قبيل الانتخابات الوطنية العامة المنتظرة؟؟

 

1.    التحالفات والائتلافات الانتخابية

2.    البرامج والأهداف والخطط وآليات خوض الانتخابات...

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           31\10\2005

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

انتهت التجربة الثانية للعملية السياسية الجارية في العراق وهي الاستفتاء على الدستور بالإعلان عن إقراره بنعم الأغلبية الحرجة. وفي الحقيقة فإنَّ هذه الـ (نعم) تنقذ العراق والعملية السياسية والقوى الديموقراطية من ظروف غير مؤاتية كان يمكن أنْ تؤدي في حالة الـ (لا) لمزيد من التعقيد والاتجاه بنا إلى حافات أقصى اليمين والتطرف سواء على صعيد صياغة دستور بخطاب ديني بحت أسوأ مما يحتويه النموذج المُقرّ أم بوضع المجموع في مأزق سياسي كبير...

ومن الطبيعي هنا لكل القوى التي اختارت العملية السياسية السلمية أن تمضي لتؤكد خيارها السلمي الثابت من جهة وأن تعمل على تصعيد وتائر أدائها وتطويره لما يؤدي لنجاحات تفضي إلى تحقيق بعض التطلعات الإيجابية المؤملة استعدادا للمراحل التالية من العملية السياسية.. والمقصود هنا هو في تحقيق التآلفات المناسبة لفوز القوى الديموقراطية والليبرالية بوصفها البديل الحقيقي لحل مشكلات واقعنا العراقي وتوفير الاستقرار والسلام والتأسيس لانطلاقة عمليات إعادة الإعمار والبناء...

فما الذي جرى على صعيد الاستعداد للانتخابات الوطنية العامة الأولى في ظل الدستور العراقي [الدائم!] الجديد؟ لقد دعت الشخصيات الوطنية الديموقراطية واليسارية في معالجاتها الوضع العراقي إلى أوسع تحالف بين القوى الديموقراطية والليبرالية والقومية التقدمية والوطنية المتنورة؛ في محاولة لإيجاد أرضية تتناسب والاستحقاق الانتخابي الذي ينتظر مثل هذا التوجه من كل القوى الوطنية والديموقراطية... ولكن ما مقدار الاستجابة العملية للأمر؟

يمكن بقراءة أولية قبيل الانتخابات أن نستقرئ طبيعة الكيانات والتحالفات الانتخابية على وفق ما أعلنته تلك القوى عبر المفوضية العليا للانتخابات.. ونجد بشكل مبدئي الملاحظات العامة الآتية:

1.    إنَّ السمة العامة للتفتت والتفكك في الحركة السياسية وتنظيماتها ما زالت قائمة وتطبع الوضع السياسي عامة. وهو أمر يشمل القوى الديموقراطية والإسلاموية على حدّ سواء.. ويمكننا القول: إنَّ هذه السمة ستظل قائمة لمديات زمنية غير قليلة بسبب من حالة التخلف والتراجع في الحياة السياسية بعد عقود من القمع والاستلاب والمصادرة..

2.    ضعف العلاقة بين القوى الديموقراطية وتنظيماتها الأكثر أهمية من جهة وبين جماهيرها العريضة؛ لأسباب موضوعية وذاتية ولكن الأخطر يكمن في انطباع الحياة العامة بسمات سطوة العنف السياسي والدور الخطير للميليشيات في توجيه الشارع حتى أن واحدة من تلك الميليشيات تشارك في الانتخابات باسمها الصريح المباشر من دون اعتراض من أية جهة سياسية بما فيها المفوضية العليا للانتخابات!!!

3.    تشارك في الانتخابات الوطنية في عراق التمدن والتنوير وتراث الإنسانية الحضاري الأول قوى طائفية تقسيمية مرضية في برامجها بخلاف تشريعات الحماية الوطنية المناسبة التي تتخذها دول عديدة بمنع التشكيلات التي تقوم على الأسس الدينية، الطائفية، العنصرية وكل تلك التي تتضمن برامجها أهدافا سلبية تهدد المجتمع في حاضره أو مستقبله..

