المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية

ودور اللغة العربية في بناء جسور الحوار والعلاقات البناءة مع شعوب أوروبا والعالم

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

 الأول من تموز يوليو 2008

tayseer54@hotmail.com

 

 

تحظى اللغةُ العربيةُ اليوم بمكانةِ ِ متميزةِ ِ مهمةِ ِ في عالمِ ِ تتزايدُ فيهِ الرغبة ُ في التوجهِ إلى تعميقِ الاتصال وفهم الآخر ودراسته بعمقِ ِ وعن كثب.. ومن هنا يرصد المتخصصون حالة تعاظم الاهتمام بدراسة اللغة العربية من الأوروبيين وغيرهم.. مثلما يرصدون اهتماما جديا من أبناء الجاليات العربية وأبناء الجاليات الأخرى بقضية تعلّم العربية بكل ما تنطوي عليه من أهداف متنوعة مختلفة..

وبعد إجراء عدد من الدراسات بتؤدة وموضوعية وبخطوات ثابتة [عمليا منذ مطلع العام 2007]، تمَّ الانتهاء من  خطة عمل لمؤسسة متخصصة واتخاذ عدد من خطوات استكمال إنشائها بمسمى: "المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية" الذي سيعمل على تدريس اللغة العربية لمجموع الراغبين في تعلّمها وفي تطوير استخدامها في شؤون الحياة اليومية وتفاصيلها الرسمية وغير الرسمية..

يركز المعهد الأوروبي لدراسات العربية جهوده على تفعيل الدراسات البحثية في مجال علوم اللغة العربية وآدابها؛  ومن ذلك، اللقاء المكين مع المكتبة الأوروبية الثرة  بكنوز المخطوطات والأعمال والآثار العربية وإيجاد ميدان للحوار العلمي الموضوعي والتنويري مع الخطاب المعاصر للاستشراق والمستشرقين ومساعدتهم على تحسين لغتهم بحسب الحاجات والتوجهات المطلوبة.. وبالتأكيد فإن المعهد يسعى لتعليم تأسيسي للأبجدية العربية بمستوياتها الابتدائية الأولى وتوجيه الاهتمام الكافي بتفرعاته الأكاديمية النظرية والأدائية العملية لهذا المستوى التأسيسي لمختلف الفئات العمرية...  هذا إلى جانب تقديم الاستشارات والخبرات المطلوبة لجميع أقسام علوم اللغة العربية في الجامعات بخاصة منها الوليدة حديثا... وبهذا الخصوص لابد من الإشارة إلى أن بعض التجاريب الجامعية قد قصَّرت في منح الاهتمام الوافي للغة العربية وأقسامها العلمية على الرغم من كل الجهود المميزة لعلماء العربية وأساتذتها من أجل تفعيل تلك الأقسام ودراساتها...

وبعامة سيعمل المعهد التخصصي على محاولة تلبية مطالب جميع الجهات المعنية باللغة العربية في دول الاتحاد الأوروبي من جهة التقويم والدراسات وإجراء البحوث التخصصية المناسبة فضلا عن توفير الكوادر العلمية المتخصصة من أجل دعم  مختلف عمليات التدريس والبحث والاستشارة العلمية والمشاركة في لجان المناقشة والتقويم للكتب والتصحيح اللغوي التخصصي وملحقاته..

وسيجري المعهد الأوروبي لدراسات العربية مؤتمراته العلمية الموسعة بمشاركة كبار المعنيين باللغة العربية من ممثلي هذه اللغة الحية  من البلدان العربية والإسلامية إلى جانب  ممثلي العربية من الناطقين بها وغيرهم في البلدان الأوروبية لتدارس آفاق العربية ودورها في التنمية وفي عقد الصلات الحية التي تطبّع  أفضل العلائق بين الشعوب والمؤسسات الرسمية من جميع الأطراف وتساهم في بناء جسور الثقة والعلاقات الإيجابية البناءة حيث سيُعلن في فرصة مناسبة عن تفاصيل المؤتمر العلمي الأول بالخصوص...

