الأمن، الخبز، السلم، الحريات وحقوق الإنسان... أفكار في استحقاقات لا يأتي بها إلا "الديموقراطيون"

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  12\ \08

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

انتهى العراقي من توكيد خياره في تعزيز مسار العملية السياسية في البلاد بتصويته الأول على الرغم من الأنشطة الإرهابية الدموية وتصويته الثاني على "دستور" يهيِّئ لاستتباب الأوضاع المؤسساتية وآلية العمل الديموقراطي.. وتلكم كانت أبرز موقفين يثبتهما العراقيون باتجاه عراق الغد الديموقراطي الفديرالي الموحد...

غير أن العملية الديموقراطية لم تكن يوما بالسهولة التي يعتقدها بعضهم متوقفة على آلية انتخابية فقط أو محصورة في التصويت بالتحديد.. وشاهِدُنا واقعُُ مرّ نعيشه جميعا. بدءا من الأزمات المعاشية وتفاصيل الحياة اليومية للمواطن وليس انتهاء بعمليات الاختطاف والاغتصاب والاغتيال اليومية؛ وأعمال الذبح والفتك بجميع فئات مجتمعنا حيث استباحة للسوق والحي الشعبيين و ليس من استثناء للمركز الأكاديمي الجامعي ولعلماء العراق، بُناته وقادته الحقيقيين...

وبالعودة لسؤالنا الرئيس نجد أن جملة الاستحقاقات من الخبز والأمن وحتى بقية الحقوق والحريات البشرية الأساسية، لا يكمن تحقيقها إلا في مواصلة الطريق الذي اخترناه سويا في تعزيز العملية السلمية ومسار الديموقراطية أي بتعميق المسار المؤسساتي واستمرار تحسينه وتطويره.. وهذا ينطلق من حقيقة أن الانتخابات الراهنة ستحدد لا غدنا القريب حسب بل ستؤثر عميقا حتى على المستقبل البعيد..

غير أنَّ  شعبَنا وجد نفسَه في خضمِ صراعِ ِ غير متكافئ وفي توازنات مختلة،  و وجدْنا أنفسَنا أمام أزمة مؤسساتية خطيرة حيث الخراب شبه مطبق فيها وحيث تطلب الأمر أن نبدأ لا من الصفر بل من منطقة سلبية مشوهة احتلتها أمراض الفساد والسطو والبلطجة حتى وصل الأمر قمة الإدارة!!؟

وبهذا التوصيف ستكمن معركتنا الوطنية لا في الخيار الابتدائي الأول للعملية السلمية ضد العنف والأعمال المسلحة كما حصل في الانتخابات الأولى حيث لم يتطلب الأمر أكثر من توكيد المشاركة في الانتخابات ذاتها ولم تركِّز القوى الديموقراطية على النتيجة الفئوية وعلى خارطة توزيع الأصوات الانتخابية...  وإنَّما تكمن اليوم معركة الشعب وقواه الوطنية الديموقراطية في الانتقال لمرحلة أكثر تقدما.. هي مرحلة فرض قوتها التصويتية وتحقيقها على أرض الواقع...

فنتيجة الانتخابات ستسير بنا إلى جهنم آخر أكثر إيغالا بظلاميته وباتاحته الفرص مضاعفة لقوى الضلال المتسترة بالدين وحاملة الأسْيُف حيث لم تعد تكفيها  الهراوات، هذا إذا ما سمحنا للبلطجة وقوى العصابات الدموية وميليشيات العنف أن تسرق مرة أخرى أصواتنا لتضعها في خانة قوى تخدم جهات إقليمية معروفة بأطماعها في بلادنا...

