جيل الريادة في الجامعة العراقية وقرار ينصفهم ويدعم إبداعاتهم؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2006/07/31

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

 عمر الجامعة العراقية لا يُقاس بعقود ظهورها منذ الربع الأول من القرن العشرين، بل ينتمي حتى لأبعد من زمن تأسيس الجامعة المستنصرية منذ مئات السنين التي خلت يوم كانت بغداد قبلة العلم والعلماء حيث يمكننا أنْ نقول باطمئنان أن المدرسة الأولى والصف الدراسي الأول وُجِدا هنا في أرض الرافدين مذ أول فجر لكتابة اللغات وفك حروفها كما فعل السومريون قبل آلاف عشرة من الأعوام النيِّرة.

وعمر الأستاذ الجامعي العراقي لا يُقاس بأعوام شهادته وسنوات تدريسه؛ لأنَّه خلاصة لذياك التاريخ العريق يحتضن كل منجزاته العلمية المعرفية وأخلاقياته الإنسانية والأكاديمية. تلك المعارف التي ظل الأستاذ العراقي حريصا على نقلها عبر بحوصه ومحاضراته الرصينة ومؤلفاته التي أبدعها نجوما تتلألأ في عوالم منجزات عصرنا عصر العلم والتقدم المعرفي المهول..

إنَّ مساهمات ضخمة لا يمكن حصرها بمقال للبحث والتقصي عن الأستاذ العراقي أنْ يحصرها.. ويمكننا التعرف إلى تلك المساهمات المميزة بالعودة لا إلى سجلات محلية وإقليمية بل إلى سجلات كبريات الجامعات العالمية ومراكز البحوث العلمية في مختلف فروع المعرفة شرقا وغربا.. فهناك توجد خزائن كبرى للأستاذ العالم العراقي المغبون في بلده والمهمل في منفاه عن عمد وتقصد!

لقد توجه الأستاذ الدكتور جميل سعيد العام 1948 للتدريس في الجامعة الليبية ولتشكيل أسسها الأولى مثلما توجه زملاؤه منتصف القرن الماضي ليشتركوا في بناء الجامعات العربية وأسس التعليم وقواعده في عديد من بلاد الشرق الناهضة للتو..

وبالروح ذاته أبى العالم الجليل الأستاذ الدكتور عبدالجبار عبدالله إلا أنْ يواصل مهامه العلمية الأكاديمية حيث الجامعة العراقية  وأصر زملاؤه على البقاء مكافحين حيث قيادة العقل العراقي وتوجيه دفته غلى شطآن الإبداع المعرفي والتقدم على الرغم من الخطوب والمآسي..

وها نحن نرى آخر مطاف أوضاع الأساتذة العراقيين حملات تنكيل واستهتار القوى الحزبية وقوى الظلام والتخلف وأخطر من ذلك وأبعد جريمة مطاردة الأستاذ حيث الاختطاف والتهديد بل والاغتيالات بالمئات  كما جرى في السنوات العجاف الأخيرة ويجري اليوم بايدي الإرهاب الدموي!

لقد عمل الأستاذ العراقي على معالجة أوضاعه ومداواة جراحه عبر عديد من الخطوات سواء بتقديم خدماته المهمة في جامعات عربية ودولية أم في مراكز البحث العالمية وآخر أنشطته محاولات تأسيس جامعة عراقية تعمل خارج التراب الوطني حيث مهمة احتضان الطاقات العلمية الكبرى لتنقل علومها إلى المتطلعين للمعرفة والعلوم ممن انقطعت بهم سبل العودة بعد جرائم الطاغية الذي أتى على كل حي معطاء في الوطن...

ولكنهم حتى في مشروعاتهم هذه لم يصادفوا دعما مسؤولا أو حتى سكونا وتركا لهم ولحالخم يقول دعونا في مثابرتنا علّنا نؤدي بعض واجباتنا العلمية في زمن العلوم والمعارف.. فلماذا التخرصات والتهجمات والعرقلة؟ ونحن نقول لماذا مواصلة الإهمال وقطع الدعم عن شريان البناء وإ‘ادة إعمار البلاد والعباد؟  

السؤال الأهم اليوم يتلخصفي صيغته الآتية: هل فكرت وزارة التعليم العالي اليوم بعد أنْ زالت غمامة الدكتاتور واستلابه لكل مناحي الحياة، بخطط لتطوير التعليم العالي اعتمادا على اهتمام جدي مسؤول بمصدر التطوير – الأستاذ العراقي؟ وإذا كانت الحكومة العراقية تريد تعويض زمن الأمراض والمطاردة لماذا لا تعمل على توفير الحماية للأستاذ المعرض للقتل اليومي؟ لماذا لا تعمل على دعم ظروفه المعاشية المباشرة؟

لماذا لا تستجيب لمشروعاته العلمية ولخططه المعرفية بشأن إعادة الحياة لعراقنا الجريح في شتى مناحي الحياة؟ لماذا لا تستجيب لمناشدات التغيير والتطوير والتحديث؟ ولماذا لا تتفاعل مع مشروعات الأستاذ العراقي في داخل الوطن وخارجه وتدعمها بما يكفل ضمان وجوده وحقوقه وتوفير أرضية كافية لتفرغه للعمل العلمي الإبداعي؟

ومن أشكال الدعم ما لا يستدعي جهودا تُذكر إلا تسجيل اسم الأستاذ العراقي العالم الخبير ومشروعاته كما تسجيل الجامعات التي تنتشر اليوم في بلادنا داخل الوطن والاعتراف للجهود العلمية الحقيقية والجدية المسؤولة التي تطبق أفضل شروط العمل الجامعي الأكاديمي عالميا وعراقيا ومن ذلك مثال تسجيل الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك أول جامعة عراقية تعمل خارج التراب الوطني وتضم عشرات من العلماء والأساتذة فضلا عن أعداد غفيرة من الطلبة الشغوفين في التحصيل العلمي..

