لماذا أُغلِق موقع نيسابا؟!!

من أجل تطوير عملنا النوعي دفاعا عن الثقافة والمثقفين وعن أجهزتنا الإعلامية ..

 

 الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2006  02\ \03

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

 

يقرأ الزائر لموقع نيسابا المعروف بتوجهه الثقافي البحت عبارة "موقع نسابا مغلق في الوقت الحاضر لمخالفته تعليمات وزارة الصحة" ويبدأ التساؤل الجدي على هذا التعليق الساخر بزمن الاستلاب والمصادرة وكمّ الأفواه كما حصل باستمرار تجاه الثقافة وأصواتها الصادقة من غير أصوات طبالي السلاطين وأصوات الرخص والتجارة... فنذكر حكاية الروايات التي أثاروا ضجيج ممارسات إخراس كتّابها المبدعين لدواعي تبريرية مفتعلة كثيرة سواء كان هذا مع كتّاب من الهند وبنغلاديش أم من مصر والجزائر والعراق أو حتى في أوروبا وأمريكا.. ولا عجب.

إنّنا هنا نذكِّر بسيد القمني وقبله وبعده  نجيب محفوظ وخروجهما علينا بخطاب انسحابي واضحة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء  أمر ذياك الخطاب التراجعي أو الانسحابي.. وقبيل أيام صرخ الكاتب الأكاديمي المعروف الدكتور سيّار الجميل أنَّ "الرسالة وصلت!!!!" وهو ما يحمل بوضوح تضمينا يؤكد طبيعة الضغط الخطير الذي عمل ويعمل على استلاب أخطر للصوت الثقافي الموضوعي النبيل وإسكات كل قيم المصداقية وكشف الحقائق وتقريرها...

فما الذي يقف وراء صوت الدكتور الجميل؟ وما الذي يقف اليوم وراء إغلاق موقع نيسابا؟  إنَّنا نتساءل هنا ليس للوقوف عند اللغة البسيطة والعميقة لإعلان موقع نيسابا حال الإغلاق!؟ بل نتساءل طلبا لمزيد من فضح ما يكمن وراء جريمة محاولة إسكات الصوت الحر الشريف في عراقنا الجديد بالتحديد، حيث مطاردة المثقف المبدع ومصادرة صوته بالتصفية الدموية أو بالضغط والتهديد وليّ الأذرع بمختلف الطرق..

ومن ذلك قطع الأرزاق ومحاربة المثقف في لقمة عيشه.. ومنها التهديد والوعيد بالتصفية وبغيرها.. ومنها كذلك الاختطاف أو الاعتقال للشخصية الثقافية أو لأحد أفراد العائلة.. وكثير من المحاولات الأخرى التي تصب في النتيجة ذاتها.. وقد يكون أبسط تلك المحاولات شكلا تلك التي تقمع الإبداع الثقافي بخنق أدواته ووسائله وبوّاباته الإعلامية، كما يجري بالتعرض للمواقع  على شبكة الإنترنت بإرسال الفيروسات وما إليها أو بتدمير المطابع ومراكز الثقافة والعمل على إغلاقها..

أمثلة ذلك اقتحام مدرسة الباليه في بغداد وتدمير أثاثها وتهديد طاقمها حتى أغلقونها ردحا من الزمن.. وأمثلته تلك الأعمال الطائشة لاقتلاع النُصُب والتماثيل واللوحات المنتشرة في أحياء المدن العراقية الكبرى وضواحيها؛ إنَّ تهديد المثقف العراقي وابتزازه واختطافه أو أحد أفراد عائلته بل تصفيته قد جرت بشكل منتظم ومنظم في عراق السنوات الثلاث الأخيرة ما يشير لأبعد من مشكلة الانفلات الأمني حيث تخترقنا قوى إقليمية ودولية وتنفذ فينا أحكام انتقامية ليس لها حدود!!

ينبغي التصدي لمثل هذه الحالة لمنع استفحالها أكثر مما هي عليه اليوم.. ولابد من حملة منظمة تخص الدفاع عن الثقافة الوطنية وصوتها الحر متمثلا في الشخصيات الثقافية وفي المؤسسات الثقافية والأكاديمية والمنظمات والصحف والدوريات والمواقع الإعلامية على شبكة الإنترنت بل والفضائيات العراقية سواء من أجل المحافظة على بثها ومواصلته كما في نموذج الفيحاء أم في تنقيتها وتطويرها كما في أغلب قنواتنا...

فلدينا أزمات من نمط الاغتيالات المنظمة الموجهة إلى أساتذة الجامعات أولا  وكذلك إلى الأطباء والمهندسين والمبدعي الثقافة أيضا.. ولدينا محاربة مؤسسات الثقافة من جهة كمِّ الأفواه ومحاولة إخراسها أو قطع منافذ نشاطها وضرب فعالياتها بقطع الدعم عنها ومحاصرتها بشتى الألاعيب ومن ذلك تحريف وادعاء الفتاوى بالتكفير وزعم الأباطيل وتعريض بالتهم والمزاعم الرخيصة غير الصادقة..

وطبعا يجري على قدم وساق العمل على تضليل الناس وتخويفهم وإرعابهم من كل شئ يُسمى علم ومعرفة، وإشاعة روح ظلامي يثير العتمة والغشاوة التي تحاول حجب أي فعل تنويري ولن تنفع في خاتمة المطاف كل أشكال الدبلوماسية والتراخي والأفعال التقليدية مع مثل هؤلاء.. بل لابد من حسم الأمر والتقدم بوحدة صفوف المثقفين المبدعين والأكاديميين لكي يتحولوا بفعلهم إلى مستويات نوعية جديدة لا تقف عند حدود الاستنكار والإدانة كما بدأ جمهور واسع في الحديث عنه..

من هنا نؤكد على ضرورة دعم المواقع بجدية ومسؤولية فاعلة سواء كان الأمر ماديا بدعم مواقع مهمة كالحوار المتمدن وصوت العراق وأية مواقع مهمة أخرى بالخصوص أم بالدعم المعنوي الأدبي وتعزيز تضامننا وتفعيله كما هو الحال في الظرف الذي يحياه الزميل الدكتور سيار الجميل وكما الحال في موقف موقع نيسابا على سبيل المثال لا الحصر ولا التوقف عند المثال بقدر ما يدفعنا للتداول والاتفاق في الكيفية التي تتطلبها أنشطتنا للارتقاء بكلمة الثقافة الوطنية العراقية ومثقفينا عامة..

فهل تُسمع دعواتنا أم سنبقى نراوح بل نتراجع منحنين لعاصفة الريح السوداء!!!؟

ثقتي بعلو حضارتنا وثقافتنا وسموهما ورقيهما وانتصارهما أيضا كما كانتا دوما.......