حول منظمات الثقافة والمثقفين العراقيين في المهجر

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2006  01\ \26

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

مئات وآلاف من الأكاديميين ذوي الشهادات العليا ومثلهم من المثقفين المبدعين العراقيين في شتى مجالات الآداب والفنون والثقافة عامة من كتّاب ومسرحيين وتشكيليين وموسيقيين وصحفيين ونقاد وغيرهم تجرعوا جميعا كأس مرارة منافي الشتات وآلام أصقاع المهاجر وأوصاب يومياتها وتفاصيلها الكئيبة الطاحنة!

لم يتغير في الأمر الشئ الكثير فالمنفى وإنْ صار اسمه المهجر ومواطن الإقامة المؤقتة أو الدائمة ما زال يضغط على مجموع مبدعينا بظروفه غير الطبيعية.. وعلى الرغم من مشروعات الاندماج والتوطين وعلى الرغم من القدرات الإبداعية الكبيرة الجليلة لمفكرينا وعلمائنا ومبدعينا فإنَّ الظروف لا ترسمها يد واحدة أو طرف واحد.. ما يعني تواصل الأزمات والمصاعب والشدائد؟

لقد جابه مبدعنا العراقي ظروفه بتشكيل تجمعاته الثقافية وروابطه واتحاداته وظلت تلك التجمعات تعمل بجهود حثيثة ناجحة مبدعة لمجموع مثقفينا حتى انهيار النظام الذي تسبب في كوارث تهجيرهم وتشتيتهم في منافي الغربة والألم.. حيث جاءت تضييقات جديدة في الظروف المحيطة وانقطعت أسباب الدعم التي ساعدت في السنوات المنصرمة على إنجاز عديد من المشروعات الكبرى في الثقافة العراقية..

وفي الحقيقة فإنَّ التغير العام في الطقوس المحيطة بالمثقف المبدع العراقي ليست وحدها السبب في إضعاف جهوده وتشتتها وتمزقها وتهميشها ولكن أسبابا ذاتية هي الأخرى عملت وتعمل على إثارة العراقيل بوجه إبداعه وتقدمه في منجزه الثقافي المنتظر..

إذ لم ينجُ المثقف من بعض تأثرات بالمناخ السياسي الجديد بخاصة مع صعود نجم الخطاب المرضي الطائفي من جهة وتشوش المشهد الإعلامي وأمراضه بالخصوص؛ فحوصر هذه المرة الخطاب الإبداعي العراقي بين مطرقة خطاب الفضائيات الإقليمية والدولية  المسيَّسة الموجهة وسندان خطاب الإعلام المحلي المنقطع للسياسة الطائفية المريضة الجديدة..

واندحر أو تلكأ وتأجل من جديد مشروع توحيد الجهود بتوحيد المنظمات والتجمعات الثقافية العراقية الأمر الذي كان يتطلع إليه خيرة مثقفينا ومبدعينا من أجل الارتقاء بالمهام المناطة بمنظمة ثقافية موحدة وفاعلة منتظرة.. كما تعرضت للإخفاق عديد من الجهود الفردية المثابرة لتحقيق ذياك الهدف المنشود في التنسيق والوحدة وتجميع القوى الإبداعية المخلصة..

إنَّ المشكلة التي يقدمها بعض مثقفينا في المطالبة بمنظمة فاعلة لا تكمن في انعدام وجود تلك المنظمة فقد لاحظنا الدور المميز لروابط واتحادات مثل رابطة المثقفين الديموقراطيين التي مثلتها لاحقا رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين وكذلك ولادة منظمات واتحادات للصحفيين في عدد من البلدان   لم يكن آخرها اتحاد الكتّاب والصحفيين في المهجر.. فقد اشترك في انتخابات البرلمان الثقافي العراقي في المهجر أكثر من 500 مبدع عراقي لينتخبوا هيأته الاستشارية وإنْ تلكأ هو الآخر عن المواصلة الفاعلة لأسباب موضوعية وذاتية...

إن المشكلة الأبرز  التي تعاني منها منظمة للثقافة والإبداع في المهجر هي التخلص من روح الفردنة والنظر للمبادرات من خلال الشخصية التي تقدمها وتلتزمها بتقاطع الآخر معها أو بوقوفه على رصيف الحياد السلبي من مشروعات توحيد المنظمات وتفعيل كبرياتها لخدمة الثقافة الوطنية العراقية غنية التنوع في مهجرها..

