قراءة أولية سريعة في العمل الأكاديمي

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  12\ 05

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

                              

 

في السنوات المنصرمة جابهت المؤسسة الأكاديمية العراقية أعقد المشكلات وأصعب الظروف بله أتعسها. ويتذكر الأساتذة ورجال العلم فيها كم كانت مريرة تلك المرحلة فكان أنْ فقدوا كثيرا من الحقوق الأساسية وفقدوا مع ذلك كثيرا من فرص البحث العلمي وخسروا موضوعية الظروف المطلوبة لعملهم البحثي  وغيره..

وفي قراءة لمستقبلنا القريب يتطلع الأكاديميون إلى واقع مختلف, ولكن ذلك لا يمكن أنْ يتأتى من فراغ أو بلا جهود استثنائية مضاعفة؛ بسبب من مخلّفات الماضي المأساوية الكارثية. ذلك أنَّ جمعا أو كمّا من الدخلاء قد وصلوا إلى رفيع المواقع الجامعية وراحوا يتحكمون بمصير العلم والعلماء ومسار العمل الأكاديمي عامة. وأول أمر لمسارنا الجديد يفرض علينا تنظبف الجامعة من هؤلاء بشكل نهائي تام لأنَّ بقاء فرصة تخريبية واحدة كافية لا للعرقلة بل للهدم والتخريب أو التدمير فلا يقوم للعلم بناء...

ونحن لسنا قليلي الخبرات والكفاءات العلمية لكي نتوقف عند حاجة لجهلة القوم ممن توسموا بشهادات مزيّفة أو ناقصة العلم والمعرفة ليحتلوا مواقع الصدارة في الوجود الأكاديمي بالأمس .. وليس من بين من نقصدهم العلماء الذين يعرفهم زملاؤهم وطلبتهم والأجواء الأكاديمية النظيفة المحيطة بهم ولكننا بحاجة للتدقيق في أمر تنظيف مؤسستنا الأكاديمية العراقية على أسس موضوعية معرفية وحتى سياسية عندما يتعلق الأمر بأولئك الذين شاركوا في جرائم جدية خطيرة في خدمة الدكتاتور الدموي المخلوع وضد أبناء جلدتهم ...

أما الخطوة التأسيسية التالية فتقوم على إعادة مئات وألوف الأساتذة الموجودين في شتات المنافي والأراضين السبع ليعودوا إلى منصات التعليم القويم والبحث العلمي السليم, وليساهموا في عملية البناء التي تتطلب وجودهم الأساس. على تلك العودة في الوقت الذي لا تكون فيه مشروطة ينبغي أنْ تتوافر لها عوامل إنجاح مساهمتها في عملية إعادة الإعمار والبناء, وإلا فإنَّها لن تكون ذات جدوى وستفشل وتأتي بمضاعفات سلبية خطيرة..

ومن بين ما ينبغي توافره تفرغ العالم الباحث لبحوثه بتوفير القسط الأساس لمعيشته من سكن ومواصلات وصحة واستجابة لحاجاته الحياتية الجوهرية التي تخص وجوده الإنساني وبالتحديد العائلي .. ثم تلي مسائل من مثل عدم التدخل في البحث العلمي وخطابه وآلياته إلا بالنسبة التي تخص تقديم الأدوات التي تفعِّل البحث وتنشّطه.. بمعنى استقلالية الإدارة الجامعية وإدارة الكلية والقسم التخصصي في رسم سياساته الأكاديمية وتوجيهها الوجهة المعرفية على أسس موضوعية تكفل الفاعلية وخدمة المجتمع وتطويره على أفضل قياس..

ولعلّ سياسة الانتخاب وديموقراطية العمل الأكاديمي هي الأنسب والأفضل وهنا لا نحتاج للتلكؤ والتأخر في ممارسة هذه السياسة لتوافر عناصر أدائها منذ اللحظة وهي الفرصة السانحة ليثبت الأكاديميون قيادتهم حياة المجتمع من زاوية الاختصاص الذي نعوّل عليه في حياتنا الجديدة من دون التوقف عند إشكالية حكم التكنوقراط وفلسفته بقدر ما نريد منح هذه الفلسفة من فرصة لإعادة الموضوعية والعقلانية إلى مجاريها بعيدا عن التواءات السياسة والسياسيين وحتى تستقيم فرص هؤلاء يجب تحييد التعارض بين الطرفين لمصلحة حكم العلم والعلماء وموضوعية المعرفة بخاصة في إطار المؤسسة الأكاديمية بلا مناقشة داخل هذا الإطار ..

ولا ينتظرن الأكاديميون القرار السياسي بل لابد من أخذ المبادرة والسير بالعمل على أسس أكاديمية صريحة صحيحة. وعلى هؤلاء الانشغال بإعادة الاعتبار لمؤسستهم التي لم يتم اختراقها فحسب بل جرى تدميرها كليا وهم الأجدر بعمل وإنجاز كالذي ننتظره سويا وينتظره المجتمع فإنْ لم ننجح على المستى الأكاديمي فلنقرأ على بقية مفردات وقطاعات مجتمعنا السلام إذ كيف يفشل العارف الفيلسوف وننتظر من العوام تحقيق النجاح في البناء والإعمار؟

ولذا فشعلة الخيار الإيجابي والعمل البنّاء هي في أيدي الأساتذة وما ينبغي منهم وعليهم هو سرعة التفاعل مع الحدث وتعزيز اللحمة بين الداخل والخارج وتحقيق مهمات مشاركة جميع الجهود والطاقات مع تعزيز أرضية ديموقراطية العمل الأكاديمي وقيامه على أسس حرية الفكر والبحث العلميين وعلى مصداقية التناول والمعالجة لمشكلات مجتمعنا ولابد لنا من الشروع بقراءة واقعنا ووضع الحلول الناجعة وليس غيرنا من سيقوم بهذه المهمة..

 

1