آراء وملاحظات

في

تطوير التعليم العالي والجامعة في العراق

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي*

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

2006/08/30

tayseer54@hotmail.com E-MAIL: 

 

[قمْ للمعلِّمِ وفِّهِ التبجيلا ـ كادَ المعلِّمُ أنْ يكونَ رسولا]

 

 

 

توطئة

 

 

 

 يشكّل التعليم العالي في أيّ بلد العصب الأكثر حيوية في منطلقات البحث والدراسة كتأسيس لعملية التخطيط الموضوعي العلمي ومقدمة لإعمار البلاد وتطورها. وتتمثل الفلسفة التي يختارها المجتمع منهجا موظفا في توجهات التعليم العالي وربطه بالمجتمع ربطا مباشرا يكون بخلافه ذاك المجتمع قد سجل تخلفه عن الركب العلمي والعصرنة والتحديث الراهنين عالميا...

 

ومن الطبيعي أنْ نجد في الجامعة العراقية الجديدة نضالا عنيداَ َ من أجل تثبيت خيار شعبنا الديموقراطي لمؤسساته كافة. أما لماذا النضال العنيد؟ فلأنَّ ما يدور خلف أسوار تلك المؤسسة التعليمية البحثية هو انعكاس تام للصراع الدائر في عموم المجتمع...

 

لقد انهار صنم المصادرة والاستلاب صنم الديكتاتورية الطاغية ومؤسسات دولته البوليسية.. ولكن هزيمة القوى التي ربّاها النظام القمعي لا تعدم الأرضية المتمثلة في بقاياه فضلا عن ذلك يسطو على عراقنا مدّ القوى المتطرفة التي صارت تحتجز الناس رهائن لديها لاخضاعهم لفلسفتهم ولأوامرهم ومستهدفاتهم. وأخطر مجريات الإرهاب حملته المسعورة التي استهدفت التعليم العالي بشخص العلماء والأساتذة الذين جرى تنفيذ عمليات الاغتيال فيهم بالمئات ما أشاع حالة من الإرهاب والتهديد الخطير للمسيرة العلمية في الجامعة العراقية.. ومن هنا كان واقع المؤسسة التعليمية العراقية اليوم قائما على حالة من الاضظراب وعدم الاستقرار.

 

وبعامة تحكم مسيرة العملية التعليمية البحثية جملة أمور في الظروف الطبيعية ولكن في ظروف كالتي تشهدها الساحة العراقية ينبغي التوقف أولا عند بعض المؤشرات قبل التوجه لمعالجات تطوير التعليم العالي ومنطق تقعيداته..

 

وأول الأمور التي ينبغي الحديث عنها هي سلامة أجواء الجامعات وقدسية حرمها فحيثما أُهين الحرم الجامعي واُختُرِق ظلت الأجواء رهينة عدم الاستقرار والقلق وامتناع الأداء العلمي الموضوعي فيها.. وأبرز حالات الاستهانة بالحرم الجامعي دخول عناصر الشغب والميليشيات المسلحة والمافيات والعصابات وعبثها بكل شيء داخل أسوار الجامعة وتحكمها في كل إجراء وقرار وفعالية..

 

ومن الطبيعي هنا التوكيد على مسألة ضمان أمن الأساتذة والعمل على قطع الطريق على تلك الحملة التي تستهدف حيوات العلماء العراقيين وفضح مرتكبيها وتقديمهم للعدالة فورا في أولوية تعمل على إنزال الجزاء العادل بكل من تسوّل له نفسه الدخول في مثل هذه المعركة المعادية للعقل العراقي والضرب بشدة على مرتكبي الجريمة بوصفها أكبر من جريمة اغتيال أو قتل لمواطن عراقي بل هي جريمة بحق المجتمع ككل..

 

أما الخطوة التالية فتكمن في التحول الحقيقي من زمن المصادرة والاستلاب الذي عانته الجامعة العراقية والتعليم العالي والبحث العلمي زمن الطاغية؛ بإشاعة الديموقراطية في الأجواء العلمية الجامعية ومنع أية حالة اعتداء على حريات البحث العلمي تحت أية حجج مزعومة كما في محاولات تكفير باحث أو مصادرة بحث أو فرض قرارات تتأسس على منهج فكري أو عقائدي شمولي من أيّ طيف كان..