4.    هناك حالات تداخل بين مسميات ديموقراطية في إطار تحالف إسلاموي طائفي وإسلامية في إطار تحالف ديموقراطي عريض.. والأمر يشير إلى حال تخبط القوى السياسية العراقية وتخلفها عن الارتقاء إلى مستوى مستهدفاتها المخصوصة، وتعاطيها مع مسميات مختلفة لأسباب تتعلق بمحاباة الشخصية أو العلاقات المشوّهة في الحياة الحزبية..

5.    وجود لبس جدي بخصوص كثير من تنظيمات قروسطية أو ما قبل قروسطية كالتشكيلات العشائرية المتداخلة بالطائفية والقومجية والأبعد في الأمر تشظي تلك التنظيمات وتعددها بشكل ملموس، وتكمن خطورتها الحقيقية في حالة دخولها في تحالفات سياسية مع القوى المعممة المتجلببة بأردية لا تعبر إلا عن تزييف ومخادعة وتضليل...

6.    تشرذم التصويت بخاصة للقوى الديموقراطية والليبرالية والقومية ومنها القوى المعبرة عن المجموعات الدينية والقومية المنتمية للجذور التاريخية للعراق القديم.. ولكن الأمر من جهة ما موجود وإنْ بشكل أخفّ في الجهة المقابلة..

7. لقد تميزت الأوضاع في ظرف أقل من عام تطور نسبي محدود باتجاه الفرز الجدي بين القوى بحسب برامجها حيث أبعدت القوى الإسلاموية الطائفية الشيعية أغلب العتاصر الليبرالية من مثل حزب المؤتمر وشخصية الجلبي ومجموعة الكفاءات المستقلة... كما دخلت القوى التي تقدم برامج علمانية في حالة من الاقتراب من بعضها بتغليب أهمية الانقاذ الوطني من براثن ظلمة التيار الديني الطائفي المتشدد على الخلافات السياسية العائدة للتاريخ غير البعيد بين بعض أطراف تلك الشراكة...

 

والآن يمكننا أن نستقرئ بعضا من الحركات والتحالفات الانتخابية وسنحاول توصيفها وتوصيف ما تستند إليه انتخابيا من جهتي حجم القوة الانتخابية وحجم التنظيم وطبيعة توجهاته ومستهدفاته:

1.  القوى الصغيرة المشتتة: وهي عدد كبير من الشخصيات التي تدخل بصورة مستقلة منفصلة عن أي حزب أو حركة أو تيار منع قوى تشكلت حديثا محاولة اتخاذ برنامج بعينه ليكون واجهتها.. وفي الحقيقة فإنَّ أفضل تلك القوى هي تلك التي تقف عند افتقادها الثقة بالآخرين وبالتشكيلات التقليدية للحركة السياسية العراقية وهي تندفع للتعبير بنفسها عن تطلعات يدخل بعضها في المراهقة السياسية واختلاط المفاهيم وانعدام الثقة بالقوى السياسية الكبيرة.. أما تصورات تلك القوى الصغيرة المتاناثرة فتقع بين أقصى اليمين الديني مرورا بالوسط والاعتدال من مختلف التيارات وحتى القوى الديموقراطية والعلمانية اليسارية...

2.  القوى المحافظة وهي لا تخرج في الغالب عن موضعين ديني طائفي متشدد أوقومي ضيق الأفق محافظ وسنترك الأخير لموضع آخر.. وفي الغالب نجد تلك القوى تقوم على مبدأ التعالي على المجتمع وتكفيره في معتقداته وفي ممارسته الطقوس الدينية الخاصة التي تراها من منظورها هي التي يجب أن تسود؛ وتعزير المجتمع ولإقامة الحد عليه فيما يسمونه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" طبعا بناء على تصورات أناس لم يحصلوا على التعليم الأولي ولا على الدراية الدينية الفقهية التي تؤهلهم للإفتاء ومن ثمَّ لتوجيه الجمهور و  سوْسِهِ وأبرز من يمثل الحالة حزب الفضيلة..

