بصراحة؟؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

14 2006/10/

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

 

في الوضع العراقي الراهن اُبتليت القوى السياسية بضغوط عجيبة من داخل ومن خارج.. باختراقات وبتستر وأغطية وبوضوح سافر وبقباحة يدهنون وجهها بأصباغهم التزويقية التي يسمونها زورا وبهتانا صراحة! وفي جميع الأحوال تجري الأمور وتمضي الأيام بمسارات التوازنات القائمة على أسس الصراع الذي لا يرحم؛ الصراع الذي تفرض قوى الظلام والشر شروطه راهنيا أكثر من وضوح سلطة الأخيار وأنشطتهم الهادئة القائمة على التعقل والتحوط للتقليل بأكثر ما يمكن من الخسائر ومن الضحايا..

فترسم القوى الوطنية الديموقراطية برامجها القريبة على أساس خيار أهون الشرين بل أهون الشرور.. ولترجمة الأمر يمكننا الحديث عن حالة التصويت على الفديرالية ومشروع الأقاليم  تحديدا فهو من جهةِ ِ جرى بطريقة التمرير التوافقي بفرض شروط وشروط مقابلة لكي يمضي.  وحتى داخل قبة البرلمان جرى التصويت بطريقة تفضي للتعرف لصوت النائب المهدد المسلط على رقبته ابتزاز زعامات وقوى بعينها.. وإلا فلماذا لم يتم التصويت باستخدام أجهزة الكومبيوتر حيث لا يتم التعرف إلى من رفض ومن وافق أي بالتصويت السري؟

على كلّ، الفديرالية مبدئيا قرار سيادي عراقي تم تثبيته في الدستور بطريقة استجابت للتوازنات في الشارع السياسي لا إلى رغبة العراقيين الحقيقية في تعميق ديموقراطيتهم بآلية الفديرالية.. وقد جرى التوافق على إعادة قراءة الدستور وإعادة معالجة ما تأخر التوافق عليه حزبيا وجماهيريا.. ولكن الذين يخفون أسرارا غير طبيعية وراء استعجالهم لتنفيذ الفديرالية لم يستطيعوا إخفاء أحلامهم في التعاطي مع الفديرالية بوصفها وسيلة لمزيد من تمكينهم على رقاب الناس واستعبادهم بآلية [ديموقراطية]!؟ والدليل مشروع الأقاليم المقترح من الائتلاف وهو المشروع الذي رفضته قوى حتى من داخل الائتلاف......

وأصحاب هكذا مشروعات هم أنفسهم الذين يريدون الاستمرار في إجراء انتخابات صورية تضليلية طالما هم يملكون سلطة وجودهم بسبب من تركة الماضي المريض وبسبب من ضعف مؤسسات الدولة الوليدة ومن تسليمها سلطتها لصالح سلطة المافيات والعصابات التي تسمي نفسها ميليشيات وأحزاب.. وفوق ذلك تزعم لا تمثيلها الشعب وأغلبيته بالتحديد بل وهي تفرض نفسها بقدسية تمثيل الله على الأرض!!!

في ظل هذه الأوضاع وبكل تبجح يتحدثون عن الانتخابات ومنها التي [اكتسحوها]؛ ولا يهم أنهم سرقوها بسلطة ميليشياهم وبسلطة الادعاء بقدسية إلهية تؤيدهم عبر زعم تأييد المرجعية.. والمرجعية هي الأخرى سكتت ولعب بعض ممثليها بالرد والنفي وتوقيتاته لتوكيد تمرير الادعاءات والمزاعم وهو ما حصل فعليا..

واليوم يريدون الاحتكام لما يسمونه استفتاء وحتى انتخابات وهم واثقون من نتائج يملكون مقدرات التحكم فيها بقوة السلاح والقدسية المدعاة.. صحيح أن الجماهير اليوم تقدمت أشواطا في فضح تلاعباتهم وصحيح تحركات تلك الجماهير لرفض استقبال زعامات الأحزاب الطائفية وصحيح المظاهرات الغاضبة ضد سياسات الحكومة وقيادة الائتلاف بالتحديد [لنراجع هنا شعارات مثل: شمعتكم حرقت قلوبنا وآمالنا] كما في تحركات كربلاء والكاظمية والبصرة وهي كما يفترض تشكل معاقل مزعومة لهم.. إلا أنه من الصحيح أيضا أن حدود التلاعب والتأثير لا سقف لها لمن لا يستحي من الكذب عندما يصل زعمه إلى حد لعبه حدا لا يحترم فيه مقدسا  ولا قدسية ويزعم ويدعي ما يريده ضلالا وافتراء...

