توقعات الأشهر الستة المقبلة في العراق؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

07 2006/10/

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

 

بدت في الآونة الأخيرة ظاهرة إعلان جهات وطنية ودولية عديدة نتائج متابعاتها الوضع العراقي الراهن مؤكدة أن الوضع المتقوقع في قاع الأزمة والهاوية سيأتي بحالة حسم وتغيرات بعيدة في أفق الأشهر القليلة التالية من هذه السنة ومطلع العام المقبل.. وعلى سبيل المثال أعلن قائد القوة المتعددة الجنسيات في العراق الجنرال كيسي أن الأشهر الستة المقبلة ستكون "حاسمة" لمستقبل العراق. ووصف الدكتور برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي الوضع الأمني بـ«الخطير» محيلا ذلك إلى «التجاذبات السياسية والإسقاطات الطائفية التي تستفحل في الساحة السياسية»، منبها إلى أنه «إذا لم تتم استعادة المبادرة بيد الحكومة فإن المتطرفين سوف يجرّون الكل إلى مواقعهم وأن المشروع العراقي مهدد في مصداقيته».

وفي الحقيقة يمكن تسليط الضوء على ما تكشفه التقارير الواردة من أرض الواقع في العراق وهي التي تشير إلى تصاعد أعمال العنف وانتشارها نزولا باتجاه المحافظات الجنوبية [حيث الصراعات على الاستحواذ بحصة الأسد في مشروعات التقسيم الطائفية بين أحزاب الطائفية وزعاماتها ذاتها] وازدياد إحصاءات الضحايا من أبناء الشعب البسطاء الذين يُقتلون على الهوية أو تفاقم الاختطافات وجرائم السلب والنهب والاغتصاب وجرائم الفساد الإداري والمالي في أجهزة الدولة واختراق تلك الأجهزة من عناصر إرهابية أو معادية للعملية السياسية ذاتها فضلا عن ممارسات خطيرة في تلك الأجهزة من نمط الصراعات الدائرة على تهريب الثروات الوطنية تحت أغطية مشرعنة..

ويجري في العراق ما يجري بسلطة عصابات ومجرمين وإرهابيين من مختلف الاتجاهات ولكن الكارثة الحقيقية تكمن في دور الميليشيات التابعة لأحزاب الحكومة ومن أجهزة تابعة للداخلية والدفاع وأجهزة الدولة الرسمية في الحكومة وفي المحافظات...

فيما نجد تصريحات مسؤولين كبار لا تعكس هذا الواقع كما تتحدث الزعامات الحزبية وزعامات الميليشيات عن حمايتها لأمن الوطن والمواطن وتتحدث الجهات التي تسمي نفسها "المقاومة الشريفة" عن كونها تحصر أنشطتها العسكرية ضد قوات الاحتلال وأنها ليست مسؤولة عن هذا التفجير وتلك الجريمة وذاك العمل الكارثي وأنها بريئة من دماء العراقيين الجرية بحارا وأنهارا.. وتتبرأ من دم الضحية المسكين كل القوى  العاملة في الميادين السياسية والعسكرية المسلحة!!؟

ومثل براءة هؤلاء، تتبرأ كل دول الجوار وزعاماتها من دم العراقي وتتحدث إيران عن عملها الدؤوب من أجل حراسة! حدود العراق معها! ومنع تسلل الإرهابيين! وهو ما يؤكده باستمرار نيابة عنها معالي وزير الأمن الوطني العراقي!! وتتحدث الجارة الشرقية (المسلمة الشقيقة) عن دعمها الثابت للقوى والحركات والأحزاب الوفية لطموحاتها وتطلعاتها لضبط الوضع! وهكذا تتحدث الجارة المسلمة والأوروبية عن عدم تدخلها وعملها الدائب على ضبط الوضع العراقي! ولا يوجد طرف في الأرض اليوم لا يتبرأ من دم العراقي المُسال في حلكة الليل وظلمته الدامسة حيث لا كهرباء ولا حتى نور قمر في سماء لا تصفو عندنا! وخلف عتمة نهارات العراق المغبرة من عصف التفجيرات وغيرها!

