الاعتداءات الإيرانية التركية على العراق

المسؤولية الإنسانية والقانونية للأطراف المعنية محليا ودوليا

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

27آب2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

 

 

تتفاعل الأحداث المتنامية توترا وعنفا مع اللقاءات الرسمية التي جرت مؤخرا بين كل من دولة رئيس الوزراء العراقي والمسؤولين في الجارتين تركيا وإيران.. وقد تواردت الأنباء مجددا بتصاعد أشكال القصف من قوات البلدين الجارين للمناطق الحدودية العراقية. ليمثل تكرار مثل هذه الأعمال المسلحة والاعتداءات على الأراضي العراقية بكل تلك الكثافة في ظرف الأسابيع الأخيرة، المزيد من الخراب والمزيد من الضحايا... ما يستدعي أنْ نشدِّد سويا على إدانة هذه الجرائم النكراء من الاعتداءات الهمجية التي طاولت القرى والمدن وسكانها الأبرياء حتى في العمق الأبعد من التخوم الحدودية.. مطالبين بالوقف الفوري وعدم العودة إلى مثل هذه الأعمال مجددا...

وإذ نطالب الحكومة العراقية وخارجيتها أن تبدأ إجراءاتها الدبلوماسية للكشف عما يجري من وقائع حربية من طرفي كل من إيران وتركيا؛ نستذكر أهمية توحيد جهودنا الشعبية والرسمية على المستوى الوطني وبجميع الأطياف العراقية للتصدي لأية خروقات خارجية وأيا كانت خلفية نشاط قيادة الحكومة العراقية يبقى علينا الحشد للتوجه الموحد واتخاذ الفعاليات اللازمة لرؤية عراقية مشتركة موحدة تنهض بمهام وقف التداعيات السلبية الخطيرة بحق المواطنين وممتلكاتهم في المدن المتعرضة لأشكال القصف والعدوان مع النظر بعين الانتباه للمواقف الخاطئة هنا من اي طرف حكومي رسمي أو حزبي مدني...

وهكذا سيكون من المهم تفعيل المطالبة بألا تكتفي الخارجية العراقية والخطاب الرسمي للحكومة بالإدانة التي لم ترد حتى اللحظة [وهي من أبسط الأعراف والمسؤوليات تجاه المجريات على الأرض].. وأنْ تبدأ الجهات الرسمية العراقية إجراءات تقديم الشكاوى الرسمية للمنظمات الإقليمية والدولية والتباحث جديا مع القوات متعددة الجنسية التي تتحمل مسؤولية قانونية عن حماية حدود العراق على وفق قرارات وجودها الحالي بالعودة لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بالخصوص..

وإذا كانت السيادة الوطنية وحرمة الأرض العراقية ومصالح مواطنينا وأمنهم جميعا أمرا يقع في موضع الأولويات العليا المسؤولة عنها الحكومة العراقية ومؤسساتها المعنية.. فإنًَّ أيّ تهاون في هذا الأمر أو تلكؤ من جانبها سينتظر كثيرا من ردود الفعل  تجاه مثل هذه السلبية..

وفي الحقيقة تظهر بوضوح تساؤلات كبيرة في ذاك الموقف المتردد  والسلبي تجاه تلك الاعتداءات الإيرانية التركية والسكوت عنها وتمريرها على الرغم من تهديدها لا لمعنى السيادة واختراقها بل ولحيوات أبناء قرانا ومدننا العراقية، في ذات الوقت الذي تعلو فيه أصوات [حكومية عراقية\ تصريحات السيد رئيس الوزراء الأخيرة تجاه الجامعة العربية] بردود شديدة اللهجة تجاه مجرد تصريحات [عربية تحديدا]؟! وهو أمر مطلوب ومنتظر دائما بمقدار تهديده للمصالح الوطنية العراقية ولكن لماذا يجري السكوت المطبق على الجانب الآخر...!!

 

إنَّ الربط بين الأجندة والأهواء الشخصية ذات الميل تجاه هذا الطرف أو ذاك وبين محددات عمل الحكومة العراقية ومواقفها المنتظرة في القضايا التي تمس مصالح المجتمع العراقي وحاجاته سيبقى أمرا خطيرا. إذ سيعرّض فرض البرامج الشخصية وأجندات الحركات والأحزاب وميولها على البرامج الحكومية والوطنية العريضة، سيعرِّض العراق وشعبه لمزيد من الكوارث والمآسي فوق ما هو فيها..