إنَّ التلاعبات الخطيرة بالانتخابات التي مضت وما تكشَّف لاحقا بالخصوص وتمرير أمور خطيرة عبر سياسة تهريب الثروة العراقية النفطية وغير النفطية ومنها أطنان نحاس الأسلاك الكهربائية وأموال طائلة [على سبيل المثال لا الحصر] ومنها آثار الحضارة السومرية والعراقية القديمة والضلوع في جرائم سطوة الميليشيات وأفاعيلها التي تدخل في جرائم ضد الإنسانية كما في الأعمال الانتقامية بالقتل على الهوية بسلطة لا الميليشيات الحزبية حسب بل سلطة توجيه أجهزة ومؤسسات تابعة للحكومة [الوطنية] لمجرد أن تلك المؤسسة أو غيرها تخضع لإرادة محاصصة فرضوها على العراق والعراقيين..

بصراحة: إن كل ذلك يجعل المرء لا يثق بتلك القوى ولا يمكنه الاستمرار في التعامل معها مباشرة وإذا ما بقي من قبول بوجودها فهو مشروط بحل عصاباتها المسلحة أو ميليشياها واحتكار الدولة لسلطة السلاح مع إعادة هيكلة مؤسسات الحكومة على أسس وطنية خالصة بعيدا عن المحاصصة وجوهريا حيث تطهير تلك المؤسسات من القوى الحزبية المعنية وتسيير شؤونها على وفق قوانين تخضع للدستور لا غير وتحترم المواطن والمواطنة والروح الوطني غير التقسيمي..

وهذا لا يأتي إلا من إخراج الحزبيين أو تحييدهم طوال مدة تسلمهم مسؤوليات في أجهزة الحكومة المحددة بالشأن الأمني والعسكري لأن عقيدة هذه الأجهزة وإيمانها وحده الدستور ولا غير. وفي حال ضبط شخص غير حيادي يُحاكم بجريمة خرق الدستور والاعتداء عليه وعلى روح المواطنة.. ولا ثقة بعد اليوم بغير ضبط الوضع على وفق خيار الشعب العراقي للديموقراطية مسارا وعقيدة سياسية اجتماعية..

وبصراحة لا ثقة بكل الزعامات الطائفية أيا كان ادعاؤها سواء زعمت أنها تمثل الشيعة أم زعمت أنها تمثل السنّة أم زعمت أنها تمثل جهة طائفية أو دينية أخرى.. وبصراحة لا ثقة بكل الأحزاب الطائفية أيا كان زعمها أو ادعاؤها. ومشكلة العراق بكل صراحة هي هذه الزعامات المفروضة عليه وهذه الأحزاب الدخيلة التي أدخلوها إلينا عبر بوابة تعزيز المحاصصة الطائفية وفرض لغة التقسيم الطائفي بخلاف إرادة العراقيين الذين تزاوجوا وتداخلوا وعاشوا سويا ليس بين الشيعة والسنّة حسب بل وبين الديانات المختلفة المتعددة..

إن لسان حال العراقي عرف ويعرف ما يريد قوله وهو بكل صراحة وبتمامها لا يثق بالطائفية والطائفيين وعصاباتهم أو ما يسمونها ميليشياتهم.. فلقد نهبوه وهو اليوم المبتلى بكل المشكلات التي جاؤوه بها. وإذا كان يغض الطرف عن حاجاته المادية وعدم إشباعها بدءا بنسبة البطالة الأعلى عالميا وليس انتهاء بحصته الغذائية التي ما زالوا يتصدقون بها عليه؛ فإنه بخصوص أمنه وحياته وحيوات أبنائه لا يمكنه أن يسكت مطلقا..

