سومريات
يكتبها:
 الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

2007/07/01

أستاذ الأدب المسرحي

tayseer54@hotmail.com E-MAIL: 

 

المسرحية العراقية: شؤون وشجون

[1]

يشكل الركح المسرحي ميدان الحياة الإنسانية بتلوناتها وتنوعاتها؛ والمسرح بهذه الأرضية يمثل صرح الثقافة البشرية والخلاصة الفلسفية الفنية لمسيرة التمدن والتحضر.. فالمسرح وليد مجتمع المدينة، مجتمع تقسيم العمل، مجتمع تطور الوعي الإنساني ورقيِّه وهو المعبر الجمالي ببنيته الخاصة عن تلك التغيرات العميقة في مسيرة التعبير الإنساني عن رغباته وتطلعاته وأحلامه...

ولأنَّ أول ولادة لدولة المدينة كانت في أرض سومر وحضارتها، فقد كانت ولادة المسرحية هنا حيث شيدت المسارح الأولى وتمَّت كتابة النصوص التي مثلت البذرة المرهصة للمسرح العالمي. ولكن، من شجون الزمن ضعف الدراسات السومرية حتى أنّ المركز العالمي للدراسات السومرية المنتظر ما زال يحبو بعيدا عن أيّ شكل للدعم لانطلاق دراساته الجدية المؤملة..

ولأنَّ العراق الوسيط كان يخضع لعتمة تراجعت به لأزمنة الكهوف والبوادي فقد افتقد طويلا للتعبير المسرحي ولم يكن ممكنا ولا متاحا لأي شكل للتعبير والإبداع أن يوجد في ظلال تلك المرحلة من الحياة في العراق الوسيط، حتى جاءت النواتات الأوَل لنهضته الحديثة..

ففي منتصف القرن التاسع عشر كانت أجواء الحراك الاجتماعي قد بدأت أولى خطواتها، وإن بطريقة بطيئة متثاقلة بسبب من طول زمن السبات وطبيعة الحكم التي سادت على المستويين المؤسساتي الدولتي والاجتماعي العام بما تحكَّمت فيه من تقاليد مرضية مفروضة قسرا.. ويوم بدأت أولى لمسات التفاعل مع فن التعبير الدرامي المسرحي عبر أنشطة تنويرية معروفة، كانت ولادة فن التعبير المسرحي المعاصر...

أما أول النصوص فكانت بلغاتها الأصل "الأجنبية" كالفرنسية والأنجليزية وغيرها؛ ثم صرنا نترجم للغات المحلية وكانت العربية متأخرة في ما تمَّ الترجمة إليه من اللغات المحلية في العراق، إذ سبقتها السريانية في هذا الأمر.. ولابد لنا هنا من الاعتراف بما لتلك المسيرة من أهمية تأسيسية ومن إطلاقها شرارة البدء للكتابة بآليات التعبير الجمالي للبنية الدرامية..

ومن المفيد هنا أن نشير إلى أنه كانت كتابات ليست قليلة قد أنجزت ولم تصلنا مثلما وصلت النصوص الأولى للمسرحية العراقية وسنلاحظ ذلك عبر قراءة فهرس المسرحية العراقية، إذ أنه ليس من المنطق أن نقول: إنَّ المسرحية الأولى وُلِدت هكذا فكانت موثَّقة مسجلة ووصلتنا من دون مقدمات ومحاولات أخرى غيرها.. وحتى هذه المسرحية وهي مسرحية "لطيف وخوشابا 1892" قد جرى فيها سجال طويل وحتى زمن متأخر، فأشارت أغلب تلك الكتابات التي وصلتنا إلى أنها ليست إلا مسرحية مترجمة...

وكان سرّ الحديث عن تلك المسرحية كونها مترجمة أو في أفضل الأحوال مقتبسة بأغلب مادتها وكل تفاصيل بنيتها، يعود إلى تناقل التوصيف من كاتب لآخر ومن أبرز وآخر من كتب في الأمر كل من الأستاذين علي الزبيدي وعمر الطالب في كتابيهما بالعنوان ذاته "المسرحية العربية في العراق" وفيهما أكدا على كون "لطيف وخوشابا" هي مسرحية مترجمة، وكرر آخرون ما قالاه بالخصوص...

