[إطاحة الطغيان  و اعتقال الطاغية]

رُفِع الستار, بدأ حفل شعبنا, وبدأت جلسة المحكمة الشعبية الدستورية الشرعية العادلة

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  12 \  15

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

بالأمس أُطِيحَ بالطغيانِ عندما تمَّ إخراج النظام القمعي الدموي من السلطة في بلاد الرافدين, واللحظة الراهنة يُعتقَل الطاغية المتخفي خلف أغشية المهانة والذلّ والعار التي لم يوفر منها شيئاَ َ لغيره من أزلام الدكتاتورية  زمن طغيانه واستبداده في حكم البلاد... إنها المرحلة الحاسمة في حياة شعبنا لإعلان خلاصه من العبودية إلى الأبد.

إنَّ عددا من الأصوات تحاول التشويش على احتفالات فئات شعبنا العراقي في نية تفريغ الأهمية الرمزية والمعنوية والوقع عميق التأثير في  ميدان الحياة السياسية ومن ثمَّ المعطيات الأمنية وطبيعة مسار الوقائع والاستقرار في دار السلام. وليست تلك الأصوات قطعا من أبناء شعبنا وتمثل شيئا من مصالحه, إنَّها حالة من الانتماء لمرحلة تكاد تنقضي بالمطلق وتلفظ الأنفاس الأخيرة ..

لكنَّ فرحة نساء العراق ورجاله لن تقف عند فحيح أفاعي الزمن الغابر ونقيق إعلام مريض ونعيبه وهم يعلنون بفرحتهم تصويتا واحدا يؤكد موقف شعبنا من محاكمة جرائم الطغيان والطاغية التي (أي المحاكمة) تستمدّ شرعيتها من هذا الموقف الشعبي.. وهو موقف يسدّ الطريق على الادعاءات الرخيصة في عمالة أو تبعية سلطة الأحزاب السياسية الوطنية العراقية أو عزلتها عن الشارع العراقي وهي القوى الشعبية التي تغذ السير لتحقيق السيادة التامة ولبناء عراق ديموقراطي ..

علينا في اللحظة الراهنة التأكيد على انتهاء زمن الدكتاتور وبدء عملية المحاكمة التي لا يحتاج شعب جريح فيها للبرهنة على ما أصابه بعد ما كُشِف عنه من جرائم المقابر والكيمياوي وملفات الإعدامات ومصادرة كلّ حيوات الضحايا ومصائر عوائلهم وأقربائهم ولكنها عملية استكمال صورة الاتجاه الذي يختاره شعبنا في صرح الديموقراطية ..

وإذا كان صائبا أو مقبولا الحديث عن الديموقراطية السياسية وعدالة القضاء ونزاهته بالمعنى العام لتلك المفاهيم فإنَّ من الصحيح والصائب من جهة الخصوص والروح العملي التنفيذي في التعامل مع هذا الملف المأساوي بحجم الضحايا والمحتوم من جهة المصير أنْ ينال الطاغية الساقط عقابه وإنْ كان  عمره كله غير كافِ ِ على  تغطية حجم الجرائم التي ارتكبها بل هو لا يساوي ظفرا من عراقي راح ضحية لتلك الجرائم البشعة ولكنَّه السبيل الوحيد لعدالة الشعب  ليكون قرار الحكم عبرة للطغاة في مصيرهم المحتوم ..

لست هنا لإعلان سياسي أو خبري إعلامي بقدر ما أنا هنا في مجال التصويت على بدء محاكمة الطاغية ونظامه البشع أمام محاكم عراقية ما يجعل من واجبات كلّ عراقي أنْ يعلن نفسه في موقع الادعاء العام العراقي لفضح جرائم الصبي الغر الطائش والشاب الذي اشترك في عمليات إرهابية منها على سبيل الذكر لا الحصر محاولة اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم وأعمال الاغتيالات التي طاولت أزلامه بعد أنْ وظّفهم في استباحة دماء العراقيين الشرفاء .. وفضح جرائم زعيم العصابة الذي أخضع جهاز الدولة لمعطيات عصابته المافيوية حتى طفح كيل بشاعاته على شعوب المنطقة والعالم حيث يمتلكون حقوق مقاضاته أمام تلك المحكمة.

إنَّنا نشكر كلّ المهنئين الذين شاركونا فرحة بدء المحاكمة باعتقال المجرم الرخيص سواء من الأصدقاء من شعوب العالم والمنطقة ومن الحركات السياسية الوفية لمُثُل الإنسانية السامية.. ومن قادة العالم الشرفاء الذين أعلنوا أصواتهم النبيلة التي تقف ضد تهديد السلام العالمي وضد استعباد الشعوب ومن أجل الحريات الديموقراطية وتحقيق العدالة وضرب آخر معاقل الطغيان ورموزه الكبرى في بلادنا العراق بالتحديد ..