ولنلاحظ من جهة أخرى التعاطي مع قضية اللاجئين المحتمين بالعراق ليجيرهم من بطش السياسات العسكرتارية العنفية الإيرانية والتركية حيث تصاعد وتيرة  تشديد اقبضة الحديد والنار على رقاب الكورد في تركيا وعدم اكتفاء الجيش التركي بذلك ليتجه أبعد منه إلى مطاردة تستهتر لا بقيم الإنسانية وحقوقها بل بالقوانين الدولية وبحرمة أراضي دولة جارة هي العراق... فيما تعاطي السيد رئيس الوزراء العراقي يأتي مستجيبا لتلك الهجمة العنفية وهو ما يمكن قبوله عندما يتعلق الأمر بفلسفته الشخصية وفلسفة أو أجندات حزبه ولكن ما لايمكن قبوله هو نزوعه لعقد اتفاقات ومذكرات تفاهم باسم الدولة العراقية أعلن عنها وعن مضامينها التي تسمح بتعاضد جهود رئيس وزراء العراق وقواته مع الجيش التركي لمطاردة  [عناصر] كوردية داخل الأرض العراقية!!

وأسئلتنا تكمن في أسباب تكرار السيد المالكي لاتفاقية الطاغية المهزوم مع القيادة التركية بالسماح لهم بالتوغل في الأرض العراقية؟ وأسباب القبول بمتابعة أناس احتموا بالواحة العراقية في ظل أعراف وقوانين دولية وفي ظل قيم الدستور العراقي الجديد ومبادئه؟ وفي الدواعي التي تجبر السيد المالكي على القبول بحالة قصف المدن والقرى العراقية مسببة تخريبا وحرائق وضحايا ورعبا بين المواطنين الآمنين...؟ وما الدواعي لقبول ترحيل الأزمة التركية وكذلك الأجندة العسكرتارية إلى الأرض العراقية؟ وعلى وفق مذكرة التفاهم نسأل دولة الرئيس إذا صحيحا أن حزب العمال الكوردستاني هو سبب تدهور الوضع العراقي وخضوعه لطوارئ الإرهاب وتداعياتها كما تقول المذكرة؟ وإذا كان مكافحة قوى هذا الحزب التي دعت مرارا وتكرارا للحلول السلمية [في إطار الدولة التركية] سيفيد السيد المالكي في استتباب الأوضاع العراقية وإنهاء الإرهاب فيه؟ وهل حقا أن القوى الإرهابية التي تعيث في العراق تدميرا وتخريبا يقف على رأسها - على وفق المذكرة – حزب العمال؟ هل هذا هو منطق تشخيص الأمور أم هو فذلكة رخيصة لأجندة مريضة ولترحيل أزمة دولة مجاورة إلينا وتوظيفنا في تنفيذ أجندتها المتعارضة مع قيم عراق ديموقراطي فديرالي جديد نسعى لبنائه؟؟؟!

 

إنَّ ما يدعونا للقلق هو رهن الإرادة العراقية بمذكرة صار واضحا نتائجها في الصمت المطبق على مجريات أشكال القصف والاعتداءات التركية والإيرانية وفوق ذلك فإنَّ الاعتداءات تجري بشكل مخصوص محدد بأرض كوردستان  حيث القصبات الخالية من أية أنشطة مسلحة تنطلق منها تجاه الجارتين [إيران وتركيا] كما يجري الادعاء؛ ويمكن للجان محايدة - سواء لجان مشتركة أم دولية - أنْ تتابع الموقف عن كثب بل وأن تحل مشكلاتهم بإعادتهم تحت خيمة تحقيق مطالبهم التي شرّعتها كل القوانين..

وإذا أضفنا إلى الأمر موضوعة ترحيل مشكلات الجارتين الداخلية بخاصة تجاه الأوضاع القلقة وحالات الاعتداء على حقوق الشعب الكوردي وحرياته في كوردستان إيران وتركيا، في موقف غير مبرر لا قانونيا ولا إنسانيا ولا تسمح الأعراف والقوانين الدولية بمثله تحت سقف أية تبريرات مطروحة.. فإنَّنا سنكتشف أن القضية تتعمد رسم توجه يستهدف ضرب التجربة الفديرالية في العراق وضرب التوجهات العراقية لبناء مؤسسات دولة ديموقراطية في المستقبل المنظور..