 

إنَّ ديموقراطية التعليم تعني إشاعة فرص التعليم للجميع وضمانها بشكل متساوِ ِ وفسح المجال لفرص العمل التدريسي لمجموع الأساتذة والعلماء من دون تمييز أو تدخلات غير منطق الشروط الوظيفية العلمية المعروفة عالميا... ومن الطبيعي أن يكون دعم مجانية التعليم العالي ودعم فرص أبناء الفئات صاحبة الدخل المحدود في اكتساب العلم وحل المشكلات التي تعترض هذا الحق، أمرا جديا مهما في تحقيق ديموقراطية حقيقية في مجال التعليم العالي..

 

كما إنَّ  دبموقراطية حقيقية لابد أن تستند إلى السلام الاجتماعي أولا وإلى قدسية العلم والعمل واحترام الآخر والتمرّس على الإنصات لصوته والتفاعل إيجابياَ َ مع تنوع الرؤى في أجواء التسامح ووقف الانفعالية والتنافس السلبي والفئوية والعصبية لأنماطها التقليدية (كالعشائرية أو القبلية والعنصرية والطائفية) والمعاصِرة (كالروح الحزبي الضيق والشللية ومظاهر معاندة الذات وركوب مركب الجهل بالضد من نور الحقيقة الساطعة خضوعا لتلك النوازع السلبية!) وهذا ما يدخل في صميم مشروع تحرير التعليم من كل أشكال القسر والإكراه والاستلاب... 

 

 

 

ما الدور المؤمَّل من الأنتلجنسيا العراقية عامة ومؤسسة التعليم العالي العراقية (التكنوقراط) خاصة في دعم المسيرة؟

 

تتزايد مع الوقت الأهمية الملقاة على عاتق الأنتلجنسيا العراقية ومنهم بالتحديد الأكاديميون بخاصة ـ في الظرف الراهن ـ بوصفهم أصحاب العقل الذي سيُعنى بمعالجة المشكلات المعقدة على صعيد مستقبل الشخصية الوطنية وعلى صعيد وقف مهزلة الاستلاب والمصادرة التي مورست ردحا طويلا من الزمن بذرائع مختلقة مختلفة وفي معالجة مشكلات مسيرة الديموقراطية وقضاياها العقدية الجوهرية..

إنَّ من مهمات المعارف والعلوم وخطابهما اليوم، معالجة مباشرة فورية وسريعة لأوليات الإشكالات التي تجابهنا.. ولعلَّنا نستطيع ولوج تلك المعالجات عبر منافذ من نمط تكثيف العلاقة مع الجمهور [من قبل التكنوقراط والأساتذة عامة] وتفعيل تلك العلاقة بما يدير الخطاب بتواصل من غير انقطاع من جهة التتابع الزمني، بحسب كثافة الفعاليات؛ وعبر لغة موضوعية مناسبة تصل ذهن جمهور الثقافة والمعرفة والعلم  بل أوسع جمهور ممكن وتؤثر فيه وتثبت في الذهن بتوظيف الآليات المناسبة لتحقيق تلك النتيجة..

 

وعلينا كذلك التأسيس لعلاقة جدية مسؤولة بين الجامعة والتعليم العالي والبحث العلمي وبين مؤسسات المجتمع المدني وشركات ومؤسسات البناء وإعادة الإعمار والعمل العام بأشكاله... وتلك مهمة حيوية ينبغي أنْ يدركها المثقف والمتخصص الأكاديمي ولابد لهما هنا من تذكر ما للغة التفكير البياني لا البرهاني من سلطة على العقل البشري وعلى وعينا الجمعي في العراق في المرحلة الراهنة!؟ ما يؤهل لتوظيف الإبداع الأدبي والخطاب الثقافي المجاور للتعليم العالي والبحث العلمي في مهمة تعزيز ما نؤسس له من حياة متنورة جديدة وهذه إشارة مخصوصة بخطاب الإبداع الأدبي منه بوجه التحديد من دون إلغاء أو تقليل من شأن خطاب النقد والمعرفة العلمية وبقية الخطابات المعرفية المتنوعة الغنية...

