إلى حزب الربيع والحياة في ذكرى التأسيس

حزب الشعب ووحدته الوطنية

 الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

31\03\2006

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

 

 

منذ وُجِدت الدولة العراقية الحديثة عمل العراقيون على تنظيم أنفسهم بعد أن تشكلت مؤسسات الدولة الفوقية بعيدا عن رؤاهم الممثلة للشعب وفئاته العريضة.. حيث بدأت التشكيلات النقابية والمنظمات المهنية الديموقراطية التي كانت تأسيسا للقاعدة التنظيمية الأرقى الممثلة في التنظيم السياسي المتسِم بالتعبير عن مصالح طبقية واسعة.. فكانت في البدء الخلايا الأولى للتشكيلات الحزبية السياسية، وكان للشغيلة والكسبة والفلاحين دورهم المتنامي مع تنامي حجم الدور الذي يلعبونه في البنية التحتية للبلاد..

ومعروفة الحركة التصاعدية والتراكمات المادية لتنامي الأوضاع العراقية اقتصاديا واجتماعيا... كما يمكن للمتابع رصد التحولات التي جرت حيث النظام شبه الاقطاعي هو الذي ساد المرحلة الأولى من وجود الدولة العراقية فيما تنامت ظواهر التصنيع والأنشطة التي زادت من حجم الشغيلة في البنية الوطنية عامة ة في ظروف تدفق البترول العراقي.. وسياسيا كان للصدام العميق بين الفلاحين والاقطاع وسلطتهم الاقتصادية السياسية دوره المميز في الالتحام مع النهوض الملحوظ في دور الطبقة العاملة ومجموع الكادحين في عراق منتصف القرن الماضي..

لقد تشكلت أغلب الأحزاب السياسية العراقية حوالي منتصف العقد الثالث من القرن الماضي على أسس حرصت على إعلاء شأن الروح [المحلي] الوطني لأهمية التوازنات القائمة ولوجود أوضاع تطلبت التركيز على المهام (الوطنية) قبل غيرها في بواكير نشوء الدولة العراقية  حيث عملية تشكيل الهوية العراقية الحديثة من جهة إلى جانب تقدم الصراع بين مجموع مصالح العراقيين والأصابع الإقليمية والدولية المؤثرة في الدولة العراقية الوليدة...

وانطلق من بين أبرز تلك التشكيلات السياسية العراقية لجنة مكافحة الاستغلال والاستعمار وهي الجهة التي جاءت من خلايا متوزعة بين ألوية أو مدن العراق آنذاك.. ومن الطبيعي أنْ تكون كفاح الشعب الجريدة الناطقة باسم هذا الفصيل الوطني العراقي الذي ربط بين مهام الدفاع عن مصالح الكادحين ومهام إعلاء شأن الهوية الوطنية العراقية بالضد من نزعات استعباد الوطن واستغلاله لصالح جهات أجنبية معروفة..

لقد كان لولادة حزب شيوعي عراقي وقع كبير في أنفس الشغيلة وتطويرا  نوعيا ملموسا لنضالات طبقية ما زالت تتطلب مزيدا من الإصرار على نفعيل العمل من أجليها بعد أنْ تضاعفت وتعقدت أشكال الاستغلال لأسباب تاريخية تظل بحاجة لبرامج هذا الحزب السياسي وذهنيته المتفتحة على قراءة التطورات والتغيرات الجارية بموضوعية وعلمية تتحمل مسؤولية الإجابة الصريحة الصائبة عن مجموع الأسئلة التي ينتجها الواقع المتغير..

إنَّ مراجعة دقيقة في برامج الحزب الشيوعي العراقي طوال مراحل نضاله تكشف صواب الرؤية والنهج الذي اُختير دوما في التعاطي مع حلقات التطور الدائر في العراق.. وهو الأمر الذي جعل جماهير واسعة من طبقات الشعب العريضة تلتف حوله على الرغم من طبيعته العمالية من جهة التوجهات والأفكار والمعالجات..

فوجدنا على سبيل المثال إلى جانب الشغيلة من العمال والفلاحين والكسبة وفقراء الشعب قوى من الطبقة الوسطى وفئات واسعة من علية الفلاحين وأغنيائهم ومن التجار وغيرهم ينخرطون في التعاطي مع الحزب الشيوعي انطلاقا من دفاعه عن المصالح الوطنية بوضوح نظرة وصرامة موقف وحسمه وحزمه في العلاقات المُدارة مع أية قوى دولية أو إقليمية..

فلقد تعاطى مع قضية توطيد الهوية الوطنية ومنحها استقلاليتها ووجودها المتكامل التام في مجموع البرامج الحزبية منذ التأسيس وهذه المسألة من الأهمية ما انطوى على منافسة من الأحزاب الوطنية الديموقراطية من جهة ومحاولتها ملاحقة معالجات الحزب الشيوعي للقضية الوطنية.. ويمكن أنْ نتعرف إلى عمق التعاطي مع تلك القضية من شعار الحزب المتجه إلى "... تقوية تنظيم الحركة الوطنية"..