طيب، أيها الجمع [الكل] و[الجميع] و [الكافة] براء من دماء أهلنا.. إذن مَن يمكنه أن يكون وراء الجريمة؟؟؟ لم يبقَ غير الضحية نفسها هي التي تحلم أنها اُغتُصِبت وأنها يتهيأ لها كونها قٌُتِلت أو فُجِّرت وليس من جريمة تجري في العراق!

إذا كانت ميليشيا الأحزاب التي يراها الناس ليل نهار متلبسة بالجريمة وهي براء والسوقة المجرمين المنظمين في عصابات يراهم الناس متلبسين بالجريمة وهم براء والإرهابيين التكفييرين وغير التكفيريين يراهم الناس متلبسين بجرائمهم وتعترف عناصر منهم وفيهم بالجريمة وهم براء ودول جوار [شرقية وغربية] يمر عبر حدودها ويتدرب في أقبية مخابراتها المجرمين الذين يضبطهم العراقيون النجباء وهي دول بريئة من الجريمة المضبوطة بالتلبس.. إنَّهم كافة براء من دمنا ومن الجريمة المرتكبة بحق أهلنا وأطياف شعبنا المبتلى!!!

 

أيها السادة.. أيها العراقيون الأصلاء النجباء، لن يعترف يوما مجرم بجريمته ولن يقول عن نفسه ولو أُمسِك به متلبسا: إنه مجرم. وسيجد دوما وسائله للتنصل من الجريمة وفي الوقت ذاته متابعتها بلا وازع من ضمير لا يملكه أصلا ولا من سلطة توقفه هي غير موجودة حتى نسطيع أن نقول لأنفسنا كلمة الحق وخطة الحق في مسيرة بناء وجودنا في ظل نظام قوي يحمينا من الجريمة الناشبة أظفارها فينا عميقا...

وكلمة الحق تتمثل في ما ضاع منا من فرص لبناء مؤسسات دولة بديلة لمؤسسات دولة الطاغية والبديل لم يكن أبدا في خيار إباحة الميليشيات والدخلاء والمنتفعين والجهلة والسوقة.. لقد كان التأسيس للدولة العراقية الجديدة بتركيبة طائفية ومنح الأحزاب والزعامات الطائفية أكثر من فرصة لنهب العراق المنطلق التخريبي لمشروع العراق الديموقراطي الفديرالي الجديد..

ومن الطبيعي لقوى متعددة الجنسية وإدارتها المدنية أن تخطئ سواء قصدا وعمدا لتغطية أمور بعينها تخص أفراد فيها أم عن غير دراية وبالاستناد إلى نصائح [عراقيين] لا علاقة لهم بالعراق وشعبه ومصالحه بقدر ما لهم من أهداف نفعية خاصة.. كما أن عديد من القوى التي دخلت الوطن دخلت ومعها كل حالات الاختراق الإقليمية هذا إذا نزهنا الجسم العام للحركة أو الحزب أو الزعامة.. كما دخلت تلك القوى على أنقاض مؤسسة لا وجود لها وحين أرادت تجنب من أسمتهم [البعثيين] لم تأتِ ببديل خبير عارف متعلم بل جاءت بأميين زورت لهم شهادات لكي يبقوا على ولائهم للزعامة وللحزب وللجهة المعنية بالإدارة...

الشعب العراقي يدري ما يحيط به وصارت الصورة واضحة اليوم وانكشف  الجاري من ألاعيب خلف الستار ومثل هذا دفع القوى الحزبية وزعاماتها إلى أمر من اثنين أما الخضوع لقوة شعبية عبر زعامات وأحزاب نزيهة ووطنية ديموقراطية حريصة على شعب العراق ووحدة الوطن وأما الذهاب بعيدا حيث اقتسام  ما تبقى من العراق في عملية سطو قذرة تعني سلخ الشعب من إرادته وقوة فعله وتحييد قواه المتنورة وإبعادها نهائيا وتقسيم أرضه بين محميات مفتتة بين أحزاب وحركات الإسلام السياسي الطائفية وزعامات العصابات المتنفذة بقدراتها ما فوق الدولة الهزيلة الممزقة فعليا..