 

وبخلاف ذلك فإنَّ السبق سيكون لخطاب الجهالة والظلامية التي تسطو على الذهن البشري بسرعة كبيرة فتلتهم بنيانه وتلفه بظلام وبطقوسية لا يمكن شفاؤه منها بعد عقود من البناء.. فالتخريب شدَّما يكون سريعا سهلا في آليات أدائه.. فيما البناء تعظم أمور معالجة أركانه وتفاصيله وحاجاته،  بخاصة بناء الروح.

 

 

ويتحمل أكاديميونا اليوم مسؤولية تاريخية بمواجهة مثل هكذا قضايا وأوضاع معقدة شائكة. حيث تكمن مهماتنا في البدء بتركيز الجهود التي تنادت هنا وهناك. وتطوير الأنشطة الفردية إلى فعاليات جمعية والتحول النوعي بها وذلك عبر توحيد جدي وحقيقي يصبّ في حملة دولية متكاملة محدَّدة المسار والخطوات ويتقاسم أكاديميونا عبر مراكز البحث العلمي المتخصصة وعبر مسارات الجامعات وتوجيه خططها العلمية لتطابق حاجات المجتمع العراقي وتطلعاته.. وفي هذا الإطار يمكن أنْ نقرأ مهام عامة أخرى بوصفها من أولويات عملنا الحالي:ــ

 

   *      عقد مؤتمرات البحث العلمي بخاصة مؤتمر وطني شامل للتعليم العالي لاعتماد ستراتيجية تتعمد بقراءات الباحثين والأكاديميين العراقيين ومداولاتهم ومناقشاتهم المطلوبة...     

 

  *        عدم التوقف عند حدود استنكار الجرائم المرتكبة بحق التعليم العالي من مثل حرق المكتبات ودور التوثيق الوطنية ونهبها بل بردّ يقوم به مثقفونا وأكاديميونا بمخاطبة مبرمجة وبحملة وطنية ودولية منظمة وذلك عبر عقد الصلات مع المكتبات العالمية المعروفة وكذلك أية مساهمة كانت بالتبرع لمكتبات العراق الأساسية ومكتبات الجامعات والكليات وبالاتصال بالدوريات العلمية في الجامعات التي نحن على صلة بها لكي تنظّم دعما عينيا وماليا سنويا على أقل تقدير على مدى السنتين القادمتين.. وينبغي تعبئة الرأي العام العراقي بإقامة الصلات الوثقى بينه وبين المؤسسات المنهوبة بغية توفير أرضية جدية مناسبة وقاعدة للدفاع الوطني عن تراثنا بتوضيح أهمية هذا الفعل الخطير وعلاقته بحياتنا المعاصرة وبمستقبلنا..

 

  *       القيام باحتفاليات الثقافة والمعرفة في مختلف المدن والجامعات التي تحتضنها المحافظات العراقية وتوسيع أرضية المشاركة الجماهيرية والتفاعل بين الإنسان البسيط والآخر المنتمي للنخبة الوطنية الأكاديمية ومثل ذلك إقامتها على مستوى بلدان المهجر ومدنه مع دعوة الوفود الأكاديمية والعلمية من الداخل لتقديم البحوث والمشاركات في المحافل الدولية وذلك عبر عقد الصلات المناسبة لتنفيذ هذا النشاط الذي يحظى بأهمية للتفاعل والتلاقح بين الثقافات والمؤتمرات العلمية..

 

*      ومن البدهي أنْ نرى أهمية المعارف والعلوم في صياغة مشروعنا العراقي الوطني الحضاري وخطورة تأثيره على كل الخطابات الوطنية بخاصة منها السياسية التي بدت اليوم أكثر ارتباكا أمام مشهد التغييرات الجذرية المزلزلة للكيان بمكوناته كافة بمعنى العمل الفاعل من أجل صياغة الهوية الوطنية لأمة عراقية تتشكل بعد مخاض طويل وولادة  متعسرة مخصوصة في مشكلاتها وعنف ما أصابت به مجتمعنا بسبب تلك الظروف الصعبة والمعقدة التي أحاطت بتلك التغييرات..

