تعديلات وزارية.. تغيير الوزارة بتكنوقراط.. استبدال الحكومة

 

مذ أنْ تكشفت صورة الحكومة العراقية ومؤسسات الدولة في عراق ما بعد الاحتلال، جرى الحديث عن تعديلات وزارية تستجيب لحاجات معالجة الثغرات الخطيرة التي انتابت الحياة العامة وتفاصيل اليوم العادي للمواطن العراقي.. وتمَّ تقديم الوعود مكررة بشأن تلك التعديلات أو التغييرات أوحتى الاستبدال الكامل للطقام الوزاري..

وبالمرة ما دمنا بصدد تكرر تلك الوعود وامتداد أمد انتظار التعديلات أو التغييرات؛ فإنه من المفيد التذكير بأن أمر التعديلات كان دوما يؤكد على أنَّ دولة رئيس الوزراء لا يمكنه أن يفعل شيئا أمام المدة القصيرة التي مُنحت له لتشكيلته الوزارية.. فيما يجري تسريب بين مدة وأخرى أنه أي دولة رئيس الوزراء يتعاطى بصبر مع المجموعات والكتل السياسية التي تثير بوجهه المتاعب والعراقيل..

وهكذا صرنا أمام ثابت مهم بل مطلق هو بقاء دولة الرئيس في منصبه لأنه هو الأوحد الذي تُقاس عليه وفي ضوء أفكاره ومواقفه النزاهة والوطنية والهمة والقيم الإيجابية فيما أي آخر يمثل العرقلة ويمثل اللاوطنية وعلينا الانتظار لحين تمكن دولة رئيس الوزراء من امتلاك الوقت الكافي للتفكير في تعيين الشخصيات المناسبة لكل وزارة..

ليس المهم أوضاع الناس ولو كانوا المواطنين جميعا ومنهم أعضاء ائتلاف دولة الرئيس بل حتى لو شمل الأمر أعضاء حزب دولة الرئيس وتحديدا مجموعته التي تتبع له! وليس المهم في ضوء ذلك العملية السياسية التي اختارها الناس الغلابة الفقراء المستلبين المصادَرين فلتذهب تلك العملية للجحيم وليذهب السلام إلى بئس المصير المهم أن يدور دولاب المحاصصة الطائفية وأن يحصل كل طرف ما زال يساهم في العملية على حصته من الكعكة العراقية...

لو كان أمر سلامة الناس ومصالحهم يحظى بأولوية لدى دولة رئيس الوزراء ووزرائه وبقية مؤسسات دولة العراق الجديد لما وجدنا أنفسنا نضع الاعتبارات والتحوطات والتقديرات لمصلحة هذا الحزب أو ذلك التحالف أو تلك الشخصية التي احتلت موقع الزعامة في غفلة من ظروف العراق المعقدة... إذ لا يعقل أن يجري التعتيم على الشخصيات الوطنية ورؤاها وعلى برامج أحزاب وطنية ومعالجاتها فيما يتصدر المشهد في الأغلب الأعم شعيط ومعيط من جهلة القوم وزعرانه.. حتى أن كثرة هؤلاء في موقع المسؤولية  تغطي على كل محاولة نزيهة وطنية لأي من الشخصيات النبيلة الموجودة...

 

إنَّ مشكلاتنا الصريحة اليوم، تكمن في أن للقوى الأجنبية وجيوشها كل الصلاحيات حين تعلق الأمر في شرعنة قوانين وصياغتها وفي حفلات الدم.. في كل شيء فيه مشكلة أما عند وصول الأمر لضبط الأمن فتلك القوات تسلِّم المسؤولية للقوات الوطنية!!؟ أي قوات تلك؟؟ وعند تعلق الأمر بضبط الحدود المفتوحة بوابتها على الغارب فالأمر يتعلق بالجيران وعدم التزامهم بضبطها من الجانب الآخر!! وعند تعدي هذا الجار أو ذاك واختراقه الحدود بشكل علني صريح فإنَّ الأمور تجري بترحاب كامل ولا يُكتفى بالأضواء الخضراء وحدها ولكن معها كل الأنوار الرومانسية التي تمنح أولئك الشرعية الكاملة للتنزه والعبث بمصير أبناء العراق الجديد..؟!!!

وطبعا إذا كان دولة رئيس الوزراء يتحدث عن حقوق الجيران في الأرض العراقية [في وقت لم أسمعه شخصيا يتحدث عن حقوق أبناء الأرض العراقية ربما لمشاكل في سمعية لديَّ] فلا عتب على زعيمة العالم وهي تتحدث باسم لا الحكومة العراقية حسب بل [[و]] الشعب العراقي برمته وهي تمنح الكارت الأخضر أيضا لضيعتها الجديدة لتركيا وإيران وغيرهما؟!!