إنَّ  وضوح وتعاظم الاهتمام باللغة العربية من جهة الحجم السكاني الكبير للناطقين بها ولدورهم في الحياة الإنسانية المعاصرة بخاصة من جهة ما يمثلون من بلدان انطلقت منها ثقافات عريقة بجذورها الحضارية بل جسدت تراث الإنسانية والناقل لنور المعارف في القرون الوسطى، إنَّ ذلك يمكن تلمسه في افتتاح الدول الكبرى لفضائيات ناطقة بالعربية فضلا عن الصحف والدوريات الدولية المعروفة كما هي الحال في دول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا وألمانيا فضلا عن عدد مهم آخر من أنشطة الاتصال والعلاقات لعدد كبير من الدول التي تستخدم العربية لغة لها...

ومثل هذا التوجه لم يأتِ من فراغ بل جاء بناء على تعاطي هذه الدول مع واقع مهم لدور هذه اللغة الحية ولمكانة أبنائها وأدوارهم المستقبلية في مسيرة البشرية ليس من جهة الاقتصاد حسب بل ومن مختلف الدوافع المشجعة الأخرى على التعامل بهذي اللغة. ومن الطبيعي أن تكون الحوارات بين الشرق  والغرب في إطار تعدد الثقافات وتنوع مرجعياتها وألوان تعبيرها دافعا حيويا للاهتمام بالعربية...

وبمقابل هذا التوجه الجديد من الجهات الدولية صاحبة القرار في عصرنا لا نجد فاعلية جدية مناسبة ترقى لمثل هذا التعاطي من جانب الناطقين بلغة الضاد أو أنهم ربما تلكأت حال تفاعلاتهم مع الآخر؛ وأول هذا الآخر [الذي نمثله نحن الناطقين بالعربية المتحدرين من أصلابها]، أوله الاهتمام الصحي الصحيح برعاية تعليم العربية لأبناء الجاليات العربية التي صار تعدادها الفعلي اليوم في أوروبا يُحصى بالملايين ومن الخسارة أن يفقد أبناء هذه الجاليات أداة مهمة لارتباطهم بجذورهم الحضارية ليكونوا خير سفير للقاء الثقافي المتمدن المتحضر مع محيط عيشهم الجديد وليتفاعلوا مع هذا المحيط بطريقة موضوعية بناءة تتبادل التأثير إيجابيا بين الطرفين... إذ سيكون من المفيد نفسيا وبنيويا للشخصية المهاجرة لأبناء الجاليات [العربية] أن تمتلك أول مفاتيح خلفية التفاعل البناء والتعاطي مع الآخر بموضوعية وصواب علائق ناجعة؛ لا تضيع فيها الشخصية بطريقة الإلغاء لقيمة ثقافية وإحلال بدائل بآلية التحطيم وإشادة ستظهر مشوهة نتيجة مثل هذا الإلغاء للعربية...

من هنا ينبغي أن نبني توجهنا الاستراتيجي لتعزيز تعليم العربية وتفعيل التعاطي معها بعيدا عن حدود الأغراض الفردية والمستهدفات قصيرة النظر بخاصة منها تلك المرتبطة بحجم الماديات الرخيصة.. في وقت تمضي قاطرة الصراعات المعاصرة مؤشِّرة حال اندفاع دولي يكاد فيه أن تطغى خطابات خطيرة النتائج إذا ما أغفلنا القراءة بعيدة النظر لعواقبها.