وحتى نأتي للتفصيل بشأن هذه المسرحية التي تمثل منطلق الأعمال الدرامية العراقية، ينبغي أن نشير إلى أن مسرحنا العراقي لم يولد في محيط سهل يتقبله.. إذ كانت طبيعة التقاليد السائدة تحظر التمثيل بل الفنون عامة وتسخر منه في حين وتقمعه في أحيان أخرى. ولهذا مثَّل المسرح ثورة اجتماعية فكرية مرادفا فعاليات التجديد في فنون التعبير الأخرى كما في الشعر العراقي...

وتحمَّل المسرحيون الأوائل متاعب ومطاردات ومحاصرة وأعمال همجية وصلت حدّ التصفية الجسدية. وفوق هذا وذاك كان المبدع العراقي يقبع خلف عتمة منعت عنه الكتاب وصلات التثاقف واكتساب المعارف؛ إلا أن ذلك كان مترافقا مع الشرارات الأوَل لنهضة المجتمع العراقي من سباته..

ومن الطبيعي في ظل توافر فرص السفر والاتصال بالآخر العربي والأوروبي ممثلين في الأعمال المسرحية بسوريا ولبنان  ومصر وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا كان للآباء الدومنيكان ولعدد من أبناء الطيف العراقي المسيحي واليهودي أدوارهم الريادية المعروفة والموثقة في التاريخ المسرحي.. ولم يكن هذا إلا خطوة من أخرى تاليات نهض بها العراقيون بأطيافهم جميعها في كتابة النص الدرامي...

وقبل الدخول في صلب بدايات المسرحية العراقية الجدية نشير إلى أنه من الطبيعي وجود نشاط لها بين جدران بعض الملاهي الليلية وأماكن الاسترخاء والتسلية؛ حيث نمت أعمال تمثل طبيعة تلك الأماكن والمنتديات وتلائم طبيعة جمهورها والعاملين فيها. وقد كان لمثل هذه الأنشطة نتائج بوجهين أحدهما سلبي يتعلق بوصم الفنان المسرحي بكونه ابن النوادي الليلية الرخيصة وما كان يجرّه هذا التوصيف من متاعب وأوصاب ومعرقلات، وآخر إيجابي عبر مراكمة الخبرات في الأداء وفي الكتابة ورصيدها البنيوي الجمالي والمضموني...

لقد صرنا نقرأ ونستمع للقصيدة المتحررة بمضامينها وصار أديبنا ينظر ببواكير وعيه إلى طبيعة الصراعات الجارية ومنحاها والمتغيرات في البنية الاجتماعية بظهور طبقات جديدة من الشغيلة ومن الفئات المثقفة فضلا عن الاطلاع على النظريات التي شكلت وعي الإنسان المعاصر من مثل ما جاء به ماركس وفرويد وداروين وفريزر في الاقتصاد والسيكولوجيا والبايولوجيا والأنثروبولوجي..

إنَّ كلَّ ذلك كان المقدمة التي أوقدت شعلة التحرر من اسار الأشكال التقليدية في الكتابة.. وسنجد أول ثورة في مجال الشعر لاحقا بعد تركمات إيجابية وافية عندما تنطلق قصيدة التفعيلة والشعر الحر من هنا من أرض الشعر والأدب والفنون. أما في مجال الكتابة الجديدة في مجالات السرد فتنطلق القصة بألوانها وتلحق بها بُعيد عقود قليلة الرواية العراقية.. ومن بين كتّاب فنون القول المتنوعة ومن رديفهم في إبداع النص الجديد تبزغ أولى خيوط فجر المسرحية العراقية...

لقد كُتِبت عشرات بل مئات النصوص منذ ولادة أول نص مسرحي عراقي في نهايات القرن التاسع عشر. واحتفظ إرشيف المكتبة المسرحية العراقية بعديد من تلك النتاجات؛ على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت به غب حرب مارس إبريل 2003 وانفلات الأوضاع وحرائق بغداد وأعمال السلب والنهب والاعتداءات التصفوية التدميرية التي تعرضت لها المكتبات ومؤسسات الثقافة والفنون من أصابع مرضية دخيلة كما حصل في حرق المكتبة الوطنية ومكتبة التوثيق المسرحي في مؤسسة السينما والمسرح وغيرهما...