 

 

 

 

لوائح التعليم العالي العراقية.. بين تأسيس ماضوي وتحديث مستقبلي؟

 

 

لقد سُنَّت لوائح الجامعة العراقية والتعليم العالي في ظروف التوازنات التي خضعت لسطوة دكتاتورية الدولة والحكّام الذين عادة ما كانوا من جهلاء القوم أي من معاديّ العلم وأهله. فكانوا يتعمدون استيزار [جَهلة] لا ترقى شهاداتهم  أو خبراتهم لما يؤهل لإدارة مراكز البحث والجامعات والأكاديميات التي احتضنت خيرة علماء القرن المنصرم..

 

وسيكون من غير المعقول أنْ تستمر تلك اللوائح والقوانين التي سنَّها زمن الاستلاب والقسر والإكراه، زمن التخلف ومعاداة العلم وأهله. وليس من الصحيح ولا من الصحي الصائب أنْ نتعامل على وفق منطق ما سنَّه أزلام الظلمة والتضليل تحت يافطات احترام روح وطني أو قومي [مزيف]  أو قدسية روح ديني أو اعتقادي [مدَّعاة مزعومة]. فكل شيء اليوم متاح لأكاديميينا لكي يراجعوه ويُعمِلوا عقولهم النيِّرة لتغييره بكنس ضلالات الماضي المهزوم..

 

لقد نهض الأستاذ والأكاديمي العراقي بمهماته في افتتاح مشروعات مراكز البحث والأكاديميات والجامعات الأهلية التي تستخدم طريقة التعليم المفتوح والتعليم الألكتروني أو التعليم عن بُعد بتوظيف آليات التعليم الحديثة فيما بقينا نسمع بسلطة لوائح التعليم التقليدي بوسائله التقليدية الثابتة التي تكلست وتجمدت وتشوّهت بسياسات ماضوية وهي ذاتها اللوائح التي تقمع جهودا عظيمة لعلمائنا في الوطن والمهجر جهودا يجري بوساطتها إعمار جامعات وأكاديميات عراقية مهمة تمثل واحدا من علامات بلادنا البارزة اليوم وراية وسفارة معرفية حضارية وبوابة للخير والبناء لا يجوز بحال من الأحوال تغافلها أو إهمالها أو إخضاعها للوائح الخطيرة التي تركها الطاغية محفورة بإمضائه وإمضاء نظامه المتخلف..

 

ومن هنا وجب على مؤسسة التعليم العالي العراقية من مراكز بحثية ومعاهد علمية وجامعات أنْ تنهض بمهمة تنظيف أجوائها تماما وكتابة لوائحها الإدارية والأكاديمية بما يخدم مسيرة العلم وأهله ويصبّ في مصالح إعادة بناء الروح العراقي الوطني ويفتح آفاق التعليم العالي والبحث العلمي على أوسع مصاريع بواباته بلا تضييق وبلا تشويه وبلا مصادرة لحرية البحث ولحرية اكتساب نور العلم لبناء البلاد وقبلها نقاهة العباد وصحتهم المعرفية الروحية..

 

وما يُنتظر أنْ يحصل هو فسح المجال لتغيير تلك اللوائح التقليدية بما يتيح معالجة التشوهات في تلك اللوائح وما يتيح تحديثها وتطويرها وتقويمها فضلا عن فتح فرص الإفادة الأوسع من أساليب التعليم الحديثة سواء منها التعليم المفتوح أم التعليم الألكتروني بما يؤدي إلى أفضل نتائج المردود من تلك الأساليب المتطورة الحديثة..

 

 

 

 

شؤون أخرى للتعليم العالي والجامعات العراقية بحاجة لمناقشة وتعديل

 

كما يمكن هنا أن نضيف عددا من المحاور التي ينبغي معالجتها وتقويم مسارها وهي محاور تخص مشكلات الجامعة العراقية اليوم وأسئلة حاضر التعليم ومستقبله ونوجز تلك المحاور في نقاط  بغاية الإفادة منها في تصحيح مسار التعليم العالي في العراق..

 

 

المحور الأول ينصبَّ على منع أيّ شكل من أشكال المصادرة الحزبية والمطاردة والتضييق وما شابه... وطبعا هذا في إشارة إلى التدخلات من قوى مسلحة ومن جهات حزبية بعينها تمتلك تلك العناصر المسلحة!