والعربية من قبل ليست مجرد لغة يومية لتفاصيل أداءات العيش العادي بل هي حاضنة تراث لا يمكننا إلا أن نؤكد حجمه النوعي في تشكيل المعارف والعلوم ومنطقهما العقلي التنويري طوال قرون ممتدة، الأمر الذي نحن بحاجة إليه لاستنهاض الهمم ولاستعادة المبادرة من أجل يومنا ومطالبه وغدنا الأفضل ومستلزمات تحقيقه.. ولسنا نجد فردا ضعيفا بما يملك من ثروة لغوية يمكنه أن يستقرئ ويُعمِل الفكر بطريقة صائبة؛ إذ من أكيد الأمور أن الإنسان يملك من الثروة المعجمية وصحيح اللغة بمقدار نشاطه العقلي وتصبح رؤيته أقصر من أرنبة أنفه حيثما فقد تلك الثروة [اللغوية المعجمية] واضمحل نشاطه العقلي ليكون أميا أمية حضارية فضلا عن الأمية الأبجدية وربما المعرفية...

ولعل سعينا إلى تبني قيمنا والتمسك بحميد أمورنا وخصالنا لا يمكنه أن يرتقي درجة في سلم مسيرتنا من دون أن نفكر في احتفاظ جدي مسؤول بلغتنا وليس صحيحا أن نغفل ملايين من أبناء الجاليات يخسرون يوميا من معجمهم بدلا من أن يضبفوا إليه ويطوروا فينتفعوا من تلك اللغة ما يساعد على توفير فرص لكي يفيد بعض من هؤلاء دولهم الأم وشعوب تلك الدول يوما، عبر أشكال من العلاقات البناءة الغنية الممكنة أو المؤملة..

وفي هذا الإطار فإنَّ الفائدة من تعليم العربية ستكون مشتركة متبادلة للدول العربية وللدول المضيِّفة [دول المهجر]... ولعل بعض هذه الفائدة تكمن في طبيعة العلاقات الإيجابية بين ثقافتين وفي تعزيز خطاب التنوع والتعددية واحترامه بمنطق ديموقراطي يتعزز بتعزز وجود تلك الثقافات والارتقاء بها... من هنا سيكون مفيدا أن تتفاعل الأطراف المعنية في دعم هذه التجربة بوصفها عملا مؤسساتيا استراتيجيا بعيدا في نتائجه...

حيث سيكون مفيدا تنسيق العمل بين هذا المركز الأوروبي البحثي والتعليمي من جهة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي المعنية بتعدد الثقافات وشؤون التعليم وأنشطة العلاقات والحوار؛ وكذلك سيكون مهما أن تتصدى جامعة الدول العربية ومؤسساتها المعنية لدعم المشروع الاستراتيجي والتعاطي معه بعيدا عن حدود التجاريب الجامعية الموجودة بوصفها تجاريب أما تحددت بالشأن التعليمي البحت وأما اتسمت بسمة لا تمثل اللغة العربية فيها إلا بعدا هامشيا أو ثانويا في أفضل الأحوال ما يحاصر مساهمتها المؤملة ويلغي دورها في الفعل والتأثير أو أن تلك التجاريب الجامعية وقعت في إسار قصور التجربة والالتفات إلى أولويات أخرى تخص فلسفة "الجامعة" وتصوراتها ومستهدفاتها الخاصة...

وسيكون معنيا بالأمر مجموع المؤسسات الرسمية العربية وممثلياتها الرسمية والشعبية لكي ترفع راية توحيد الجهود ودعم التوجه كونه يشكل سابقة معرفية ذات أهداف عليا في الارتقاء بخدمة أبناء الجاليات العربية ومن ثمّ الشعوب العربية ومجموع شعوب الاتحاد الأوروبي... حيث يمثل المشروع استراتيجيا بوابة جديدة للقاء الحضاري بعد قرون من لقاء فاعل لأبناء العربية  كاد يضمحل وينتهي بعد ابن رشد ونظرائه حتى يومنا هذا...