3.  القوى الدينية الطائفية التي تقيم برامجها على زعم أو ادعاء مظلومية طائفة وتحميل وزر ما وقع عليها تاريخا وحاضرا برقية طائفة أخرى وهي قوى تدرك أنها بغير هذا التخطيط لا يمكن أن تحيا وتبقى معتاشة.. وعليه فإن التقسيم الطائفي هو مفردة مهمة للغاية عندهم ولكن الخطورة تكمن في أن المحصلة النهائية تكمن في اختلاق التعادي والاحتراب بين مكونات المجتمع فضلا عن إلغاء قوى أساس مكونةللمجتمع غير الطائفتين الإسلاميتين الكبريين وأبرز ممثلي هذه الحالة هما المجلس الأعلى والدعوة الإسلامية...

4.  القوى الإسلامية الراية ولكنها المتكونة تنظيميا من شراذم بعضها من السوقة والأفاقين وبعضهم من بقايا تنظيمات الأجهزة القمعية للنزام المنهار وبعضها من بقايا التقية البعثية المتلفعة بعباءة الحملة الإيمانية وما إليها.. فضلا عن  مكونات عناصر المراهقة السياسية.. وأغلب ما يشمل هذه الحالة التيار الصدري الذي تمَّ تحميله أكثر مما ينبغي...

5.   القوى القومية المحافظة: وهي حركات سياسية واقعة تحت مظلة المتغيرات العامة الناجمة عن انهيار نظام لطالما ادعى حمله راية القومية والدفاع عنها فيما أوقع القوى القومية في مآزق كان لها اول ولم يكن لها آخر.. هذا عربيا أما كرديا وكلدانيا آشوريا سريانيا وتركمانيا وصابئيا وأرمنيا فالأمر يقع في إطار الانشطارات الداخلية والاختلافات المؤدلجة بخصوص الوضع القومي المخصوص وطبيعة الهوية ومحدداتها وقراءتها تاريخيا وحاضرا...

6.  القوى القومية المتفتحة التي وجدت برامجها الأنجع في الاندماج مع الحركة الوطنية الديموقراطية بعامة كونها المظلة المناسبة للاستجابة لمطالب المجموعات القومية بخاصة من غير العربية ولكنها ما زالت خارج التحالفات الديموقراطية ذاتها بسبب من أوضاع التحالفات التي ما زالت بعيدة عن الاستجابة للطموح...

7.  القوى الليبرالية والوطنية الديموقراطية: وهي قوى الوسط السياسي التي تتشكل للتو في بلادنا مع خلفية معاصرة غير واسعة التأثير. ومن هذه القوى قائمة المؤتمر الوطني العراقي وقائمة مثال الآلوسي للأمة العراقية..

8. أما يسار القوائم أو القوائم العَلمانية أو ما تُسمى قوائم الفئات الشعبية العريضة من الطبقات المسحوقة مسروقة الصوت مهضومة الحقوق عبر كل العقود الأخيرة فهي القوائم الديموقراطية بأطيافها من الاعتدال والليبرالية واليسار وهذه القائمة هي الأهم والأكثر حيوية إذا ما صادفت قدرة اتصال بجمهورها بآليات مناسبة... وأبرزها القائمة العراقية الوطنية التي تتضمن القائمة التي شاركت في الانتخابات الماضية باسم اتحاد الشعب ومحورها الحزب الشيوعي العراقي وحصدت أكثر من نصف مليون صوت في المجالس البلدية! وقائمتي العراقية وعراقيون إلى جانب قائمة الديموقراطيين المستقلين..

 

 

ينبغي هنا التوكيد على حقيقة أن القوى الديموقراطية هي الأكثر مجابهة مع مشكلات التنظيم بسبب من الخلفية التاريخية للضغط الموجه ضد هذه القوى وإلى أنها قوى سلمية العمل والأنشطة ما يجابهه بلطجة قوى مقنَّعَة بلغة سياسية ولكنها تظل قوى عنفية في جوهرها ما يعني بلطجتها وسطوتها على الأجواء السياسية القائمة..