 

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث مسؤول أو مؤسسة أمريكية باسم العراق.. فقد سبق للكونغرش الأمريكي أن تحدث عن رغبة الشعب العراقي في تقسيم وطنه وشرذمة نفسه بين مهجَّر داخلي ونازح خارجي وتفتيت المتبقي بين أشلاء الجثة الممزقة للعراق الجديد!!! والمشكلة ليست في الأمريكان ولكن في المسؤولين الرسميين العراقيين وفي حركات الشعب الوطنية... فهل تحدث مسؤول بما يرتقي للرد المسؤول؟؟ وهل ارتقت حتى الحركات الوطنية الشعبية إلى مسؤوليتها في التصدي لما يُحاك باسمها؟؟

 

أريد هنا التذكير ببضع عبارات تدور اليوم بيننا مثل عبارة لقد سئمنا الدائرة التي ألسنة بعضنا.. وعبارة ما باليد حيلة التي تمثل المحبطين منّا.. وعبارة "شعلينة لازم" الانهزامية أو السلبية التي يتبناها القاعدون على الرصيف أو القاعد في الشمس حتى تأتيه الفيء أو يصله الظل.. وعبارة نارهم تاكل حطبهم التي لا ترى فيما يجري إلا حربا بين أشرار.. أو تلك التي تتخلى عن الهوية أو الجنسية في ضوء عبارة غسّلت إيدي من هيجي ناس تعبيرا عن خيبة أمل في الذات الوطنية!!

 

وكل ما يجري في الحقيقة أمر طبيعي لسنن التغير والتطور وتداعيات المشكلات وإفرازات الحروب العبثية التي تمثل الآلة الجهنمية الأخطر تاريخيا في أنها لا تطحن لوحدها ولا تأتي على الأخضر بسعر اليابس بل تخلق معها فرصا لتدافع أناني ولأمراض اجتماعية واقتصادية وسياسية تساهم مساهمة خطيرة في صب الزيت لمزيد من دوران الطاحونة الفاغرة لالتهام مزيد من البشر ولاغتراف مزيد من الدماء وشربها!!!

و لا مناص من الاعتقاد بأنَّ وقف هذه الآلة الغولة المهولة لا يأتي بلا إقناع جدي لملايين المعنيين من الموضوعين على حزام المطحنة وسيأتي دور التهامهم قريبا وحسب الأولوية ولابد من الاقتناع بأن الاستلقاء بانتظار الدور لا يعني سلبية تجاه الآخرين الذين تهصرهم الآلة الجهنمية بين جنازيرها  أولا   بل هم يقدمون أنفسهم أيضا لتلك المجنزرة المجنونة ولو بعد حين...!!!

أيها السادة لا يمكن لنا أن نحيا بلا فعل إيجابي وبلا اعتقاد بحل موضوعي مناسب.. ولا يمكن الاستمرار بسلبية الاستسلام لهذه الآلة الجهنمية وجنازيرها.. لابد لنا من موقف فاعل مناسب.. وأول هذا الموقف أن توجد قراءة وطنية مشتركة وأن توجد وحدة وطنية أساسها وأسّها المميز المؤثر يبدأ بالمواطن الإيجابي لا السلبي...

إنَّ اختيارنا العملية السياسية السلمية لا يكفي فقد كان واجبا علينا أن نحسن الاختيار وإلا ما فرق أن يسوقنا طاغية لشرعنة امتلاكه رقابنا وحيوات أبنائنا وأعراض نسائنا وأن نتجه بطيب خاطر أو تحت ضغوط أسياف الإرهابيين القتلة وغدارات ميليشيات الطائفية لكي نشرعن امتلاك طغاة جدد لنا...؟!!!

كان ينبغي التفكير مليا قبل وضع أصابعنا في بنفسجي الطائفية المقيتة وإرهاب الحياة العامة وتخريبها.. أما وقد استطاعت اللحظة التاريخية أن تحرك فينا موقفنا فقد كان ينبغي أن نواصل الموقف بموقف آخر يدافع عن اختيارنا ويحميه من الاستغلال والاختراق ولكننا فشلنا بالمرة في اختيار ممثلين حقيقيين عندما انساق بعضنا بلا دراية كافية في انتخاب أنفار أثبتوا بالمطلق اليوم أنهم ليسوا بقاصرين ولا يملكون الكفاية في إدارة دكانة صغيرة بل وأنهم من الخواء والخطل ما جعلهم يضعون عراقنا بكل تاريخه وبكل حجمه النوعي وضخامة وجوده في مهب ريح التلاعبات للقاصي والداني من سماسرة البشر!!!

