ظاهرة استبدال الناس بالنخب السياسية والزعامات الطائفية؟!

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

27 2006/09/

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

 

تصطرع الرؤى والأفكار السياسية اليوم لدرجة متأزمة ساخنة وفي خضم المعركة الدائرة بين قوى الظلام وقوى التنوير يُمرَّر كثير من المصطلحات والأفكار والمشروعات بطريقة تعقـِّد الأمور وتؤزمها.. ويزيد الطين بلّة أن قوى إقليمية تقف وراء جهات ظلامية أو تقسيمية وتضع بين أيديها إمكانات مادية ضخمة أغلبها متأتِ ِ من سرقة الثروة الوطنية العراقية وسرقة لقمة عيش المواطن العراقي.. فنجد الفضائيات من لون [طائفي] واحد صارت بأعداد متكاثرة فيما لم تمتلك قوى التنوير فضائية واحدة بالحجم ذاته؟؟

والمشكلة التي نحن بصدد التركيز عليها هنا وتسليط الضوء الكاشف تكمن في تكرار متعمد من تلك الأجهزة الإعلامية المهولة على المصطلحات التقسيمية الطائفية وحقيقة الأمر أن المشكلة ليست في المصطلح التقسيمي الطائفي فهذا أمره مفضوح ويعرف أبناء شعبنا كيف يتعاملون معه عندما يأتي من تلك الجهات الأجنبية والإقليمية أو ممثليها محليا ولكن المشكلة  الأعمق والأخطر تكمن في دخول  وطنيين عراقيين على خط التشويش السائد!

ومن بين أخطر المصطلحات التي تختفي وراءها قيم فكرية كارثية في تخريبها تلك التي تتحدث عن الشيعة وعن السنة فيما القصد الحقيقي استبدال الشيعة حقا ووضع أحزاب الطائفية [الشيعية] محلهم والسنة حقا بوضع أحزاب الطائفية [السنية] مكانهم... وقد قرأت في الأيام الأخيرة لعديد من الكتاب والمفكرين ما يشي بركوب موجة إلغاء الناس ليقول نيابة فرد أو آخر.......

فإذا قال عبدالعزيز قال حزبه وقالت الشيعة وإذا قال عبدالحميد أو صالح أو عدنان  قالت أحزابهم وقالت السنـّة وهي طريقة خبرها العراقيون يوم كان يُفرض عليهم العبارة البائسة: إذا قال صدام قال العراق!!!!!!!!!!!!!!!!

ومن السخرية أن يتحدث إلينا أستاذ أو دكتور أو سياسي وطني عراقي بطريقة: "اتفق الشيعة والسنة أو اختلفوا" وهو يقصد اتفق الحكيم والدليمي أو اشتجروا (من الشجار) أو اتفق ممثلوهما البرلمانيون أو تقاطعوا. وهذا ليس ذاك بالمرة وقطعا، فإذا كان ممكنا أن نستبدل الحكيم بالمجلس الإسلامي فلا يمكن أن نستبدل الحكيم بالشيعة وإذا كان ممكنا أن نستبدل الحزب الإسلامي  برئيسه فلا يمكن أن نستبدله بالسنة أي أن نضع الفرد في موضع الجماعة بعد إلغائها.

إذ كيف يمكن أن نساوي بين [زعيم] وحزبه؟ أين الديموقراطية التي يتحدثون عنها إذا كان ذاك الشخص [الزعيم] يقول والحزب يسمع وينفذ فقط!؟ وكيف نساوي بين ذاك الفرد وحزبه وبين مجموع من يزعم تمثيلهم كأن نقول قال عبدالعزيز ونفترض تأويل الأمر بأن الشيعة جميعها قالت؟! حيث نلغي الجماعة ووجودها وحق كل فرد أو مجموعة فيها في الاختلاف، لنفرض تجانسا بالقوة على هذه المجموعة ولنفرض بالقوة أيضا أن هذه المجموعة تقول ما يقوله الفرد المسمى زعيما بالقوة أيضا!!

ألا يعيد من يقول قالت الشيعة وقالت السنة أفكار زمن الطاغية في العبارة سيئة الصيت "إذا قال صدام قال العراق"؟! ألا يؤكد مثل هذا التفكير مرضية ما يُطرح من مشروعات في ظل توظيفاته الاصطلاحية تلك؟ أليست المسألة لا تقف عند المصطلح وخطأ استخدامه لتشي لنا بخطورة المخطط الذي ينطوي عليه توظيف المصطلح إياه؟؟؟

إننا في الوقت الذي نتحمل فيه مسؤولية فضح مثل هذه المحاولات البائسة لتمرير مفردات الفكر الطائفي التقسيمي نشير إلى خطورة مراميه وعدم  وقوفها عند مشكلة مصطلح لغوي أو سياسي ونؤكد على أهمية تعاضد الجهود لتوسيع دور القوى التنويرية في تسليط الضوء على ما يُمرَّر بين ثنايا الخطاب المرضي السائد بوسائل إعلام مدفوعة الأجر إقليميا ودوليا..

