الموقف من الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

19\03\2006

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

  يُحدِّدُ عدد من السياسيين معالجة منع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط والوقوف بوجه الدول الإقليمية صاحبة الترسانة الضخمة فيه بسقف الدعوة لإقامة أو إيجاد قوة توازن مع تلك الترسانة.. ولكن إلى أيِّ مدى يمكننا أنْ نتفق مع سبيل معالجة التعنت والعنجهية وتزايد خطر تضخم الأسلحة  المحددة بالدعوة لمجابهتها باللغة المتشنجة ذاتها، أو بلغة التسلح المقابل؟ وهل هذا هو الحل الوحيد الممكن، إذا وافقنا على كونه حلا  رشيدا أو مقبولا!؟ كما نتساءل هل قوة التسلح القائمة اليوم هي ممثلة الشر الوحيدة والقوة النووية الجديدة هي ممثلة القوى الخيِّرة لتقف موقف العلاج والدفاع عن مصالح أبناء المنطقة؟ وهل  سيكون تزايد الترسانة وتضخمها سبيلا موضوعيا منطقيا يخدمنا اليوم جميعا وسيخدم مستقبل البشرية غدا؟

في الحقيقة ينبغي أنْ نؤكد هنا أنَّ أيَّ تعزيز لأكداس الأسلحة النووية من أية جهة أو أيّ طرف إنما يعني مزيدا من التهديد باستباحة ميدان الشرق الأوسط وتهديد مستقبل الأجيال بتلوث لا علاج منه لآلاف السنوات العجاف الحبلى بأمراض معروفة وأخرى غير معروفة.. فضلا عن إضاعة الثروات هباء وبعيدا عن الحاجات الماسة لأبناء الإقليم والعالم أيضا...

كما أنَّ حالة العلاج بلغة المجابهة بالسلاح ذاته هي مبرر خطير لمزيد من تصاعد لغة التكديس والتنافس والتوتر ووضع المنطقة والعالم على كف عفريت الزعامات المتشدِّدة وتهديدها المستمر لمصالح البشرية حاضرا ومستقبلا..

وفضلا عن ذلك فإنَّ التصعيد يستلزم مزيدا من إهدار ثروات الشعوب هنا على قضايا ليس في أجندة نتائجها سوى التخريب المادي والنفسي للأجواء الإقليمية والدولية وتسميمها بمزيد من عوامل منع الاستقرار ومن ثم منع أي تطور إيجابي في الحياة العامة...

وفوق ذلك كله فإنَّ الجهة التي تزعم التصدي هنا للدولة الوحيدة صاحبة الترسانة النووية في المنطقة [وهي إسرائيل] ليست سوى دولة معروفة بمنطق خلق التوترات وتشجيع الاختراقات الإقليمية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة؛ ففلسفة الدولة الإيرانية المعنية بزعم التصدي ذاك، هي منذ العام 1979 تقوم على سياسة تصدير ما تسميه (ثورة إسلامية) لتسطو على مقدرات شعوب المنطقة وتوجهها على وفق أهواء الزعامات الدينية المتطرفة وأطماعها غير المنضبطة...

ومن الطبيعي أن تنفلت من عقالها بخاصة وهي تخرج مرتاحة بعد حرب الطغاة الذين سطو على المنطقة في العام نفسه في كلا البلدين، وذلك بعد أنْ تمت تصفية طرف عدواني وهزيمته القصد هنا هزيمة طاغية العراق وبقاء طاغية طرف المعادلة الحربية الآخر.. ويهمنا هنا التركيز على استغلال الفرصة الراهنة من طغاة الطرف المتبقي [إيران] من جهة تنفيذ مخططات استباحة دول الجوار وتركيزها بالتحديد على العراق في عملية تاريخية كبرى بكل تفاصيلها حيث أدخلت مئات ألوف الإيرانيين للتأثير في الجغرافية السكانية باستغلال عودة المهجرين العراقيين وحقوقهم الوطنية في وقت ما زال العديد من المهجرين العراقيين مقطوعي السبل عن العودة بتقصد مفضوح من أطراف عديدة هذا غير الاختراقات العسكرية والأمنية الخطيرة...

على أية حال فقضية التسلح النووي القائمة اليوم لا تقف عند حدود حق الدول في توظيف استخدام الطاقة سلميا فهذه قضية يمكن معالجتها بطرق سلمية سليمة معروفة لا تخلق لا توترات ولا مجابهات بين القوى الإقليمية والدولية لأنها منضبطة بشروط دولية متفق عليها وتنفيذها السلمي المعروف يجنِّب جميع الأطراف لغة التشنج والتوتر وافتعال الأزمات فضلا عن استمرارية مشروعات الاستخدامات السلمية بأفضليات وشروط تؤمِّن أعلى مقاييس السلامة في تلك المشروعات وما حولها...