ونحن هنا لا نتردد من التعاطي مع ما يجري من وقائع في ظروف الاحتلال ولكنه الذي ساعد ويساعد (ونحن نوظِّفه أيضا) على التقدم في مسيرة شعبنا باتجاه البديل الجديد.. ولسنا ببغاوات سياسة الشعارات الفارغة من جهة ولا بلهاء التعاطي مع مصالح القوى الأخرى وهي تقف على أرضنا في حالة الاحتلال ولكننا لا نستحي من استكمال شروط مسيرتنا الجديدة عبر هذا التعاطي الذي نعتقد أنَّه على وفق فن الممكنات (السياسة الحكيمة) الموضوعية والابتعاد عن المغامرة والطيش سنصل إلى ما نريد ..

لقد شخّصت قوى شعبنا المرحلة الأولى في بناء مؤسسات الدولة والمرحلة التالية في صياغة الدستور وإنهاء بقايا الدكتاتورية ومحاكمة مجرمي النظام  ومن ثمَّ توفير فرص إقامة الحكومة الوطنية المستقلة عبر جملة القرارات المناسبة.. ولسنا بعيدين عن اتخاذ قرار الاستقلال التام وإجراء الانتخابات النزيهة المقبلة ولكنَّ سياستنا لا تقوم (نقولها مرة أخرى) على العنف والمغامرة ومزيد من توريط شعبنا في مآسي الحروب ودوامات أفعال الإرهاب والتخريب...

إنَّ هذه الحقائق الساطعة سطوع الشمس هي التي تمنحنا شرعية الاحتفال والفرح بانتهاء الطاغية شخصيا بعد رحيل طغيانه .. ونحن أبناء الشعب العراقي الحر الذين نمنح الشرعية للمحاكمة ولاصطياد المجرم الهارب عبر عمليات متداخلة مع وجود قوات التحالف الدولية وإلآ فليستذكر حسنو النية كيف تمَّ إنهاء هتلر وأمثاله وما شرعية القبض على مشعلي الحروب, سواء بشرعية الأمم المتحدة أم بشرعية طلب المساعدة كما فعلت فرنسا أم بشرعية التصويت الشعبي الذي يمارسه شعبنا بطريقته في الابتهاج الوطني باعتقال الطاغية المخلوع ومن ثمَّ المطالبة بمحاكمته من قضائنا العراقي الوطني..

الشرعية عندنا تنبع من شعبنا وقواه السياسية وليس من أصوات بعضهم الناشزة المبحوحة عبر فضائيات التخريب التي قبضت بالأمس كوبونات البترودولار وهي تفعل اليوم من طرف غير بعيد عن النظام المدحور.. ومن بعض بقايا نظام العصابة والقتلة السفاحين ومن رخيص المجرمين ومأجوريهم. إنَّ هؤلاء لا يكتفون بعدم الاحتفال ومشاركة الشعب العراقي فرحته بل أعلنوا حزنهم وكشفوا عمّا تبقى لديهم من أستار للتخفي.. إنَّهم يترنحون تحت ضربات التفاف شعبنا حول طلائعه الوطنية ليقدم الشرعية الحقة..

لسنا هنا للاحتفال الانتقامي الثأري  لأن ثأر شهدائنا لايطفئه إعدام الطاغية الرخيص وأزلامه ولكن لنحتفل بعدالتنا التي منحت شعبنا حقوقه المستلبة وتريد إعادة الحياة الإنسانية القويمة إليه.. هنا نحتفل بفرح غامر لأنَّ الحياة تبدأ من هنا ولن يشوبها تشويه هذا الصوت أو ذاك والحديث عمّا يريد أنْ يحجب الشمس بغربال؟

احتفالنا لن توقفه بعد اليوم قوة ظلم وعدوان ولا جهلة القوم وأعداء المعرفة والنور .. ولا قوى العتمة والظلام.. ونحن أدرى بما نريد وكيف نحقق ذلك ومتى مختار هذا السبيل أو ذاك نحن شعب الحضارة.. نحتفل بفرح الانتصار على  طغيان  الأمس نحتفل بفرح تعميده اليوم  نحتفل بفرح التوجه لغدنا المشرق فليأتِ إلينا أبناء السلام فسيكنسُ السلامُ   الحروب  إلى الأبد.. بدأ الحفل ولن ينتهي هذه المرة والدعوة عامة مفتوحة لقوى الخير والحرية لقد انتهى الطاغية...

 

 

 

1