عندما يكتب بعضهم بحسن نية فيضرب في الأرحام بجهل أو بدراية

فلْنحذَرْ من أقلام السوء وأبواق الشقاق!!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2006\  05 \ 17

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

           

أقرأ ما يُكتَب في في عديد من الصحف والمواقع العراقية، محاولا متابعة تطورات الرؤى وتفاعلاتها في الميدان السياسي العراقي الجديد. ومن البديهي أنْ نقرأ اليوم حالة من التنوّع والتعدد وحتى الاختلاف والتقاطع الذي يمكن أن يكون عاديا مقبولا بحدود التزامه بأصول اللياقة ومنطق الحوار والتفاعل بين كل تلك الرؤى على أساس من استهداف الوصول إلى نتائج مجدية تعود بالخير والاستقرار على مجموع المتحاورين...

وقد يجد القارئ وسط معمان ميدان الكتابة اليوم، الصالح والطالح والأمر عائد إلى احتمالات من نمط انتشار [بعض] أقلام مرتزقة مدفوعة الأجر مسبقا وأخرى دعية دخيلة على القلم ومهماته العميقة في التاريخ البشري ومن هؤلاء من يجهل لا نحو اللغة وبلاغتها بل الأنكى أنه يجهل معجميتها فلا يفقه مما يدبِّج إلا مظاهر الكلم واللفظ. وغير هذا الفريق وذاك هناك الشغوفين بالتظاهر والإعلان البهرجي الرخيص عن أسمائهم أو هي كتابات لأغراض شخصية تنافسية ولضغائن وحسابات مرضية..

وهناك المنتظر من الصراع السياسي الراهن بكل مستوياته المحتدمة وفي هؤلاء الطائفيون وما يملكون وفيهم أعداء مصالح البلاد والعباد  ولكن كل هؤلاء وأولئك يبقى بين الكتابات أقلام نبيلة خيرة تنافح عن أهل العراق منذ سومر وبابل وآشور ومرورا ببغداد والبصرة والكوفة وحتى يومنا الصرخ فينا جميعا..

وددت في كلمتي هذه أن أضع العظة أو النصيحة بين يدي أولئك منبِّها أصحاب حسن النية فيما يكتبون.. فمهجَّر يعاني ولا من مغيث أليس من حقه أن يعلن كلمته وصوته ووجوده ومطالبه؟ بلى وأيم حق الحياة وكرامة الإنسان.. ولكن أيحق لسنيّ أو شيعي أو مسيحي أو أيزيدي أو صابئي أو من أي أطياف العراق المتنوعة الموحدة تاريخا ووجودا وهوية، أيحق لطرف من هؤلاء أن يكتب وكأن الجريمة التي لحقته في تهجيره أو في تعذيبه أو في استلابه مصالحه تقع في عنق طيف عراقي [آخر]؟؟

إنَّنا نحيا سويا بوجود وطني واحد وبهوية وطنية واحدة وبمستقبل [أفضل] مشروط بوحدتنا وتكتافنا وتعاضدنا.. كما أننا عشنا سويا ليس بغير مشاكل ولا احتكاكات حسب بل بتفاعل واندماج وطني واجتماعي حتى صارت نسبة العلاقات العائلية بين الأطياف العراقية المتنوعة بمستوى الأغلبية التي جاوزت الـ 66%  في المستوى العام للنسيج الاجتماعي العراقي؛ منها بين السنة والشيعة نسبة الـ 35% وهي تتنامى وتكبر في بعض المدن والمحافظات..

فهل بعد تلك القناعة الراسخة تاريخا وجذورا وعمقا وسعة في النسيج العراقي يأتينا بعض صبياننا ليكتبوا في صحف صفراء أو رقطاء أنَّ دم سني برقبة الشيعة أو دم شيعي برقبة السنة أو أن ما يُرتكب من جرائم على الهوية هي بعنق الأطياف العراقية الأخرى؟!!