إنَّ الطريق الصحيح لمعالجة توازنات التسلح ووجود السلاح النووي بيد دولة إقليمية لا يكون عبر تلك الادعاءات التي تطلقها بعض القوى بخاصة بعض عناصر الزعامة الإيرانية وقواها المتشددة المتطرفة. ولكن العلاج يأتي من مزيد من تخفيض لهجة عسكرة المنطقة ووقف تصعيد التوتر ومنع الانزلاق إلى لغة المجابهة والتهديد.. وسيكون توكيد مشروعات السلام كما في مشروع السلام العربي المقترح من القمة العربية طريقا جديا لأعظم ضغط جدي مسؤول إقليميا ودوليا للتحول بسياسة إسرائيل نحو وقف التسلح النووي والبدء بتفكيك وإزالة الترسانة النووية وبقية أسلحة الدمار الشامل..

إذ سيكون زعم التسلح الكتلوي التدميري[لدى إسرائيل وغيرها]  لمجابهة مخاطر دول الجوار قد انتهى بتوجه تلك الدول إلى سياسة سلمية ثابتة في إطار الحقوق المشروعة العادلة لشعوب المنطقة ومستهدفاتها التاريخية المعروفة والمثبتة في القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية منذ أربعينات القرن المنصرم...

لقد أقرت القمم العربية تلك التوجهات الموضوعية العقلانية ولكن قوى إقليمية كإيران ما زالت تمارس لغة الاستفزاز وإثارة لغة العداء وافتعال الأزمات كعادة سياستها المعروفة بتبريراتها وادعاءاتها بل وتوجهها إلى التدخلات في الأجواء العربية ومحاولة تسميمها بلغة التقاطعات والتناقضات التي تحيل للعداء والاصطدام والتهيئة للحروب.. ومثال ذلك زعمها الحرص على مصالح عربية بعينها وهي ما زالت تحتل أراضِ ِ لعدد من الدول العربية وتتدخل في شؤونها الداخلية...

وبمقابل ذلك نجد أنَّ سياسة حكومات إسرائيلية ما زالت تتعكز على الذرائع والحجج الواهية، وهي أيضا سياسة عسكرتارية تتجه ببعض مفرداتها إلى التحول من لغة عصابات التطرف إلى لغة الماكنة العسكرية وقوة الضغط بترسانة أسلحة الدمار ومخاطرها الفتاكة معتمدة على القوى المتشددة في تلك الدولة..

إنَّ حقيقة فلسفة قوى الحكم [عامة] وتوجهاتها إلى التشدد والاستعداء تأتي من منطق أو فلسفة الاحتراب وتصعيد التوتر واختلاق أسباب تبرير التحفز والتحسب للاصطدامات عبر مزيد من وجود أسلحة الدمار وغيرها..وعليه فإنَّ  معالجة مثل هذه اللغة لا تأتي بمقابلة تصعيدية ولا تأتي من مزيد من التوتر والتشدد بل بمزيد من العقلانية وتطبيع الأوضاع وبسياسة قوية تقوم على تعزيز لغة السلام والديموقراطية ولغة الحوار والتعايش وتطمين حقوق الأطراف كافة على أساس العدل والمشروعية..

فهذه السياسة ليست سياسة استسلام وخنوع كما يحلو لبعضهم الزعم والادعاء ولكنها سياسة القوة الحقيقية التي يمكنها أن تجذب أوسع القوى الدولية إلى جانب الحل القائم على نزع أسلحة الدمار ومن ثمَّ تعزيز منطق مشروع جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من تلك الأسلحة الفتاكة وبالتأكيد سيُوجِد هذا أرضية لفلسفة الحكم الديموقراطي ولمنح الشعوب فرصة تقرير مصيرها والحصول على حرية إرادتها وتحقيق مصالحها..

وهكذا سيكون مشروع إخلاء المنطقة من تلك الأسلحة مستندا إلى [أو مارّاَ َ عبر]  منع ولادة بؤر تسلح جديدة ومنع لغة التهديد بتلك المشروعات العنفية العدائية والاتجاه لمشروعات التعايش والتطبيع النهائي للعلاقات بين مجموع الدول الإقليمية سلميا إلى جانب إعلان ثابت لمسيرة الألف ميل، وهو ما ينبغي التوكيد عليه في اللغة السياسية والدبلوماسية الراهنة في المنطقة والعالم بدعم توجهات منظمة الطاقة النووية و \ أو عبر دعم مداولات مجلس الأمن الدولي ومعالجته الأزمة التي تفتعلها السلطة الإيرانية بذريعة أو أخرى من قبيل حق استخدام الطاقة النووية والتسلح أيضا!!