وينبغي لشعبنا وقواه الوطنية المخلصة الالتفات إلى خطورة مضي تلك الجهات باستخدام قالت الشيعة وقال السنة؛ لأن الأمر لا ينطوي على طائفية الهوية والتشخيص بل ينطوي على تقاطع فاضح ومطلق مع الديموقراطية حيث:

1.  يتم استلاب حق المواطن العراقي في الانتماء لمن شاء من الأحزاب والأفكار والرؤى واختزاله في وجوده الطائفي وكأن قدر من وُلِد لعائلة شيعية أن يكون تابعا بالمطلق لحزب طائفي شيعي بالتحديد.. ولمن يسأل عن التعددية سيحيلونه إلى تعدد الأحزاب الطائفية [الشيعية] أو [السنية] بحسب الجهة...

2.  ويتم استلاب المجموعة برمتها (شيعية) أو (سنية) واختزالها في حزب طائفي أو شخص فرد يُسمى الزعيم فرضا وقسرا؛ فإذا قال أمرا عبَّرَ عنهم جميعا ولا مجال للاختلاف أو للرأي الآخر..

أين مثل هذا التفكير من زعم الخضوع للقانون والدستور وللديموقراطية في العراق الجديد، العراق الديموقراطي التعددي  التداولي؟ أين مثل هذا التفكير من دمقرطة الحياة العامة وتوطيد الحريات والإيمان بحقوق الفرد المواطن وتطمين مطالبه في حرية التعبير وفي استقلالية وجوده ومنع استلابه ومصادرته؟

 

ولمزيد من توضيح أمر ما يختفي وراء استخدام اصطلاحي بهذه الطريقة نشير إلى موضوعة القسر الطائفي فمن نافلة القول البحث في كون المجتمع في الدولة الحديثة لا ينقسم على أسس ماضوية كما في الطائفية التي خابت قبل قرون وانهزمت باضمحلال دويلاتها.

والعراقيون ومنهم الشيعة والسنة لا يحملون الهوية التقسيمية الطائفية بدليل أن نسبة تفوق الـ 35% منهم تزاوجت وتصاهرت فيما بينها وأن نسبة مماثلة تتداخل في البنية الاجتماعية... وفي المعتقد السياسي الفكري على صعيد المجموعتين الدينيتين العراقيتين لا يوجد من يشير لمنطق التطهير الطائفي بحيث يمكن لسياسي أن يقنعنا بواحدية الفكر والأيديولوجيا وبواحدية الانتماء السياسي  للشيعة قاطبة أو للسنة قاطبة...

 ففي كلا المجموعتين الدينيتين العراقيتين من ينتسب لفكر أو أيديولوجيا أو حزب مختلف ألا نجد الشيوعي والقومي الناصري وغيره والليبرالي والوطني الديموقراطي اليميني واليساري بين من ينتمي لمجموعة الشيعة أو السنة..؟ ألا يعمل سويا في المنظمة الحزبية الواحدة لأي حزب وطني عراقي الهوية من هو شيعي ومن هو سني من دون الخضوع لتأثيرات التقسيم الطائفية تلك؟  إذن كيف يمكن لنا اختزال الأمور واستلاب الحقوق ووضعها في سلة نفعية انتهازية طائفية؟

وليس بعد هذا ما يُقال غير أن نؤكد أن محاولات تمرير مصطلح تجري بين أحوال فأما عن جهل وأما عن قصد وتبييت لمصلحة مرضية بعينها وأما عن نفعية وتملق للغة سائدة. وفي جميع الأحوال يلزم الوقوف بوضوح ضد كل محاولات التمرير تلك التي تنطوي على مصادرة لطموحات الناس في عراق مختلف، عراق جديد يقوم على الديموقراطية ولكن الديموقراطية ذاتها وهي التي تتعارض مع مستويات دنيا منحطة من التوشيهات البنيوية للدولة كما الطائفية وفكرها وأحزابها التي اندحرت قبل قرون، الديموقراطية هذه لا يمكنها أن تتحقق من دون جهد ثقافي فكري عميق يجري فيه فضح الدخيل المرضي وتعزيز مفاهيم العمل الديموقراطي وآليات تقدمه والتعامل به وعلى أسسه..

وسيكون للشعب الواعي المسلح بثقافة الديموقراطية أن تكون خياراته من بين القوى والتشكيلات التي تنتمي لعصرنا لا لتلك التي تعود بنا إلى ماضوية مقيتة قاتلة. ومن يستطيع حل مشكلات اليوم ويخرجنا لحلول موضوعية هو التشكيل الديموقراطي المعاصر بجوهره العلماني التنويري المتفتح.. على أن نتذكر أهمية دور المثقف العراقي بخاصة المنزَّه عن العلاقات المصلحية النفعية التي طفت على السطح في ظاهرة ذات دلالة!!؟