وانظروا إلى لغة المصطلحات الطائفية من نمط علي وعمر وهما أخوان في عائلة عراقية واحدة وانظروا إلى محاولة بعضهم خلط الأوراق في وقت تشتعل الأجواء فيحلوا له التزلف لاسم الصدر والحكيم والسيد لاعنا معاوية ويزيد والمشكلة ليس في مثل هكذا أمر بقدر ما في خطايا التوظيف حيث يرمز بمعاوية للسنة أجمعين ويرفق مع الأمر ما يشير لرابط  بالإرهاب وبالتقتيل والأزمات المحتدمة الملتهبة وبدلا من استخدام المصطلح في موضعه وبدلا من معالجة أزمة ووقف جريمة يُلهب لأزمات أخطر ويعد لوقيعة ما بعدها لا وقيعة ولا هاوية لأنها النهاية المخطط لها من أعداء العراقيين..

إن من أوائل ما يوضع في مثل هكذا لغط لا يدرك عواقب ما يدبج بسبب ألم أصاب شخصا أو حرقة هو فيها يشاركه في الحقيقة حتى من يصب ذاك الشخص جام غضبه عليهم، يشاركونه حزنه وألمه ولوعته فيما يُترَك الجاني طليقا بلا مساءلة وبلا فضح ولا تعرية.. إنَّ عاقبة إلقاء اللوم على الآخر خطيرة كما هو الحال عندما يُلقى على المسلم عندما يكون الجرح في صابئي أو أيزيدي أو مسيحي أو على الشيعة عندما يكون الجرح في سني أو على السنة عندما يكون الجرح في شيعي.. والمجرم هو الإرهابي ومن يقف وراءه

ما هكذا تورد الإبل أيها الكتبة الجدد أو الكتبة من حسني النية أو من المجروحين عميقا وجرحكم هو جرح كل العراقيين بكل أطيافهم وكافَّتها..  لقد ينكأ الجرح القلوب ويكلمها فلا تتركوا قلوب الأحبة من بني أهل العراق، أهلكم أولا وآخرا يكلمها كلم منكم يأتي بتعجل أو بسَورة غضب أو عتمة رؤية بل عمِّقوا التربص والتمعن قبل أن يخط قلم لعراقي من الكلم ما لا يقبله منطق ولا يهضمه عقل ولا تستوعبه حكمة..

وتكون الطامة أن نسمح للآخر من غير العراقيين أو من أدعياء الروح العراقي كذبا ونفاقا وانتهازية ليطعنوا في وحدتنا وتكتافنا وتعاضدنا تاريخا وحاضرا ومستقبلا.. ألا فلنكن كلمة حق لبعضنا بعضا ولنكن وفادة خير لبعضنا بعضا نداوي جروهنا ونلملم أطرافنا فنوحِّد سيرنا مهتدين بضياء جيرة  أخوة وأشقاء من كل أطياف شعبنا يحيون في بيت العراقيين الواحد المفتوحة مضايفه لمجموع الأهل على حد سواء...

لا يغيضني من قول كاتب يشتط فيرسم صورة مخادعة مضللة من مثل قوله إن جرح سني يقع في رقبة الشيعة أو جرح شيعي يقع في رقبة السنة وقسْ على ذلك تجاه كل العراقيين! ولكن يغيضني أنْ ننساق وراء تلك الكلمات بجهالتها وبشيطانيتها وتضليلها فننشر لها سمّها وندعمها ونوسع آثار تجريها فينا.. ومن ثمَّ نثير بذاك وبتكديسها ضغوطا نفسية واجتماعية وسياسية تدخل في التحضير لواقعة سوداء نكداء.. ويومها لا رادَّ لتلك الواقعة!

