استراتيج الحكومة العراقية؟ ورؤية الحركة الوطنية العراقية!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

21 2007/03/

 tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

 

 

إنَّ أيّ جهة سياسية تركب مسار الحدث العام تظل بحاجة لرؤية استراتيجية أو أهداف رئيسة عامة كبيرة وبعيدة وأخرى بالتأكيد قريبة وتكتيكية.. وهذه بديهة ليست بحاجة للتوقف ولكن ما نحتاج التوقف عنده يكمن في تساؤل هل لكل قوة سياسية وإدارة حكومية رؤى استراتيجية ناضجة؟ ذلك ما نبغي من أجل الإجابة عنه أن نقرأ وقائع الأمور وطبيعة التركيبة التي نناقش رؤيتها...

لقد كانت النية والأهداف أن ينجم عن الانتخابات وعن التوافقات السياسية حكومة وحدة وطنية لتجاوز الظروف الراهنية عراقيا؛ غير أنَّ  طبيعة الحكومة العراقية التي أتت لا يمكن وصفها بأنها حكومة وحدة وطنية بقدر ما هي حكومة محاصصة طائفية تصرفت على أساس ملكية الغالب للأمر والنهي وللثروة والأدهى من ذلك للبشر... ففي وقت تمَّ اقتسام ملكية البلد الوطنية جرى أيضا اقتسام مكونات المجتمع العراقي فملكية الشيعي تعود للأحزاب الطائفية الشيعية أما السني فبكل رحابة صدر لا تريد تلك الأحزاب الوافدة تملكه فهو عبء مرضي عليها إنه من ملكية الأحزاب السنية المقابلة إن لم يُقَل المعادية صراحة وجهارا نهارا أما المسيحي أو المندائي أو الأيزيدي فهو من مخلوعي!؟ أحزاب الطائفية المتسيّدة للوضع...

وإذا كنّا ما زلنا نرى أن الاستراتيج الحقيقي للحركة الوطنية يكمن في سياسة التهدئة والمصالحة والتسامح وفي مسيرة البحث عن الإمكانات المتاحة لتعزيز العملية السياسية وإنْ كان عبر تغيير نوعي فإنَّ الأمور التكتيكية تلزمنا بتبيان الخطل الخطير في استراتيج سمح بسطوة الميليشيات والأحزاب الطائفية على الحياة العامة في العراق.. وتمادي الأمر باتجاه بات يتهدد لا حاضر البلاد والعباد بل ومستقبل وجوده وهويته الوطنية كاملة..

وعليه فإنَّ ما ينتظر القوى الوطنية المخلصة جميعا والعقل العراقي المتمثل بمثقفيه وتكنوقراطه ومخططيه من المفكرين الاقتصاديين والسياسيين الأكاديميين، هو أن يُدلوا بدلوهم المؤثر وأن يتقدموا لتحمل مهامهم ومسؤولياتهم المؤملة فمن دونهم لايمكن أن نستمر في الاحتكام إلى شخوص طارئين باتوا يتحكمون بالفعل بكل مفاصل إدارة الدولة..

فإذا نظرت إلى أحدهم فلن تجد فيه لا الخبرة السياسية الدبلوماسية لرجل الدولة بل ولا حتى تمكنه من تجميع جملة مفيدة على أخرى بطريقة يستسيغها عقل صحيح.. ورجال الدولة ما زالوا في أعلى مستوياتهم يطلقون التصريحات من منطلق حزبي ضيق ليس محبة في أحزابهم ولا مجرد خضوع لفلسفاتها المرضية بل لأنهم لا  يملكون خبرة رجل الدولة ولا يعرفون الفرق بين الأداء السياسي الحزبي والأداء الحكومي للموظف العام وما تفرضه عليه بروتوكولات رجال الدولة وتقاليد أنشطتعم وأعمالهم...

وشخوص كأولئك باتت المرجعيات الحزبية العليا المتحكمة بدفة الأمور تدرك الحراجة في الإبقاء عليه وضعا صارت الجماهير تبدي امتعاضها ورفضها له حتى أنها استقبلت أعلى تلك الزعامات بالتظاهرات الاستنكارية الرافضة كما جرى في الكاظمية وكربلاء والبصرة معاقل بعض الأحزاب الطائفية كما تدعي! وفي محاولة تكتيكية جرى الحديث عن عجالة تشكيل الوزارة ونتذكر جميعا أنها أخذت من الوقت مأخذها فضلا عن أمور أخرى ليس موضع التعليق عليها هنا.. وجرى الحديث التسكيني عن قرب التغيير الوزاري وهذا القرب مضى عليه أشهر حتى لحظة كتابة هذه الأسطر..