 

المحور الثاني أشير فيه إلى ما تركه النظام القمعي من تخريب في البنية الأساس للجامعة فالركائز في حال بائس ما يتطلب إعادة ترميم الأبنية القديمة وتأهيلها وبناء الجديد ومن ذلك الاهتمام بالمختبرات والقاعات التخصصية والأدوات اللازمة ومن أخطرها أجهزة الكومبيوتر التي تُعدّ عماد الجامعة الحديثة...

 

المحور الثالث يتعلق في اهتمام الجامعة بتفعيل استخدام الكومبيوتر والعمل على تأهيل كوادرها وطلبتها على التعامل معه بأفضل الإمكانات المتاحة فضلا عن محاولة تجاوز حالة العدم التي وصلت في الإرث الذي أخذته الجامعة العراقية بعد انهيار النظام السابق ولكنها اليوم تحث الخطى من أجل جذب أفضل المصادر والكوادر إليها إلى جانب ما أوجدته في السنوات القليلة الماضية في ظروف معروفة..

 

المحور الرابع يتعلق بمعالجة مشكلة المصادر والمراجع العلمية الحديثة والثغرة الخطيرة التي تركتها السنوات العجاف لزمن الطاغية وقطعه الصلة بالمحيط الإقليمي والدولي في مجال الحصول على المصادر المناسبة للجامعة ومراكزها البحثية..

 

المحور الخامس يتمثل في تشجيع جدي مميز لمسيرة البعثات الدراسية والتفاعل مع المنجز العلمي الحضاري العالمي .

 

المحور السادس يصب في مسألة  الاهتمام المناسب بعقد المؤتمرات العلمية بحرية تامة في ضوء تنقية الجو الجامعي من مشكلات تحزيبها ومصادرتها كما كان يحصل في العهد السابق.. والحكومة ملزمة بتقديم الدعم الجدي المناسب لكون الجامعة تظل الممثلة للعقل المدبِّر للمجتمع ولكونها الأداة لا للتخطيط حسب بل لمسيرة إعمار البلاد.. وينبغي للدعم أن يحظى بتخصيصات مالية كافية في مختلف المجالات المارة الذكر من البعثات والمؤتمرات العلمية ومراكز البحث العلمي وما تحتاجه من تفاصيل لأنشطتها...

 

وفي المحور السابع توكيد على أهمية التعاطي مع التبادلات الدولية في المؤتمرات وفي الاتفاقات التي تعقد مع الجامعات الأخرى..

 

المحور الثامن: استقلالية عمل الجامعات العلمي ومنح مجالسها الأكاديمية صلاحيات كافية في معالجة شؤونها وعلاقاتها..

 

المحور التاسع يتضمن موضوعة الاهتمام بالمحاضرة الجامعية ونوعيتها وتطوير مصادرها والأدوات المتوافرة لها تقنيا من جهة جوانب التوضيح العلمي والشروح والتفسيرات والتطبيقات المناسبة.. مع توفير الحيادية ومنع الانحياز الفئوي أو الحزبي الضيق ووضعه سيفا على عنق الحقيقة وعلى حساب موضوعية المحاضرة..

 

المحور العاشر ينصب على مسألة تطوير كفاءة الأساتذة وإمكاناتهم العلمية وتدريبهم على أحدث الطرق المتاحة عالميا في أداء المهام الموكولة إليهم... وفي الإطار لابد من التوكيد على احترام مكانة الأساتذة ومنازلهم السامية في الحياة العامة.. والعمل على المحافظة على الأساتذة الموجودين مع دعوة وجذب الأساتذة المهجريين أو الاستفادة من جهودهم بطرق متنوعة.. وعليه فمن الواجب التأسيس للجنة وطنية عراقية تضع الخطط المناسبة لإحصاء شامل لتلك الكفاءات عبر دعوة العراقيين للاتصال بتلك اللجنة بالخصوص ومن ثمَّ تضع برامج مناسبة لأشكال التعاطي مع عودة مؤقتة قصيرة المدى وأخرى متوسطة المدى وغيرها تامة نهائية. وهي أشكال تتكامل في الظرف الراهن والغرض منها الاستجابة للحاجات الآنية والمتوسطة من جهة وللإمكانات الحقيقية المتوافرة اليوم لاستيعاب عودة تلك الطاقات بما تفترضه من متطلبات وحاجات إنسانية طبيعية.. وبعامة فإنَّ هذا لن يتأتى من دون توفير الحاجات الحياتية وتأمينها لمجموع العلماء والأساتذة ورعايتهم رعاية شاملة داخل الوطن وخارجه...