إنَّ أبرز تلك الأعمال تمثلت في نمطين مسرحيين هما المسرحية التاريخية لما لها من دور في استعادة مجد التاريخ وزهوه والمسرحية الاجتماعية التي تمَّ توظيفها للتعاطي مع القيم الأخلاقية ومعالجة المشكلات التي عانى منها المجتمع بقيوده وتقاليده البالية التي تعرض لها المسرح العراقي بكل جرأة وروح تنويري.. وهنا ثبت بفهرس تلك المسرحيات التاريخية والاجتماعية:

فهرس المسرحية التاريخية في مرحلة النشأة

ت

اسم المسرحية

اسم المؤلّف

عام الصدور

01

يوسف الحسن

حنا حبشي

1883

02

نبوخذ نصر

الخوري هرمز تورسو المارديني

1889

03

خراب بابل

الخوري أنطوان زيوني

1908

04

الأميران الشهيدان

المطران جرجيس قندلا

1910

05

النعمان بن المنذر

محمد مهدي البصير

1919

06

دولة الدخلاء

محمد مهدي البصير

1924

07

فتح مصر

يحيى ق

1924

08

مشاهد الفضيلة

سليمان الصائغ

1931

09

الزباء

سليمان الصائغ

1933

10

الأمير الحمداني

سليمان الصائغ

1933

11

الحسين (مسرحية شعرية)

محمد الرضا شرف الدين

1933

12

القادسية

يحيى ق

1935

13

فتح الشام

يحيى ق

1936

14

شهامة العرب

نسيم حلول

1938

15

صقر قريش

عبدالله حلمي إبراهيم

1939

16

عودة سمير أميس

عبداللطيف الشهابي

1939

                                       

      أما  النمط الرئيس الثاني فهي المسرحية الاجتماعية ومنها يبرز موضوعان أولهما يتعلق بالقضية السياسية المباشرة والمتعلقة بالثورة الوطنية والقومية ضد الأتراك وضد الاستعمار الجديد أما الموضوعة الثانية فتتعلق بهموم الشباب وطموحاتهم والمشاكل العائلية من علاقات وظروف محيطة بها.

وهذه المسرحيات هي:ــ

فهرس المسرحية الاجتماعية في مرحلة النشأة

 

ت

اسم المسرحية

اسم المؤلّف

التاريخ

01

لطيف وخوشابا

نعوم فتح الله السحار

1892([1])

02

استشهاد نرسيس

سليم حسون

1904

03

شعّو

سليم حسون

1905

04

البرئ المقتول

حنا رسام

1911

05

الفتاة العراقية

نديم الإطرقجي

1925

06

الصرّاف أبو روبين

نوري ثابت (حبزبوز)

1927

07

الإخلاص والخيانة

سلمان يعقوب

1927

08

القرط الذهبي

حنا رسام

1929

09

إحدوثة الباميا

حنا رسام

1930

10

وحيدة

علوان أبوشرارة (الشابندر)

1930

11

الجندي الباسل

جميل رمزي القطان

1931

12

العائلة المنكوبة

نديم الإطرقجي

1932

13

عاقبة الطيش

إبراهيم حقي محمد

1932

14

مثلنا الأعلى

عبدالمجيد عباس

1934

15

آباء السوء

نعيم إلياهو

1934 (4)

16

ضحية العفاف

جميل رمزي القطان

1934

17

جميل صدقي الزهاوي

حسين الظريفي

1934

18

قيس ولبنى (شعرية)

خضر الطائي

1934

19

أفندي من كذب

نديم الإطرقجي

1935

20

طعنة في القلب

سليم بطي

1936

21

الأقدار

سليم بطي

1936

22

فلسطين المجاهدة

حنا رسام

1936

23

الاعتراف

نديم الإطرقجي

1938

24

تقريع الضمير

سليم بطي

1938

25

أنا الجندي

عبدالله حلمي إبراهيم

1938

26

كاترين

صفاء مصطفى

1938

27

مسرحيتان

رسول عبدالوهاب العسكري

1939

28

التضحية

إلياهو خضوري

1939

29

الكشاف

محمود لطفي

1939

30

غرام الفارس

محمد طاهر توفيق

1939

31

ضحايا اليوم

سليم بطي

1939

 

 

* حقوق النشر محفوظة للكاتب                                                 وموقع المجلس العراقي للثقافة

 

 

 

    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



3 ـ  مسرحية لطيف وخوشابا أول نص درامي محلي تقع عليه يد الباحثين ولهذا فقد عدّ تاريخ الولادة للدراما العراقية على الرغم مما دار بصدده من مناقشات وآراء مختلفة.

4 ـ   المسرحيات (30,24,16,15) وجدناها في أماكن متفرقة وتتوزع الأصول والصور المستنسخة بين عدد من المكتبات الشخصية.