ولكن السؤال أين استراتيج العمل لدى هذا الزعيم السياسي أو ذاك؟ ولماذا لا نسمع ولا نقرأ برنامجا حزبيا أو حكوميا محددا يجري العمل في ضوئه وتتم متابعته تنفيذيا وإجرائيا؟ إن القضية المركزية في بلادنا تكمن في نقلنا من الدكتاتورية إلى دولة المؤسسات الديموقراطية وإلى زمن يُرفع فيه الحيف عن أهلنا فماذا حلّ بديلا عن الدكتاتورية المزاحة؟

بلى تمَّ إزاحة الطاغية.. وبلى جرت محاكمته وإنزال القصاص فيه ولكن الحقيقة أننا لم نشهد إزاحة أبعد من هدم التمثال الصنم وأبعد من عملية ثأرية انتقامية حُصِرت في جريمة الدجيل فيما يجب أن نقدم المجرمين في محكمة متكاملة ناضجة تعرّي المجرم وتدينه في جرائمه الكبرى بالتحديد في أكبر جريمتين وهما جريمتا الأنفال والمقابر الجماعية وما لحقهما من جرائم النظام في حروب التدمير وعمليات التطهير العرقي والقومي والطائفي والسياسي وهذا ما لم يجرِ بطريقة موضوعية صائبة كما هي معروفة تداعيات الأحداث الجارية..

إنَّ العقلية التي تحكم الوضع حاليا وهي عقلية العمل الحزبي الطائفي وروح الانتقام الفردي والعائلي والطائفي ولغة الثأر الإجرامية هي التي يمضي مدعومة بغطاء من الأحزاب السياسية الطائفية ومن ميليشياتها المتحكمة بالأمور.. وإذا ما استمرت الأوضاع بهذه المسيرة فإنَّ رصاصة الرحمة تكون غير ذات فائدة في حينها لأننا سنكون في حكم الضحية التي أجهزوا عليها وانتهوا منها بعد ممارسة ساديتهم كما حصل مع المعتقلين بأيدي أزلام الداخلية الطائفيين عندما جرى التمثيل بهم بعد حفلات تعذيب إجرامية تمَّ فضحها في حينها وشعبنا اليوم يخضع لعمليات تشويه وتعذيب وتقتيل حتى ينتهوا إلى هدف لا يمكن أن يقع لامن قريب ولا من بعيد في خانة الهوية العراقية .. وحينها لن يكون للعراق وجود!

إنَّ من مصلحة العراقيين اليوم جميعا بضمنهم أعضاء الأحزاب الطائفية المتحكمة مرضيا بعراقنا أن ينظموا أنفسهم في مؤسسات مجتمع مدني سليمة صحيحة في هويتها وفي رؤاها وأن يجمعوا على رؤية استراتيجية مناسبة يلتقون عليها في هذه المرحلة الخطيرة ليجتازوها ولتأتي بعد ذلك الخطى التكتيكية والاستلاقلية لكل طرف  على وفق هويته المخصوصة أما اليوم فليس لنا من منجى من دون وحديتنا وتسامحنا ومصالحتنا بعد أن غرقنا في بحار الاقتتال الذي ما كان ليكون لولا فقدان الخطة الرئيسة الكبرى أو الاستراتيج المناسب وطنيا...

إنّ أغلب مجريات الواقع الراهن تكمن في خطوات تكتيكية تستجيب باستمرار للوقائع اليومية ولتفاصيل التضاغطات الإقليمية والدولية وللتوازنات القائمة في الميدان وهذه البراغماتية التي تميزت بها سياسة الحكومة إنما تعود لفقدان الفلسفة الجدية المسؤولة عن استهداف إعادة بناء الوطن المخرَّب واستبدال تلك الفلسفة بفلسفة الحزب الطائفي المنتصر وأحقيته في مغانم الانتصار حيث أمسى شعب العراق غنيمة سبية بكل معنى الكلمة..

كما أن حكومة من شخوص لم يخبروا يوما لغة العمل السياسي لا يمكنها أن تفكر على وفق استراتيجية صائبة أبعد من تحقيق مستهدفات مرضية جرى ويجري تسويقها بقوة السلاح ولغة التهديد والوعيد حتى عدنا أخيرا في مرحلة جديدة سافرة إلى اتهام كل من ينتقد آليات العمل القائمة والفساد المستشري والدموية والسادية السائدة في الشارع العراقي بأنه خائن من الإرهابيين التكفيريين على الرغم من تمسك هذا الناقد بجوهر العملية السايسية طريقا وحيدا للعراقيين... وهذه هي نفسها لغة الدكتاتور المخلوع ولكن هذه المرة بغطاء ديني يكفِّر التكفيريين!!!