 

المحور الحادي عشر: تعزيز الاهتمام بالبحوث العلمية لمزيد من تطوير كفاءة الأساتذة والعودة على المجتمع بفوائد جمة من هذا التطوير وتفعيل الاستخدامات والتوظيفات المناسبة بهذا الشأن.. وبالمرة لابد من الاهتمام بالمراكز البحثية ومنحها التخصيصات اللازمة التي تتيح لها إمكانات العمل المفتوح على أوسع مجالاته..

 

المحور الثاني عشر العمل على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بخاصة في الإدارات العلمية الجامعية وفي مراكز البحوث وإدارات وزارة التعليم العالي وتطوير الكفاءات الإدارية وخطط العمل الإداري الموضوعية الجديدة.. مع منع روح الشللية والمحسوبية في التعاطي مع ظاهرة التوظيف لصالح حزب أو مجموعة أو ما شابه.. وتطهير الجامعات من أصحاب الشهادات المزورة ومن الكوادر الهزيلة والضعيفة وتعزيزها بالكوادر العلمية الرصينة..

 

فيما سجّل المحور الثالث عشر معالجة مسألة المناهج الجامعية وتصحيح كل ما ينبغي تقويمه في زمن الحريات.. ومن ذلك إحداث تغييرات جذرية في المنهج ولابد من التشديد هنا على أنَّ تحديث المناهج يأتي من طريقين الأول منع الأدلجة وسيطرة الحزبية الضيقة وفسلفتها في المصادرة السياسية وفي عرقلة العلوم ومسيرتها.. والآخر يأتي من مواكبة الحداثة العلمية والمعرفية.. زمن ذلك ما يختص بآليات اشتغال المنهج وآليات التعليم لدينا والابتعاد على سبيل المثال عن لغة الإملاء والتلقين المتكلسة الماضوية وتشجيع تفعيل منطق البحث والتقصي والاستقراء والاستنتاج ما سيشكل عاملا جديا في معالجة عدد من الثغرات التي يمكن أن نضيف إليها مسائل تتعلق بشؤون تربوية سلوكية يلزم فتح قنواتها بشكل غير مباشر كما في إدخال نصوص الأدب والفن التي تنمِّي الذائقة الجمالية وتعمِّق الوعي بالبيئة المحيطة وأهمية العناية بها من جهة تأثيرها في حيواتنا حاضرا ومستقبلا فضلا عن توكيدها على قيم الغنى الروحي السليم وعلى تهدئة انفعالات الفرد المُحاط بتنشئة عنفية خطيرة حصلت وما زالت بأصابع مختلفة..

 

 

وهناك أمور عديدة غير أمور السلوكيات والممارسات الإنسانية اليومية من مثل آلية تشغيل العقل الفتي والشبابي الجديد ومنطقه وتعاطيه مع مفردات زمن مختلف نوعيا في انقلاب حقيقي باتجاه قيم السلم والديموقراطية والتسامح والمساواة والإخاء ولغة التحرر والانعتاق والحريات العامة وحقوق الإنسان والتفاعل الإيجابي البناء بين أفراد المجتمع بفلسفة الحوار والتعاضد والعمل المؤسساتي الجمعي ومنع النوازع الفردية المرضية المتعارضة مع مسيرة دستورية ديموقراطية فديرالية جديدة تماما على حياتنا العراقية.. وهو المستهدف النهائي من وراء أشكال التطوير والمعالجة في مختلف المجالات والشؤون ومنها ما انصب هنا في قراءتنا لأوضاع التعليم العالي ومعالجاتها...

 

* الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك سابقا

مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا

البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ولجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر

 

 أكاديمي وناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

* المادة منشورة في مجلة الثقافة الجديدة العدد 329