ومطلوب اليوم من أجل وقف آثار جحيم تلك القوى، مطلوب الارتقاء بمستوى اتصالاتنا بجمهورنا الحقيقي الواسع ذلك أن فشلنا في تعميد صلاتنا المباشرة حتى لو كان السبب البلطجة والتضليل كما يحصل هنا وهناك يعني هزيمة مسبقة لقوى السلم والديموقراطية. ومطلوب الاستعداد لعملية التصويت وتوفير ضماناتها التامة أمنا وأمانا لاتاحة الحريات المناسبة ولمنع المصادرة والاستلاب..

 

فهل حققنا الاتصالات الكافية بجمهورنا أم أننا بقينا ندور في حلقة مفرغة نطلق فيها خطاباتنا الموضوعية الصائبة ولكنها غير المسموعة وغير المتصلة بمتلقيها المؤمَّلين؟ وهل أجرينا الاتصالات بالجهات الدولية والمحلية الفاعلة والمؤثرة في الميدان العراقي لضبط مسار اليوم الانتخابي والتصويت الحر ومنع البلطجة؟

 

لقد تلكأت أنشطة القوى الديموقراطية لأسباب موضوعية وذاتية عديدة؛ ويمكن القول: إنَّها في هذا السياق لم تتصل - على سبيل المثال -  حتى بالمرجعيات الدينية التي تسكت هي الأخرى عن رفع صورها في الدعاية الانتخابيةّ ولم تتحدث تلك القوى الوطنية الحقة عن صمت المرجعيات المعنية أو تمريرها لاستخدام مطلق لاسمها في الأنشطة السياسية البحتة!!؟ فيما يجري التضليل بالخصوص بقوة من أطراف معروفة بادّعاء وقوف المرجعية الدينية معها والافتاء بتكفير المجتمع والفرد ومنعه من التصويت الحر وبهذا يفرّغون الانتخابات من مضامينها الديموقراطية ويحصرونها بخيار وحيد لا ثاني له فإن سمحوا بخيار فبين ظلامي وآخر من المجموعة ذاتها التي تستخدم الضغط الديني على الناخب..

وعليه فلابد من تفعيل حركة الاتصال بالجمهور ووقف حالات التراخي بالخصوص وتنشيط مزيد من الفعاليات المشتركة بين مجموع القوى الليبرالية والوطنية والديموقراطية وسطا ويسارا، من أجل عرض البرامج التي يمكنها إنقاذ شعبنا من محنته المستعصية وأزمته الخطيرة.. وعلى أقل تقدير من أجل أن يتعرف الناس إلى القائمة العراقية الوطنية التي تحمل برنامج الخيار الديموقراطي وهو الخيار المتلائم مع النهج الذي اختاره العراقيون بالأمس القريب جدا عندما صوتوا للعملية السلمية ضد العنف..

كما ينبغي للديموقراطيين أن يقتربوا من الناس ليتعرفوا إليهم ويتأكدوا من مصداقية توجهاتهم وبرامجهم وكونها الخيار الذي سيعيد الأمن والخبز النظيف والسكن اللائق والصحة والعمل وقائمة الاستحقاقات المنتظرة من شعبنا.. تلك الاستحقاقات التي تجسدها برامج قائمة يجري تضليل الناس تجاهها والتحضير لمنعهم من انتخابها...

إنَّنا هنا نقترح على جمهورنا العراقي وهو يتجه بُعيد أسبوع من الآن للتصويت ولحسم خياره؛ نقترح أن يختار القوائم الديموقراطية الوطنية التي تمثل التحالفات الجمعية الكبرى لا الزعامات الفردية وأن يتمعن في البحث عن الرقم الصحيح لقائمته وألا يترك للإغراءات أو الضغوط من مختلف الجهات والعناصر السلبية أن تؤثر على توكيده خياره الخاص في العملية الديموقراطية التي لا يمكن أن تستمر صحيحة صحية مفيدة بغير القوائم الديموقراطية الوطنية..