 

إنَّ حركة الـ PKK لا تنطلق من الأرض العراقية وليس سلاحها البندقية أو الرصاصة القادمة من أرض عراقية بل هي في الجوهر تعبير عن ثورة كوردية في أرض كوردستان بتركيا نفسها وتمتلك أرضيتها الشعبية تلك من منطلق الحقوق القومية المشروعة التي كفلتها المعاهدات والقوانين والشرائع الدولية والمحلية، وعليه فمن السذاجة محاولة إقناعنا بأن هدف أعمال القصف والعنف المسلح هو مطاردة عناصر هذه الحركة...

وهكذا نجد أن الحقيقة تكمن في اتخاذ هذه المسألة حصان طروادة للجيش التركي لتغطية تدخل سافر وخطير يستخدم لغة القوة والتهديد وعنجهية واضحة في التعاطي مع العراق الجديد.. وهدف التدخل قضم أراض جديدة ومتابعة بصيغ نوعية أخرى لرسم العلاقات بين تركيا وقوى معينة في كركوك وأرض كوردستان الفديرالية الحرة... إلى جانب مصالح عديدة أخرى...

ومن الطبيعي أن يكون للسياسة التركية محاولة إقناع القوى الدولية بأن الأمر لا يكمن في مشكلة حقوق قومية ثابتة للكورد في تركيا وأنه يكمن في [عناصر] إرهابية خارجة على القانون ليس لها أرضية سوى ميادين خارج تركيا، وهو تضليل واضح الهدف والآلية...

فغير ترحيل الأزمة وغير تحقيق مستهدفات وأطماع في الأرض العراقية وغير الحصول على تمرير للأجندة التركية دوليا نجد طلبا للنجدة من القوات التركية بتحميل العراق تكاليف المشاركة في عمليات المطاردة المخطط لها.. ونجد محاولات تضليلية تمعن في تحريف الحقائق وتحميل الطرف المتطلع لحقوقه، أي الطرف الضحية إلى جانِ ِ خارج على القانون!؟

 

وهكذا وبدلا من التجاوب مع تطلعات شعب كوردستان في تركيا ومنح الحقوق القومية والإنسانية لأبناء الأقليم سلميا وموضوعيا يجري الإمعان بمزيد من العنف المسلح من جهة بالتعارض مع قوانين حقوق الإنسان والشرائع والقوانين الدولية المتوافق عليها وبترحيل دائرة الاقتتال والعنف المسلح إلى العراق وتحديدا في إقليم كوردستان لتحقيق مزيد من الضغوط وتشديدها على قيادات الحركة الكوردية وحكومة الإقليم وإيقاع الشقاق بين أطراف الحركة والمة الكوردية الواحدة وبينها وبين الحكومة العراقية الاتحادية في الطرف الآخر..

إنَّ هذه السياسات لا تقف عند حدود اختلاق التوترات ومحاولات ابتلاع أراض أخرى من العراق بقدر ما تبيّت (أيضا) كثيرا من النوايا غير محمودة العواقب من جهة منع تطور مسيرة الفديرالية ومحاولات تفريغها من محتوياتها [لمآرب وأجندات خاصة بالدولة التركية] إلى جانب شرعنة وجودها في داخل الأراضي العراقية كما أشرنا..

 

 وإذا توجهنا للموقف الإيراني فسنجده يشترك في كثير من أمور هذه الأجندة وهو يسابق الجانب التركي للاستحواذ على موطئ قدم  تنافسي إلى جانب دسّ عناصر إيرانية أخرى في مناطق عراقية مضافة لصالح الانتشار الإيراني الموجود بقوة في الميدان العراقي في الوسط والجنوب... 

وغير أمور ترحيل الأزمة الكوردية تجد إيران نفسها في حالة من التزام أجندة إبعاد صراعها مع الولايات المتحدة خارج أسوار قلعتها وبعيدا عنها كما أنها تتقدم بمشروعها الإقليمي بعيد المدى  ممثلا في قضم لا أراضِ ِ من قرى وقصبات وما شابه بل بتحضير الأرضية الديموغرافية المناسبة لامتدادات مستقبلية بعيدة واستراتيجية غير منظورة راهنيا...

من هنا سيبقى استهداف المنطقة الكوردية أمرا مستمرا إن لم يجرِ معالجته بموضوعية وحنكة من الجانب العراقي.. وبعيدا عن مجاملات دبلوماسية في مشاركة أجندات حزبية مشتركة بين هذا الحزب الطائفي وتلك المرجعية الإيرانية كما يجري في العلائق والمشاورات المتصلة المستمرة وذات الأسس والقواعد الاستراتيجية حتى أن القيادة الحزبية الطائفية هذه تتستر على الاختراقات الإيرانية لجهاز الدولة العراقي في أعلى المستويات كما تشارك في توطين يغير ديموغرافيا موازين الأوضاع في عديد من المدن العراقية المهمة...

