بين مبدأ الفديرالية الدستوري وفديرالية التقسيم الطائفي العرقي

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

28\09\2007

tayseer54@hotmail.com

 

الأساس في الوضع العراقي أنه تطلع بعد سقوط الدكتاتورية لبناء نظام ديموقراطي يحترم حقوق مواطنيه على مبدأ المساواة ويعيد العدل في ميزان مكوناته وأطيافه، وقد جاء مبدأ الفديرالية حلا موضوعيا تطلع العراقيون إليه وسيلةَ َ حضارية لدولة عراقية جديدة في بنيتها ووسائل تنظيمها وبنائها...

غير أن عملية تطبيق هذا المبدأ الدستوري أقصد "الفديرالية" تظل بين أجندتين مختلفتي المصالح والمضامين: الأجندة الوطنية التي تلبي طموحات المجموعات القومية والدينية بما يعزز من مسار تعايشها السلمي وهو الأمر المتطلع إليه المتوافق عليه، والأجندة الأجنبية التي تستهدف أمورا تتقاطع تناقضيا مع طموحات مكوِّنات المجتمع العراقي المرفوض من شعبنا ومن قواه الوطنية السليمة..

وقد جاء قرار تقسيم العراق [فديراليا؟] في قرار مجلس الشيوخ الأمريكي ليصب الزيت في نار التعقيدات الجارية بالخصوص من جهة وجود قوى محلية مدعومة إقليميا تسعى لمثل هذا النموذج الموصَّف في القرار الأمريكي.. 

ومن المهم هنا أن نسجل جملة ملاحظات بخصوص مسؤولية الطرف الأمريكي عن الحفاظ على سلامة الدولة العراقية ووحدة ترابها الوطني ومنع تمزيقها أو تعريضها لمشكلات أمنية تمس سيادتها وقيم الشعب ومبادئه وأساليب عيشه وخصوصيته في هويته... فالقوانين الدولية تمنع قوات الاحتلال من أية تغييرات على الأرض أيا كان نمطها... والسؤال في أيّ بنود القانون الدولي ناقش الكونغرس الأمريكي قرار سيادي عراقي؟ وهذا هو الاعتراض الأول على القرار...

الأمر الآخر يتعلق بتساؤلنا عن درجة معرفة الجانب الأمريكي لطبيعة المجتمع العراقي ومكوِّناته ودراسة هويته المخصوصة والتداخل والتفاعل بين هذه المكونات القومية والدينية.. ومن الواضح أن القرار يتجه لتقسيم العراق على أسس طائفية عرقية على الرغم من أنَّ أكثر من ثلثي [الأغلبية السكانية] أي المسلمين بمذاهبهم المتعددة يشكلون تداخلا عائليا أو قرابيا لا يمكن بداهة تفكيكه بين التقسيمين الجغرافيين واحد للشيعة وآخر للسنة..

إنَّ الصراع الجمهوري الديموقراطي أمريكيا أو حتى داخل المعسكر الواحد للخروج من أزمة استمرار الحاجة لوجود قوات أمريكية لحماية الأوضاع الملتهبة المتدهورة في العراق، يمكنه أن يضع ما يضع من تصورات وخطط للوضع العراقي المأزوم؛ لكنه لا يمكن أن يعبِّر بالضرورة عن الحلول المثلى للأزمة العراقية...

ومجددا نلاحظ أن حل التقسيم [المطروح باسم الكونغرس الأمريكي أو باسم أطراف فيه] يتناسى وحدة المجتمع العراقي ومكوناته وأنَّ هذه المكونات ليست في حال من التصارع كما يحاول بعضهم تصويره وما كانت يوما كذلك. وأن الحقيقة تكمن صراعات طبقة سياسية على خلفية برامجها التي فرضت قسرا نظام المحاصصة الطائفي الأثني و ضرب وحدة النسيج العراقي بمسلسل حملات متصلة للميليشيا الطائفية التي تسطو على الأوضاع وتعمل على التطهير العرقي الطائفي للوصول إلى فصل تام يحقق لها نوازعها المعبِّرة عن برامجها التي دهورت الوضع ففشلت في حل القضية العراقية وفشلت في الاستجابة لمطالب الشعب العراقي بكل مكوّناته بضمنه المكون الطائفي الذي تدعي هذه القوة أو تلك الدفاع عن تطلعاته...

وبناء على هذا الفشل في البرامج التي تعمل على فرض الرؤية التقسيمية الطائفية لا يمكننا القبول بفديرالية مفرغة من محتواها ومعبأة بمضامين مختلفة نوعيا عن  آليات الفديراليات المعروفة في التجاريب الإنسانية الكلاسية والمعاصرة؛ الفديرالية المعبأة بنقيض طبيعة المجتمع العراقي والمتعارضة مع تطمين حاجات نسيجه الموحّد..

وإلى جانب كل ذلك سيكون لإضعاف أو تفتيت العراق بين كانتونات منفصلة أثره على تسهيل التدخلات الإقليمية والدولية فيه وعلى توفير أرضية تقسيمه ومن ثمَّ شرذمته إلى دويلات تمهّد لحرب أهلية عبر تمكين البرنامج الطائفي المتطرف من الواقع العراقي الأمر الذي سينعكس على منطقة الشرق الأوسط بتوازنات إقليمية خطيرة تتبادل الآثار السلبية المدمرة للأمن والاستقرار ما يهدد السلم العالمي وإثارة أزمات خطيرة على مستويات السوق والاقتصاد والتبادل التجاري بخاصة بشأن الإفادة من الثروات النفطية لصالح شعوب المنطقة والشعب العراقي تحديدا...

وبعامة فإنَّ هذا الموضع بحاجة لمناقشات جدية أوسع تفصيلا نظرا لما يشكله من مخاطر مهولة على مستقبل العراق والمنطقة بخلاف ما تطلع إليه العراقيون وما عوّل عليه جيرانهم من أهمية وجود عراق قوي يمثل المدخل لتوازنات إقليمية مطلوبة...

 

خاص بالأسبوعية