 

القضية أيها السادة ليست في انتظار أنْ يطلــّـقـَنا دولة الرئيس ونخرج من عصمته وهي بالتأكيد ليست في قبول بعضنا بالبقاء في عصمة دولته وهي [حتى] ليست في طلب الطلاق أو الخـُلـْع لأن الزواج لم يتم وإنْ اعترفنا بوجوده شكلا فهو ليس شرعيا على وفق الحقائق التي أفرزتها [بيعة] بشهود ما شافوش انتخابات وما جرى، جرى بأصوات بلا صناديق فارغة (أقصد بصناديق معدة سلفا في نتائج محتوياتها) وما تغير في تلك الصناديق ليس غير إضافة أصوات اختارت تحت الأسياف والغدارات وحَمَلَتها من أعضاء الميليشيات الميامين!

 

أيها السادة إذا كنّا نريد لأنفسنا الحياة الحرة الكريمة فعلينا أن نفعل إيجابا أو نقول صدقا وألا نقعي قارعة الطريق أو نضع رؤوسنا في الرمال فالإنسان الحر غير النعامة!! لن يأتينا حل من غيرنا أنفسنا نحن. وإذا كنّا سكتنا كل هذا الوقت على تعديلات دولة رئيس الوزراء واستمرأنا وجودنا بأوصابه ومثالبه وغضضنا الطرف عن استباحة حيواتنا فماذا نرتجي غير أن تنطمر علينا الهاوية التي أوقعنا أنفسنا فيها...

إنني أخاطب الواعين المتصدين للمسؤولية لكي ينهضوا بمهمة تجميع أنفسهم في مؤتمر وطني بلا عناوين المصالحة التي لن تأتي في موعدها بعد أن تجاوزت الخطوط الحمر ولا عناوين إعادة إعمار أو تفعيل عملية سياسية أو غيرها بل المطلوب مؤتمر الهوية العراقية التي تكاد تنقرض ويكادون يقضون عليها بل نكاد نحن العراقيين نمضي لنمحوها من دواخلنا ونستبدلها بهويات تعافنا وقد تخلينا عن هويتنا الوطنية المخصوصة...

وليجتمع في هذا المؤتمر كل شخصية وطنية أو أكاديمية من الساسة ومن التكنوقراط والمتخصصين ولتبدأ حكومة ظل تتسع لمائة شخصية وتنقسم المهام فيها على شؤون الحياة وتفاصيلها في عراق الواقع المرير.. وتتم قراءة المشروعات التي جرى تقديمها والتي يجري ابتكارها في ضوء دراسات علمية بحتة مصلحتها وأولويتها الوحيدة العراقيون والعراق.

 

إنِّي أدعو لمؤتمر وطني موسع بلا  شروط مسبقة الداخل فيه ليس غير العراقيين وأنصارهم. والمصوِّت فيه ليس غير العراقيين الوطنيين.. ولا مناص من أن يكون هذا المؤتمر الخطوة الأولى لإعادة ترتيب البيت العراقي نهائيا وجذريا وجوهريا وليس بترقيعات هذا وإصلاحات ذاك.. فالأولوية للعراقيين ومصالحهم وحيواتهم..

ومع احرامنا الشديد لكل من أبدى دوره في مجاولة وقف النزيف وإعداة بناء ما تم تخريبه ومع احترامنا لكل ما تم التوصل إليه في بناء هيكل مؤسساتي أو صياغة قانون أو لائحة ومع تقديرنا وإجلالنا لكل تضحية ومنجز وخطوة فإن الوضع ما عاد يحتمل التحديات والعنتريات والمحاصصات والمقدسات لدى هذا الطرف أو ذاك..

إذ ما قيمة المقدس إذا كان المقدس الخالق لا يؤخذ بشرعه من أي دين؟ وما قيمة المقدسات البشرية من مبادئ وقيم ومسميات إذا كان الإنسان نفسه يتعرض للمصادرة وللهتك والانتهاك والاستباحة في وجوده بكل تفاصيله؟؟؟ وما قيمة أي أمر أيا كان والجميع موضوع على جنازير الموت؟ ألم يحن الوقت لوقف حملات الملاسنات وأشكال التخاطب والتحاور الدموية أو في أفضل أحوالها بصيغة حوار الطرشان ووقف لغة حقي أولا وفوق كل الآخرين لا يهمني من أمرهم أمرا...؟!!

كفى دولة رئيس وزراء العراق الجديد [كفى أيها السادة البرلمانيون أقصد الـ 275 رئيس وزراء بالراتب والمكافأة وغيرهما لا شيء] وعليك [وعليكم وزراء ومسؤولين] وقف دولاب الموت والاستهتار بحق الناس وحقوقهم وحيواتهم ولا يهمني أن تكون نزيها من ائتلاف نزيه ولكن يهمني أن تعالج أوضاع الناس أو ترحل.. فالعراقي المريض بأوضاعه اليوم لا يحتاج لطيب كسيح أو جاهل فمطلبه أن يتصدى لمعالجته من يستطيع تقديم العلاج...