا ولا غرابة إذا ما مرت سياسات التطهير التصفوية الخطيرة..

لا تسمحوا لجريمة التطهير الطائفية وطغيان الإسلاموية الجديدة بأن تمضي لترسيخ أقدامها.. والحل لا يكمن إلا في ترسيخ دولة مؤسسات عراقية تحترم كامل الحقوق وتمامها للعراقيين أنفسهم لا دخلاء شرقنا وشمالنا الفارسي التركي ولا إلى اية أشكال وجود الغرباء يحلون محل العراقية والعراقي في أجهزة دولتنا المنعتقة من طغيان لا لكي تقع اسيرة طغيان جديد.. بل لتكون حرة إلى الأبد... الحل في وعي بانتخاب جهة عراقية أصيلة لا تنسوا الانعتاق من الطغيان والتحرر من الاستبداد ولننتخب الديموقراطية في شخص الديموقراطيين...........................................