إذ أنَّ أغلب حالات إخفاق تلك المنظمات قام على أساس ضعف الدعم أو انعدامه وعدم وجود إمكانات فردية لتغطية الأنشطة الصغيرة  قبل الكبيرة.. هذا فضلا عن إلحاق الثقافي بالسياسي قسرا بسبب من إشراف الدعم المادي وتبعيته لهذه الجهة الحزبية أو تلك؛ ومن ثمَّ فقد حُوصِرت تلك الأنشطة بوضعها في زاوية أو خانة  التعويل والاعتماد على الجهود الفردية البحتة تماما، سواء من جهة الخلفية المادية أم الإعداد والتحضير وإجراءات التنفيذ..

وعليه سيكون جوهر حل المشكل المستعصي منطلِقا من توفير الدعم الجدي المسؤول من وزارة الثقافة العراقية وتخصيص صندوق ثابت رأس المال لدعم تلك الأنشطة بالتحديد منها دعم وجود منظمة موحدة للمثقفين العراقيين في المهجر.. وعليه كان من الممكن استثمار مؤتمر المثقفين في الوطن أو مؤتمر باريس بالخصوص أو اليوم الدعوة لمؤتمر وطني جامع شامل لا تمييز فيه ولا استثناء ولا إقصاء..

وسيأتي هذا من إيجاد هيكل باسم البرلمان الثقافي العراقي وفرعه في البرلمان الثقافي العراقي في المهجر أو اتحاد للمثقفين المبدعين  وآخر بصفة جمعيات للأكاديميين والمتخصصين في مختلف شؤون الأنشطة المهنية والتخصصات العلمية البحتة.. وبوجود مؤتمر تأسيسي وانتخابات عامة بالخصوص مع دعم وصندوق حقيقي لتنفيذ المشروعات والأعمال الإبداعية ستنتهي بالروح الرسمي هذا حالة الفردنة وحالة النظر إلى منظمة المثقفين من زاوية شخصية بحتة ليسمو الروح الجمعي وتتوقف حالة التقاطعات السلبية ليس الفردية الشخصية حسب بل تلك العائدة للتصنيفات خارج ثقافية أي السياسية الحزبية بالتحديد...

من هنا سيكون لزاما وقف الحديث عن اللجوء في كل مرة وفي كل حالة لمكرمة من مسؤول أو زعيم وسننتقل بوضوح إلى موقف مسؤول جدي من الزعامات السياسية الراهنة لتقول كلمتها وتحسم أمرها بوقف الإهمال المتعمد والإقصاء وسلب الحقوق من مثقفي العراق داخل الوطن وخارجه، باتخاذ قرار بإنشاء صندوق لدعم أعلامنا ونجومنا وكوادرنا والعقل المعرفي العراقي أينما كان مستقره وإقامته..

واتخاذ قرار بدعم أدبي معنوي ومادي ثابت لمؤتمرات الثقافة والإبداع العراقي والشروع بتوحيد كلمة العراقي ومنع بعثرة جهوده بل وأدها واستلابها حق الظهور وليكن ذلك بقراءة مشروعات عملية تمَّ رفعها بالخصوص للزعامات العراقية في الآونة الأخيرة بوصفها خلاصة مقترحات وخبرات روابط وبرلمانات الثقافة العراقية في المهجر...

تحية تقدير للمثقف المبدع والأكاديمي العراقي في الوطن وفي المهجر وتحية لكل جهد مخلص لوحدة مسار الثقافة والمثقفين وتفعيل منظمتهم البرلمان الثقافي العراقي في الوطن والمهجر.. وأمل وطيد بظهور كلمتنا عاليا واضحة لتقديم منجزنا الثقافي لإعادة إعمار الروح الوطني وعراقنا مهدا للتنوع الثر الغني الفياض أملا وحضارة وشعاع تمدن ومعارف متنورة...

 

لقراءة بعض مشروعات الثقافة والمثقفين في المهجر نرجو التفضل لزيارة الرابط الآتي:

http://www.somerian-slates.com/p373.htm