أما الحركة الوطنية وقوى العقل العراقي الصحيح فما زالوا في ظرف ذاتي متعب أنهكته المطاردات البوليسية العاتية ولغة العنف الدموي الجديدة التي استباحته حتى قدم في مذبح التضحيات مئات بل ألوفا من خيرة العلماء والمفكرين والساسة والاقتصاديين وغيرهم من ممثلي العقل العراقي. وفي مثل هذا الظرف وتحت وقع سنابكه  يراد لهذا العقل أن يكون فاعلا وليس له إلا أن يواصل في الحقيقة عطاءه بتوحيد الجهود وإعلان مسيرة مؤسساتية تفعِّل العملية السلمية على أسس وطنية لا طائفية وعلى أسس للتوافق والتفاعل والمصالحة والتسامح والسلام الحقيقي ومن هنا فقط حيث عامل الكفاءة والإخلاص والوطنية وروح المواطنة والمساواة والإخاء في الوطن الموحد غير المقسم على أي من الأسس  سيكون الانتصار للعراق الجديد البديل لعراق كل الأمراض السابقة الراهنة..

بين ستراتيج البراغماتية التكتيكية المستجيبة للتوازنات الميدانية العنفية لحكومة المحاصصة واستراتيج الحركة الوطنية والعقل العراقي المتحضر المتمدن واد لا لقاء فيه ومخرجنا من الأزمة يكمن في وعي بالوضع الناشيء عن تلك الفلسفة المرضية وإلى أين قادتنا وإلى أين ستقودنا في حال استمرارها.. ولابد لنا من:

1.                                                                                      بناء تحالف وطني ديموقراطي علماني واسع يضم كل القوى المؤمنة بهذه الرؤية الاستراتيجية لبناء العراق البديل الديموقراطي الفديرالي الموحد...

2.                                                                                      تعزيز مسيرة سياسة التسامح والتصالح والوحدة الوطنية الشاملة بعيدا عن لغة الثأر والانتقام والدموية السادية...

3.                                                                                      الفرز بين كل من يقف مع العملية السياسية السلمية المبنية على أسس وطنية لا محاصصة طائفية منجهة وبين القوى الإرهابية التي تتابع جرائم الضرب في أبناء شعبنا الأبرياء.. واتخاذ الإجراءات الحاسمة الكفيلة بوقف العنف..

4.                                                                                      إعادة قراءة الدستور من منظور العقل العراقي البديل وهو العقل العلمي الموضوعي الرصين المستند لخبرائه من العقول الأكاديمية المتخصصة الحقة ولا يجوز العودة إلى التوافقات التكتيكية التي تكتب الدستور بلغة سياسية حزبية ضيقة أو دينية بحتة تصادر الآخر وتعيد دوامة إمراض البلاد والعباد..

5.                                                                                      قانون أحزاب يتم فيه تحريم الحزب الفاشي العنصري والأحزاب الدينية الطائفية في منهجها على أقل تقدير لمدى زمني أو لمرحلة مؤقتة يرافق ذلك قانون انتخابي وهيأة انتخابية على أسس موضوعية صائبة..

6.                                                                                      يجري تحريم كل شكل من اشكال التسلح والميليشيات الحزبية وغيرها وحل الموجودة وتأهيل عناصرها للعمل المدني لا العسكري... ويرافق ذلك خطة جدية مسؤولة لتشكيل الجيش الوطني والشرطة والمؤسسة الأمنية المخابراتية الكفوءة...

7.                                                                                      إطلاق عمليات البناء الاقتصادي الخدمي والركائزي فورا وتشغيل اليدي العاملة بكامل الطاقة مع توفير رواتب الإعانة والتقاعد الوافية...

8.                                                                                      مراجعة تشكيلات دوائر الدولة وتشكيل مراكز البحوث والتخطيط ومؤسسات المجتمع المدني على أسس وطنية يمتنع في المرحلة الراهنة قبول أية تشكيلات غير وطنية في تركيبتها...

9.                                                                                      تأليف حكومة وحدة وطنية حقة والبدء بتوفير الأرضية لانتخابات وطنية نزيهة عادلة لا تخضع لأية اعتبارات سبق أن تمّ تشخيصها في السنوات الأخيرة من مثل الخضوع لتأثيرات المرجعيات الدينية ولضغوط الميليشيات وسطوتها والمال السياسي ...إلخ

 

                                فقط في هذا الاستراتيج البديل يمكننا الحديث عن عراق يملك العراقيون فيه مصائرهم حقا ويحيون بعيدا عن لغة الموت الأسود الذي يستبيح يومياتهم ليس في بيوتهم بل حتى في غرف نوم أطفالهم..................