إن الهجرة اليومية بمعدلات خطيرة لا توجد في أي بلد آخر في العالم اليوم هي لغة احتجاج قد تكون سلبية ولا تحل الأزمة ولكنها لغة احتجاج يلزم التوقف عندها من قبل العراقيين الوطنيين ومن قبل المجتمع الدولي وبصراحة علينا وضع الأصبع على  الجرح بعمق الصراحة الحقة الأمينة لنقول هذا ما يجري ويلزم أن نتعامل بموضوعية وبقرار دولي بخصوص هجرة العراقيين بالتحديد..

والمسؤول هنا الإرهاب الداخلي [في داخل الوطن] ولكن الإرهاب ليس بلا سبب وليس من فراغ ولكنه في الحقيقة يتبادل التأثير مع لغة المنطق الطائفي المستبيح للعراق والعراقيين..

ولن يكون قرار أبناء شعبنا بهذا الشأن إلا مزيدا من التمسك بالعملية السياسية وتعزيز مسيرة بناء مؤسسات الديموقراطية ولكن بوضوح مع إدانة عالية الصوت للطائفية والإرهاب عدوَيّ العراقيين وعراق الديموقراطية التعددي التداولي الفديرالي.. من يقف مع العراقيين عليه أن يقف ضد الطائفية وبصراحة ضد وجود ميليشيا الأحزاب الطائفية وبصراحة أكثر وضوحا ضد وجود قوات بدر وقوات المهدي وقوات عمر وجيش محمد ونظيراتها الطائفية الأخرى جميعا بلا استثناء..

كما يلزم في تعديل الدستور أن يجري تطهير القوانين العراقية في ضوئه برفض تشكيل الأحزاب على أسس دينية أو طائفية كما يجري اليوم وكما يتم عبره التحكم بمسارات الأوضاع الراهنة..

ولنقل إلى أعضاء الميليشيات النجباء منهم بالتحديد: قارعتم بالأمس نظام الطاغية واليوم عليكم مقارعة بقية أعداء شعبنا وأولها الإرهاب والطائفية فاتجهوا للدعوة على وفق مخطط يلتزم تأهيلكم للدمج والتدريب لأنشطة العمل المدني وتأكيد ولادة دولة وطنية بمؤسسة عسكرية أمنية نزيهة عراقية الهوية ودستورية الأنشطة قانونيتها..

ويمكن لخطة متزامنة خطة طريق للحل العراقي بمباشرة عاجلة في إدخال أعضاء الميليشيات بمشروعات مدنية مع الإبقاء عليهم ضمن خطة محددة بسقف زمني قريبا من التدريب المسلح وسلاحهم المنزوع جانبا مؤقتا ثم الانتقال لاحقا لإبعادهم عن ملكية أية أسلحة وأية تدريبات عسكرية وأنشطة من هذا النمط.. أي عندما يجري استكمال تكوين أجهزة مؤسسات الدولة المعنية وطنيا..

وبخصوص الأحزاب الطائفية يمكنها أن تتجه لتغييرات هيكلية من نمط إعلان برامج واضحة تلتزم بالدستور وبمنطقه الوطني الديموقراطي وتزيل من برامجها كل الإشارات الطائفية المرضية المتعارضة مع الدستور وقوانين مؤسسات الديموقراطية.. إن خارطة طريق بهذا الاتجاه يلزم لكل زعامة سياسية اليوم ولكل حزب سياسي اليوم إذا كانا بحق وطنيين أن يتجها إلى أدائها ولنمضِ معا من أجل عراق الغد الأفضل عراق الجميع حتى عراق ضيوفنا من محبيه وعشاقه اللاجئين لوارف حياته الآمنة غدا...

وبصراحة فإنه لا ثقة بغير هذه الخطوات ولا عراق ولا عراقيين ولا كينونة أو قائمة لنا بغير هذه المسيرة التي تقف صفا واحدا بوجه الإرهاب والطائفية أو تضعنا أضحية لهما وننتهي إلى الأبد وهو ما يريده من يصر على الإبقاء على الأوضاع منفلتة من سلطة العراقيين وسيادتهم الداخلية قبل الخارجية!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!