 

ومثل عملية الدعم هذه تدفع إلى مزيد من بحوث علمية مميزة تساعد على بناء الذات العراقية وتعديل المسارات العلمية المعرفية التي نحن بأمسِّ الحاجة إليها..

وأبعد من ذلك: أليس من حقنا التساؤل لماذا الإغفال والإهمال وفينا خيرة من رواد التعليم العالي ينتشرون في بقاع الأرض والمهاجر بلا من يذكر ولا من يدعم أو ساعد.. هل هذه هي قيم بلاد قامت فيها أول بشائر العلم والحضارة؟ هل هذه هي قيم سجلت للمعلم أنه كاد أنْ يكون رسولا مقدسا؟

هل سألت وزارة التعليم العالي العراقية منذ ثلاث سنوات خلت عن سجلات الأساتذة واين يعيشون وكيف يعيشون؟ أم أنهم هكذا تركونا لمصير سيبقى مجهولا حتى نسمع رحيل آخر أستاذ عراقي كما رحل بالأمس أساتذة في غربتهم بصمت وبلا من يقول فيهم كلمة حق وهم الذين خرجوا مئات ممن يتسلمون وظائفهم اليوم في وزارة التعليم العالي ويديرون إدراراتها بلا خطة ولا تصور يشير لوجوب البحث عن الأستاذ العراقي..

من سأل عن الأستاذ العالم الجليل الدكتور جلال الخياط في رحيله؟ من سأل عن الورد وغزوان بل عن قائمة كبيرة من علمائنا وهم يغادروننا بلا تأبين لا جليل ولا عادي بسيط وكأن الراحل نكرة بلا بطاقة تعريف عراقية؟ عديد يموت بسبب هذا الإهمال ولولا وقفة مشرفة من زعيم أو فرد لراح أساتذة معروفون قبل عام من بين أيدينا.. فهل خذا هو جزاء سنمار؟ أيقبل أبناء الرافدين ىالتجاوز هكذا على علمائهم الأجلاء؟

إذن لمَ الصمت الأخرس؟ ولماذا؟ من يدلني على أساتذة كبار كالدكتور جميل نصيف جاسم أين تركوه يصارع مع حاله؟ ومصيره؟ من سأل عنه؟ إنه يتيه حتى على تلامذته ويكاد يمضي ولا من سائل؟ أسماء وأعلام وعقول لا تسترخص صوتها ومطالبها وهي أبية عصية على مد يد السؤال على الرغم من حقوقها فمن يعلن خطة شاملة لإنقاذ علماء العراق والبحث عنهم في مهاجرهم وفي الأقبية التي تتشرنق عليهم في جريمة خطيرة تطالهم اليوم؟من؟ من ذا يقيم الساعة فيغير الحال؟

إلى أنظار وزارة التعليم العالي في العراق سؤال وثقة في أن تلامذة الرعيل الرائد لأساتذة العراق وعلمائه ما زال فيهم روح تقديس المعلم الشمعة التي تحترق وما زال فيهم أخلاق شرقنا الرائع ومجدنا الذي لن يضيع وفي وزارة التعليم من يحترم الكلمة الفعل ومن يحتفظ لأساتذته الرواد بحق الحياة الكريمة وبحق توفير أعلى الشروط لديمومة البحث العلمي وحياة الروح الأكاديمي المشرِّف.. ونحن على موعد مع قرارات لوزير التعليم العالي:

لرواد العلم أساتذة العراق وحقوقهم لا في التقاعد وهم في منافيهم القسرية ومهاجرهم المهملة لحيواتهم بل لتوفير شروط تفعيلهم وريط جهودهم بالوطن..

وفي السياق البحث عن مراكزهم البحثية العلمية والجامعات التي أسسوها وشادوا قواعدها بجهود تطوعية عنيدة مشرِّفة وهي اليوم تنتظر تسجيل تلك الجهود والاعتراف لها بالريادة بعد عقود سبعة أو ثمانية من العمر عسى الصوت الأكاديمي العلمي المجلجل يحظى بكلمة حق من أصحاب القرار وهم تلامذة رواد الجامعة العراقية..

هل سنسأل ولو بكلمة وبلا كلفة مادية أو مصاريف مالية ولكن بما يوفر تفعيل عطاء تلك المؤسسات العلمية ويعطي للأستاذ العراقي حقه في البقاء عالما يعطي ويمنح ويبدع وينير في ظل احترام واعتراف من أهله بدل البحث عن اعتراف الغريب والأجنبي.. ألا إنّها استجابة فورية عاجلة فحياة العراقي العالم المبدع الأستاذ الأكاديمي ليست رخيصة لكي تضيع وأهلنا ووزارتنا فيها من العلماء من تلامذة شيوخ العلم وأهله ولن ننتظر بالتأكيد؟؟