وعليه فإنَّ المشهد الانتخابي يعرض لحال من التشتت والضعف التحالفي وحتى التقاطع.. لكن البديل ليس معقدا من جبهة ايسار والديموقراطية.. إذ أن تجنب التحالف والامتناع عنه لا يعني بالمرة عدم التصويت لجهة بعينها فمثلا هناك عدد من القوى التي تحمل اسم العمالي واليساري والشيوعي والماركسي وتختلف في تقويم الوضع وتمتنع بعضها عن دخول التحالف الديموقراطي ولكنها في النهاية من جهة التصويت لا يجوز لها أن ترتكب خطيئة عدم التصويت لأقرب الحركات بوضوح التوجه..

وهناك قوى ديموقراطية تدخل في جبهات متنافسة ولكنها بحاجة للتوافق على التنازل لبعضها بعضا في الدوائر التي تتنافس فيها ولا تحصل على أغلبية كافية ولكن تنازل طرف ديموقراطي لآخر أمر مهم لإزاحة طرف غير ديموقراطي ولإزاحة حجر عثرة من المشهد البرلماني فإن لم يحصل مثل هذا التوافق منذ الآن فإنَّ فورز قوى البلطجة بطريقة تسحق النفس الجماهيري الديموقراطي هو ما سيحصل ما يكون نذير خطر داهم للعراقيين وللعراق ومستقبله!!!

هنا بالتحديد يجب تعزيز موقف القوى الديموقراطية الكبرى وتفعيل القوى الديموقراطية الأخرى بالمنافسة مع النقيض وليس مع الحليف. ومن ثم يُخرِج الديموقراطي صاحبه؟! كما ينبغي أن يتم توضيح حقيقة القوى وتاريخها وهويتها وطبيعتها لما لذلك من كشف لأوراق اللعبة التشتيتية عندما تدفع القوى المنافسة لمسميات وهمية منافسة تلغي وحدة التصويت لجهة القوى الديموقراطية..

لذلك لزم أن تتقدم مجموع القوى الديموقراطية المتحالفة في قائمة بعينها أو المتقاربة والمتجاورة مع بعضها بعضا، بخطة عمل وآلية تضمن ترجيح الصوت الديموقراطي على أي صوت آخر.. ومن آليات العمل توفير مراقبين بكفاية ودراية تامتين بمتابعة التصويت والإحصاء... كما يجب توفير الحماية الحقيقية ومنع أية قوة ميليشياوية  وجهات بلطجة عنفية من التأثير على مجريات العملية الانتخابية وينبغي التحفظ  حتى على الجهات الحكومية المتحزبة المنحازة...  

العمل على التعاطي مع مجريات الأحداث في كل محافظة على وفق ما فيها من تناسب القوى والجهة التي تسيطر على الأوضاع الأمنية بالتحديد.. ومن هنا تأتي مسألة قراءة الأوضاع في الدائرة الانتخابية ومعالجة الظروف المحيطة بموضوعية كافية لضمان إجراء الانتخابات حرة نزيهة نظيفة من دون تأثيرات سلبية مَرَضية...

إنَّ تشكيل لجان الانتخابات يجب أن يرافقه انتباه جدي مسؤول للضمانات الكافية لمجريات الأمن وحرية الوصول بل لزوم الوصول إلى أوسع جمهور للحركة الديموقراطية وينبغي أن نتذكر العوامل الإقليمية في الأمر منذ هذه اللحظة ومن يقف إلى جانب من؟ وكم هو الدعم المهول من جهات إقليمية لنتائج بعينها في الانتخابات ومن أبسط أشكال الدعم تسخير الفضائيات ووسائل الاتصال. إلى جانب التضليل السافر بخصوص دعم المرجعيات الدينية لجهة ورفضها لأخرى بل ممارسة التكفير والتعزير وإقامة الحدّ على قوى وشخصيات بعينها لتحقيق مآرب مفضوحة...

وبعد فهذه قراءة أولية يمكن ويجب استكمالها وتقديمها للعراقيين كافة بعرض برامج القوى المتنافسة وآليات عملها ومواقعها الفكرية والسياسية وتعبيرها عن أية فئة وأية جهات من مكونات الطيف العراقي المتنوع المتعدد.... وهذا ما يوجب على تلك الفئات أن تعرض اسماء مرشحيها وسيرهم الذاتية وأن تقدم برامجها وخططها للناخب الآن قبل الغد..

 

يتبع2