لندفع باتجاه تحول الحلم إلى حقيقة واقعة وأن نمضي بجهودنا اليوم قبل الغد وقبل تراكم حجم الخسارة والفقد حتى يبلغ مبلغا لا علاج له... ولنشرع بجهود البناء سويا حيث هذا المشروع يؤكد العلاقات المشتركة وتعاضده وتعاونه مع جميع الأطراف ولا يقبل أن يوضع بأي شكل من الأشكال ضد أي طرف... وبورك في خير عمل مؤسساتي مشترك يُعلي من شأن التنوير العقلي في زمن تتراجع فيه الأمور ليسود مشهد قاتم وعتمة بل ظلمة إذا ما تركناها تستفحل ستقضي علينا أبدا. أو أننا نؤكد بوطيد مثابرتنا وعملنا مقدار قوة جذورنا ومتانة شخصيتنا وقدراتها الخلاقة المبدعة...

 

 

 

المهام المطلوبة وتلك الوظيفية المعروضة للخدمة في المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية:

 

 سواء منها التي تُقدَّم بشكل شخصي مباشر أم في إطار المعهد الأوروبي العالي لدراسات علوم اللغة العربية وآدابها (وهو في الحقيقة حتى هذه اللحظة في بدايات التأسيس كمشروع يبحث عن استكمال بنيته للافتتاح في مدة زمنية غير بعيدة)  حيث يمكن للمشروع تلبية المهام والمسؤوليات الأكاديمية العلمية الآتية:

 

أ‌.                              التدريس الجامعي في مجالات: علوم اللغة العربية وآدابها وبعض المجالات القريبة وذات العلاقة المباشرة بدراسات العربية...  مثال: الأدب العربي القديم والوسيط  والحديث، النقد الأدبي، نظرية الأدب والأنواع الأدبية، المذاهب الأدبية، الأدب المسرحي،  اللغة والإعلام والتحرير الصحفي...

 

ب‌.                       تقديم المساهمة الفعلية أو الاستشارات في مجال تدريس علوم اللغة العربية وآدابها...

 

ت‌.                       تقديم المساهمة الفعلية أو الاستشارات في مجالات التحرير الصحفي \الإعلامي..

 

ث‌.                       تقويم الكتب والبحوث العلمية في مجال التخصص للجامعات والمعاهد العلمية والدوريات والمجلات المحكَّمة...  ومساعدة دور النشر في جهد التقويم والمراجعة..

 

ج‌.                         التصحيح اللغوي للمواد بشكل عاجل أو آجل... وتدقيق الوثائق والمستندات ومراجعتها اللغوية المعجمية والاصطلاحية...

 

ح‌.                         تنظيم دورات تخصصية في مجالي تعليم العربية والإعلام [التلفزة والإذاعة والصحافة] وتطوير الأداء اللغوي فيهما للمراسلين والمحررين والمذيعين وغيرهم..

 

خ‌.                         تنظيم دورات في الكتابة الدرامية وتحديدا منها المسرحية...

 

د‌.                            تدريس اللغة العربية  [يمكن الأداء عبر الإنترنت في غرفة بالتالك مخصوصة وفي المقر بهولندا] وبمنهج عمل ومتابعة مناسبة لتعلّم مهارات الكتابة والإملاء والقواعد النحوية والأسلوبية للغة... ومن ذلك تعليم العربية لغير الناطقين بها للذين يتكلمون الأنجليزية أو الهولندية...

 

ذ‌.                            التدريب والمساعدة على تفهّم كيفية كتابة البحوث العلمية في الجامعات لمراحل البكلوريوس والدراسات العليا ولمراكز البحوث والمعاهد العلمية...

 

ر‌.                          عقد المؤتمرات العلمية وتنظيم اللقاءات والحوارات التخصصية بشأن دور اللغة العربية في الحياة العامة المعاصرة... بخاصة من ذلك في أوروبا اليوم.

 

ز‌.                          المجلة العلمية.... النشرة الدورية وتعنى بمتابعة كل ما يتعلق بالعربية في أوروبا...

 

س‌.                      الطباعة والنشر بالعربية أوروبيا... والتوثيق للمنتج العربي هنا. ولتوزيعه على طالبيه

 

ش‌.                      معرض الكتاب العربي في أوروبا. 

 

http://www.somerian-slates.com