ومن الطبيعي  أن تكون المعركة في الأشهر القليلة المقبلة بين تقسيم العراق ومحوه من الخارطة السياسية إلى الأبد وتوزيعه على محميات بلا سلطة سياسية وسجن أبناء كل محمية بوصفهم عبيد الزعامة الدينية المقدسة التي تقاتل في ظل اسم  ولي أو نبي أو مرجع [مقدس!؟] وبين القوى الوطنية الديموقراطية المشرذمة الممزقة الضعيفة الخالية من أي برنامج جدي يرتقي إلى مستوى المعركة بجذب قوة دولية وإقليمية إلى جانب ذاك البرنامج المؤمل..

المعركة ستمضي ومفكرو العراق سيواصلون العمل الفردي وأحيانا الجمعي الضعيف وستُحسم المعركة بحسب  التوازنات التي تستند لإرادة دولية وإقليمية وقدرات ضغطها وطبيعة تدخلها وحجم التأييد الشعبي المتحصَّل..

فإذا مضت الولايات المتحدة ألأمريكية معتمدة على برنامجها القديم ونسيت أهمية التحولات وقراءتها بموضوعية رؤية مختلفة فإنها ستكون العامل الحاسم في محو العراق لا الديموقراطي حسب بل ومجمل وجوده المعروف.. وإذا مضى الاتحاد الأوروبي ودوله من دون الالتفات إلى موقف جدي مسؤول فإن الاتحاد لن يخسر العراق حسب بل سيخسر ثقله في شرق أوسط مهدد بانفجارات وتغيرات أخرى لاحقة.. وإذا مضت إيران مستغلة الوضع لتعزيز شبه احتلالها للعراق فإنها ستصل لاقتطاع العراق وتحويله إلى محميات نهبا لمطامع مرجعياتها السياسية وهي بنك الإرهاب الدولي والإقليمي..

أما لعب بعض القوى الأخرى فإنه أدخل في هوامش تؤكد التخريب الجاري والتشطير والإلغاء لعراق ظل لآلاف السنين يقارع المحن ولكنه لن يكون في ظل موجة الشر التي تستبيحه..

في ضوء هذه القراءة المظلمة في تقويمها تبقى دعوة المثقفين والمفكرين العراقيين لمؤتمرهم الطارئ العاجل  إذا ما صادفت دعما جديا واتصالا يرقى لمستوى المسؤولية وتستند إليه القوى الفاعلة في الساحة العراقية القشة الأخيرة لتعديل الوضع وحسمه بخلاف التيار السائد اليوم حيث كل من الجهلة والسوقة وذوي المصالح والمجرمين هم الذين يتحكمون في مسيرة العراق اليوم...  وبالتأكيد فإن التزام خط المسيرة السياسية السلمية وتطهيرها وتعزيز بنية المؤسسات السليمة  المنزهة من الاختراقات سيكون الأمر الأنجع لخلاصنا بعيدا عن استهتار لعلعة رصاص الإرهاب والطائفية. وهل بغير المثقفين والأكاديميين إصلاح شأن وبناء العراق الديموقراطي التعددي الفديرالي الموحد؟ أوهل يمكن لأمي أن يكون البديل [يحمل لقب عالم بروفيسور دكتور زورا وبهتانا] في إدارة مؤسسة لغير حساب جريمة يجري تمريرها؟!!!!

عليك السلام يا عراق الأمس وحضارته السومرية الخالدة وعراق اليوم وضحاياه الأبرياء وعراق الغد إذا ما بقيت فلن تكون غير عراق الحلم المشرق عراق الديموقراطية التعددي التداولي والفديرالية الموحد وبخلافه لتتذكروا أن لا عراق باق في ظل الجريمة وإرهاب العصابات والميلشيات وإرهاب أحزاب الطائفية ودولتهم حيث يتناثر العراقيون في بحث أبدي عن مأوى وعن هوية! ويومها لنقل وداعا ياعراق!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!