 

فيما يبقى لنا نحن العراقيين أنْ نقول: إنَّ استقبال العراق وأرض كوردستان للمهجرين من أبناء كوردستان إيران وتركيا الهاربين من أجواء العنف المسلح ضدهم يقع في إطار التزاماته الإنسانية والقانونية الدولية والمحلية ولا يتقاطع مع تلك القوانين وهو في الوقت ذاته لم يكن غطاء لأية أعمال مسلحة تنطلق من أراضيه والعراق في الوقت ذاته ليس ملزما بالخضوع لفلسفات الإقصاء ومصادرة الحقوق التي تتبعها الدولتان الجارتان تجاه القضية الكوردية و إقليم كوردستان فيهما وليس ملزما بالخضوع لأجنداتهما العنفية فهو دولة جديدة تعمل من أجل تحقيق مصالح أطياف العراق كافة في إطار ما أقره شعب العراق بمجموعاته القومية والدينية في مبادئ الديموقراطية والفديرالية التي يفخر بسيره من أجل تعزيز بنائها ويدافع عنها مجموع العراقيين إلى جانب أحرار كوردستان نفسها..

عليه وفي ضوء هذه الأجواء الملتهبة، ينبغي أن يتغير خطاب الحكومة العراقية وأن يتم متابعتها تشريعيا في البرلمان ومحاسبتها على المواقف والاتفاقات التي تعقدها جزافا وخلافا للدستور وللقوانين العراقية والدولية المرعية.. ويجب أن نجد الوعي الكافي للتصدي لتلك الاتفاقات ووقفها ومنع التوقيع عليها في وقت يجب ايضا اتخاذ الإجراءات الكفيلة لعقد اتفاقات رسمية تلزم الدول الجارة بمنع الاعتداءات وبمنع التدخلات والاختراقات..

ونتطلع هنا إلى الآليات الكفيلة بممارسة الحكومة العراقية لمسؤولياتها ولكي يتم تفعيل الدور المناط بالقوات متعددة الجنسية لا أن يبقى وجودها صورة شكلية لا فعل إيجابي لها عندما يتعلق الأمر بمصالح العراقيين... مؤكدين على لزوم اللجوء الفوري للمنظمة الدولية وللمنظمات الإقليمية واتخاذ قرار صارم حاسم تجاه تلك الأعمال العنفية المنافية للأعراف الدولية..

وسيكون على منظمات المجتمع المدني العراقية والأحزاب والحركات الوطنية والقومية ومنها الأحزاب الكوردستانية أن تعي خطورة التعاطي السلبي مع مثل هذه التفويتات أو التمريرات التي تعد شرخا خطيرا ضد وحدة الأراضي العراقية وسلامتها وأمن مواطنيها وفي يلزم الحرص على توكيد الالتزام الوطيد بفديرالية كوردستان وحقوق شعب كوردستان في العيش الآمن في إطار فديرالية عراقية حرة ينبغي أن تتم قراءة المجريات في كونها تهديما صارخا لها الالتزام...

أما الالتزام بحق الهاربين من جحيم المطاردة من دول الجوارعلى الاحتماء بظلال عراق السيادة والعدالة كما توفره القوانين والمعاهدات الدولية المرعية.. فأنَّه نهج سلمي لوجود هؤلاء في الأرض العراقية يظل بعيدا عن أيّ معنى للعدوانية ولأي مبرر لاعتداءات الجارتين على الأراضي العراقية ويمكن حل إشكالاته بالطرق التفاوضية المعتمدة على إشراف دولي بالخصوص مرورا بإدخال الاتحاد الأوروبي بالقضية من مدخل متابعته الأوضاع التركية...

وقبل وبعد كل ذلك يحتفظ العراق بحقه في المطالبة بالردود الدولية والوطنية المناسبة وبالتعويض الكامل للخسائر والضحايا إلى جانب التوكيد مجددا ودائما على لزوم انتهاج المسار السلمي التفاوضي والاتفاقات الرسمية الموضوعية التي مؤداها وضع الحلول الناجعة وتجنيب جميع الأطراف مخاطر تلك الأفعال العدوانية الهمجية.. بعيدا عن استبدال الموقف الوطني المطلوب بأجندات حزبية ضيقة لا تفضي إلا إلى مزيد خسائر على مستوى العراق وتوجهاته الجديدة..