إذ كيف لخيارنا الديموقراطية طريقا لأمن بلادنا وأمان شعبنا ونضع على ورقة التصويت رقما لقوة أخرى؟ وكيف لقوى لا تؤمن فكريا وسياسيا بالديموقراطية أن تلعب اللعبة السياسية بطريقة مرضية للناخب؟

إنَّ مقترحنا لأبناء شعبنا العراقي أن ينتخبوا القائمة العراقية الوطنية الرقم 731 يكمن في كونها:  قائمة برنامج عمل لإعادة إعمار الذات المخربة كما أنها قائمة قوى تحالف انتخابي وليست قائمة فرد أو زعامة ما يعني اهتمامها بل توفيقها الأكيد في تطوير الأداء الحكومي والمؤسساتي بصورته العامة وتعميق الالتزام بالقانون وضبط الأوضاع المنفلتة وإدارتها بما يتيح للمواطن استحقاقاته كافة التي انتظرها طويلا..

 

وهذا بخلاف قوى التأسلم السياسي وحركاته التي تركن لعصابات تنتمي للعهد البائد ولميليشيات تأتمر بخطط قوى إقليمية ودولية رسمية ومافيوية حيث تأخذ تموبلها وقياداتها من تلك القوى الطامعة. وهكذا يُناط بها مهام منها التحضير لمنع الناخب من خياره الحقيقي حيث عجزت برامجهم – برامج قوائم التأسلم السياسي - عن اقناع الناخب العراقي وفشلت خطط قوائم التضليل الديني الطائفي كما هو بيِّن في إخفاق أنشطتهم وهم على رأس الحكومة وهذا هو الأمرالذي جعلهم يلجأون لتلك الأفعال  غير السوية وهم بذلك يعوِّلون على :-

1.   التضليل الدعائي:  التعكز على زعم وقوف المرجعية الدينية معهم.

2.   سياسة التكفير :  تكفير القوائم الوطنية والديموقراطية ومطاردة عناصرها ومضايقتهم والاعتداء عليهم وتنفيذ الحد الدموي بحق عناصر تلك القوائم النزيهة إلى حد يصل الاغتيال..

3.   محاصرة الآخر: إزالة الدعاية الانتخابية على الرغم من محدودية الإمكانات المادية المتاحة للقوى النزيهة.. في مقابل ذلك استغلال الماكنة الإعلامية والأموال المنهوبة من ثروات أبناء الشعب في دعاياتهم..

4.   اللجوء لسياسة العصا والجزرة:  باستغلال البلطجة وأعمال العنف الدموي في إشاعة الرعب في الجو الانتخابي ومحاولة إرعاب جمهور الناخبين بعد استهداف المرشحين.. ومحاولات رشوة بعض رؤساء العشائر بأموال مسروقة..

5.   الاستناد إلى دعم قوى إقليمية :  بكل ما تتيحه فرص تغلغل تلك القوى مخابراتيا وإعلاميا وماديا وعسكريا وبالجملة الحصول على الدعم اللوجستي المطلق من قوى أجنبية طامعة بثروات العراقيين بل تسرقه اليوم نهارا جهارا بدعم البلطجة الميليشياوية المتحكمة بالأوضاع كما يحصل في نفوط محافظات الجنوب العراقي..

 

إن كثيرا من الفئات الشعبية اكتشفت مقدار الاختراق للقوى التي دخلت معها عائدة إلى الوطن الحلم لتجد الوطن الواقع يتم تفجيره وتخريبه واستباحته بقوى تم لا اختراقها حسب بل تمَّ تغيير توجهاتها الستراتيجية إلى الحد الذي صارت فيه طوع بنان القوى الإقليمية التي أشرنا إليها. وتلك الفئات الشعبية مطالبة بحقها على ذاتها وتجاه شعبها بأكمله بالكف عن البقاء مع اسم على غير مسمى مع أسماء إسلاموية وهي ليست إلا قوى تحمل برامجها الطائفية التمزيقية التي لا تعود على عراقي أصيل بمنفعة لا من قريب ولا من بعيد..