ومن الطبيعي ألا نقف في تذكرنا عند الشعارات التي رفعها الحزب الشيوعي بل يمكننا متابعة الأمر عبر مسار إشراف الحزب على تشكيل عدد من الأحزاب الوطنية كالاتحاد الوطني والشعب اللذين تأسسا منتصف الأربعينات وهو أمر يؤكد الحرص على التعاطي روح ديموقراطي في احترام خيارات الناس من جهة وفي حق التعبير عبر قنوات مختلفة ليست بالضرورة قناة الحزب الشيوعي...

كما نستذكر توجه الحزب الشيوعي وحرصه الفعلي على تكوين الجبهات الوطنية المتعاقبة على الرغم من مواقف سلبية من بعض قوى حزبية عراقية لدواعي تعود إلى عدم نضج البرامج لديها وابتعادها عن تغليب مصالح الشعب العراقي مقدِّمةَ َ مصالح حزبية ضيقة عليها. فيما دخل باستمرار الحزب الشيوعي في تحالفات كانت تتسبب أحيانا بخسائر حزبية  ولكن برامج الشيوعيين فضَّلت مصالح الوطن والناس على المصالح الحزبية الضيقة..

وسيكون لدراسة تجربة جبهة الـ 54  والـ 57 مهما في التعاطي مع هذه الحقيقة وأكثر أهمية دراسة تجربة توجهات منتصف الستينات في التعاطي مع مفهوم تنظيم الاتحاد الاشتراكي أو في تجربة الـ 73 التي قُدِّمت فيها خسائر فادحة من أجل تجنيب الأجواء صداما دمويا كالذي جرى في سنة 63 وهم يخوضون تجاريب جديدة أخرى اليوم من أجل تقديم الحلقة الأهم وهي حلقة استتباب الأمن ومعالجة الجرح الوطني على حساب تقديم مكاسب حزبية في حال الدخول منفردين في أجواء اللعبة السياسية الراهنة..

لقد كان بقي تاريخ الحزب الشيوعي العراقي تاريخا مجيدا مضمخا بدماء تضحيات غالية باهضة الثمن دُفِعت من أرواح خيرة أبناء شعبنا العراقي من مفكرين واقتصاديين ومثقفين مبدعين وقادة سياسيين كان لوجودهم أروع الأثر في تسيير الحياة في البلاد.. ولكن هذا السَِفر المجيد لا يقوم على اية لحظة اقتراب من الموت والدم بل بالعكس كان ويبقى حب الحياة وربيعها الأبهى هو ديدن الشيوعيين ولهذا أنشدوا للحياة والسلام والربيع والجمال باستمرار وفي أحلك ظروفهم وأصعبها..

لقد كان الروح الشيوعي روحا وطنيا مخلصا لقضايا الاستقلال والتقدم وإعلاء شأن الهوية الوطنية الخاصة ووجدوا في برامجهم أ،َّه كلما تعمقت العلاقة مع الوطني المحلي تعاظمت من جهة أخرى علاقاتهم الأممية.. وهكذا لم يغلِّبوا في توازنات برامجهم شأنا على آخر بقدر ما جعلوا من مفرداتهم الأيديولوجية في حال من التوازن الإنساني العميق..

ويمكن لنا أنْ نقرأ مثل هذا التصور عبر قراءة  البطاقة الحزبية  أو قراءة البرامج التي تبنتها المؤتمرات المتعاقبة والكونفرنسات والموسعات.. كما يمكن أن نقرأها في طريقة تفكير الشيوعيين وتعاملهم اليومي مع بيئتهم بطريقة واضحة جعلتهم الأقرب إلى أبناء جلدتهم على الرغم من كل الحملات الشعواء التي وجهت سهام الاتهامات بكونهم كوزموبوليتيين (لا وطنيين) فيما أثبتوا باستمرار أنهم يسكنون في قلوب العراقيين وأنهم يحظون باحترام شعبي عميق لصلاتهم الوطنية الراسخة..

إنَّ خيار أبناء الشعب العراقي في مظاهرات الجسر ومجموع محافظات الوطن في العام 1948 كان الالتفاف حول رايات الشيوعيين لأنهم كانوا الأوضح في التعاطي مع القضية الوطنية.. إذ رفضوا معاهدات سرقة الاستقلال الوطني واتفاقات تكبيل الوطن بتبعية للأجنبي بخلاف قوى كانت مترددة بين التعاطي مع الأجنبي وفرص مصالح وطنية ضيقة محدودة بشؤون فئوية بحتة...

إنَّ تلك السياسة الوطنية الثابتة هي المقدمة الجدية المسؤولة التي ظفرت للعراقيين نصرهم فيما بعد في ثورة الرابع عشر من تموز يوليو 1958 وهي التي استطاعت أن تمنح العراق فرص وجوده بعيدا عن التمزق والتفكك والاحتراب ومزيد من التبعية والخضوع لكتل دولية وإقليمية عسكرية واقتصادية كان جرى التخطيط لها في ليل أظلم..