وما نأمله من هذا التداخل أو اقتراح مشروع للحلّ المؤمل، هو السعي باتجاه مشروع يتضمن إقامة:

1.    علاقات إقليمية سلمية تستند لمعاهدات ثنائية وجماعية..

2.        ضمانات دولية وإقليمية ضد احتمالات أعمال العدوان الاحتراب..

3.        حلّ القضية الأساس في المنطقة حلا عادلا مشروعا يكفل تمام الحقوق للشعب العربي الفلسطيني..

4.         مراجعة كل قرارات المنظمة الدولية ومشروعات الحلول واستبدالها بحل جدي جديد جامع مانع وشامل.

5.        ويقوم الحل الشامل على مستويات تتشكل من

أ‌.         حل قضية الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير كاملا  وكفالة حقيقية لكل حقوق الشعب ومطامحه...

ب‌.     وعلى ضمانات إقليمية وأخرى دولية للدولة "العبرية" عبر معاهدات وقرارات ملزمة لحميع الأطراف وكفالة تلك الضمانات..

ت‌.     وعلى دعم  دولي طويل الأجل لمشروعات السلام والديموقراطية في المنطقة بالاستناد إلى إرادة أبناء المنطقة وتوجهاتهم ومنع سياسات التدخل والعداء بين دول المنطقة وإنهاءأشكال الاحتلال والعدوان والمصادرة من جميع الأطراف المعنية..

ث‌.      وسيترتب على تطبيع الأوضاع بعد ذلك الانتقال لمرحلة إخلاء المنطقة من كل أشكال التسلح النووي والكيمياوي والبيولوجي وتخفيض التسلح التقليدي ومراقبته بآلية إقليمية ودولية مرسومة متفق عليها..

وعلى وفق هذا المشروع الثلاثي العناصر التكاملي الذي يبدأ بحل أزمة الشرق الأوسط حلا شاملا وعادلا وعقد اتفاقات التعايش السلمي والتطبيع وثالثها إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار وضمان المشروع وكفالته إقليميا ودوليا؛ سيكون عليه الانتهاء من لغات التوتر والتشنج والتعادي والاحتراب واستمرار التبريرات والذرائع وهي اللغة التي تسمح ببقاء سلطة القوى المتطرفة المعادية لمصالح شعوب المنطقة والمتعارضة مع استقرار الوضع هنا وفي العالم؛ إذ أن من منطق تلك السياسية الخاطئة توفير أجواء لقوى التطرف والإرهاب المحلي والدولي للبقاء بقوة وسطوة أبعد!

بينما سيكون مشروع تكاملي كهذا مدخلا لا إلى حلول جزئية أو ترقيعية بل لحل شامل متكامل ونهائي من جهة ولإزاحة فرص تحكّم قوى الطغيان والدكتاتوريات وتذرعها بالتهديدات الخارجية لمزيد من امتصاص ثروات الشعوب وبعزقتها في ما يضير الشعوب ويقف بالضد من مصالحها بل الاستهتار بكل مفردات حقوق تلك الشعوب بأبسط  تلك المفردات.. مثلما سيكون المشروع حلا جديا مسؤولا ونهائيا لقضية التسلح النووي وغيره..

ومن هنا كان لزاما علينا ألا ننساق وراء النظرة الجزئية القاصرة التي تقف عند حدود يجب أن أمتلك ما يمتلكه غيري وأن يكون لي حق ما أعده حقا لغيري وهو في الحقيقة أمر ينطوي على مفردات معادية لكل أبناء المنطقة من جهة تحويل الثروات بدلا من خدمتهم إلى الأسلحة والتخريب وسطوة القوى العنفية والإرهابية سواء على السلطة أم على الشارع وأجوائهما وتفاصيل توجيههما..

لن نكون يوما مع ظواهرالتسلح ومنطقها بل نحن في إطار حلول دولية شاملة، مع مزيد من لغة السلم والديموقراطية أي مع توسيع قاعدة المطالبة بنزع الأسلحة وخفض عسكرة الحياة من أجل توسيع الاهتمام بمطالب تفاصيل يوميات الإنسان في المنطقة والعالم.. وتلك هي القضية والمعطيات الجوهرية في وقوفنا ضد تسلح إيران وغيرها ومع مشروعات السلام  لأن مؤدى تلك المشروعات السلمية هو مفتاح توجهنا نحو الديموقراطية ونحو حل مشكلاتنا اليومية من بطالة وأمراض وتخلف وغيرها من المفردات والمطالب التفصيلية...