وثقتنا أكيدة بأن افتضاح سياسة تلك القوى المرضية سيعيد جمهور القوى الديموقراطية للتصويت لها أي أن مجموع الفئات الشعبية ستعود للتصويت لوجودها ولمستقبلها بل ليومها ولخبز أطفالها غير مغشوش بالمواد السامة المسرطنة ودواء غير حامل للأيدز أو غيره وبالحريات والحقوق الأساس غير منقوصة ولا مشروطة بموافقة هذا السيد أو ذاك المرجع..

فإلى لحظة التصويت وجب مراجعة الذات ومناقشتها جديا فيمن يمكنه أن يأتي بكل تلك الاستحقاقات؟ هل هم الذين اختطوا طريق الفرض والقهر والتكفير والتجريم وإقامة الحدود بأسياف جلادين جدد قدامى؟ هل هم أدعياء التأسلم بأوجه طائفية مزعومة الانتساب لمذهب أو آخر؟

ليس من جدل على كون خيار الديموقراطية طريقا للعراق الجديد هو الخيار الشعبي.. ولكن أي  من القوى الموجودة يعبر عن هذا الخيار ويتيح له التقدم بهدوء وطمأنينة ويوطِّد أنشطة بناء الوطن وإعادة حقوق المواطن؟

ليس لعاقل أن يجيب بأنه يختار طريق الديموقراطية ويصوِّت لقوى مناهضة للديموقراطية لتسير بالعملية السياسية ضد التيار الذي اختاره!!! فكيف للعراقي الذي بقي محروما من حرياته عقودا طويلة بليدة أن يختار من يطيل تلك العقود بقرون جديدة من الظلام والتراجع؟

ألا ترون أن يوما واحدا لمسؤولية زعيم أبرز قائمة إسلاموية اتجه فيه لمحاولة إلغاء قانون الأحوال الشخصية والرجوع بنصف المجتمع (بله المجتمع كله) لعصر الحريم!!! ألا ترون أن شهرا واحدا للزعيم قد جعله يوقع على أداء مليارات لا تعد ولا تحصى لتعويض ملالي إيران في حين شعبنا ما زال لم بلتقط أنفاسه من مضض التجويع والحرمان!!!

ألا ترون أن أشهرا عديدة لرئيس حكومة أبرز تيار إسلاموي لم يحرك فيها ساكنا ضد سرقة نفطنا بعشرات المليارات لملالي الجارة مما لم يعد على إيراني واحد بخير غير القابعين في سدة الحكم!!! ألا ترون التعذيب في السجون والقتل والاغتيال للعلماء والأساتذة وتفجير المدارس ومعاهد العلم ومنع الموسيقا والفنون وكتم الأنفاس وإخراس الأصوات بذريعة أمر السيد!!!

ألا ترون الطائفية أخطر مرض جاؤوا به إلينا وهم يلهثون لتثبيته عند الطوائف كافة ليكون لوجودهم مشروعية بوجود قوى طائفية مقابلة تشرذم المجتمع وتقطّع أوصاله!!!  ألا ترون بلايا ورزايا الزمن القائم حيث يخرج الابن والأب بلا أمان لا في الشارع ولا في المدرسة ولا في الحقل أوالمعمل والأم بلا أمان في لا السوق ولا حتى في البيت الذي يريد بعض وزراء السيد أن يهدمونها على رؤوس من فيها!!

ليس بهؤلاء وبعنفهم وبلطجتهم يمكن أن نبني العراق أو نتقدم به ولو خطوة صغيرة واحدة بل بقوى الخير والسلم والحرية قوى الديموقراطية والوحدة الوطنية، قوى البناء وإعادة إعمار الذات المهدمة المخربة؛ لنضع اصواتنا في سلة مصالحنا الوطنية الشعبية .. إنها في مقترحنا عليكم في أن تلتقوا القائمة العراقية الوطنية 731 لكي يكون للعقل والحكمة والرشاد والاجتهاد وجود في يومنا بعد طال وثقل زمن الظلمة والعتمة والضلال...