وبالأمس القريب كان نظام الطاغية قد أفرغ العراق من مؤسساته الةطنية وأضعفها إلى درجة الإلغاء وتعامل بعيدا عن روح المواطنة وربط الإنسان بين مصالحه ومصالح الوطن حيث احترامه في إطار وطنه ووجوده الوطني.. ولكن الحقيقة هي أن العراقي لم يجد في أرضه من يبقي على ابسط حقوقه الإنسانية.. وكان هذا هو الأساس الذي انبنت عليه تخريبات خطيرة ومقدمة لواقعنا المؤلم المعتم اليوم..

يتقدم الشيوعيون العراقيون اليوم الصفوف لوحدة وطنية تنهض على أساس إعادة الهيبة والاحترام لروح المواطنة وللوطنية الحقة ولاستقلال الوطن ومنع هيمنة القوى الدولية والإقليمية عليه ويضعون المفردات والمعالجات الصريحة الواضحة الدقيقة في التعاطي مع تفاصيل مجريات وقائع راهن عراقنا الجديد..

ومن هنا كان عليهم أنْ يخرجوا من شرنقة العمل الحزبي وبرامجه المحسوبة على أمس لم يعد موجودا ومن غير الممكن التعاطي مع حلوله في ظل متغيرات جوهرية في الحياة وفي عالمنا اليوم.. فتفاعلوا مع تحالفات لتخفيف حدة التوترات والاحتقانات الطائفية والقومية والأثنية من جهة ولتعزيز وتوسيع قاعدة القوى المشاركة في عملية تأسيس وإنشاء مؤسسات الدولة الوطنية التي تمَّ تصفيتها في ليل..

في مثل هذه القراءة بعجالة ليس للمتابع المنصف إلا أن يقول: إنَّ الحل الأمثل يكمن في معاودة جدية مسؤولة لخيار الشعب لبرامج حزب الربيع والحياة، حزب الناس والوطن، حزب الثقافة والتنور والعلمنة والموضوعية، حزب العدل الاجتماعي والإنسانية الصادقة وحقوق البشر واحترام الإنسان ووجوده ومصالحه كاملة تامة غير منقوصة..

إذ سيكون ذلك أغنية الانتصار لاستقلال البلاد وإنهاء الوجود الأجنبي مع المحافظة على وحدة الوطن والشعب ومنع الانقسامات الطائفية القومية الدينية المذهبية العرقية الأثنية.....  فعيد مجيد وربيع مؤمل يقدمه حزب الربيع والحياة للناس للعراقيين عربونا باسم كل تلك التضحيات التي تظل شموسا من أجل وقف أنهار الدم وآلام أوصاب دخيلة..

وليختر العراقي طريقه بين أن يبقى بأيدي التمزقات ومشروعات الأوهام وبيع الهواء ووعود الزيف لأدعياء المتاجرة وغسيل الأموال وسرقة الإنسان وكرامته وعِرضه قبل ثرواته من جهة أو أن يختار الربيع والحياة والأمان والحرية والانعتاق وليس للشعب حاجة لمعرفة المجرَّب القديم من أدعياء الزمن الجديد المبرقعين بكل شئ إلا من الروح الوطنية و شرف  الدفاع عن حقوق الإنسان ومصالحه..

لقد وُلِد حزب الشعب، حزب الربيع والحياة مع ولادة الدولة العراقية فكانت كلمته دوما مجربة عبر أجيال الوطن والناس وليس يزكي اليوم أمرا إلا تجربة وطيدة كبيرة عميقة الجذور كتجربة الشيوعيين بين غيرهم دون منازع على مصداقية تاريخهم الكفاحي.. ومصداقية نجاح تصوراتهم ولم يكن يوما لعراقنا لحظة نجاح واستقرار وتقدم من دون أنْ يكون لحزب الربيع والحياة حزب الشيوعيين دورهم في المقدمة..

لنتجه إلى مقرات الحزب اليوم ونلتقط لنا كراسا من برامجه ولنتوحد مع حلول ومعالجات يقدمها خيرة أبناء العراق علماء واساتذة ومفكرون وقادة وإنْ اختلفت بنا الأهواء ولكن الأولوية تكمن في أن يصل بنا ربان الفسينة الأمهر إلى الشاطئ بعدها ليختر كل منا ما يريد ولنتمسك برائحة عيد الربيع الدائم وأصحابها من حاملي مشاعل بخور الوطن والوطنية... ومجدا لكم في انتهاجكم "كفاح الشعب" وتبنيكم "اتحاد الشعب" وقيادتكم "طريق الشعب" ولنمضِ معا من أجل عراق واحد موحد بكل غناه وتنوعات أطيافه...

ولتعدْ مسيرات الملايين معكم وبكم نحو عراق جديد عراق الوطن الحر الواحد والشعب السعيد الواحد وليكن بخيار أدوائكم علاج وشفاء.. فأنتم أهل بكة وأنتم أدرى بشعاب عراقنا وما يريد وما ينتظر ويتطلع إليه.. تقدموا بمزيد من الثبات نحو وحدة وطنية عريضة وهوية وطنية وطيدة...