ألا فلتكن دعوة لكل أصحاب الصحف والمواقع والفضائيات العراقية أن يتخذوا من أصوات الرشاد والسداد التي تحضهم على الإرعواء وعلى الحسنى وتبيِّن ما ينشرون والتأكد من مصداقية الأمور والابتعاد عن رخص المردود لخبرية أو عبارة مثيرة ولنمتنع عن النشر في الشؤون والشجون المرضية التي تثير الشقاق على أرضية كاذبة دعية أو خطل في التحليل أو سذاجة معوق خط قلمه كلمات معتوهة تطعن في عراقية عراقي أو في عراقية طيف ونهجه وسياسته وليكن شعارنا العراق أولا.. ولا ننشرن ما يجرح عراقي لكاتب ولو كان مقدّما مميزا..

لأننا بغير العراق وهويتنا وخيمتنا العراقية لا نكون بل سنجد أنفسنا نهبا لأشتات وأخلاط من أعاجم البلدان حتى لنصيرنَّ أثرا بعد عين وياريت لو أن الأمر بقي عند الشتات وليس بـِذلّة وعذاب وهوان.. ولات حينها ساعة مندم..  

إن دعوتي ليست تمنيات حالم فيمكننا أن نبدأ بنواتات تعلن مصداقية التزام وتتوسع ويومها سيُعزل كل صوت أبحّ يشق صفنا..

 

اليوم أقولها لا وجود لطيف عراقي نقي الدم بلا تمازج مع أطياف عراقية أخرى ومن يعتقد بعراقيته فلابد أنه يعتقد بأنه حفيد السومريين والبابليين والكلدانيين والآشوريين والميديين وهو حفيد الصابئة المندائيين والأيزيديين واليهود والمسيحيين والمسلمين وفيه من دمائهم كما أنه أخ أو ابن عم لآخر من تلك الطوائف وليلتفت حواليه كل عراقي ويرى بأمّ عينه ولا حاجة لمزيد تعب في قراءة الأمر.. فمن منّا يريد الغدر بأخيه؟!

إنَّ طريقنا العراقي الديموقراطي التعددي الفديرالي الموحد هو الخيار الأصح بتوافق أغلبيتنا على هذا الخيار فلنعمِّده وندفع به للحياة.. لا تركنوا لطائفي في فكره أو تحليله ولو كان من بين ظهرانينا ولنحاسِبْ كل شخص يخطئ بحق الهوية العراقية الموحدة فيقدِّم الطائفة أو القومية أو المذهب أو الدين أو الفئوية أو ما شابه على الهوية الوطنية.. لا تسمحوا بالأمر قطعا لأننا اليوم في ميدان يضرب في أكبادنا فيسرق منا أولادنا وهم يحللون خطأ سبب الجريمة ومن يقف وراءها..

لا يكونن أحدنا كجارة صفيقة مثيرة للمشاكل تتشاحن مع جارتها لأن ابنها ادعى ببكائه أن ابن الجارة هو الذي آذاه.. لنتبين الأمور ونحكّم المنطق والعقل ولنترك لحكمائنا فرصة امتحان الحلول الأكثر سدادا لوقف اختراقنا من خارجنا ومن داخلنا ونحل أزماتنا بأنفسنا فنخرج سالمين غانمين.. عراقيين سواء بسواء وينهزم صوت الرعونة والصبية والمزعرة التي طفت على السطح لظروف عديدة لا أنكر أن منها تواري صوت الحكمة والحكماء  ولو التواري المؤقت والنسبي الجزئي..

فإلى رايتنا العراقية خفاقة بهويتنا الموحدة لنتجه ولنحرق رايات الفرقة والاحتراب والوقيعة والاشتباه والظنة والتشكك وانعدام الثقة .. ولنحرق راية الأمس رمز الماضي المريض الأسود ولنبدع لأنفسنا راية تهزنا سويا لجذع نخلتنا العراقية الباسقة تنثر ثمارها على كل الطيف متفقا على ميثاق المحبة العراقي... ولنخرسْ أصوات الفرقة المأجورة أو الساهية عن إصابة الغاية عراقية صحيحة صادقة..